|
الرقم التركي في الربيع العربي
زيرفان سليمان البرواري
(Dr. Zeravan Barwari)
الحوار المتمدن-العدد: 3510 - 2011 / 10 / 8 - 04:04
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
الرقم التركي في الربيع العربي زيرفان سليمان البرواري
تركيا تلك الدولة التي اصبحت موظة للتحليل السياسي والاقتصادي في المنطقة والتي لم تاتي من فراغ او شعارات عاطفية بقدر ارتباط تلك الضجة بالتغييرات الديناميكية التي احدثتها قادة ونخبة انقرة منذ ثمانينيات القرن الماضي عندما ادرك الاتراك انهم تائهون في فراغ ثقافي اثقلت كاهل الجمهورية التركية لعقود من الزمن، بل ووصلت التهديد الى وضع التاريخ والثقافة التركية في طي النسيان، وتعود الاجيال التركية على التقليد والخضوع لإرادة الغرب، وكل هذه الاحداث والمعطيات كانت بمثابة ناقوس الخطر مما ايقظت صناع السياسة الاتراك من سباتهم الطويل، ومنذ ذلك الحين بدات تركيا تقترب من تحديد هوية دولتها المدنية وترسم استراتيجيتها السياسية على اساس الاستقلالية في القرار السياسي خاصة في العلاقات الدولية، وتحولت تدريجيا من دولة خاضعة لإرادة الغرب وسايرة على نهجها الى دولة مؤثرة في الخريطة الغربية، بل والرقم الذي لا يمكن الاستغتاء عنه، فبعد أنتهاء الحرب الباردة لم تفقد تركيا حيويتها واحتفظت بدورها الريادي في تصدير الامن والطاقة لدول اوريا العجوزة. اننا لسنا بصدد التعبير العاطفي للدور التركي ووصف تركيا على كونها الدولة الاقوى والاصلح في المنطقة بقدر ما احاول وضع الحروف على الكلمات التي طالما افتقدت الى المعنى والمخزى النهائية منهاـ والاسئلة التي تحير المشاهد للدور التركي غالبا ما تكون محيرة ومعقدة ، واحاول من خلال هذا المقال الوصول الى اجابات طالما بحثنا عن اجاباتها لماذا تحول تركيا خلال عقد من الزمن من نموذج للدول الفاشلة Failed stateالى دولة الرمز، بل والى قوة اقليمية Regional Power ؟ لماذا لم يدرك العرب اهمية تركيا إلا في وقت الازمة والثورات الشبابية؟ ما الذي تخفيه تركيا من تصعيدها ضد اسرائيل ؟ هل تحاول تركيا قيادة العالم الاسلامي وإعلان الامبراطورية من جديد؟ من المستفيد من توسع الدور التركي؟ كل تساؤل يحمل في طياتها الكثير من التحليل والوقوف عند جزئيات دقيقة لا مجال لدينا في سردها هنا، تعود التحول التركي من دول غارقة في الديون والفساد السياسي والاداري الى دول الرمز الى السياسات الاقتصادية والانفتاح السياسي التي تبنته (اوزل) بدعم من المؤسسة العسكرية، ففي المجال الاقتصادي حدث ثورة داخلية ادت الى تغير الدخل الفردي والقومي بشكل لم يشهده تركيا من قبل، وأعطت النجاحات الاقتصادية الثقة للحكومات التركية بعد طول من فقدان الثقة بين الشعب والمؤسسة السياسية، وظهرت نتائج تلك الاصلاحات في العقد الاول من الالفية الثالثة لكونها دخلت حيز التنفيذ ووجدت شخصيات وقادة كاريزما في حمل اعباء الاصلاحات وإيصال السفينة التركية الى شواطى النجاة بعد ان اقتربت من الغرق في أعماق الازمات الاقتصادية والسياسية، وتحول تركيا الى دولة الرمز لان المؤسسة العسكرية ادركت ان الامن القومي والمصلحة القومية تتطلب حكومة قوية تقوم بإدارة الاصلاحات على جميع الاصعدة. أن العرب منذ انضمام تركيا للحلف الشمال الاطلسي(الناتو) تعاملت مع تركيا على انها الدولة التي تقع ضمن قائمة الخطر على المصالح العربية لكون تركيا الاقرب الى اسرائيل وكذلك الاقرب الى المصالح الغربية، فالدول العربية كانت في تسابق مع تركيا لنيل رضا الولايات المتحدة من خلال تقديم الخدمات المجانية لواشنطن وحلفائها في المنطقة، فضلا عن الارث الثقافي التي تلت قيام الدول القومية في المنطقة العربية، فالعرب حاولت باستمرار ابعاد تركيا عن القضايا الجوهرية او عزلها عن اي نفوذ في الوطن العربي، إلا ان التحول التركي في الداخل وتغيير السياسة الخارجية لانقرة لم تغيير النظرة الرسمية للقادة العرب تجاه انقرة الامر التي ادت الى الخلل في قياس معادلة العالم التركي التي بدات تظهر يوما بعد يوم.فالثورة الشبابية في المنطقة العربية رأت في تركيا الدولة الاكثر تنظيما والاقوى اقليميا للاعتماد عليه في رسم الخريطة السياسية القادمة في المنطقة، ولم تتردد تركيا في أستغلال الاوضاع البركانية في المنطقة العربية لتحويل تلك المعطيات الى قوة دافعة باتجاه تحقيق الاستراتيجية التركية في المنطقة. بل وسهل مهمة القادة الاتراك في الاقتراب اكثر من العرب بعد قطيعة دامت لعقود من الزمن خاصة في الحقبة الاتاتوركية. بخصوص علاقة الدولة التركية مع اسرائيل فهذه القضية تحمل الكثير من التنبئات والتحليل خصوصا العلاقة التاريخية القوية بين الدولتين والاعتراف التركي بالدولة الاسرائيلية في بداية نشوءها في اربعينيات القرن الماضي، تربط اسرائيل بتركيا علاقات استراتيجية قائمة على اساس المصالح المشتركة والامن الاقليمي، إلا ان العلاقات الدولية كما هو معروف عنه معرضة للتغيير والتقلبات حسب الظروف والمصالح السياسية وهو ما حدث مؤخرا مع الدولتين جراء الاقتراب التركي من العرب، ورغبة تركيا في قيادة الدول الاسلامية في الشرق الاوسطـ، ولتحقيق ذلك الغرض ادركت تركيا ان ذلك الهدف لايمكن ان تحقق دون التدخل في المسألة الفلسطينية ورفع شعار الانسانية وحقوق الانسان بخصوص حق الفلسطينين وهذا ما يعتبره البعض سيناريو التقارب التركي من الشعوب العربية والحصول على تأيد مجاني من العرب بعد عقود من القطيعة والابتعاد، وهناك نقطة اخرى تؤثر في العلاقات الاسرائيلية –التركية وهي مسالة القبارصة اليونانيين والاقتراب الاقتصادي بين قبارصة اليونان واسرائيل مما اعتبره أنقرة تهديد جدي ضد مصالحها في المنطقة، ومن اجل الاحتفاظ بالتوازن تحاول انقرة الضغط على اسرائيل والاتحاد الاوربي لوضع حد للطموحات القبارصة اليونانيين. من خلال سياسة الانفعالية التي يتبناها الاتراك في الوقت الراهن والتفعال مع القضايا الحساسة في المنطقة تضع المشاهد امام تساؤل الطموح التركي نحو الامبراطورية او قيادة العالم الاسلامي من جديد، وقد عبر المحلليين والمتابعين للشأن التركي عن هذا التوجه باستخدام مصطلحات قد لا تجول في خاطر الساسة الاتراك انفسهم كالامبراطورية التركية وما الى ذلك من المصطللِلحات العاطفية التي لا ترتبط بالواقع السياسي بأي شكل من الاشكال، تركيا لا تحاول ان تمارس دور الامبراطورية لانها تسعى اصلا لتحقيق مصالحها القومية باتباع سياسة التفاعل مع التطورات السياسية في المنطقة، وكذلك تسعى نحو الوحدة الاقليمية على اساس القومية التركية وخير دليل على ذلك ظهور ما يسمى بالعالم التركي في القوقاز، إلا ان التطلع التركي لها مغزى اقتصادي اكثر من كونها اهداف توسعية وسياسية. ان المستفيد من التوسع في الدور التركي هم الاتراك بالدرجة الاولى والحركات السياسية الجديدة التي سوف تظهر كأحدى الافرازات عن الثورات العربية وذلك لاستراتيجية المحكمة التي تسير عليه انقرة في جني ثمار تلك الثوراتـ، والعرب بحاجة الى قدوة في مجال التنمية والاستقرار السياسي والاقتصادي، بل والاستفادة من التجربة التركية في مجال مكافحة الفساد والتنمية المستدامة في كافة المجالات، وهو ما عبر تركيا في استعدادها على نقل التجربة التركية، وراينا ذلك بصورة واضحة في في تصريحات اردوغان في كل من ليبيا ومصر. واخيرا لابد من القول أن جني ثمار الثورات العربية ستكون انقرة بالدرجة الاساس. وستشهد التطورات القادمة مزيدا من التاثير للدور التركي في المنطقة.
#زيرفان_سليمان_البرواري (هاشتاغ)
Dr.__Zeravan_Barwari#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طهران وتصدير الفوضى
-
تركيا من الطرف الى المحور -1-
-
جمهورية البطش العربية
-
الانتحار السياسي
-
ثورة العولمة
-
سياسة التردد
-
الشارع الكردي ودور الايدولوجيا
-
الزلزال السياسي ونهاية الاصنام
-
طبخة عراقية بأيدي أجنبية
-
صناعة الردع في بغداد!
-
أنقره وازماتها المتجددة
المزيد.....
-
كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
-
إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع
...
-
أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من
...
-
حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي
...
-
شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد
...
-
اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في
...
-
القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة
...
-
طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
-
الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
-
الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|