حمزة رستناوي
الحوار المتمدن-العدد: 1043 - 2004 / 12 / 10 - 05:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
رأس " مالي".... و رأس" فقهي "
د . حمزة رستناوي*
يمكننا تقسيم الثروة إلى نوعين ، الثروة المادية و الثروة المعنوية أو بشكل أدق ، رأس المال المادي ، و رأس المال الرمزي , و يشمل رأس المال الرمزي مجموعة القيم الدينية و الروحية و الأخلاقية أو اللا أخلاقية المضافة إلى الشخص ،و يشمل المكانة الاجتماعية التي تضيفها هذه القيم للشخص كذلك ، و نستطيع أن نسرد على سبيل المثال لا الحصر العديد من الرأسمالات الرمزية كالشهرة و اسم العائلة و اللقب العشائري ، و اللقب الديني ، و اللقب الأكاديمي ، و الجنسية و الذكورة ، و الانتماء إلى طائفة مسيطرة ، فهذه كلها رأسمالات رمزية بطريقة أو بأخرى .
لا نستطيع فصل القيم و المبادئ عن الأشخاص المنادين بها ، فهؤلاء الذين منحوا وقتهم و جهدهم للدفاع عن هذه القيم ، و بيان مصداقيتها ، للانتقال بالمجتمع من الضلالة إلى الهدى ؟! ، يمكن النظر إليهم كأشخاص يستغلون هذه المبادئ و القيم لتحقيق رأس مال رمزي مهيمن سرعان ما يتحول إلى رأس مال مادي , و لدينا العديد من النماذج كأملاك و جيوش الكنيسة في القرون الوسطى ، و ممتلكات الأوقاف الإسلامية من أراضٍ و عقارات و محلات تجارية , و كذلك تجربة البنوك الإسلامية في مصر إبان عقد الثمانينيات ، و يمكننا تلمس ذلك في الممارسات الاجتماعية لدنيا .
كالشيخ الذي يفتي بالرجعة " أي بطلان الطلاق " مقابل 500 ل . س ، أو الشيخ الذي يتقاضى ثمن الخطبة الوعظية ,أو القارئ الذي يتقاضى ثمن تلاوة القرآن في المأتم إلخ ........
إن الفقهاء و رجال الدين يمكن النظر إليهم كفاعلين اجتماعيين يتربعون على قمة الهرم الرأس مالي هذا ، " فالشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي" يعادل تأثيره في المجتمع السوري عشرات المرات أضعاف المثقفين اليساريين منهم و القوميين و اللبراليين , و " أية الله العظمى السيد على السستاني " المرجع الديني الشيعي في العراق يتفوق برأس ماله الرمزي على السيد إياد علاوي رئيس وزراء الجمهورية العراقية المؤقت، و" الشيخ أسامة بن لادن " ينطبق عليه ما يفوق ذلك ألخ............ ، و هذا الأمر مفسَّر في ظل سيطرة العقل الديني حالياً و ضربه على وتر الغريزة " غريزة القطيع – غريزة الخوف – غريزة البقاء ........." و استخدامه لألفاظ و عبارات مبسطة ضمن منظومة عقلية اختزالية ، مفهومه من قبل العامة
" الجماهير "
إن الرأس المال الرمزي يرتبط عند كل فقيه أو رجل دين بمدى إخلاصه و دفاعه عن المواقع التي يمثلها ، كدفاع رجل الدين السنّي عن الصحابة و مدرسة الحديث , و دفاع رجل الدين الشيعي عن الأئمة و أهل البيت ، و دفاع الزعيم العشائري و الطائفي كذلك عن مصالح عشيرته و طائفته أو ادّعائه هذا . و في هذه الأجواء يغدوا الحوار السني الشيعي ، الإسلامي المسيحي ، أو الديني العلماني ، أو الحوار الوطني بمثابة وقت ضائع , و قد اشتهرت قناة المستقلة, و قناة الجزيرة إلى حد أقل بمثل هذه الحوارات و الجدالات فهؤلاء المالكين الرمزين غير قادرين على الانفتاح الحقيقي و الاعتراف بالآخر . و ينطبق الأمر ذاته على المؤتمرات و الندوات المخصصة لبحث هكذا قضايا ، فالأمر لا يعدو بضع صور تلتقط و تبث على شاشات التلفاز ، أو خطابات ذات طابع عمومي تتجنب طرح التفاصيل و توصيف نقاط الخلاف على أقل تقدير ، لدينا الكثير من المصافحات و تبويس اللحى و الدعوات الكلامية إلى الحوار و الاتحاد لا أكثر و لا أقل .
فهؤلاء المالكين الرمزيين ما إن يعودوا إلى مواقعهم و قلاعهم العتيدة حتى يتناسوا كل ما من شأنه إثارة حساسيات المؤمنين التقليديين ,الذين تربوا على سياسة الرفض و الإلغاء ، المؤمنين المحتكرين للحقيقة في الدنيا , و المحتكرين للفردوس في الآخرة ، هؤلاء المالكين يرفضون البحث أو تقديم أي تنازل جوهري عندما يتعلق الأمر بالقيم و المبادئ و المعتقدات و التقديس ، فقط يكتفون بعارضة الانفتاح و التسامح الإعلامي المهللة ، فهم مخلصون لقواعدهم ، و لا يغامرون بأي خسارة تتناول رأس المال الرمزي الخاص بهم ، إنهم ديماغوجيون بكل معنى الكلمة ، هدفهم الوحيد إرضاء المريدين و إشباع فضولهم ، و احتياجاتهم النفسية بكل معنى الكلمة ، و من ثم ضمان ولائهم ، و نستطيع تبين ذلك بالملاحظات الحياتية المباشرة ، ففي المناسبات الاجتماعية " وليمة – مولد نبوي – احتفالات دينية – المأتم –أعياد الميلاد " يمارس رجال الدين تميزهم عن الحاضرين ، فرأس الذبيحة دائماً يوضع أمام الشيخ , و الشيخ غالباً ما يتصدر المجلس و يمسك بزمام الخطاب , و لا تكتسب المناسبة الاجتماعية شرعيتها بدونه .
و الآن لنتساءل . عن علاقة السياسي مع الدين ، ولا أعني هنا علاقة الدين كمفهوم مجرد بالسياسة ، خارج إطار الزمان و المكان ، بل أعني علاقة رجال الدين بالأنظمة السياسية القائمة ، ابتداءاً بالراشدين , و انتهاءاً بدول الجامعة العربية في العصر الحديث .
إن الأنظمة السياسية الاستبدادية هي المالك الأهم لرأس المال المادي . و هي تسيطر على رجال الدين و تحركاتهم و تفكيرهم لصالحها ، باعتبارهم المالكين الأهم لرأس المال الرمزي ، من هنا نجد تحالف القوى الرأسمالية المادية و الرمزية , أو الرأسمالية و الرأس " فقهية " بغية اضطهاد و استبعاد الفئات الغير المالكة .
فهذه الأنظمة تسيطر على الدين لصالحها بغية خلع مشروعية مفتقدة عليها و هل من مشروعية أعلى من مشروعية الدين ؟! .
لقد عمدة هذه الأنظمة إلى تنظيم عمل رجال الدين ضمن مؤسسات مرتبطة بها ارتباطاً مباشراً كوزارات الأوقاف و كليات الشريعة و مجالس الإفتاء و مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر إلخ .....
فالمؤسسات الدينية الرسمية ، تحولت إلى مؤسسات سلطوية ، و رجال الدين تحولوا إلى موظفين ، يخطبون باسم السلطان , و يسبحون بحمد الملك و يتقاضون ثمن ذلك راتباً شهرياً ، بل و تقرباً من المؤسسات السياسية و الأمنية يساهم في تعزيز هيبتهم و مكانتهم الاجتماعية و رأسمالهم الرمزي ,فالدول العربية و الإسلامية تفتقد إلى مؤسسات دينيه نزيهة مستقلة عن النظام السياسي .
لقد أفرزت المؤسسات الدينية الرسمية ، تيارات أصولية شعبوية غير معترف بها كرد على تسيس الدين لخدمة السلطة القائمة ، حيث نادت هذه التيارات بتسيس من طراز آخر للدين يسعى لخدمة القائمين أنفسهم لتكوين رأس مال رمزي يفوق ما أنتجته المؤسسة الدينية الرسمية ، و هذا ما يفسر لنا شعبية خطاب تنظيم القاعدة و أسامة بن لادن مقارنة بخطاب الأزهر أو رجال الدين الملحقين بعائلة آل سعود مثلاً
إن ما نطمح إليه هو وجود مؤسسة دينية مستقلة عن السلطة السياسية مؤسسة تتمتع بمساحة حرية واسعة ، تنتج من خلالها وجهات نظر مسؤولة ضمن إطار عقلاني . و هذا غير موجود في البلاد العربية و الإسلامية بل مستحيل الوجود إلى حد كبير، و لكنه أمر واقع في الدول الغربية العلمانية ؟ ! .
ففي الولايات المتحدة الأمريكية أو فرنسا أو السويد أو اليابان ، لا يعيّن رجال الدين من قبل السلطة السياسية ، و إنما يجري ذلك في إطار ديمقراطي انتخابي داخل المؤسسة ، و خير مثال على ذاك الفاتيكان .
و هنا نضع يدنا على لب المشكلة ألا و هي " فكرة العلمانية " ، هذه الفكرة التي تحول دون مصادرة الدين من قبل السلطة أو المعارضة ، و تحول كذلك دون مصادرة السلطة من قبل رجال الدين بالمقابل كما في نموذج ولاية الفقيه في إيران ، ففي ظل غياب العلمانية " و المقصود بالعلمانية فصل الدين عن الدولة و ليس فصل الدين عن المجتمع " سوف تقوم الأنظمة السياسية بمصادرة الدائرة الروحية للإنسان ، و تحويله إلى أداة طيعه في يدها بغية استعباده و تكريس تخلفه و استمرارية سطواتها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* شاعر و كاتب سوري
#حمزة_رستناوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟