روبير البشعلاني
الحوار المتمدن-العدد: 3509 - 2011 / 10 / 7 - 15:08
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
الطائفة اشكالية نظرية عالقة كبيرة بمظاهرها ونتائجها في بلادنا والكل يتكلم عليها ليلا نهارا بدون ان يحاول احد حتى الان ان يتصدى
لها وجها لوجه وان يحاول ان يحددها ويحدد مو قعها في السياق المعرفي التاريخي
مخيفة الطائفية هذه لانها لا تسمى مثلها مثل السرطان في اللغة الشعبية "هذاك المرض"يقال
بلا اسم ولا هوية يحكى عنها وليس عليها
عندما يصل التحليل الى الطائفة يشار اليها باستمرار كتتمة لمقولات اخرى او كصفة لمقولات ثاتية او كآفة اخلاقية معيب ان تتوقف عندها
منهم من يرى اليها كمقولة فلسفية فكرية تتعلق بالدين او يخلط بينها وبين الدين او يعتبرها في مكان ما "كنيسة" الدين ومنهم من يرى اليها مقولة اجتماعية خاصة فهي الطبقة الطائفة او الطبفة ذات "الوجه " الطائفي
البعض جماعة ثقافية communauté
دينية ,اقلية غالبا. طبعا دون التوقف ولو لحظة عند هوية الجماعة هذه
وهناك من يراها مقولة سياسية وحسب بدون تفسير لانها "اجسام "غريبة تتآلف فيما بينها في "طائفة سياسية" وذلك لخدمة الطبقات المسيطرة .اما لماذا "تحتاج"هذه الطبقات الى "خدمة" الطائفة لكي تسيطر فلم يتبرع احد باي شرح. وما هي بالضبط هذه الطائفة السياسية هل هي الطاقم السياسي
( personnel politique) الحاكم
كما يقال بالغرب ؟
في هذه الحالة لماذا "تتماهى" القواعد الشعبية مع الطاقم السياسي هذا؟ وتعتبر نفسها جزءاا منه " ,من "عظام الرقبة" في سياق غير مسبوق يعود فيه السياسي الى التوحد مع الاجتماعي
تحتل اشكالية الطائفة اذا مكانا ثانويا في اهتمامات المثقفين لانها ربما لم تعتبر المسالة الاساس المطلوب فهمها لايجاد حل لها وايضا لاسباب تتعلق باشكالية الدين والاقليات والاكثرية
ينسى الكل وجودها ويظننوها زائلة الى ان تعود في كل مناسبة وتذكر الجميع باهميتها المركزية في النظام السياسي المسيطر بصلابة وجودها وتماسكها المستمر وقوة عودها .ص
فهي "مستشرية" في كل مفاصل حياتنا وبلادنا ونكتشف فجأة بمناسبة انتفاضة ما او ثورة هنا او هناك ان ثمة اقباط او سنة في مصر وسنة او علويين في دمشق وحتى شيعة في البحرين الخ.الخ.ص
مع انك , لو نظرت , لوجدتها في السياسة في الدولة في السلطة , التنفيذية والتشريعية,في القضاء والادارة والجيش والدرك, وفي
المجتمع "المدني" ايضا في الاحزاب و النقابات والجمعيات ,الخيرية منها وغير الخيرية, الجامعات والمدارس والتربية والرياضة والنوادي في الاديان والاحوال الشخصية زواج وطلاق ووراثة . ء
وتجدها ايضا وايضا في الاقتصاد ,الوطني والقطاع الخاص ,توزع القطاعات الاقتصادية الاساسية من مصارف و خدمات او "الوكالات" التجارية "الحصرية" وفق قواعد قرابية دقيقة على ما يسمى "البيوتات".ء
وتلتقي بها ايضا في ميدان العمل ابتداء من التوظيف الذي تقول له كن فيكون عبر "الواسطة" وهي مقولة اجتماعية غاية في الاهمية لانها تقوم من جهة بدور "الضامن الاجتماعي" اذ هي تتحكم بالعملية كاملة من التوظيف مرورا بالترقي والتحكيم في نزاعات العمل وصولا الى الصرف والاجور والصحة والمكافآت ....................ء
(regulateur du marché du travail سوق العمل )
ومن جهة ثانية تلعب دورا مركزبا في توطيد اواصر الطائفة واستيلاد الشروط الموضوعية لاعادة انتاجها
وتلمح الطائفة ايضا في السكن والجغرافيا والعادات والمأكل والمشرب طبعا ونوع الافكار واللهجات وفي فن العمارة والوانها الى ما هنالك.
وهذا الامر ليس بجديد كما قد يظن البعض لا بل هو ضارب بعمق في التاريخ اللبناني ."ويل لامة مقسمة الى اجزاء يحسب كل جزء نفسه امة ....تكثر فيها الطوائف ويقل فبها الدين " قالها جبران خليل جبران من زمن طويل, في 1933, عندما لاحظ وجود الاجسام الغريبة هذه.
هذا الاخطبوط الذي ينظم حياتنا باكملها لم يجد احدا ,مثقفا واحدا , يدرس هذه الظاهرة الغريبة ,هويتها تاريخها هيكلها اشتغالها تناقضاتها شروط تجاوزها ,الا بالسلب .
فهي اما عيب غير عصري يمكن الانتهاء منه بالتربية والتعليم واما هي سلاح ايديولوجي تستعمله النخب الحاكمة للنفخ في اتون الفتنة يمكن تدميره بالوعي ,او هو بقايا اجسام اجتماعية سابقة على الراسمالية في طريقها الى الزوال
او هي الدين الطامع في الدنيا وفي السياسة المتخفي في لباس طائفي (الطائفية السياسية) لكي يستولي على السلطة في غفلة من اصحابها الفعليين.
او هي خدعة تستعملها الطبقات الراسمالية الحاكمة لكي تسهل عملية تطويع الطبقات الشعبية عبر الدين الذي يشكل تراث الناس وثقافتها .ص
هي اذا كل شيء ولا شيء في الوقت نفسه
اما كيف يمكن لهذا المفهوم ان يستمر كل هذا الوقت في السيطرة على مفاصل الحياة بكل مستوياتها بدون ان يكتشف الناس الحيلة الفكرية هذه ,بدون ان تعي الناس ان مصالحها "الحقيقية" هي في تناقض مع الطائفة ومصالحها.ص
اما وان الناس لم تلحظ التناقض المزعوم هذا فلنقص في "الوعي" ليس عندها بل عند "الناظر" الذي استعمل ادوات نظرية غير معدة لورشته فلم يستطع انتاج معرفة حقيقية بمجتمعه.ص
في محاولة لفهم الموضوع الطائفي وهو بحاجة الى اعادة قراءة شاملة لتاريخنا بكافة ابعاده سوف اجازف بتقديم مجرد فرضية اولية حول الموضوع هذا للنقاش.ى
عرفت المجتمعات العربية عموما واللبناني ايضا وبدون استثناء قبل الدخول الراسمالي الى المنطقة تركيبات اجتماعية تميزت اساسا بطابع قائم اساسا على مفهوم القرابة
( liens de parenté)
وصلة الارحام والدم
وهنا اعتقد ان ليس هناك حاجة ملحة للبرهان على ذلك والجميع متفق على ذلك .ص
وكان المجتمع يتألف من كيانات قرابية متعددة اهمها العشيرة والقبيلة والعائلة الموسعة تعيش كلها في مناطق جغرافية خاصة بها " الملك" فيها لها تديره حسب قواعد القرابة المعروفة وتدير اقتصادها البسيط بواسطة تقسيم للعمل جماعي يعود على اصحابه بعائد يوزع بشكل متناسب مع التراتب القرابي لل"بيوت" والجبب والافخاذ وهذا كله بحاجة الى دراسات معمقة لانه لا يوجد على حد علمي دراسات اهتمت بالموضوع من هذه الزاوية .ص
التوزيع , "الغلة"’ اذا يتم لا وفق الملكية الفردية بل وفق التراتب القرابي الذي لا يعطي الا حق "استعمال" وسائل الانتاج ("فالملك لله") لا ملكيتها كل حسب وزنه داخل التركيبة هذه. .ص
التفاوت الطبقي هنا اذا جاز القول موجود لكنه انعكاس للبنية القرابية وليس لملكية وسائل الانتاج اية علاقة مباشرة به. فكلما كان "وزنك" في الوحدة القرابية مهما كلما كان "حقك" في استعمال الارض مثلا كوسيلة انتاج اكبر وحصتك بالتالي من " الغلة" اعظم .ص
الان ما هي قوانين التراتبية القرابية وماذا يحدد دور كل من البيوت في "الملك" داخل الوحدة القرابية فهذا ايضا بحاجة الى دراسة معمقة انتروبولوجية رغم ما نعرفه عن "جب السلطة" و "الوراثة"و دور "الحبل الرئيس" للعلاقة القرابية.ى
وكانت الوحدات هذه تتجاور ولا "تتحاور" juxtaposés
لانها في صراع مستمر على كل شيء تقريبا من السلطة الى وسائل الانتاج ما عدا الدين الذي كان في غالب الاحيان هو نفسه.ص
لكن الدين لم يكن يلعب اي دور اجتماعي_سياسي في تجمع التركيبة هذه. بمعنى ان رابط الدم هو الذي يحدد وجود الفرد داخل او خارج القرابة ,وهو يحدد ايضا تراتبيته الاجتماعية من دون اي تدخل للدين. وهكذا بالنسبة للزعامة .بهذا المعنى يمكن مع بعض المبالغة القول بان الملك"كان مدنيا.ىى"
اكثر من ذلك فإن الدين الواحد المشترك بين عشيرتين ليس فقط لا يوحدهما بل لم يكن يمنع نشوب نزاعات سلمية او مسلحة بينهما في حال الخلاف على اي موضوع ولا سيما على الماء والكلأ,والامثلة على ذلك هنا اكثر من ان تحصى,ى
سيطرت الامبراطورية العثمانية على المنطقة ولم تقم بعملية تذويب التركيبات الاجتماعية القرابية بل عملت على الحاقها كما هي عبر ربط الرأس بادارتها مباشرة
صحيح ان الامبراطورية العثمانية لم تسع الى عملية تذويب هذه البنى القرابية غير انها ,ولاهداف تتعلق بتنظيم ادارتها للمناطق الواسعة التي تشرف عليها , قامت بتوسيع جغرافيا "الملك" المحلي ( ولايات وسناجق) مما سوف يؤسس ,برأيي , الى بدء حركة تغيير كبيرة في طبيعة البنى القرابية هذه وتحولها الى شكل جديد.ص
.اللعبة السياسية على مستوى الولاية غيرها على مستوى المنطقة
الانتماء الجديد ل"ملك"شاسع كالامبراطورية العثمانية والتنظم في ولايات جديدة وفق قواعد ضريبية متنامية باستمرار جعل النشاط الاقتصادي لهذه الوحدات امام تحد جديد ,زيادة الانتاجية.ص
التوسع هذا وضع البنى القرابية بشكل غير مباشر امام مأزق "الحجم" فاضطرت الى التفتيش عن حل يعطيها الحجم المناسب سواء على الصعيد السياسي ام على الصعيد الاقتصادي.ص
لكن حلا من هذا النوع هو في الوقت عينه مشكلة وجودية بالنسبة لهذا النوع من الاجتماع اذ كيف يمكن لجسم مركب على صلة الدم ان يكبر حجمه فجأة دون ان يفقد هويته.ص
.وهنا اغامر بالقول ان الخطوة هذه شكلت بداية النهاية لهذا الشكل من الاجتماع لان بذور انتقاله الى شكل آخر قد زرعت .
فهي لم تعد قادرة بقواها الذاتية على القيام بالواجبات الجديدة التي يفرضها الاطار الجغرافي الجديد الذي لم يؤد من جهة ثانية الى فرط عقدها نهائيا وتحويل افرادها الى "مواطنين" تماما كما جرى في اماكن اخرى من العالم
التوسع في الملك وفي الاعباء من جهة وضيق يد فرص التوسع الديمغرافي لقرابة الدم العشائرية وبنات عمها من جهة ثانية شكلا التربة الموضوعية لبروز شكل جديد من الاجتماع . وبما ان التطور هذا لم يؤول الى بروز الفرد لاسباب لا تخفى على احد وبما ان الكون لا يطيق الفراغ فقد استنبطت البشرية عندنا كما اعتقد شكلا ينبع من واقعها وتاريخها وخبرتها ( عدة الشغل المتوافرة) يرتكز دائما الى مفهوم القرابة ولكن نتيجة الضعف البنيوي لقرابة الدم تبنت ما يمكن تسميته ب"صلة الرحم الدينية"المجردة او التجريدية.ص
ونظرا لغياب اي مشترك بين تلك الوحدات القرابية المتجاورة الا الدين فقد قررت "استعماله" في عملية "تقارب "تحل اشكال الحجم .ص
الواقع ان "الذريعة" الجديدة هذه , اي صلة القرابة الدينية, لم تكن بالحقيقة جديدة كليا لانها كانت معروفة في تاريخ المنطقة على ما يبدو ولكن بشكل متفرق ومن دون الهيمنة على البنيان الاجتماعي.ء
"
وفي نصّ سبيوس بالأرمينيّة سنة 660 ميلادي: في ذلك الوقت اجتمع يهود ألاثنتي عشرة قبيلة في مدينة الرها (وهي مدينة تركية تاريخية تقع في الجزيرة الفراتية شمال شرق سوريا ضمن الأقاليم السورية الشمالية وهي حاليا ضمن حدود جمهورية تركية) وأخذوا طريق الصحراء ووصلوا إلى بلاد العرب عند أبناء إسماعيل وطلبوا نجدتهم وأخبروهم أنّهم أقارب حسب التوراة، فآمن هؤلاء العرب بهذه القرابة بيد أنّ اليهود لم يستطيعوا إقناع كلّ الشعب لأنّ ديانتهم كانت مختلفة"رويدة سالم
الحوار المتمدن - العدد: 3459 - 2011 / 8 / 17
القبائل اليهودية اخبرت العرب اذا انهم "اقارب حسب التوراة" وآمن العرب بهذه "القرابة" ليس كلهم لان البعض راى "اختلافا" في الدين. اي ان القرابة بالدين ممكنة وان لم تكن بعد حاجة ضرورية شاملة.ء
وجاء التدخل الغربي فيما بعد بشقيه الاقتصادي ثم السياسي المباشر لكي يعزز ضرورة التغييرات الاجتماعية هذه اولا بسبب المهمات الاقتصادية الجديدة التي حملها معه من حيث النوع والحجم ثم بسبب الحدود الجديدة التي رسمها لاحقا للدول التي قرر انشاءها .الاسباب نفسها تفضي الى النتائج نفسها لا سيما اذا ما اضيف ايضا دخول عامل الراسمالية الوافدة .ص
واذا كان من المتوقع هنا ان يقود التدخل الغربي الى فرط عقد البنى القرابية هذه بشكل جذري , وهذا خطأ شائع لدى الكثير من المفكرين, فان هذا الامر لم يحصل لاسباب تتعلق بمصلحة الطرفين .لكن لا مجال الان للتوسع في ذلك .ص
وعلى سبيل المثال لا الحصر قامت العشائر والعائلات الدرزية في جبل لبنان مثلا حينذاك بالتحول الى القرابة الجديدة المجردة القائمة على الدين او المذهب وليس على رابط الدم .وكان ذلك تحول كبير في البنى هذه ذلك ان الدين قد دخل لاول مرة في علاقة قرابة ليس كايمان بل كمسوغ قرابي واجتماعي وسياسي .ص
لاحظنا جميعنا بام العين في اواخر السبعينات نشوء وتكون الطائفة الشيعية في لبنان وذوبان عائلاتها الكبرى
السعي اذا الى حل اشكالية الحجم عند هذه الوحدات القرابية دفع بها الى استثمار "المشترك" فيما بينها واستعماله ك"صلةارحام " وقاد فعلا الى ايجاد حل للمشكلة المطروحة لكنه قاد في الوقت عينه الى قيام شكل اجتماعي قرابي جديد ,الطائفة, وذلك على انقاض الشكل القديم الذي اصبح رجعيا وقاصرا عن تلبية الطلب الجديد.ص
الطائفة
جسم اجتماعي سياسي جديد قائم على مفهوم تجريدي للقرابة "الدينية" او "المذهبية" لكنه هذه المرة بدون صلة الارحام او صلة الدم المحسوسة وعبر تطويع الدين ليحل محلها فاذا كنت من المذهب نفسه لمذهبي نصبح "اولاد عم" و من "عظام الرقبة" واصحاب مشروع "ملك"موحد" و"منا وفينا" واما اذا لم تكن فأنت من "اخواننا" اي "الآخر" "
ان غياب القرابة الفعلية في الشكل الجديد "فتح" في الحقيقة باب الترقي الاجتماعي لنخب اجتماعية جديدة لم يكن بامكانها احتلال مواقع قيادية في الطائفة فيما لو بقيت االقرابة القديمة وصلة ارحامها هي التي تقرر الصيف او الشتاء في طقس اليوم.ص
استعار الجمهور اذا الدين من الديني وحوله الى الاجتماعي "صلة رحم ديني" لعدم توافر عوامل اخرى تستطيع تقديم تبرير مقنع لعملية توسيع البنيان القرابي الضرورية لتلبية الحاجات المستجدة.ص
وبسبب من ذلك هيمن الطائفي على الديني والحقه بمشروعه الاجتماعي السياسي وليس العكس كما يبدو على سطح الاشياء ولاول وهلة. واذا كانت الطائفة غير الدين فان العكس صحيح ايضا .الاولى جسم اجتماعي والثانية مقولة فكرية. ص
وحتى عندما يكون للدين "كنيسة" فانها تكون تابعة للطائفة وليس العكس مهما حاولت ان تتفلت من المقدر والمكتوب.وعند الخلاف الكلمة الفصل هي للطائفة .ص
البطريرك يتبع الطائفة وسياستها وليس العكس , المفتي يخضع لرغبة الز عيم السني ايا يكن ,شيخ العقل والدروز ,المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى وحتى العلامة فضل الله والطائفة الخ.الخ.
غير ان التحولات الاجتماعية هذه ونشوء الطائفة كشكل جديد في التنظيم الاجتماعي والسياسي في بلادنا مبني على
.الانتماء الديني "كصلة" قرابية لم يحصل على حساب لا المقولة السياسية ولا المقولة الاقتصادية
الملك يبقى الهدف الاسمى للطائفة واما الاقتصاد, على تعقيداته الحديثة, فيبقى الشريان الحيوي الذي يروي فروع الجسم الطائفي كل بحسب قربه او بعده من الجسم ,قربه او بعده من التراتب الداخلي والرأس مما يتيح لها بذلك ان تعيد انتاج نفسها والبقاء على قيد الحياة
انتجت الطائفة في الحقيقة نظاما طوع كل شيء لخدمتها فكيف طوعت الاقتصاد "الحديث" الرأسمالي وجعلته يعمل تحت امرتها.؟ص
تسعى المنشأة الاقتصادية l ENTREPRISE
في العالم الى شحذ وسائل الانتاج الراسمالية والبشرية والتقنية وتنظيمها باكبر قدر من العقلانية والتنافسية بهدف تحقيق الهدف الاساس لها الا وهو الربح .وعلى العكس من ذلك تنطلق " المنشأة" هذه عندنا من الربح اولا اذا جاز القول ثم تبدأ تنظم و""تتكيف" معه لا بهدف الربح بل بهدف توزيعه. ء
تظفر المنشأة الاقتصادية(الكبرى منها طبعا) عندنا بالربح مع ولادتها بواسطة طرق عدة, فهي اما تمنح الرأسمال ( ريوع نفطية )مجانا او بعض وسائل الانتاج (الارض مثلا) واما السوق عبر حصر الاحتكار(وكالة حصرية) بها وحدها دون غيرها واما الثلاثة معا في بعض الاحيان .ء
هذه الولادة السهلة والتي تضمن النتيجة سلفا وبدون "المخاطرة" الراسمالية تجعل من المنشأة كيانا اقتصاديا هجينا ركيكا يعمل لحساب الضامن وتحت سلطته ونفوذه وبما ان المانح ليس الا القابض على الملك اي الطائفة فانه هو الذي يمسك بناصية القرار .ص
( لن نفصل كثيرا في هذا الموضوع اليوم لانه سيكون موضوع دراسة قادمة قريبا)
يكفي الان ذكر امثلة سريعة كمعامل الترابة في شكا وبنوك الطوائف المارونية والكاثوليكية والدرزية والسنية وووو ناهيك طبعا عن بدعة الوكالة التجارية الحصرية الاحتكار المحمي بواسطة التشريع القانوني للدولة .احتكارات الادوية والمواد الغذائية والسيارات وغيرها ...............ص
قونن "المشرع" كل الانشطة الاقتصادية بشكل منع فيه اي دخول "اعتباطي" الى السوق فالجريدة وسيارة الاجرة والمصرف ومعمل الترابة من يتذكر قصة نشوء معمل سبلين ) كلها "امتيازات" قانونية مشرعنة.ص
الاقتصاد اذا نشاط بابه معروف لا يدخل اليه الا من يوافق على قوانين اللعبة .ص
وما دام "الملك" للطائفة فلا وجود لنشاط راسمالي مستقل وبالتالي لا وجود لبورجوازية مستقلة. ص
واذا علمنا ان الطائفة هي كما ذكرنا اعلاه تضبط سوق العمل ايضا وكامل سياقه التالي نفهم عندها ان الاقتصاد ليس الا حلقة في بنيان الطائفة لكنها حلقة تابعة وغير مستقلة بتاتا. من هنا تفسير الاذعان الاعمى للبورجوازية بكل انواعها ازاء الطائفة فهي تدين لها بوجودها وباستمرارها ايضا, وهي لا تملك في مواجهتها اي هامش من الحرية .ء
البورجوازية بهذا المعنى الموضوعي ليست اكثر من موظفين , كوادر عليا, خبراء مهن , اختصاصيين لكن لا يمكن ان ترقى الى درجة الطبقة.ص
وهذا ايضا للاسف حال العمال والمستخدمين الذين يدينون اجمالا في وظائفهم وتطورها الى الطائفة نفسها ( الواسطة)مما يحرمهم موضوعيا هم كذلك من اي هامش استقلالي الا في حالات الاسترخاء الطائفي الاستثنائية , ومن لا تمسكه الطائفة عبر الاقتصاد الحر" تمسكه طبعا عبر القطاع العام والوظائف الرسمية وهي ذات حجم لا يمكن الاستهانة به ابدا.ء
ليس الدين اذا هو المسؤول عن الانقسامات في الحركة العمالية اللبنانية بل الطائفة التي تمسك بسوق العمل من ناحية التوظيف و الدخل.
العامل هو ايضا "طائفي" بمعنى الهوية والانتماء( ليس مسيحيا بل طائفي مسيحي او مسلما بل طائفي مسلم) ولم يرق الى درجة "العامل"ص
من جهة ثانية فإن طريقة اشتغال النسق هذا هي من الدقة وال"تطور" في التوزيع ما يجعلها "ترضي" جميع المعنيين بها من سياسيين ورجال دين وبورجوازية وعمال وما دام هناك سلطة وريوع وغلة للتوزيع فإنه من العبث توقع بروز انشقاقات في هذا الجسم المنصهر العصي على الاخذ
.ص
على ضفاف النسق هذا تنمو مجموعات من الفئات الاجتماعية غير المستفيدة منه لعدم قدرة الطائفة على تلبية كل الطلب المعروض او لاسباب اخرى تتعلق بنمو نخب منفصلة "فكريا" عنه وغير مقتنعة بجدواه من الناحية العقلانية والمنطقية العصرية وهي محقة لجهة الكلفة الاقتصادية الغالية لهذه النسق ومن ناحية التأخير المسجل في لعبة المنافسة العالمية . هذا طبعا صحيح لكن الصحيح ايضا ان الفئات هذه ما تزال اقلية ونخبوية ومعركتها خاسرة سلفا في ظل الظروف التي شرحناها اعلاه ومن هنا اعطيناها وصف الصعاليك .ص
يمكن القول بالنتيجة ان الطائفة كيان كلي حديث قائم على قرابية مفترضة او مستعارة من الدين يتناسب تماما مع الحدود الجغرافية للملك ( الدولة عندنا لها اسم فلماذا اللجوء الى اسماء اخرى قد تعبر عن شيء اخر) كما وضعها الغرب الاوروبي ومع درجة التطور الراسمالي الوافد ونوعه وهي كلية لانها تشتمل على السياسي والاقتصادي والفلسفي تعمل وفق تظام دقيق ومعقد او مركب يؤمن بواسطة الطريقة الزبائنية مصالح اعضائه فينجح في الحفاظ على وحدته رغم تركيبة طبقية متفاوتة في داخله وذلك حتى اشعار آخر والله اعلم.ص
نسق يضم في حضنه السياسي والديني والاقتصادي والاجتماعي في آن معا ويتمكن من "خدمة" غالبية "الزبائن" الا يذكرنا ذلك
بمفهوم ظننا انه هامشي وانه ليس الا سيناريو سينمائي .رحم الله "العراب"ء
"
صعلوك باريس
ا
.
#روبير_البشعلاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟