|
بيان شيعي ضد الفتنة
أحمد شهاب
باحث كويتي في شؤون التنمية السياسية .
(Ahmad Shehab)
الحوار المتمدن-العدد: 1044 - 2004 / 12 / 11 - 05:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
البيان الذي أصدره عدد من رجال الدين الشيعة الأسبوع الماضي يلفت النظر إلى حجم التضخم الذي بلغته الفتنة في بلد صغير في حجمه مثل الكويت ، لكنه بدا أنه مصدر تأجيج نار الفتنة الطائفية في العالم الإسلامي اليوم ، وقد تبدلت الأدوار تماما فبعد أن كانت البلد منارة ثقافية ومعرفية تساهم بدور مرموق في النشر الثقافي والمعرفي تدنى هذا الدور إلى مستوى إنتاج وتصدير النفايات التاريخية . لا أعلم إلى أي مدى يمكن تعميم هذا الحكم لكن المؤسف أن أغلب التوجهات الإسلامية متورطة فعلا في تأجيج نار الفتنة ، وكأنها تتقرب إلى الله بتعقيد العلاقات بين الطوائف وإثارة المزيد من الكراهية بين المذاهب ، بما لا أتذكر له مثيلا فيما قرأت إلا ما جرى أثناء الصراع الطائفي بين الدولتين العثمانية والصفوية ، وإلا فيصعب أن تجد لغة هابطة في الحوار كما يجري تداوله حاليا في كراسات وصحف ومجلات ، تستهلك خلاله " كل جهة " كافة الألفاظ المقززة لتبادل الاتهامات وضرب معتقدات الآخرين . خلال الأيام الماضية حصدنا الكثير من توجيه الشتائم وتبادل الاتهامات ، ابتدأت من خلال مطبوعتين الأولى مرخصة وتصدر بإذن من وزارة الإعلام ، والثانية يحررها عدد من الأفراد دون ترخيص يقال أنها تطبع في الخارج ، الأولى تحاول الانتقاص من الشيعة وعقائدهم والثانية تنتقص من عقائد السنة ورموزهم التاريخية ، و على هامش هذه المنشورات نشهد سجالات حادة لا تخلوا من اتهام جماعات إسلامية سنية لأخرى شيعية بأنها تقف وراء الفتنة ، كما تابعنا أقلام صحفية استنفذت كل ألفاظ السباب وقاموس الشتائم للنيل من المتورطين في الفتنة وتعميمها على كل أتباع المذهب المختلف . فكان المشهد الكويتي غاية في الغرابة ، وصفه أحد رجال الدين في العربية السعودية عبر اتصال هاتفي بقوله : كانت الكويت تصدر العربي وعالم المعرفة إلى العالم ، وانتهت اليوم إلى تصدير منشورات الفتنة ؟ استراتيجية مواجهة الذات حسنا . إن القول بأن جهات خارجية أو بعض التوجهات الدينية أو الفكرية هي من يؤجج الفتنة ويُصر على إثارتها أمر يُمكن أن يتضمن بعضا من الحقيقة ، لكنه بالتأكيد لا يعبر عن كل الحقيقة ، واللجوء إلى العنف لضرب تلك الجهات أو الأفراد بيد من حديد لن يساهم في حل المشكلة ، ولن تتحول الفتنة والكراهية إلى أخوة ومحبة ، وإنما سوف تساهم القوة المستخدمة إلى إصرار المتطرف على قوله واعتبار نفسه ومن معه شهداء في مسلك الحق . ويبدو لي الآن أن العلة في أساسها أكبر من جهة تدعم أو أخرى تدين ، إذ من السهولة أن تموت أي ظاهرة طارئة وسلبية لو لم تجد البيئة التي ترعاها ، وهو ما يفسر لنا سبب انشداد شعوبنا نحو منزلقات الفتن أي كان مصدرها ، ذلك أن " البيئة " التي نتحرك فيها تساهم في نمو الظواهر السلبية ، وتدعم المشاريع الطائفية والفئوية التي تعتمد على الإثارة ، بينما تقاوم الأفكار الجادة وتؤد المشاريع النوعية في مهدها في منتهى السهولة واليسر . ما ازداد تيقن منه يوميا أن العلة تكمن في تدني مستوى فهمنا للدين بما لا يرتقي إلى مراد الدين ومقاصده ، لن أكون سلبيا كثيرا فأهضم جهود وفروض من نظَّروا في الوحدة الإسلامية ، وبذلوا الوقت في سبيل تلبية دعوات حوارية أخوية تُخرجنا من ضيق الصدور إلى رحابة الوطن والناس ، لكني لا أستطيع أن أمنع نفسي من تسجيل رأيي بكل صراحة بكون أغلب هذه الاستجابات تندرج تحت بند المجاملة ( مجاملة الآخر ) ، والمجاملة تؤجل الصراع لكنها لا تحل المشكلة ولا تمنع من تكرار الإثارة . في النصف الأول من القرن الماضي انطلقت دعوة الشيخ محمد رشيد رضا الشهيرة " لنتعاون فيما اتفقنا عليه، وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه " والتي رفعها تاليا الشيخ حسن البنا وبشر بها ، ورغم وجاهة وتقدم هذه الدعوة ، إلا أن " استراتيجية الأعذار " تقف عاجزة أمام مجتمع يتوالد فيه دعاة الفتنة ، وأعتقد من الأفضل الآن وصاعدا اعتماد " استراتيجية مواجهة الذات " ، والتي يمكن من خلالها لكل طرف أن يعيد بناء نظرته إلى نفسه وإلى الآخرين متحررا من قيود الصراعات التاريخية ، ومنتفضا على الإفهام البشرية المغرقة بتراثيها وتقليديتها . ذلك أن ظروفنا اليوم أصعب من أن نستمر في المجاملة والأعذار ، وتستدعي أن نقلع عن التبسيط وندخل سويا إلى عالم التخطيط وتبادل الأفكار للخروج بوطن واحد ، وهذا لا يمكن أن يتم دون البدء بإعادة قراءة التاريخ بطريقة جديدة ومبتكرة ، قراءة موضوعية منصفة وليست طائفية . فعمق مأساتنا أن ما هو متوفر بين أيدينا تاريخ مصبوغ بطائفيته ، لعبت به أمزجة القوة والمال والميول النفسية والعاطفية ، إن إعادة قراءة التاريخ تؤدي إلى تجديد نظرتنا إلى الراهن ، وتمنحنا فرصة طيبة لترميم نظام قيمنا الذي عفرته سنوات الخصام الطائفي . لست في مقام النصيحة لكني في مقام التحذير من إصرارنا العزف على الوتر الطائفي ، والتحذير من خطورة السكوت في ميدان الكلام ، ومن خطورة التباطؤ في مسيرة إصلاح نظرتنا إلى التراث ، وما نتوارثه من إسلام طائفي هو ضد إسلام القيم ، لا أشك لحظة واحدة أن الكثيرين سوف يرفضونه كلما كشف عن وجهه أكثر .
#أحمد_شهاب (هاشتاغ)
Ahmad_Shehab#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نهاية الاستبداد
-
بيئة العنف
-
آلية إعادة إنتاج التخلف - الكويت نموذجا
-
تنقية التفكير من هوى التكفير
-
أبناء الذوات وأبناء المحرومين
-
السيد الرئيس
-
حياتنا بحاجة إلى تغيير
-
التهرّب من مسؤولية النقد الذاتي
-
بعض القذى في عين المثقفيين
-
دولة مشروعها الاستبداد
-
الدولة لا تحترم القانون
-
ميثاق سياسي
-
الإبداع .. تعيش إنت !!
-
العراق وبناء الدولة الحديثة
-
ليست الليبرالية نموذجا
-
ثقافة الموجات الفكرية
-
دعوة للحفاظ على الوطن
-
تأملات في زمن صعب
-
العنف يبني مجده بالعنف.
-
أمريكا وتخلفنا السياسي والاجتماعي
المزيد.....
-
بيان جماعة علماء العراق بشأن موقف أهل السنة ضد التكفيريين
-
حماة: مدينة النواعير التي دارت على دواليبها صراعات الجماعات
...
-
استطلاع رأي -مفاجىء- عن موقف الشبان اليهود بالخارج من حماس
-
ولايات ألمانية يحكمها التحالف المسيحي تطالب بتشديد سياسة الل
...
-
هل يوجد تنوير إسلامي؟
-
كاتس يلغي مذكرة -اعتقال إدارية- بحق يهودي
-
نائب المرشد الأعلى الإيراني خامنئي يصل موسكو
-
الجيش السوري يسقط 11 مسيرة تابعة للجماعات التكفيرية
-
بالخطوات بسهولة.. تردد قناة طيور الجنة الجديد علي القمر الصن
...
-
TOYOUER EL-JANAH TV .. تردد قناة طيور الجنة بيبي على القمر ا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|