عمر كالو
الحوار المتمدن-العدد: 3517 - 2011 / 10 / 15 - 10:04
المحور:
القضية الكردية
منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي ظهرت بوادر الابتعاد عن العمل السياسي في الأحزاب الكردية في سوريا وتصاعدت نبرة الانتقادات في المجتمع الكردي - خاصة من قبل الفئة الشابة الواعية المثقفة منه - حول برامج وأساليب النضال للحركة السياسية وتنظيم علاقتها بالمجتمع وطموحاته, واستمر الحال على هذا النحو حتى انتفاضة "آذار 2004", وفي معاني ودلالات الانتفاضة ظهرت ملامح القطيعة وقول الفصل بالممارسة الفعلية بين الشارع الكردي وحركته السياسية وخياراتهما وزادت المسافة بينهما أكثر اتساعاً, ولا أرى في النقد والاختلاف تحاملاً أو محاربة للحركة مثلما يقال من قبلها اليوم, وحتى الآن لم يطلب الشعب الكردي في سوريا من قياداتهم السياسية ربط الأحزمة والاستعداد للرحيل, المجتمع الكردي وحركته السياسية لبعضهما البعض وبينهما رابط الدم ومصير مشترك وقضية واحدة.
منذ تفجر انتفاضة "آذار 2004" المجيدة, أعلن الشارع الكردي في سوريا عن نفسه وعن التغيير الذي نتحدث عنه اليوم بكل وضوح وعفوية وعبّر عن رفضه للظلم والاستبداد وطموحه في الحرية والعيش الكريم, وأثبت لكل السوريين بما فيهم النظام, بأنّه على أهبة الاستعداد وجاهز ليقدم كل ما لديه حتى روحه في سبيل الحفاظ على كرامته, وأثبت للساسة الكرد من خلال نزوله إلى الشارع بأنّ البرامج والأساليب النضالية التي تبناها الحركة السياسية الكردية في سوريا خلال تاريخها السياسي الذي تجاوز أكثر من نصف قرن, لا تتقاطع في الألفية الجديدة من الناحيتين النظرية والعملية مع طموحاته في الحرية ونيل حقوقه القومية وكذلك مع روح وثقافة الجيل الشباب في المجتمع الكردي في سوريا.
أربكت تلك الانتفاضة أحزاب الحركة السياسية الكردية في سوريا ولم ترتق - الأحزاب - حينها إلى مستوى إرادة وطموح الشارع الكردي ولم تتخذ حتى موقفاً جريئاً وحكيماً من الانتفاضة, منهم من التزم الصمت, ومنهم من حاول التلاعب بالمصطلحات والالتفاف على الموقف لكي لا يفهم منهم شيئاً, ومنهم من أصدر البيان المشئوم الشهير الذي وصف من خلاله الشارع الكردي المنتفض بالغوغاء والمتطرفين, في المحصلة خلّفت الانتفاضة الباسلة ورائها شرخاً واسعاً بين الشارع والحركة السياسية الكردية الذي ما زال قائماً حتى يومنا هذا, ويعاني منه جميع فئات المجتمع الكردي في سوريا, وبكل الأسف لم تستفد الحركة السياسية الكردية من تجربة تلك الانتفاضة ولم تحاول المصالحة مع الشارع الكردي الذي من المفترض أن تمثل - الحركة - جزء أو نسبة منه.
ومنذ اندلاع ثورة الحرية السلمية "15-3-2011" في سوريا, تضامن الشباب الكردي في مناطقهم مع إخوانهم في المدن السورية التي تتعرض للظلم والقتل والتدمير, وانخرط مبكراً ضمن المسيرات والاحتجاجات التي طالبت في بداياتها بالحرية ومن ثم إسقاط النظام أسوة بباقي أطياف المجتمع السوري على طول الوطن وعرضه. ما عدا التيار المستقبل الكردي الذي أعلن موقفه بكل الوضوح في الانضمام إلى الثورة السورية, إنّ غالبية أحزاب الحركة السياسية الكردية في سوريا لم تتخذ حتى الآن موقفاً واضحاً وصارماً من الثورة الجماهيرية والنظام الحالي في سوريا,. تتراوح مواقف غالبية الأحزاب بين الصمت - أي لا موقف - والتأييد غير المباشر أحيانا للثورة السلمية بشكل عام وللحراك الشبابي الكردي في مناطقهم بشكل خاص, أحيانا نرى بأن بعض قياداتهم يتقدمون الصفوف الأولى في المظاهرات, وأحياناً نرى بأنهم غائبون تماماً, وهذا الموقف الغير المستقر والواضح لا يدل سوى على حيرة أدائهم وعدم تحملهم المباشر للمسؤولية التاريخية تجاه قضية شعبهم في سوريا المستقبل.
عندما أعلنت أحزاب الحركة الوطنية الكردية في سوريا (11 حزبا) فيما سميت بمبادرتها لحل الأزمة الراهنة في البلاد, كان لمشهد حضور غالبية رؤساء الأحزاب مع بعضهم في إعلان المبادرة في القامشلي نيسان الماضي تأثيراً إيجابياً على نفوس الكرد, ورحب الشارع الكردي بمعظم مكوناته السياسية والاجتماعية والثقافية بتلك المبادرة ورأى فيها أول خطوة في الاتجاه الصحيح لتوحيد المواقف والجهود الكردية إزاء ما يحصل من مستجدات على الساحة السورية رغم تأخرها. لكن سرعان ما تلاشت تلك الأمنية للشارع الكردي مع توقيع بعض الأحزاب الكردية على ما سمي بوثيقة هيئة التنسيق الوطني التي لم تقر وتعترف بشكل واضح وصريح بتاريخية وجود الشعب الكردي على أرضه, وبعدها تفاجئ النخبة الكردية المثقفة بصدور البيان السلبي ( لماذا هذا التحامل على أحزابنا ) من قبل أحزاب الحركة الوطنية الكردية في سوريا (11 حزبا) والذي وصف من خلاله الأقلام الكردية الجريئة والفاعلة باليائسة والبائسة فقط لأنها لا تجيد التطبيل والتزمير لسياساتهم وتنتقدهم على التقصير وربما عدم الحكمة.
كذلك عملت أحزاب الحركة الوطنية الكردية (11 حزبا) على كبح سرعة المساعي والجهود التي كانت تبذل من أجل عقد مؤتمر كردي في سوريا واغتصبوا الفكرة والمبادرة من أصحابها ونصبوا من أنفسهم أوصياء على المؤتمر من دون وجه حق وشرعية, ناهيك عن ظهور بوادر اللغة التهديدية الإرهابية والأفعال المفترسة في المجتمع الكردي من خلال الاعتداء على الناشطين في مدينة سرى كانيه (رأس العين) وخطف ناشط من مدينة كوباني (عين العرب) بدلاً من الحوار والتفاهم بالطرق السلمية الحضارية, وأحزاب الحركة السياسية (المجموع) اكتفوا فقط بكتابة بيان ونشره على المواقع الكترونية دون أن يبذلوا جهودا فعلية على أرض الواقع, على سبيل المثال تشكيل لجان للمتابعة والتحقيق في تلك العمليات وإعلان نتائج التحقيقات للمجتمع بغية كشف المجرمين ووضع حد لتلك الظاهرة السيئة المضرة والمرفوضة في المجتمع الكردي في سوريا ومعالجتها.
إنّ الطريقة الاستعلائية والوصائية في التعامل من قبل قيادة الحركة السياسية مرفوضة وغير مقبولة في الواقع الكردي في سوريا ولا تجني ثماراً للقضية الكردية في هذه المرحلة التي تحتاج إلى جهود جميع فئات وشرائح الشعب وتكاتفهم, ولا بدّ من التمييز بين الاختلاف مع القادة الشرفاء والمخلصين الذين يضحون بكل ما لديهم وعلى حساب حياتهم الشخصية يخدمون قضية شعبهم وكذلك القواعد الحزبية النزيهة والشريفة وبين الأبواق التي خلقت بعيدة عن الواقع الكردي والضارة للأحزاب والقضية الكردية في سوريا معاً, نعيش في الواقع ونرى بأم أعيننا مدى جماهيرية مجموع الأحزاب الكبيرة والصغيرة والتي لا تتجاوز في تقديري 5% من الشعب الكردي التي يتجاوز عدده ثلاثة ملايين في سوريا, ولا بدّ من الصراخ في وجه الأبواق التي تعيش وتتطفل على الأحزاب وتتفنن في العمليات الحسابية الكاذبة وتخدعهم على المنابر العالية بأنّ صمتهم يفيد الشعب الكردي وأحزابه وقضيته في سوريا وأصواتهم مزعجة ومضرة للمصلحة الكردية وعلى الأقل عليهم أن يتوقفوا عن النفخ الكاذب مؤقتاً.
خلاصة, لا فلاح ولا خيار للشعب الكردي في سوريا سوى التوحد في الموقف والإرادة عبر حوار شفاف وفعال وبناء بين جميع فئات وشرائح المجتمع من الأحزاب والتنسيقيات الشبابية ومنظمات حقوق الإنسان والفعاليات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والدينية ...الخ, والتفاهم والاتفاق فيما بينهم بعيداً عن ثقافة الإقصاء للآخر وإلغاء الكبير للصغير وتفضيل مصلحة الشعب على المصالح الحزبية الضيقة, والمقياس الوحيد للنجاح سيكمن في الإنجازات والنتائج الفعلية الملموسة وليس في الإدعاءات والجنوح إلى الخيال والأوهام. وعن علاقة الشعب الكردي في سوريا مع أشقائهم في الأجزاء الكردستانية الأخرى في هذه المرحلة الدقيقة, لا بدّ ً من التركيز على القضية الكردية في سوريا ودمشق, وتأجيل إلهاء الكرد في سوريا بالحديث عن بغداد وطهران وأنقرة. إذا نجح الشعب الكردي في تجاوز كافة العراقيل التي تعترض مستقبله في هذه المرحلة وتحلى بالحكمة في سوريا, بالتأكيد سيكون له شأن كبير ضمن موازين القوى في المستقبل والمرحلة الجديدة من عمر المنطقة والعالم, أما غير ذلك سيكون في خبر كان وعلى روحه الفاتحة وشكر الله سعيكم.
كوباني: 9-9-2011
#عمر_كالو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟