أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد حسين الداغستاني - لنبدء بأنفسنا أولا ً !















المزيد.....

لنبدء بأنفسنا أولا ً !


محمد حسين الداغستاني
صحفي وشاعر وناقد


الحوار المتمدن-العدد: 3516 - 2011 / 10 / 14 - 09:12
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تتعرض الشعوب والأمم عبر مسيرتها إلى فترات تأريخية حرجة ، تزدحم بالأحداث والوقائع الكبيرة ، فتترك آثارها بصمات عميقة على كيانها وبنيتها السياسية والإجتماعية والإقتصادية ، وقد تمتد لفترات زمنية مديدة ، ومنها الحروب والنزاعات الدموية والإحتلال الأجنبي بقوة السلاح والذي يؤدي الى تفاقم المصائب وإنهيار المنظومة الإجتماعية ، وتفشي المظاهر السلبية التي تتوائم مع منطق ونتائج الحروب والدمار .
والعراق أسوة ً بالكثير من الأوطان والبلدان كان هدفا ً لحروب ٍوغزوات ٍ متعاقبة من قبل أعداءٍ إستهدفوا الهيمنة على الأرض والإنسان لمبررات إستراتيجية وجغرافية معروفة ، وكان آخر هذه الغزوات الإحتلال الأمريكي الذي لم يستهدف إزالة النظام الديكتاتوري فحسب ، وإنما قصد وتحت ستار هذه اللافتة تحطيم القدرات المسلحة للعراق وتدمير البنى التحتية للبلاد سواءً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وذلك بالسماح أو تشجيع الأفعال المؤدية إلى تفتيت وحرق المؤسسات العامة والمصانع والمعامل الوطنية الحيوية والمباني والجسور والمصارف ونهب محتوياتها بل والحث على السلوكيات غير المنضبطة والمتطرفة في تصفية الحسابات الإنتقامية أو الثأرية بين أبناء الوطن الواحد وإستباحة المقدسات وتيسير سبل إجهاض القيم والمثل الإجتماعية والدينية المتوارثة عبر الأجيال المتعاقبة .
لقد كانت صور الممارسات المريضة وحالات التخلخل والتسيب الإجتماعي وفقدان الإنضباط وشيوع الأفعال الإنتقامية في الشارع العراقي في وبعد نيسان 2004 مذهلة للعقول ، وهي في النتيجة الحتمية لم تكن عفوية في غالبيتها العظمى بل كانت مخططة ومدروسة إعتمدت جملة من الصفات المكتسبة في الشخصية منها الإزدواجية والتقلب المفاجىء والإفتقار الى درجة عالية من الحس الوطني الذي يضمن التصرف المسؤول والوعي لما يحاك ضد الوطن الواحد ، ويحرص على التمسك بأهداب الخير الذي تبشر به كل الرسالات السماوية .
لقد تصدت مدارس فكرية وفلسفية كثيرة لمشاكل الخلل الوظيفي للمجتمع في مرحلة ما ، ومثلما كانت المدرسة الوظيفية في علم الإجتماع ( ر . ميرتون وبارستون وسوراين ) تؤكد على أن الجزء الحاسم في أي نسق إجتماعي يتكون من ( القيم الروحية ) فإن هذه القيم عندما تكون مهددة بل ومعرضة للمسح القسري فعن أية وظيفة نتحدث وإن كانت الوظيفة الإجتماعية ودور القيم الروحية التي تطرقنا إليها هي وليدة فترة زمنية غير بعيدة في حساب الزمن والتأريخ البشري ؟ لكن المدرسة الميغارية وهي الإتجاه الفلسفي الناشط في اليونان في القرن الرابع قبل الميلاد والذي جاء به أقليدس الميغاري 450 ــ 380 ق . م التلميذ والصديق الوفي لسقراط ، قد بشرت منذ ذلك الحين وأكدت على الفضيلة الوحيدة التي تعتبر كل الفضائل الأخرى مجرد إكتمال لها هي معرفة الخير ، وأخيرا ً وليس آخرا ً فإن الرسالات السماوية العظيمة ومنها الإسلام ألزمت المؤمن بالفضيلة والخير والضمير أيضا ً ، فلنا الحق أن نتسائل إذاً بعد كل ما عايشناه ورأيناه أين إنعكاسات وتأثير كل هذا التراث الإنساني الهائل على سلوكنا الإجتماعي ، بل وعن أي خير ٍ نتحدث ؟ .
دعونا نستعيد الأحداث المؤلمة والمؤسفة التي إكتسحت مدن الوطن الجريح من اقصاه الى أقصاه في ظل الإحتلال والإنفلات والتسيب.. لقد كان من اللافت للنظر أن القائمين بتنفيذ عمليات الحرق والنهب المنظم في الميدان لم يكونوا من المعدمين والفقراء والمتضررين ونهازي الفرص فحسب وإنمــــا ( وياللغرابة ) كان هنــــاك أغنيــــــــاء وصفوة من التجار في المجتمع الذين جلبوا وسخّروا إمكانيات مادية وآلية باهضة جدا ً للمساهمة في عمليات تفتيت البنى والقواعد والمنشئات والمباني بغية إستلاب موادها الأولية وبيعها في الأسواق أو تهريبها خارج الحدود بأرباح ٍ خيالية على حساب المال العام .. الى جانب الفساد الإداري والمالي غير المسبوق والخرافي الذي يعصف بمجتمعنا العراقي فهل الحاجة والعوز وحدهما يشكلان دوافع لهذه الممارسات ؟
بفهمي المتواضع أرى بأن هنا يبرز دور الضمير ، هذا المركب من الخبرات العاطفية والوجدانية ( القائمة على أساس فهم الإنسان للمسؤولية الأخلاقية في المجتمع وتقدير الإنسان الشخصي لأفعاله وسلوكه وفي إستجابته الإيجابية لمتطلبات المجتمع ) ، والذي في النهاية يشكل قوة دافعة للتهذيب الأخلاقي للفرد . فمن المسؤول عن تعميق دور الضمير وتشذيب السلوك والفعاليات المبنية على قيم عليا في المجتمع ؟ .
أعتقد أن جل الإجابات قد تتمحور حول الوازع الديني بإعتباره حافزاً روحياً ومادياً يمتلك القدرة الآخاذة على النفاذ إلى أعماق النفس البشرية ويعمل على تشذيب السلوك والفعل ، ذلك لأن الدين كما يقول إبن خلدون في مقدمته ( هو القاعدة الوحيدة التي يمكن أن تشيد عليها دولة كبيرة وعظيمة ) . إلاّ أن مسؤولية الضبط الإجتماعي وتحديد المسافات بين أفراد المجتمع لمعرفة أقصى المتاح لكل ٍ منهم في الصلة مع الآخر وإحترام مشاعره وخصوصياته والتاكيد على التوازن في العلاقات واضفاء روح التسامح و المودة ، هي متطلبات تحتل مساحات واسعة في النظريات الفكرية والاخلاقية عبر العصور ، وهدفها ارساء اسس مجتمع متين متماسك متحرر ينحني للقيم النبيلة و يتواصل مع العقائد السماوية ويدين العنف والاعتداء والهمجية وسلب الاخرين حقوقهم وإستباحة المال العام بدون وجه مشروع .
فالعودة الى النبع تكون بالحرص على احياء وظيفة الاخلاق ، والقيم السامية او المثل الرفيعة في الذات العراقية … وهي مهمات غير عسيرة للإستعداد الفطري المتأصل في النفس العراقية للتفاعل مع كل ما هو خير ، لكنها أيضا ً ليست بالسهولة البالغة التي يمكن الإستهانة بالقدرات التي ينبغي توظيفها على هذا السبيل ، وهي وظيفة ومسؤولية تسـتحق العناء والجهد المضني لانها تشكل العمود
الفقري للمجتمع الذي نتطلع إليه خاصة في أعقاب تلك المآسي والأحزان والآلآم التي عصفت بالوطن .
إن المؤسسات الدينية والمنابر ومنظمات المجتمع المدني تتحمل العبىء الأكبر للتصدي لهذه المهمة الوطنية المقدسة التي تستهدف أساسا ً إعادة صياغة الإنسان في العراق وفق المفاهيم النموذجية الضامنة لأداء الوظائف الإجتماعية بالكفاءة الطموحة وتخليص الفرد من أدران الماضي وزرع قيم أخلاقية فيه تستمد قوتها وعنفوانها من مفهوم إنتمائنا المشترك إلى أسرة متضامنة واعدة هي عائلة الوطن الكبيرة .
لكننا أولا ً وقبل كل شيء علينا البدء بأنفسنا ، فالحصيلة العظيمة لا تتحقق سوى بذات عظيمة لإنسان ٍ عراقي فخور بقيمه وأخلاقياته .



#محمد_حسين_الداغستاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذروة الوجع
- إعلان على الملأ !!
- تحت سقف السماء الأولى
- بحثا عن بوح العصافير في رئتي !
- تماس على خط الشريان !!
- قوة الروح
- آتي إليكِ كالحار على قمة الثلج !!ّ
- (سهيلا ) .. الهدنة المستحيلة !!
- تأثر الإعلام التركماني بالإعلام العراقي وتأثيره عليه (*)
- القصد والتلقائية في فن محمود العبيدي
- عدنان القطب .. السكون المؤجل !!
- تراجع الحدس !!
- تحولات آمنة محمود الصادمة
- الرئيس الفلسطيني محمود عباس وبالون الإختبار الكبير !
- السطوة الثاقبة !!
- قحطان الهرمزي ومحنة المدينة العصية ! *
- رائحة الأهل !
- طائر الوسن
- كيف أجدك ؟؟
- نحو إستراتيجية للأمن الإجتماعي في العراق


المزيد.....




- الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج ...
- روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب ...
- للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي ...
- ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك ...
- السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
- موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
- هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب ...
- سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو ...
- إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد حسين الداغستاني - لنبدء بأنفسنا أولا ً !