|
سقوط الاتحاد السوفيتي .. والربيع العربي!
جمال الخرسان
الحوار المتمدن-العدد: 3514 - 2011 / 10 / 12 - 19:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سقوط الاتحاد السوفيتي .. والربيع العربي! بلا شك لم تكن احداث آب عام 1991 التي حصلت في العاصمة السوفيتية موسكو الا قشة قصمت ظهر بعير تهاوى وتآكلت قواه من الداخل قبل ذلك التاريخ بكثير، رغم كل ما يبدي للعالم الخارجي من هيبة وسطوة وانتشار جغرافي عابر للقارات. ان سطورة استالين اسست دولة بوليسية لاتعرف منطق القيم والمبادىء لا الاشتراكية منها ولا الراسمالية. وما ان رحل استالين الذي مسك أطراف مملكتة المتهاوية بقوة الحديد والنار حتى خرج المارد من القمقم وقفزت الى السطح عقود من الازمات الداخلية التي رافقتها ضغوط خارجية لجبهات اكثر ما يميزها انها ترتكز على قوة التعددية والاختلاف من داخل الخندق الواحد نفسه. سبعون عاما من الوحدة السوفيتية لم تنتج الا شعوبا بائسة منهكة ازداد الفقير فيها فقرا وزاد الغني غنى، وطبقات متمايزة حد الافراط غابت فيها متعة الحياة للجانبين فالفقراء معدمون والاغنياء فيها يخافون الانتقام، وما بين الطبقتين تراكمات من الحقد الطبقي المتبادل. وفيما كانت الامور تسير هناك بذلك السوء فإن الخندق المقابل واثق الخطوة يمشي ملكا، معتمدا على بناء الانسان باعتباره الثروة الاولى في العالم، وتوفير ما يلزم له من حقوق كي يدفعه ذلك للاخلاص في اداء الواجب والتمسك بحبل الوطن. من جهته فإن الغرب لم يكن جبهة راسمالية بالكامل، فهناك من هو رأسمالي وهناك من اتخذ منهجا وسطيا وهناك بعض يميل في منظومته الاقتصادية الى الاشتراكية اصلا، ولكن تلك الجبهات جميعا احست ان الخطر السوفيتي لم يكن خطر النظرية بل خطر السلاح والعسكر وافراغ الدولة من محتواها عن طريق اختزالها برمز سياسي واحد او حتى حزب واحد! الاوروبيون لهم مساويء ليست قليلة نعم ولكن يتعالى على الواقع من ينكر انهم يمتلكون انظمة ادارة للدولة هي الافضل على مر التاريخ السياسي للعالم بعيدا عن المبالغة، ولم يستطع المعسكر السوفيتي ان يجاري ذلك رغم كلما توفر فيه من ثروة المال والبشر والجغرافيا. قبل عشرين عاما كانت محاولة الانقلاب على غورباتشوف نهاية الحقبة السوفيتية، نهاية كانت حينها مفاجئة للبعض ولكنها ليست كذلك للبعض الاخر بحكم التحولات الكبرى التي عاشتها خارطة الاتحاد السوفيتي وما فعله استالين من فرض سيطرة العسكر، الدكتاتورية، سوء توزيع الثروات، وعدم احترام الحريات العامة مما خلق شعوبا سوفيتية مسحوقة تبحث عن الخلاص من هذا النفق المظلم.. ولهذا ما ان حانت الفرصة وسقط غوربتاشوف رئيس الاتحاد السوفيتي.. حينها كل قد اختار له طريقا بعيدا عن الهيمنة الروسية وما حصل بعد ذلك في اوروبا الشرقية يؤكد تلك الحقيقة. النموذج الاستاليني في قمعه وسياسته التي خلقت بطانة غنية وشعبا فقير، هذا النموذج كان يستهوي كثيرا الحكام العرب من سقطوا منهم ومن بقوا يقاومون السقوط حتى الان، وهم بما حكموا من حقب زمنية طويلة وقاسية فانهم خلفوا ورائهم شعوبا اكثر ما يميزها هو تفكك نسيجها الاجتماعي حد التباين. لقد رحلوا وتركوا ورائهم مكونات طائفية وعرقية متنافرة استنفذت جميع فرص التعايش السلمي فيما بينها. اليوم وفي ظل الحديث عن الربيع العربي وسقوط النماذج الاستالينية العربية .. نجد انفسنا مع ذات الظروف التي ادت الى تقسيم الاتحاد السوفيتي، وتقسيم بعض البلدان التي كانت منظوية تحت لوائه، ربما يكون الاخرون اكثر شجاعة منا في الاعتراف بالخطأ وحينما تحين المعالجات فهم ليسوا بحاجة الى تجربة الحلول العقيمة كما نفعل نحن، لذلك فحينما وجدوا صعوبة في التعايش بين بعض مكونات البلد الواحد فضلوا خيار التقسيم من اجل حياة افضل واكثر استقرار، بدلا من التعالي على ذلك بترديد الشعارات الرنانة. ترى هل يجروء العرب على مصارحة انفسهم والاعتراف بصعوبة تعايش بعض مكونات المنطقة العربية وبالتالي ضرورة البحث عن حلول اكثر عقلانية ؟ ام سوف نقمع المطالبين بذلك بحجة الحفاظ على الوحدة الوطنية فيما نحن اساسا نتصرف عمليا بطريقة لاتمت الى تلك الوحدة المزعومة بصلة! إن الثورات العربية قامت على تراكمات من الضحايا والدماء، ليس من المعقول ان نتجاهل التجارب السياسية الكبرى التي حصلت من حولنا ثم بعد ذلك نلقي باللوم على الاخرين حينما تفشل التجربة، وتذهب هباءا منثورا جميع تلك التضحيات النبيلة التي قدمت من اجل العيش بكرامة وحرية. من حولنا تجارب ليست بعيدة، ولنا تاريخ مرير مع التجارب التي ترفع لافتات الديمقراطية، لذلك لاينبغي ان نغمض اعيننا عن تاريخنا السياسي.. وكذلك عن تجارب الاخرين. قليلا من الشجاعة في مصارحة بعضنا للبعض الاخر .. وشيئا من المرونة في طرح جميع الخيارات على طاولة البحث، كفيل برسم خارطة طريق ترتكز في اهم مقوماتها على عدم التفريط بالانسان من اجل الشعارات الوطنية .. ثم في نهاية المطاف نكتشف اننا فرطنا بما نملك من ثروة انسانية واضعنا اهداف تلك الشعارات!
جمال الخرسان [email protected]
#جمال_الخرسان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أسفا على الجفاء يا نيكلسون!
-
يوم للحيوان اوالضواري .. في العراق!
-
فناجين حمورابي ورئيس فنلندا!
-
الجزيرة ولعنة اوروك!
-
النخيب.. مجرد حلقة في سلسلة أزمات
-
عقد على الكارثة .. عقد على التساؤلات!
-
مقترحات وتوصيات حول برنامج الحزب الشيوعي العراقي
-
اين اصدقاء الكويت ؟!
-
أنها عربة مثيرة للاعجاب!
-
على ضفتي البلطيق عاصمتان للثقافة الاوروبية عام 2011
-
ليبيا بلا قذافي .. !
-
كي لا تختطف الثورة السورية!
-
عودة لخارطة الشرق الاوسط الجديد !
-
قضاء الميمونة .. ذاكرة قمح وسياسة!
-
عند الخلافات تظهر الحقائق!
-
متحف الدولة للفن وجه هلسنكي المشرق!
-
بضاعة رمضان ... عشرة اشخاص في خمسين فضائية!
-
كيف تكون التعويضات الايرانية ورقة العراق الرابحة!
-
ابو كاطع .. ثلاثون عاما على الرحيل
-
وتريات سومرية قرب بيخال
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|