أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - ماهي طبيعة العلاقة بين القاعدة الاقتصادية والبناء الفوقي في النظام الملكي العراقي؟















المزيد.....


ماهي طبيعة العلاقة بين القاعدة الاقتصادية والبناء الفوقي في النظام الملكي العراقي؟


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 1044 - 2004 / 12 / 11 - 08:55
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


مر الآن أكثر من 44 عاماً على سقوط النظام الملكي في العراق وقيام أول جمهورية عراقية عبرت بهذا القدر أو ذاك عن مطامح وآمال أو حتى أحلام الغالبية العظمى من الشعب العراقي في العيش في ظل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتجاوب مع الحقوق القومية للشعب الكردي والقوميات الأخرى, بعد أن كانت قد عانت الكثير من البطالة والحرمان والفقر والتخلف والتعسف والاضطهاد بسبب سياسات الحكومات الملكية المتعاقبة التي حصلت على الدعم والتأييد من جانب الحكومة البريطانية وحكومات الدول الغربية عموماً. إلا أن الانتفاضة الشعبية التي فجرتها وحدات من الجيش العراقي بقيادة عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وحركة الضباط الأحرار في تموز/أيلول 1958 لم تتطور إلى ثورة اجتماعية جذرية كما كان يطمح لها الشعب, بل انتكست بعد فترة وجيزة بفعل التآمر الداخلي والخارجي عليها وبفعل السياسات الفردية وغير الديمقراطية التي مارستها الحكومة التي قادها العسكريون عملياً وتخلوا عن تسليم السلطة للمدنيين ووضع دستور دائم وانتخابات برلمانية, وبفعل الوعي السياسي والاجتماعي المتخلف للمجتمع والضعيف لدى الأحزاب السياسية التي رافقت تلك الفترة من تاريخ العراق. فانتهت تلك الانتفاضة العسكرية إلى سيادة نظم استبدادية شمولية قاهرة للشعب وإرادته ومصالحه ومسلطة عليه أبشع إرهاب دموي عرفه تاريخ العراق الحديث. وليس في مقدور أحد أن يقارن بين ما كان عليه العراق في ظل الملكية وبين ما آل إليه في ظل الحكم البعثي الأول والثاني وفي ظل الحكم القومي الذي كان بينهما, الذي كان أخف وطأة من سابقه وما أعقبه. وبالتالي فالحكم الأخير للبعث بقيادة البكر - صدام حسين وفي ظل إيديولوجية البعث العفلقية لا يمكن مقارنته بأي حكم آخر في منطقة الشرق الأوسط من حيث سيادة العنصرية والعنف والاستبداد والقهر الحقيقي للشعب وقواه السياسية ومثقفيه وكل المجتمع ومن حيث الذهنية العسكرية التوسعية التي قادت مسيرة النظام ورأسه. هذا التقدير واقعي ولا يحتاج إلى كثير عناء للبرهنة عليه, فوقائع الوضع في الفترتين يؤكدان ذلك.
ولكن السؤال المشروع, الذي يلح على من يبحث في تاريخ العراقي السياسي الحديث وفي دور الدولة والنظم السياسية التي سادت البلاد والعلاقة المتداخلة في ما بين السلطات الثلاث ودور أجهزة الأمن في الحياة المجتمعية والخاصة للأفراد, هو الآتي الذي يتطلب الجواب الواضح الذي لا يقبل الالتباس: من أين ولد هذا النظام الدموي في العراق؟ هل هو طفرة في تاريخ العراق المعاصر أم أنه نشأ في أحضان الواقع المادي الذي ساد العراق في العهد الملكي, دع عنك أحداث ووقائع التاريخ القديم والوسيط, وخاصة العهد العثماني البغيض؟
عندما دخلت القوات البريطانية العراق كانت العلاقات الإنتاجية الأبوية المتشابكة مع العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية هي السائدة في فترة الحكم العثماني للولايات الثلاث. وكان سلاطين آل عثمان يهيمنون على مساحات واسعة من الأراضي الأميرية, أي التابعة للدولة, كما كانت قد بدأت منذ عقود عملية الهيمنة التدريجية على أراضي الفلاحين التابعة للعشيرة من قبل شيوخ العشائر. وخلال فترة الانتداب البريطاني على العراق جرت عملية هيمنة فعلية لشيوخ العشائر وبعض المتنفذين من العوائل الميسورة والعديد من التجار وكبار موظفي الدولة على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وأراضي البساتين المحيطة بالمدن والقريبة من الأنهار, وخاصة في فترة إصدار قوانين الخبير البريطاني (ارنست داوسن) في نهاية العقد الثالث وبداية العقد الرابع من القرن العشرين. وقد ساعدت تلك القوانين على تكريس فعلي للعلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية في الريف العراقي والسلطة السياسية للإقطاعيين والكومبرادور التجاري في النظام السياسي القائم. وفي الوقت نفسه كانت العلاقات الإنتاجية الرأسمالية تشق طريقها تدريجاً وببطء شديد في قطاع النفط الخام من خلال رؤوس الأموال الأجنبية, وأسرع من ذلك في قطاع التجارة والمصارف والتأمين, في حين كانت مترددة وبطيئة جداً في قطاع الصناعة التحويلية. وعلى امتداد الفترة الواقعة بين 1917-1958 كان العراق يعيش تحت الهيمنة الاستعمارية البريطانية المباشرة (حتى عام 1932), وغير المباشرة حتى عام 1958. ومن هنا يمكن الادعاء بأن القاعدة الاقتصادية التي سادت في العراق تمثلت في العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية القائمة على أساس وجود طبقتين رئيستين هما طبقة الإقطاعيين وكبار ملاكي الأراضي الزراعية من جهة, وفئات الفلاحين من مختلف المراتب من جهة أخرى. وكان بجوارهما فئات اجتماعية أخرى مثل صغار المنتجين الحرفيين أو العمال في قطاع النفط والسكك والميناء والكهرباء والماء, وفيما بعد في صناعة الغزل والنسيج والإسمنت والطابوق وصناعات غذائية ومشروبات وتكرير النفط الخام ....الخ, إضافة إلى صناعة استخراج النفط الخام التي كانت بيد شركات النفط الاحتكارية الدولية, حيث تراوح عدد العاملين فيها حتى ثورة تموز 1958 يتراوح بين 12-13 ألف عامل. كما بدأت البرجوازية الوطنية بالنمو في قطاعات التجارة والصناعة والزراعة ببطء شديد.
وبمرور الزمن تبلورت فئة من المثقفين العراقيين التي لعبت دوراً مهماً في نشر الوعي الديمقراطي والمناهض للاستعمار في صفوف المجتمع والتزمت قضايا الشعب اليومية. إن سيادة العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية قد ارتبطت عضوياً بعلاقات هيمنة شبه استعمارية تحكمت بالسياسات العراقية الداخلية والخارجية ووجدت من لدن النخبة الحاكمة التأييد والإذعان وتعطيل ممارسة الاستقلال والسيادة الوطنية من جهة, وأعاقت النمو المنشود للعلاقات الإنتاجية الرأسمالية الوطنية في المدينة والريف من جهة أخرى, مما تسبب في تعثر التحولات الضرورية في البنية الاجتماعية أو الطبقية. وهذا يعني أن نمو البرجوازية الوطنية الصناعية وفي المجالات الاقتصادية الأخرى قد تأخر طويلاً واستمر ضعيفاً وعانت من محاربة الرأسمال الأجنبي والإقطاع والكومبرادور التجاري لها. وأعاق هذا الواقع نمو المجتمع المدني الديمقراطي الذي صيغت بنوده الأولى في القانون الأساسي العراقي الذي أقر في عام 1925. كما أن قانون دعاوى العشائر لعب دوراً ملموساً في إعاقة مثل هذا التطور صوب المجتمع المدني الحديث والديمقراطي, وبشكل خاص في الممارسة العملية.
هذه القاعدة الاقتصادية والاجتماعية في العراق شكلت الأساس المادي للبناء الفوقي للمجتمع العراقي في فترة العهد الملكي مع كل التراث والتركة الثقيلة للفكر والممارسات العثمانية في العراق. ومن المعروف أن البناء الفوقي في كل مجتمع ينشأ متجانساً مع القاعدة الاقتصادية القائمة ويتفاعل معها, أي يتأثر بها ويؤثر فيها في آن. فالبناء الفوقي يشمل الفكر والمؤسسات القائمة المنبثقة عن القاعدة الاقتصادية, أي يشمل الدولة والسلطات الثلاث وبقية أجهزة الدولة كالإعلام والقانون والجيش والشرطة والأجهزة الأمنية, كما يشمل الأحزاب والجمعيات والمنظمات, ويشمل الثقافة والفنون. ورغم الصراعات التي تدور في داخل البناء الفوقي نتيجة التناقضات التي تؤججها القاعدة الاقتصادية, فأن مهمة البناء الفوقي تبقى في الحفاظ على القاعدة الاقتصادية والدفاع عنها وحمايتها من الانهيار بقوة القانون الذي يعبر عن طبيعة العلاقات الإنتاجية القائمة وطبيعة سياسات النظام القائم. وميزان القوى في المجتمع يمكن أن يلعب دوراً مهماً في التأثير على عمل البناء الفوقي الذي يدفع باتجاه تغيير القاعدة الاقتصادية القائمة. ولا يمكن أن يخرج مضمون البناء الفوقي عن طبيعة القاعدة الاقتصادية, إلا بقدر ما يسود القاعدة من تناقضات تتجلى في الصراعات التي تسود المجتمع بفعل التناقضات الفاعلة. وعندما يصل التناقض إلى حد فقدان التوافق تنشأ إمكانية فعلية لعملية التغيير في القاعدة الاقتصادية التي يمكن أن تبرز في دور ونشاط الكثير من حلقات البناء الفوقي.
فالقاعدة الاقتصادية التي تنتج وتتحكم بطبيعة البناء الفوقي هي التي تعكس أيضاً الموقف من التشريعات. فالتشريع يعبر عن هذا الواقع وتناقضاته وصراعاته في آن. ويحصل تفاعل وتأثير متبادل بينهما, وأحدهما يستلزم وجود الثاني الذي هو من طبيعته. وميزان القوى في المجتمع وفي مؤسساته المختلفة, السلطة التشريعية مثلاً, تحدد طبيعة القوانين التي يمكن أن تصدر عن هذه المؤسسة وبالتالي صيغة تنفيذ هذه القوانين. وهنا علينا التمييز الواضح بين مسألتين مهمتين, وهما الفرد والمؤسسة. فالفرد لا يمثل بالضرورة المؤسسة التي يعمل فيها. إذ يمكن لإنسان مناهض تماماً للعلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية مثلاً يعمل في بناء فوقي منسجم مع تلك القاعدة الاقتصادية, وبالتالي فهو يناضل ضدها كفرد ولكنه يعمل في ضوئها باعتباره موظفاً فيها أو جزءاً من البناء الفوقي القائم. وهذا التمييز ضروري, إذ في ظل الكثير من الأجهزة الفاسدة في دول مختلفة في العالم يمكنك أن تجد أناس يتميزون بالنظافة والسيرة الحميدة. وهذا الأمر ينطبق على العراق أيضاً.
لقد صدر القانون الأساسي العراقي في عام 1925 بعد أن استكملت بريطانيا ترتيب ثلاثة أمور جوهرية بالنسبة لها, كما ضمن العراق من جانبه ثلاث مسائل أساسية, وهي:
1. الموافقة على منح الشركات الاحتكارية الدولية امتياز التنقيب عن النفط واستخراجه وتصديره لصالح تلك الشركات مقابل 4 شلنات ذهب عن البرميل الواحد.
2. الموافقة على عقد معاهدة بين العراق الملكي والدولة البريطانية ذات ملاحق مالية وعسكرية وعدل, يتعهد العراق بموجبها منح حكومة التاج البريطاني حق إقامة قاعدتين عسكريتين في الشعيبة والحبانية, إضافة إلى حقوق أخرى في وقت الحروب .. الخ.
3. أن تستجيب الحكومة العراقية لمصالح بريطانيا في العراق, بما في ذلك التشكيلات الحكومية والقوانين التي يصدرها العراق من خلال مشاركته الفعلية بدور كبير في التأثير على تشكيل الحكومات المتعاقبة وعلى تركيبة مجلس النواب والأعيان والسياسات الجارية على المستويات الداخلية والعربية والدولية.
وفي مقابل ذلك حصل العراق على:
• إقامة دولة عراقية ملكية دستورية وفق القانون الأساسي لسنة 1925 الذي وضع بالتعاون بين الطرف العراقي والبريطاني وبتأثيرات وطنية وبريطانية في آن.
• إلحاق ولاية الموصل بالعراق بدلاً من تركيا التي كانت تطالب بها, وهي الولاية التي ضمت غليها في حينها الموصل وأربيل وكركوك والسليمانية.
• الموافقة على منح العراق الاستقلال وإنهاء الانتداب والسماح له بعضوية عصبة الأمم لاحقاً, وهو ما تم في عام 1932.
في الفترة التي كان العراق تحت الانتداب البريطاني سعت بريطانيا فرض هيمنتها على ودورها في القضاء العراقي, وتجلى أيضاً في الملحق العدلي الخاص بمعاهدة 1930. واستمر هذا لفترة طويلة حتى بعد الانتهاء من الانتداب باعتبار القضاة البريطانيين الذين عملوا في العراق خبراء بالقانون والعمل القضائي. ولعبت الحكومة العراقية دورها البارز والمتميز في تعيين القضاة في مختلف المحاكم. ولم يكن تعيين القضاة عملية سهلة, إذ كان لا بد من حصول هذا الشخص أو ذاك على عدم اعتراض أو موافقة جهاز التحقيقات الجنائية والجهات المرتبطة مباشرة بالحكومة والمشرفة على القضاء. وعلينا أن لا ننسى بأن الحكومات العراقية المتعاقبة عندما كانت تمارس السياسية عبر مختلف أجهزتها التنفيذية والتشريعية لفرض هيمنتها الكاملة على البلاد, لم تنس فرض سيطرتها على القضاء ليصبح الأداة المهمة بيدها في مواجهة المخالفين لها والمعارضين لسياستها والطامحين على إسقاطها. إذ أن من مهمة السلطات الثلاث في الواقع العملي قد تركز في الدفاع عن النظام القائم وحمايته من الذين يسعون إلى إسقاطه. ويشمل هذا تطبيق القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية, وأحياناً كثيرة التجاوز على تلك القوانين وفق الحق الممنوح للحاكم في الاجتهاد في تطبيق القوانين. وهو حق مهم, ولكنه كان يستثمر في الحقل السياسي لصالح النظام القائم وفي دعاوى كثيرة أخرى تمس المنازعات على الأرض أو حقوق الملكية أو غيرها.
لقد كانت دراسة القانون في كل الحقوق العراقية متقدمة. وساهم أساتذة متميزون من العراق ومصر وغيرها في عملية التدريس. وتخرج من كلية الحقوق الآلاف من الطلبة الذين ساهموا في إغناء التشريع العراقي والقضاء العراقي أيضاً. وليس في هذا أي شك. ومن المعروف أن التشريع العراقي قد اعتمد على التشريع الإنكلو-سكسوني بتراثه العريق وتقدمه أيضاً. وكانت صياغة القوانين متماسكة, ولكنها كانت تخضع في المحصلة النهائية إلى دور الحكومة ودور مجلس النواب في صياغته الأخيرة وفي مضمونه.
كما علينا أن لا ننسى حقيقة وجود قضاة حكموا بالعدل وكانوا مثالاً لنظافة اليد وحسن السيرة, ولكن لم يكن هذا شأن المؤسسة القضائية التي كانت جزءاً من النظام السياسي الملكي. إن المحامين الذين دافعوا عن دعاوى السياسيين العراقيين في النصف الثاني من العقد الخامس وسنوات العقد السادس حتى سقوط الملكية يعرفون جيداً طبيعة وأساليب عمل التحقيقات الجنائية مع حكام التحقيق وحكام محاكم الجزاء بشكل خاص. لقد كان من حق المتهم أن يوكل محامياً عنه وأن يقوم حاكم تحقيق بالتحقيق معه وأن لا يجري تفتيش دار أي متهم أو اعتقاله دون أمر قضائي. كل هذا كان مثبتاً, ولكن من كان يمارسه عمليا؟ المعلومات المتوفرة لدي والتعامل الذي عشته شخصياً وعاشه المجتمع العراقي بأن أجهزة التحقيقات الجنائية قد ضربت تلك القواعد عرض الحائط.
لا شك عندي في أن العراق في حينها قد امتلك شخصيات قانونية لامعة ونظيفة, ولكن كان بجوارهم من لا يمكن احترامه. والمؤسسة القانونية هي التي تسببت في انتشار المقولة المعروفة "القانون بالنهار يحكمون به وفي الليل يدقون عليه". لا يمكن أن يختلف النظام القانوني عن طبيعة النظام السياسي القائم, وهي إشكالية لا تمس العراق وحده, بل تمس مختلف دول العالم. والدول العريقة بالديمقراطية فرضت نوعاً من الاحترام والثقة بوجود عدالة في الحكم في ضوء القوانين السائدة, ولكن هذا لا يعني بأي حال أن القوانين السائدة هي عادلة.
لقد أسس النظام الملكي مجموعة من القواعد السلبية التي مارسها في العراق والتي انتقلت وتبشعت لاحقاً والتي لم تترك النظام القانوني والقضاء العراقي دون تأثيرات سلبية فيه, وأعني بذلك:
• الإساءة للقانون الأساسي (الدستور) من خلال إصدار قوانين منافية له أو متعارضة معه تخدم مصالح النظام القائم وتتعارض مع الديمقراطية التي نص عليها الدستور.
• ممارسات التزييف في الانتخابات النيابية ونشوء برلمانات لا تمت إلى الجماهير بصلة قربى, بل تخدم مصالح الطبقات المالكة لوسائل الإنتاج, وخاصة فئات الإقطاعيين والكومبرادور التجاري.
• استمرار فعل الأحكام العرفية لسنوات كثيرة خلال الحكم الملكي الذي لم يستمر أكثر من 37 عاماً, والتي كانت تصدر أحكاماً قاسية وبعيدة كل البعد عن القوانين المعمول بها. ولم يحتج القضاء العراقي على ذلك لأن من حق الحكومة تطبيق الأحكام العرفية في البلاد.
• صدرت جملة من الأحكام القاسية جداً على سياسيين عراقيين من محاكم مدنية غير عرفية تقدر بالآلاف دون وجه حق.
• ملفات القضاء العراقي ملئ بأحكام قاسية في قضايا الأرض والملكية والمنازعات العشائرية في الريف, والتي لم تكن الأحكام فيها عادلة, بل كانت لصالح الأقوى والأقرب إلى السلطة.
• العنف الذي مارسه النظام العراقي إزاء المجتمع ومصادرة الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان والتجاوز على حقوق المواطنين.
• إن التجاوز الحكومي المستمر على القوانين ومضمون الدستور الدائم, سهل على أفراد المجتمع التجاوز على القوانين التي وضعتها الحكومة وأساءت ممارستها.

إن الأساس المادي لنظام البعث الدموي في العراق يكمن في طبيعة علاقات الإنتاج التي سادت العراق في العهد الملكي وفي العهود التي سبقته وفي المستوى المتخلف لتطور العراق الحضاري وفي طبيعة التراث والتقاليد والعادات التي ورثها العراق من القديم حتى فترة العهد الملكي, إضافة إلى الإيديولوجية الشوفينية والعنصرية التي حملها حزب البعث العفلقي ومارسها في العراق. والقضاء الذي وجد في فترة البعث قد استعان بقضاة من العهد الملكي أو العهد الجمهوري اللاحق, مع أنه أجرى إبعاداً واسعاً لجمهرة مهمة من القضاة النزيهين, ولكنه بقى البعض منهم محافظاً على تقاليده في النزاهة والعدل, ولكنهم كانوا قلة, إذ استطاع البعث أن ينشر كادره الذي تربى في فترة حكم البعث في الكثير من مواقع القضاء, وسعى إلى كسب أغلب القضاة إلى حزبه, بغض النظر عن مدى قناعة هؤلاء القضاة بفكر وسياسات البعث. ونجح في ذلك بالنسبة إلى عدد كبير من القضاة. وانطبق هذا الأمر على أساتذة القانون في الجامعات العراقية أو الأساتذة الجامعيين عموماً. ويمكن العودة إلى قوائم أعضاء حزب البعث ومؤيديه وأعضاء اللجان الوطنية التي شكلها, وهي قوائم متوفرة لدى المسؤولين في العراق, لمعرفة هذه الحقيقة.
لا يمكن عزل القضاء عن طبيعة الدولة وممارسة النظم الحاكمة وخاصة في البلدان النامية. وإذ يمكن اتهام المؤسسة القضائية بخدمتها للنظام الملكي العراقي والحكومات المتعاقبة, ولكن لا يمكن اتهام جميع القضاة بذلك. وهو جانب مهم, إذ لو كان جميع القضاة من طبيعة الجهاز القضائي لأصبح الحال جحيماً لا يطاق في زمن الملكية, كما أصبح عليه الحال في زمن البعثيين.
إن مرور 44 عاماً على سقوط النظام العراقي والمرارة المرعبة التي عاش في ظلها الشعب العراقي طيلة هذه العقود الأربعة المنصرمة تنسي الإنسان مرارة الماضي الملكي لأن ما عاشه فيما بعد كان أكثر بشاعة. ولكن لا يجوز هذا للباحث العلمي الذي يتحرى عن الأساس المادي لنشوء الظواهر المختلفة في المجتمع. فالمقارنة بين العهد الملكي والعهد البعثي غير مطلوب وغير مناسب لأنه يثير حنينا مسطحاً وسطحياً لماض لم يكن جيداً ولا مشرفاً ولا رحيماً بالشعب وشكل الأساس المادي لما بني لاحقاً من قواعد في الحكم الاستبدادي, ومنه القضاء.
إن أهمية هذا الحوار, الذي بدأ به الأخ والصديق الفاضل الكاتب والقاضي السيد زهير كاظم عبود, تكمن في ضرورة التيقن من المبادئ التي نريد تثبتها في الدستور الجديد ونتجاوز بها الأخطاء والنواقص التي برزت في الدستور الأول والدساتير المؤقتة اللاحقة أولاً, وفي القوانين التي يراد صياغتها لاحقاً في ضوء الدستور ثانياً, وأهمية الاختيار الصائب والتثقيف المنشود للقضاة العراقيين الذين سيتسلمون القضاء العراقي ويمارسون مهنتهم بما يعزز استقلال القضاء عن السلطتين التنفيذية والتشريعية, وأن تكون المحكمة الدستورية العليا, التي يفترض تشكيلها, لها الكلمة الأخيرة في الخلافات والنزاعات القانونية والدستورية مع السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية أو في ما بينها وبين المؤسسات والأحزاب والأفراد في المجتمع. إن أهمية الحوار تكمن ليس في تبادل الرأي فحسب, بل في ما يمكن أن يساهم في عملية التوعية للحاضر وقادم الأيام.
برلين في 9/12/2004 كاظم حبيب



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما الدور الذي يلعبه موقع الحوار المتمدن في الصحافة الإلكترون ...
- !إذا كان الإرهاب والموت لا يوحدان القوى الوطنية والديمقراطية ...
- ما الطريق لتحقيق الوحدة الوطنية العراقية في المرحلة الراهنة؟
- هل عصابات الإرهاب في العراق هم من مواطني شعبنا من أتباع المذ ...
- هل من حاجة لمعالجة جادة لقوى البعث في المجتمع العراقي؟
- هل يفترض أن يكون موعد الانتخابات محور الصراع أم سلامة ونزاهة ...
- هل من سبيل غير التحالف الوطني الواسع والقائمة الموحد قادرة ع ...
- من هم مصدرو إرهاب الإسلام السياسي المتطرف إلى جميع بلدان الع ...
- !العراق في معادلات الشرق الأوسط والعالم
- بعض الملاحظات حول مقال مكونات الطبقة الوسطى في العراق للكاتب ...
- هل ستكون تجربة محكمة الشعب درساً غنياً لمحاكمات عادلة للمتهم ...
- !كان القتلُ ديدنهم, ولن يكفوا عنه ما داموا يدنسون أرض العراق ...
- !!ليس العيب في ما نختلف عليه ... بل العيب أن نتقاتل في ما نخ ...
- ! ...أرفعوا عن أيديكم الفلوجة الرهينة أيها الأوباش
- لا تمرغوا أسم السيد السيستاني بالتراب أيها الطائفيون؟
- !بوش الابن والأوضاع السياسية في الشرق الأوسط
- هل من مخاطر محدقة بانتقال الإرهاب في العراق إلى دول منطقة ال ...
- ما هي الأسباب وراء لاختراقات الراهنة من قبل فلول النظام المخ ...
- إلى أنظار المجلس الوطني ومجلس الوزراء المؤقتين كيف يمكن فهم ...
- هل بعض قوى اليسار العربي واعية لما يجري في العراق؟ وهل يراد ...


المزيد.....




- بالصور..هكذا يبدو حفل زفاف سعودي من منظور -عين الطائر-
- فيديو يرصد السرعة الفائقة لحظة ضرب صاروخ MIRV الروسي بأوكران ...
- مسؤول يكشف المقابل الروسي المقدّم لكوريا الشمالية لإرسال جنو ...
- دعوى قضائية ضد الروائي كمال داود.. ماذا جاء فيها؟
- البنتاغون: مركبة صينية متعددة الاستخدام تثير القلق
- ماذا قدمت روسيا لكوريا الشمالية مقابل انخراطها في القتال ضد ...
- بوتين يحيّد القيادة البريطانية بصاروخه الجديد
- مصر.. إصابة العشرات بحادث سير
- مراسل RT: غارات عنيفة تستهدف مدينة صور في جنوب لبنان (فيديو) ...
- الإمارات.. اكتشاف نص سري مخفي تحت طبقة زخرفية ذهيبة في -المص ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - ماهي طبيعة العلاقة بين القاعدة الاقتصادية والبناء الفوقي في النظام الملكي العراقي؟