|
أولاد حارتنا بين الكهنوت الدينى والإبداع
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 3514 - 2011 / 10 / 12 - 09:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تقتل المباشرة الإبداع ويزدهربالمصادرة. وهوما حدث مع (أولاد حارتنا) للأديب نجيب محفوظ (طبعة دارالآداب- بيروت 1967) ووحّد الكتاب بين الكهنوت والنقد ولكن من موقعيْن مختلفين ، وإنْ كان السبب واحدًا ، أى المباشرة. ووقع الكهنوت فى حيص بيص ، لأنّ الكتاب يُؤيد ما جاء فى كتب التراث الدينى العبرى عن قصص الخلق وآدم وحواء والنبى موسى إلخ ولكنه يزعم موت الإله (الجبلاوى) فانحازالكهنوت للمصادرة ، فإذا كانت الأصول موجودة ، فما قيمة النسخة المقلدة. أما النقد الأدبى الجاد فقد أعطاها ظهره بهدوء رغم أنه ضد المصادرة. منذ الصفحات الأولى يصف الكاتب الجبلاوى هكذا ((يبدو بطوله وعرضه خلقًا فوق الآدميين كأنما من كوكب هبط)) أما أدهم (= آدم) فهو الذى يُديرالوقف ، فيعترض إدريس (= إبليس) فيقول له ((لن أسمعك لحن السمع والطاعة)) وكما طُرد إبليس من الجنة ، فإنّ الجبلاوى يطرد إدريس ويُبررموقفه بأنّ ((أدهم على دراية بطباع المستأجرين ويعرف أكثرهم بأسمائهم)) (وعلم آدم الأسماء كلها - سورة البقرة 31 ،32 ،34 وأولاد حارتنا من 11- 15) وكما تقررطرد آدم وحواء من الجنة ، فإنّ الجبلاوى يُقررطرد أدهم وزوجته (البقرة 35 ،36 والأعراف من 19-24) والتوراة- تكوين- إصحاح 3 من 1-7 ومن 22-24) وكما أنّ حواء خرجتْ من ضلع آدم فى القصة العبرية ، خرجت زوجة أدهم من ضلوعه (تكوين- إصحاح 2 : 21 وفى أولاد حارتنا ص19) وكما أنّ آدم أنجب ولديْن هما قابيل وهابيل ، فإنّ أدهم أنجب ولديْن هما قدرى (= قابيل) وهمام (= هابيل) وكما قتل قابيل هابيل فإنّ قدرى يقتل همام (قارن بين التكوين إصحاح 4 وأولاد حارتنا 95 ،96) فى الإبداع فإنّ الأديب يحرص على تجسيد فجيعة الأم والأب فى ولديهما- القتيل والقاتل- ولكن فى أولاد حارتنا قال الأب لزوجته ((لاتصرخى يا وليه. الشرمن بطنك ومن صلبى خرج)) (104) وقبلها كانت الزوجة تتمنى رؤية الجبلاوى. لماذا ؟ ((أرمى نفسى تحت أقدامه وأستغفره)) (60) وعن قيمة العمل قال أدهم ((العمل من أجل القوت لعنة اللعنات. كنتُ فى الحديقة (أى جنة الجبلاوى التى طُرد منها) أعيش بلاعمل أما اليوم فلستُ إلاّ حيوانًا)) (61) شخصيتا النبى موسى وجبل شخصية جبل صدى للنبى موسى ، فالطفلان موسى وجبل لقيطا ماء (خروج 2 : من 1- 15 وأولاد حارتنا من131-151) وكما تُصورالتوراة حوارموسى مع ربه عن ذل بنى إسرائيل فى مصرونزول الإله ليُنقذهم من المصريين ، فإنّ الجبلاوى يُحرّض جبل للثأرمن ناظرالوقف (أى الفرعون) ومن الفتوات التابعين له (أى المصريين) الذين يذلون أسرة آل حمدان (= آل عمران) وكما يذهب موسى إلى الفرعون من أجل بنى إسرائيل ، يذهب جبل إلى ناظرالوقف من أجل آل حمدان الذين هم إمتداد لسلالة الجبلاوى. فى هذا اللقاء فإنّ زوجة الناظر(وهى التى إلتقطتْ جبل وهو طفل وربّته) قالت له (( علمتَ بلاشك بعفونا عن آل حمدان إكرامًا لك)) فردّ جبل ((الحق يا سيدتى أنهم يُعانون ذلا ألعن من الموت)) فقال الناظرإنهم مجرمون. فردّ جبل ((المجرمون حقًا هم الفتوات)) حتى سيطرة موسى على الثعابين نجد شبيهًا لها عند جبل (أنظرسفرالخروج كاملا وأولاد حارتنا من 176- 191) وفى التوراة انتصرموسى على المصريين ، كذلك ينتصرجبل على الناظرومن معه من الفتوات- أى المصريين. وبعد هزيمة ممثلى الطغيان ، فإنّ شاعرآل حمدان يصيح ((هذه عاقبة الظالمين. إنّ جبل أهلك الفتوات كما أهلك الثعابين)) ويقول رفاعه فى الفصل المعنون باسمه ((ليت الدهليزبقى لنا. إنه دهليز مبارك. إذْ فيه تقررالنصرلجبل على أعدائه)) وبعد انتصارجبل هاجم آل حمدان بيوت الفتوات وضربوهم على أقفيتهم. ونهبوا البيوت بكل ما فيها (سفرالخروج وأولاد حارتنا 196 ،197 ،267) وعندما يقول دعبس لجبل ((إنك لاتبغى الفتونة. سأكون أنا الفتوة)) قال له جبل ((لافتونة فى آل حمدان. ولكن ينبغى أنْ يكونوا فتوات جميعًا على من يطمع فيهم)) (202) إنّ البشرية كانت تتمنى أنْ يتحقق قول جبل ((لافتونة فى آل حمدان)) ولكن ماحدث غيرذلك إذْ أنّ اليهود رفضوا الاندماج فى مجتمعاتهم وقرّروا الاستيلاء على أرض فلسطين. والتشابه بين التوراة وأولاد حارتنا يتضح من قول جبل لأهله ((إنكم أحب أهل الحارة إلى جدكم الجبلاوى. فأنتم سادة الحارة بلامنازع)) (202) وهذه الجملة تقابل ما جاء فى الخروج :19 /5 والمزمور 33) العين بالعين والسن بالسن ويستمرالتشابه بين التراث العبرى وأولاد حارتنا ، إذْ يفقأ دعبس عين كعبلها. يرفض جبل الصلح ويقول ((فليرد إليه بصره أولا)) فقال شاعرآل حمدان ((ليت فى الإمكان رد البصر)) فقال جبل ((ولكن فى الإمكان أنْ تؤخذ عين بعين)) ويصرعلى رأيه ويضرب دعبس (المعتدى) ويُطوّقه من الخلف ويأمركعبلها (المعتدى عليه) قائلا((قم خذ حقك)) وعندما يتردد كعبلها ، فإنّ جبل يقول له ((تقدّم قبل أنْ أدفنك حيًا)) فيقوم كعبلها ويفقأ عين دعبس (أولاد حارتنا 207، 208 والخروج من 23- 27 والقرآن المائدة /45) . إنّ كتاب أولاد حارتنا يُثيرمجموعة من الأسئلة : ما الذى دفع كاتبًا مثل نجيب محفوظ ذاق متعة الإبداع ليكتب عملا لاعلاقة له بالفن ؟ لماذا تطوّع لإعادة تدوين التراث العبرى المعادى لمصر، وهوالذى كتب (رادوبيس) عام 43 و(كفاح طيبه) عام 44 وترجم كتاب (مصرالقديمة) عام 32 أى أنه عرف تاريخ الحضارة المصرية ، وبالتالى عرف أنّ هناك اختلافات بين ثقافة المصريين الزراعية وثقافة العبريين الرعوية. وعرف وهوينقل عن التراث العبرى العداء غيرالمبررعلى المستوى الإنسانى والتاريخى الذى صوّبه بنوإسرائيل ضد مصرلدرجة أنها تحوّلت- من البيوت والزرع والنهر- إلى دم. لماذا أعاد كتابة التراث العبرى ؟ فى حين أنّ المواطنة الأيرلندية (كاثرين ماك أنثير) أقامت دعوى أمام محكمة دبلن العليا لحظرتداول العهد القديم لأنه أساء للحضارة المصرية (د. وسيم السيسى- روزاليوسف 19/1/2007) إنّ ناظرالوقف (أى الفرعون وفق التعبيرالعبرى) فى أولاد حارتنا رجل فاقد الشرف (199) فى حين أنّ الفراعنة (أى ملوك مصر) فى البرديات وعلم الآثاروعلم المصريات ، كانوا يموتون فى ساحة القتال دفاعًا عن الوطن. ولم يقاتلوا من داخل القصوركما يفعل الزعماء المعاصرون ، وإنما كانوا أمام الصفوف الأولى كأى جندى. ولمن يريد مثالا حيًا عليه أنْ يتوجه إلى المتحف المصرى ليشاهد جثة الملك سقنن- رع ليعرف عدد الطعنات التى تلقاها فى وجهه وعلى صدره وهو يحارب الهكسوس. كما أنّ المصريين فى أولاد حارتنا فتوات ووحوش غلاظ القلوب. وإذا كان التراث العبرى يصف المصريين القدماء بالقسوة والتوحش ، فإنّ سيجموند فرويد وصف جدودنا بالوداعة ووصف الساميين بالهمج (موسى والتوحيد- 109) أما المؤرخ الإغريقى هيرودوت الذى زارمصرفى القرن الخامس ق.م فقد كتب فى كتابه الثانى عن مصرفقرة رقم 37 أنّ المصريين ((يزيدون كثيرًا عن سائرالناس فى التقوى)) وأود الاعتراف أننى أحترم الكاتب الكبيرنجيب محفوظ - إنسانًا ومبدعًا- ولا أسمح لنفسى بالاقتراب من منطقة (ضميرالآخر) وبالتالى أرفض أسلوب الاتهامات. وفى نفس الوقت لا أقيم وزنًا لما فى النيات لأنّ العبرة بما هو مدوّن على الورق. وقد دافع البعض عن أولاد حارتنا. بمراعاة أنّ المستقبل للعلم وللحرية فى فصلىْ عرفه وقاسم. فهل يكون المستقبل بتشويه التاريخ واحتقارالجدود وتبنى تراث أعداء مصر؟ ( لمزيد من التفاصيل : أنظر كتابى : أنساق القيم فى الإبداع المصرى – هيئة قصور الثقافة – سلسلة كتابات نقدية- عدد 103 – عام 2000 ) *****
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أبو حصيرة : من الضرح إلى المستوطنة
-
نبوءات الليبراليين المصريين حول المخطط الصهيونى
-
رد على القراء بشأن مقالى عن هيباتيا
-
اغتيال الفيلسوفة المصرية هيباتيا والعداء للمعرفة
-
استشهاد فرج فوده والدروس المستفادة
-
أجيال جديدة ومرجعية قديمة
-
علمنة مؤسسات الدولة والسلام الاجتماعى والانتماء الوطنى
-
الإسلام السياسى للمستشار العشماوى
-
القومية المصرية تُغطيها قشرة رقيقة
-
شخصيات فى حياتى : بورتريه للأستاذ أديب
-
شخصيات فى حياتى - بورتريه للست أم نعناعة
-
النص المؤسس ومجتمعه
-
طه حسين : الأعمى الذى أنار طريق المبصرين
-
الوجه الآخر للمبدع الكبير سليمان فياض
-
الأصوليون وحدود الدولة وأمنها القومى
-
الترانسفير بين مصر وفلسطين وإسرائيل
-
المرجعية الدينية وآليات حكم الشعوب
-
الأصولية اليهودية والعداء للسامية
-
الترجمة عن العبرى وعقدة التطبيع الثقافى
-
الهوية بين الولاء للوطن والولاء للدين
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|