سلام الاعرجي
الحوار المتمدن-العدد: 3517 - 2011 / 10 / 15 - 23:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اشارة : النظرية قوة مادية حالما تسيطر على وعي الجماهير ... ماركس وانجلز المؤلفات .. مج 1 .. ص 422.
تقدمة : يرى الفلاديمير لينين ان ما قبل الثورة يختلف كثيرا عما بعد الثورة , ذلك ان مفهوم الثورة ماركسيا , اعادة التوازن المفقود بين علاقات الانتاج من جهة وادوات الانتاج من جهة اخرى , بمعنى ان تغييرا كيمياويا سيطرأ على آلية اشتغال واداء المؤسسات المجتمعية البنيوية بشقيها الفوقية والتحتية في محاولة لاعادة انتاجها بعد هيكلتها ذلك انه – التغيير - سيشتغل على كافة منظوماتها التكوينية متعددة الاداء والقصد , كالمنظومة الفكرية والاخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية , كما انه ينفذ ليشمل الاداء الفردي خارج وداخل دائرة العلاقات الاجتماعية . لكن متى يمكن ان تنطلق الثورة ؟ نعتقد ان الثورة لايمكنها ان تنطلق بدون ازمة ثورية او وضع ثوري ! وما يفسر اعتقادنا هذا , هو ان الثورة بحد ذاتها ليست هدف بل هي وسيلة لتحقيق الاهداف المزمع انتاجها بفعل واع وارادة حرة تتجسد في ثالوث الثورة الازلي القيادة والجماهير والنظرية الثورية , واذا كان التغيير يحدث حتما بواسطة الجماهير وعن طريقها فان الموجه والمصوب لسلوك وحركة الجماهير ليس سوى تلك القيادة الثورية المحصنة بفكرها وآيديولوجيتها الثورية . ولما كانت الثورة ستخضع الواقع المعاش الى متلازمة الهدم والبناء , أي هدم للعلاقات السائدة والمنتمية الى زمن ما قبل الثورة وبناء علاقات افتراضية او مخطط لها بعد الثورة , فان ثمة اشكالية نزعم انها قد تودي او تطوح بالثورة !! ففي زمن الصراع الثوري لاتبقى في المجتمع طبقات او فئات او شرائح مجتمعية محايدة او متفرجة , كل القوى تمارس السياسة ويجري التمايز بين انصار الثورة وخصومها من جهة , وتناقض - بالضرورة – داخل الاطار السياسي الواحد ليفرز قوى فعلية جديدة تنمو وتاثر بشكل مباشر او غير مباشر عن طريق الضغط المستمر والمتواصل دون تراجع على قوى الثورة الفعلية. ولكن لماذا كل ذلك الحراك السلبي والتصدعات المتنامية عموديا على خط الاداء الثوري ؟ اذا تم استثناء البرجوازية كطبقة ودعواها المستمرة للاصلاح لعدم قدرتها على الذهاب بالثورة حتى اهدافها المرجوة لأنها في لحظة ما من عمر الصراع الثوري ستجد نفسها بدون دعم جماهيري او طبقي , نعتقد ان ثمة قضيتان اساسيتان تقودان الى ذلك الحراك والتصدعات وهما : آليات تنفيذ الثورة اولا والوعي الاجتماعي ثانيا . لاشك ان المسألة الاساسية لأية ثورة , مسالة السلطة , والتي لايمكن حلها الا عن طريق العنف الثوري , فما من شريحة او فئة مهيمنة على السلطة تنازلت عن سلطتها طواعية , عبر التاريخ , ورفع السلاح بوجه النظام سيفتح المجال واسعا امام الجميع ويجعلهم في الوهلة الاولى يقفون عند خط شروع واحد لايلبث ان يتلاشى على وفق خط بياني متعرج متفاوت الابعاد بعيد الوصول الى السلطة وهذا السلوك سيكون نتيجة حتمية لطبيعة الوعي المجتمعي السائد ذلك الوعي المنعكس حتما عن الوجود الاجتماعي والتصدي للوجود الاجتماعي يستدعي تثوير كافة مستوياته البنائية , الاخلاق وهي مجمل آداب السلوك المتنوعة الاشكال والعادات والتقاليد , الدين او ما يجسد الجوهر البشري في واقع خيالي , الفن , العلوم , علائق الانتاج , والفرد ذاته ذلك ان جوهر شخصية الفرد هو مجمل العلاقات الاجتماعية كافة .
تساؤلات : لتحقيق الثورة اي الطريقين يمكن اختياره , الطريق السلمي او المسلح ؟ قبل الاجابة على السؤل لابد من الاشارة الى ان الطريقان يفترضان استخدام قوة الشعب الثورية , وان ثمة نماذج ثورية سلمية قد حدثت كثورة ( هنكاريا / 1919) , واختيار الطريق سيتوقف على تفرد الظروف خلال سير الثورة ونعتقد ان الخيارين غاية في الصعوبة والتعقيد !! والجهة الوحيدة القادرة على انتقاء الخيار وتذليل تلك الصعوبات هي الحزب الثوري وخبرته السياسية والتنظيمية في اعداد قوى الثورة واختيار اللحظة المناسبة والاسلوب المناسب , قد تبدو وجهة نظرنا غاية في الكلاسيكية مقارنة بمفهوم ( الاناركية ) والفوضى الخلاقة التي ترعاها الولايات المتحدة الامريكية والمؤمنين في سياساتها والمعتقدين ان الثورات المعاصرة لابد لها ان تكون مختلفة تماما اي يجب ان تكون ( مفعمة حتى الثمالة بانعدام الوضوح , بالعفوية , بالصراعات , بالانقلابات المختلفة , بالتذبذبات والتارجح وبالتعددية والتنوع لدرجة التناقض هذا لأنها ببساطة اكبر تعبير ممكن عن الحرية وعن الحياة نفسها لذلك فهي تطلق العنان لكل شيء كان مكبوتا تفجر التابوهات وآليات القمع والكبت السابقة وبالتالي تحرر طاقات هائلة ذات اتجاهات متناقضة على الاغلب ) , اعتقد ان هذا الراي الداعي الى ( الاناركية ) يحاول تجميل مفهوم التغيير بوصفه ثورة , من خلال اجهاد الذات واقحام الكثير من المفاهيم الماركسية اللينينية للاستدلال والتدليل ! نعم ان الحراك السياسي العربي قد جاء خارج الاطر النظرية او النمطية لمفهوم الثورة حسب الآيديولوجيا اليسارية , لعفويته , ومحدودية التخطيط له , والتعددية المتناقضة حد الاقتتال في مكونه الفاعل وقياداته الطارئة , اعني قليلة الخبرة , بسيطة التجربة , محدودة الرؤية !!! . ان الثورة لاتعني فعلا جماهيريا عنيفا اشبه بالطوفان , نعم قد يتشابه الطوفان وسقي – الري – الارض في حالة واحدة فقط !! وهي ان يسير كلاهما على سطح الارض , الا ان ثمة فارق بين الفعلين من خلال النتائج فاذا كان السقي عملية أرواء منظم يمر بالشجرة المثمرة ليمد بعمرها ويزيدها ثمرا فان الطوفان قادر على ان يقلعها من جذورها ويجرد الارض من كل ما عليها دونما تمييز . ان اهمية الثورات الاجتماعية في تاريخ الشعوب عظيمة للغاية , بل هي كما نعتها كارل ماركس ( بقاطرات التاريخ العالمي ) , الثورة تسرع من وتائر التاريخ الى ابعد مدياته , وهي ضمانة النضوج السريع للقوى الاجتماعية والسياسية الجديدة اللازمة للتطور التقدمي للمجتمع , وهي المدخل الامثل لحل التناقضات المجتمعية المتراكمة , وهي الطريق الوحيد للخلاص من نظام العلاقات الاستغلالية , وهي القدرة المنظمة القادرة على مغادرة عفوية التطور المجتمعي الحتمية التي تحدث على وفق طفرات بعد تراكم عفوي حتمي , ومن نتائج الثورات الاهم تذليل وانهاء كافة اشكال اغتراب الفرد عن المجتمع والثقافة . والسؤال الآن ماهي المرحلة التي بلغها الربيع العربي الدامي او عند اي منطقة يقف ؟ بعيد تراكمه الازماتي متعدد الاتجات والتوجهات , اعتقد ان ربيعنا العربي يعمق من حدة صراعه في منطقة اميبية الشكل شائكة الملمس معتقدة انها تفكك المركز(( ودفع الهامش الى المتن واحلاله محل المركز . لقد نتج عن عملية القلب والعكس هذه اسوا الحركات والتيارات الاجتماعية والسياسية ... الا وهي الاصولية الدينية , لقد تقمص الهامش دور المركز وتحرك بعدائية وعنف ليطبق استراتيجيات الرفض والتهميش والانكار التي كان يمارسها المركز , وهكذا دخلنا في حلقة مفرغة من العنف والقتل )) 1 . بالمناسبة قبيل ثورة كومونة باريس بعقود قليلة كان الفلاح الفرنسي يرد على طروحات الاقطاع باغنية فلاحية طريفة ( نحن بشر مثلهم ... ونستطيع ان نعاني مثلما يعانون ... ومن حقنا ان نتسائل ... اين كان النبيل في ذلك الزمان عندما كان آدم يحرث الارض وحواء تغزل ؟ )
الثورة الشعبية ... سلام عادل ... والشيوعي العراقي .
كنا في مقدمة بحثنا المتواضع هذا قد اشرنا الى اهمية القيادة الواعية في توجيه الثورة وتصويب انعطافاتها المزاجية واستثمار قواها الفاعلة امثل استثمار , ولكن هل كان سلام عادل ورفاقه في قيادة الشيوعي العراقي قد توفرو على مثل تلك السمات القيادية النوعية ؟ نعتقد ان الاجابة يجب ان تكون بالايجاب , ذلك ان ثمة تغييرا كبيرا جدا قد طرأ على سياسة الحزب بعيد تسلم سلام عادل للمهام القيادية في الحزب , ومن مؤشرات ذلك التغيير توفير المناخ المناسب للثورة الشعبية على وفق ماركسي لينيني ديالكتيكي النظرة والقراءة !! وتمثل ذلك في سعي سلام عادل الى تنشيط التنظيم الثوري ودعم قواه الوطنية داخل المؤسسات الجستابوية للدولة متمثلة في الشرطة والجيش وقوات الامن والاستخبارات العسكرية والمخابرات , لتامين احد هدفين او كلاهما وهما تحييد موقف تلك القدرات في موقفها من الصراع الجماهيري ضد السلطة او تحويلها الى قوة انقلابية على السلطة ومنسجمة مع مصالح الجماهير اولا . توحيد قوى الثورة من خلال برنامج عمل وطني مشترك ثانيا . تقوية اداء المنظمات الديمقراطية في المدينة والريف ثالثا . النضال في سبيل الحريات الديمقراطية ومصالح الجماهير الحيوية المباشرة * لتوسيع القاعدة الجماهيرية الساندة والداعمة والفاعلة في الثورة رابعا . حل القضية الكوردية حلا ديمقراطيا – ليس اشتراكيا – من خلال الحكم الذاتي , وضمان الحياة الحرة الكريمة لمكونلت الشعب العراقي عبر دستور دائم خامسا . التفكير بالثورة المسلحة والسلمية في آن واحد حيث تمكن سلام عادل ورفاقه من انتزاع الدعم المادي والمعنوي للثورة العراقية المرتقبة سلمية كانت او مسلحة .
خلاصة القول : كم هي واسعة تلك الهوة بين محاكم التفتيش وسرايا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والثورة واهدافها ورجالاتها . كان آدم يعمل ... وحواء تعمل ... والبابا والامام لايعملان ,,, وكرامشي يقول ( المجتمع الذي لايقدر العمل حق قدره ... ليس له مستقبل )
................................................ .
1 – د. معن الطائي واماني ابو رحمة , الفضاءات القادمة , ص 15 ( مؤسسة اروقة للدراسات والترجمة والنشر , ط1 , 2011 )
*للمزيد ينظر , سلام عادل سيرة مناضل ج1 , ثمينة ناجي يوسف ونزار خالد , دار المدى للثقافة والنشر , 2001
#سلام_الاعرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟