بهزاد علي ادم
محامي وناشط في مجال المجتمع المدني وحقوق الانسان
(Behzad Ali Adam)
الحوار المتمدن-العدد: 1043 - 2004 / 12 / 10 - 05:14
المحور:
حقوق الانسان
بمناسبة صدور أول تقنين دولي لحقوق الإنسان في 10/12/1948
(ذكرى65 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)
بهزاد علي ادم
تعتبر حقوق الإنسان تراثا إنسانيا,و كرم هذا التراث الإنسان و اهتم به معظم الشرائع السماوية والأديان الأخرى, و إذا نتصفح التاريخ نجد بان هناك العديد من المواثيق والعهود التي اهتمت بحقوق الإنسان منها الماجاناكارتا Magna Carta عام 1215 العهد العظيم أو البراءة الكبرى صدر أثر ثورة الشعب الإنكليزي ضد طغيان الملك (جون) ، وعريضة الحق لعام 628 ، وإعلان الحقوق الصادر عام 1689. فكان لهذه التطورات الأثر البالغ لولادة وتطور الديمقراطية البرلمانية في بريطانيا .
وفي الولايات المتحدة الأمريكية صدرإعلان الاستقلال عام 1776 وتضمن حق الحياة والحرية و مبدأ المساواة بين الناس، ثم إعلان الحقوق بين عامي 1789- 1794 وبموجبه أجريت التعديلات على الدستور الأمريكي، حيث نص على حرية العقيدة و حق الحياة والمال وضمان حرية التقاضي الخ.
وفي فرنسا صدر إعلان حقوق الإنسان والمواطن على أثر ثورة 1789 وتضمن مبادئ الثورة الفرنسية وكان هذا الإعلان المصدر الذي استوفى منه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وقد جسدت من بعد ذلك القوانين التي صدرت في فرنسا هذه المبادئ منها دستورر 1791 وقانون 1946 ودستور 1958 .
وفي روسيا (الاتحاد السوفيتي السابق) 1917 أهتمت ثورأكتوبر الاشتراكية بحقوق الإنسان، حيث جرى التأكيد على البعد الاجتماعي و مبدأ المساواة بين المواطنين، وحق التعليم المجاني، وحرية الفكر والتعبير والاجتماع والتظاهر، وتأسيس الجمعيات والنقابات، و ثبتت هذه الحقوق في الدستور الأول للبلاد الصادر عام 1918.
و لا ننسى مبادئ الرئيس الأمريكي و لسون في أعقاب الحرب العالمية الأولى 1919 وعلى اثر انهيار الدولة العثمانية والتي منح بموجبها حق تقرير المصير للشعوب المتحررة من نير الحكم العثماني.
نستنج مما ذكر بان الاهتمام بحقوق الإنسان, تراث إنساني فنجدها على شكل تقاليد وأعراف أو مبادئ دستورية أو نصوص وكتابات مقدسة يختلف الاهتمام والالتزام بها باختلاف ثقافة كل شعب عن الأخر.
ولكن ظهر هناك حاجة ماسة بعد الحرب العالمية الثانية, التي هزت الكيان الإنساني للخروقات الفظيعة التي مورست من قبل الأطراف المتحاربة, لتقنين دولي يضمن ممارسة هذه الحقوق ويكفل الحريات الأساسية ووضع آليات لضمان ممارستها على مستوى دولي, وإخراجها من الواقع المحلي, فكان بالبداية إنشاء منظمة الأمم المتحدة بعد فشل عصبة الأمم وصدور ميثاقها في 26/حزيران/1945حيث ورد في ديباجته:
[نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق أساسية].
كما ورد في المادة 1 منه:
[1. حفظ السلم والأمن الدولي، وتحقيقا لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وتتذرع بالوسائل السلمية، وفقا لمبادئ العدل والقانون الدولي، لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها.
2. إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام.
3. تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا والتشجيع على ذلك إطلاقا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء .
4. جعل هذه الهيئة مرجعا لتنسيق أعمال الأمم وتوجيهها نحو إدراك هذه الغايات المشتركة.]
بالإضافة إلى المادة المذكورة أشير إلى حقوق الإنسان في المواد 13و55و56و67و68.
ولابد أن نشير إلى النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية التي تعتبر من المواثيق الدولية المهمة لحقوق الإنسان.
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
شعر المجتمع الدولي بان ورود نصوص في ميثاق منظمة الأمم المتحدة ليست كافية لابد من تقنين دولي بموجبه تحترم حقوق الإنسان, فكلفت المجلس الاقتصادي والاجتماعي وبموجب أحكام المادة 58 و68 من الميثاق تشكيل لجنة حقوق الإنسان لأعداد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وبعد دراسات مستفيضة اعتمد المشروع من قبل 48 صوتاً وامتنع عن التصويت 8, الاتحاد السوفيتي ودول أوربا الشرقية التي كانت تدور في فلكها آنذاك والمملكة العربية السعودية لم تقبل حق الإنسان بتغيير دينه و إلغاء الرق, وكذلك أفريقيا الجنوبية التي لم توافق على إلغاء التمييز العنصري.
يعتبر الإعلان العالمي من اشهر و أهم القرارات التي صدرت عن الأمم المتحدة وكما يعتبر أكثر القرارات إثارة للجدل والنقاش حول ما يتمتع به من قيمة قانونية. وتعتبر أول تقنين دولي صادر من منظمة دولية بهذا الخصوص.
حيث هناك من يعتبره بان ليس له أية قيمة قانونية لأنه مجرد إعلان مبادئ وليس له أية صفة ملزمة, ولكن الرأي الغالب هو بأنه له نفس القيمة القانونية لبقية المعاهدات والمواثيق الدولية وخاصة ميثاق الأمم المتحدة, لكونه صادر استنادا لهذا الميثاق وبموجب المادة 58و68, بل ذهب البعض بأنه ملزم لجميع الدول المنتمية للمنظمة بموجب أحكام المادة 56 , وان أعضاء الأمم المتحدة ملزمون بالمساهمة بالعمل للوصول إلى الأهداف المعبر عنها في المادة 55 و التي يبرز من بينها حقوق الإنسان.
أهمية الإعلان العالمي:
يأتي أهميته لكونه:
أولاً:
أول تقنين دولي يعني بحقوق الإنسان ويدافع عنها, حيث صدر العديد من المواثيق الإقليمية قبل ذلك كما سبق ذكره وبعنبر الخطوة الأولى لتعزيز وحماية حقوق الإنسان.
ثانيـــاً:
أصبح مصدرا لما يربو 80 اتفاقية دولية معنية بحقوق الإنسان والعديد من الاتفاقيات الإقليمية.
ثالثـــاً:
الحقوق الواردة فيه تتصف بالعالمية والفردية أيضا, أي يجب أن يتمتع الفرد بهذه الحقوق و تحترم أينما كان و من كان.
رابعـــاً:
تحتم على الدول و الأطراف المعنية بها عند الالتزام بالإعلان والمواثيق الدولية أن تنحو منحا ديمقراطياً و أن يسودها القانون حيث لا يمكن التخيل بتطبيق هذه المبادئ واحترامها في غياب دولة القانون والديمقراطية.
خامساً:
أصبح مصدرا لدساتير والقوانين الداخلية للدول الأعضاء.
سادساً:
الحقوق الواردة فيه غير قابلة للتحويل أو التنازل عنها و إنها كل لا يتجزأ وإنها مرتبطة بعضها بالبعض فتعزيز حق يساعد على تعزيز الحقوق الأخرى والعكس صحيح انتهاكها يؤثر على بقية الحقوق .
سابعـاً:
عدم وجود ترتيب هرمي وزمني لهذه الحقوق فكلها وبشكل متساوي مهمة لتحقيق السلامة والأمان والحرية لكل فرد.
ثامنــاً:
تعتبر هذه الحقوق الحد الأدنى من الحقوق التي يجب أن يتمتع ويلتزم بها الأفراد والجماعات.
تاسعاً:
بعد صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أضحت حقوق الإنسان شأنا دولياً بعد أن كانت شأنا محليا و داخليا في عهد عصبة الأمم, حيث كان القانون الدولي معنياً فقط بتنظيم العلاقات الدولية بين الدول دون توفير الحماية للأفراد والجماعات, وكان علاقة الحكومات بمواطنيها شأن داخلي بعيد عن سلطة القانون الدولي. وفي نهاية القرن المنصرم أصبحت الدول لا تستطيع أن تحتج بمبدأ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول, كما حدث في روندا و كوسوفوا والتيمور الشرقية و كوردستان/ العراق.
أهم الحقوق الواردة في الإعلان العالمي:
كما سبق ذكره كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أول مصدر عالمي لحقوق الإنسان وقد عدد بعد ديباجته القوية في مواده الثلاثين, حقوق الإنسان وكلها فردية يطلب الإعلان من الدول احترامها وقرر بأنها طبيعية وليست منحة من سلطة أو ملك أو رئيس وكل تعد على هذه الحقوق يجب التنديد به ومطالبة الدولة أو السلطة بالكف عنه فورا وتعويض أصحاب الحق المنتهك.
واهم هذه الحقوق, الحق في الحياة والحرية والكرامة والمساواة أمام القانون والحق في محاكمة عادلة و الاجتماع وحرية التعبير والفكر والضمير والدين والحق في العمل وتحصيل العلم والحق في الغذاء والمسكن والملبس والاشتراك في الحكم ومنع التعذيب والعبودية و التميز العنصري, الخ ما ورد في مواده الثلاثين.
الشرعة الدولية لحقوق الإنسان:
ولم تقف جهود الأمم المتحدة لهذا الحد, أي بإصدار الإعلان العالمي بل رأت نتيجة ممارستها في هذا المجال لابد من تشريع وتقنين معاهدات ومواثيق دولية تعزز هذه الحقوق ووضع آليات لتحقيقها واحترامها ونشرها و إخراج هذه المبادئ والحقوق حيز التنفيذ. وكما سبق أن ذكرنا بان هذا الإعلان كان المصدر الملهم لأكثر من 80 معاهدة وميثاق لحد ألان, ومن أهم هذه المعاهدات, العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذين صدرا في عام 1966 ونفذا في عام 1976و يعتبران مع الإعلان العالمي الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وأما بقية الاتفاقيات فهي على سبيل المثال القضاء على التميز العنصري والتميز ضد المرأة, والاتفاقيات المتعلقة بحقوق الطفل ومناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة المهنية ومركز اللاجئين ومنع الإبادة الجماعية ومعاقبتها والإعلانات المتعلقة بحقوق الأشخاص الذين ينتمون إلى أقليات قومية أو عرقية أو دينية أو لغوية والحق في التنمية وحقوق المدافعين عن حقوق للإنسان.
و لتفعيل عهد الحقوق المدنية والسياسية صدرا بروتوكول الاختياري الأول 1966 لوضع آلية تطبيق حقوق الإنسان وتمكين الأفراد الذي هدرت حقوقهم لتقديم الشكوى إلى الجهات المعنية, ثم تلت بعد ذلك صدور العديد من المعاهدات والبروتوكولات نتيجة الحاجة والتطورات التي حدثت في العالم ونتيجة الخروقات التي زادت يوما بعد يوم.
وبعد صدور العهدين الدوليين أصبحت الحقوق الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ملزمة قانونا, للدول التي أصبحت إطرافا فيها, أي التي صادقت عليها, لتكرارها في العهدين , وغدت معظم الدول في العالم إطرافا لهذين العهدين وبذلك لم يعد هناك مبرر للتملص من التزاماتها القانونية تجاه كفالة حقوق الإنسان, وقد صادق العراق على العهدين في 25/1/1976 .
بالإضافة إلى تكرار الحقوق الواردة في الإعلان العالمي والتي كانت معظمها فردية نص العهدان الدوليان على الحقوق الجماعية أيضا كحق تقرير المثير للشعوب والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة والحقوق المدنية والسياسية من جهة أخرى وحق تشكيل النقابات والجمعيات المهنية, الخ من الحقوق الجماعية الواردة فيهما.
ولم تقف الأمم المتحدة بعد صدور العهدين والمعاهدات والمواثيق و الإعلانات الأخرى مكتوفة الأيدي, بل أصدرت العديد من المعاهدات و الإعلانات والبروتوكولات التي من شأنها تعزيز وحماية حقوق الإنسان ونشرها في أصقاع العالم, وشكلت اللجان لمتابعة تنفيذ هذه الحقوق من قبل الدول ووضع آليات لمراقبتها.
تنفيذ قوانين حقوق الإنسان:
وبعد أشرفت عملية إرساء المعايير والتشريع على الاكتمال بدأت الأمم المتحدة باتخاذ الآليات وتركيز جهودها لتنفيذ قوانين حقوق الإنسان من خلال:
1- مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان, التي تتولى تنسيق أنشطة الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان, وتعمل مع الحكومات على زيادة تقييدها بحقوق الإنسان, ساعية إلى منع الانتهاكات وتعمل بصورة وثيقة مع آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
2- لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وهي هيئة حكومية دولية,تعقد اجتماعات علنية لاستعراض اداء الدول في مجال حقوق الإنسان واعتماد معايير جديدة وتعزيز حقوق الإنسان في العالم اجمع. وتقوم بتعين خبراء مستقلين( مقررين خاصين) لتقديم تقارير عن انتهاكات معنية لحقوق الإنسان, أو لبحث حالة حقوق الإنسان في بلدان معينة.
مراحل تطور إرساء حقوق الإنسان:
يتضح لنا مما سبق بان إرساء حقوق الإنسان من قبل الأمم المتحدة منذ صدور الميثاق قد بمراحل عدة وخاضت الأمم المتحدة صراعاً مريراً من أجل تثبيتها:
المرحلة الأولى:1945-1960
مرحلة التركيز على الحقوق الفردية للإنسان , بدأً بصدور الميثاق في 26 حزيران 1945 والإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10/12/1946 واتفاقية منع وقوع جريمة الابادة الجماعية و1944 ومنع الاتجار بالرقيق واستغلال البغاء 1949 وهذه المرحلة سميت بالجيل الأول لحقوق الإنسان .
المرحلة الثانية: 1960-1975
مرحلة التقنين وذلك بصدور العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية, حيث ربطت حقوق الإنسان الفردية و حقوق الشعوب و النص على الحقوق الجماعية وإدانة التمييز العنصري والفصل العنصري(الابارتيد) وذلك تحت تأثير مؤتمر الدول الأفريقية, وسميت هذه المرحلة أيضا بالجيل الثاني لحقوق الإنسان.
المرحلة الثالثة: 1977
أي الجيل الثالث لحقوق الإنسان وهي مرحلة تكريس الحق في التنمية وحق العيش في بيئة نظيفة ومنع تلوثها والحق في السلام والحق في التضامن والحق في الثروة الموجودة في قاع البحار، والحق في الإغاثة عند الكوارث الكبرى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محامي مقيم في برلين
رئيس المنظمة العراقية للدفاع عن حقوق الإنسان/ ألمانيا omrik
عضو الهيئة الإدارية لمنظمة حقوق الإنسان في الدول العربية/ ألمانيا omras
#بهزاد_علي_ادم (هاشتاغ)
Behzad__Ali__Adam#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟