|
فضفضة مغترب - الشرق للغربي وطن والشرقي في الغرب يعاني الغربتين
زيد ميشو
الحوار المتمدن-العدد: 3509 - 2011 / 10 / 7 - 08:36
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
فضفضة مغترب الشرق للغربي وطن والشرقي في الغرب يعاني الغربتين
لم يشهد أبناء جيلي والأجيال اللاحقة مسيرة سلمية ، ولم نكن نتصوّرها أو نفهمها ، فكل ما كنّا نراه من إحتفالات صاخبة يساق لها الشعب بأمر حكومي . إنما كان لنا مسيرة سلمية طوعية ، غير متّفق عليها ومنظمة أكثر من أكبر مسيرة أو مظاهرة تفرضها الحكومات ، وهي المسير وراء الأجانب . فعندما كان الأشقر الأجنبي يسير في شوارع بغداد أيام السبعينات وحتى ما قبلها ، كما سمعتُ من الأكبر منّي عمراً ، كان يتبعه الكثيرون وكأنهم يشاهدون للمرة الأولى في حياتهم فيلماً ملوّناً وليس أسود وأبيض بعد أن ملّو ( أبناء الملحة ) ، إما إذا كان هذا الفلم يحتوي على لقطات فاضحة مثل إمرأة شقراء تلبس الـ ( الميني جوب والكيمونو كاشف الصدر والأكتاف ) فسيسير خلفها مايكفي لدحر أي إستعمار من على وجه الأرض . كان الأشقر مميزاً ، يحترمه الشعب رجال الشرطة وكل رجالات الحكومة ، لأنه أتى من دولة غربية ، وكنا نقول عنهم ( أوادم أولاد الـ .... ) مع شتيمة تفسّر مديحاً ، وهي بحقيقتها إزدراء للوضع الذي كنا عليه . بالمقابل أيضاً ، فإن الغربي كان يأتي بحضارته ويقدّمها لنا على طبق فضه مقابل أجر من ذهب ، ولاضير بذلك ، فلهم ولثرواتنا الطبيعية كل الفضل بالبناء بكل أنواعه وبتوليد الكهرباء والأجهزة الألكترونية وكل شيء ، فلولاهم لاحتار أبناء المتغنين بأمجاد أسلافهم في صنع وعاء للتشطيف يناسب جلستهم عند قضاء الحاجة . وأرقى العوائل كانوا من المحتكّين مع الأجانب في بلدهم ، أو سافروا إلى الخارج للتعلم أو العمل ثم عادوا ( مع غض النظر على تكابرهم ) ، وقد درج استعمالهم للغليون وبين جملة وأخرى يقولوا ( عندما كنت في بريطانياااااااا ) وبصوت رنان يختلف عن لحن الكلمات الأخرى ، وآخر يفتخر عندما يقول " إبن عم صديقي جلب معه من أميريكا ساعة تنار بضوء " كنا نسميها حينذاك ( ألكترونية ) وكأن بقية الأجهزة ليست كذلك . حتى عندما كان تواجدهم في الشرق احتلالاً ، ومستفيدين من ثرواتنا ، إلا إن مبدأهم كان ( خذ وهات ) ، ففتحوا المدارس ، وعبدوا الطرق ، وبنوا المستشفيات ، واشترينا منهم صناعتهم ( من مذكرات فؤاد ميشو ) . وبما أنهم مقدّرون ومحترمون في بلادنا الغنية التي إسترزقوا منها مالايمكنهم الحصول عليه في أوطانهم بينما غالبية شعبنا يعيشون بالكفاف أو أقل ، لذا فهم لم يفهموا ماتعني الغربة ... بل أصبحت إقامتهم سياحة واصطياف لمرحلة تركت معها بصماتها الإيجابية ، فلم تُهدر حقوقهم لأنهم رعايا ، حمايتهم واجب وفرض غصباً عن السلطة وليس كرم أخلاق . الشرقي في الغرب يختلف كلياً ، فهناك أنواع وأعرف البعض منها ... من يتعلّم منهم ويتخلى عن جذوره ليذوب في مجتمعه الجديد ، وهذا لاعيب فيه ، مادام سيكون إبن ذلك البلد مع اولاده وأحفاده وللأبد . وهناك من يوفّق بين أصالته ووواقعه الجديد ، بدمج الإيجابيات في ثقافة وطريقة عيش البلدين ، والنوع الآخر وهو من يتعلم منهم ، ويتظاهر بأن له عقلية غربية ، وقد جمع بداخله سلبيات مجتمعه وسلبيات الدولة التي هاجر لها ، وهؤلاء شريحة كبيرة من المهاجرين . وهناك أيضاً من لم يعرف الاندماج في مجتمعه الجديد ، لصعوبة في اللغة ، أو لعدم قدرته على تقبّل نمط حياتهم ، ولايتمكن من العودة لوطنه الأم لكثرة العراقيل ، واستحالة الاستمرار بنمط حياته في مهجره للبون الشاسع بين المجتمعين ، ، فمن شبّ على شيء شاب عليه ، وهؤلاء ينطبق عليهم المثل العراقي الشعب ( لاحِظَتْ بِرجيلهه ولاخذت سيد علي ) ، وأنا من تلك الشريحة المعلقة بين ثقافتين رمتا عليه يمين الطلاق . فبتنا نشطب الأيام التي لاننتمي لزمنها ، فلا الماضي يعود ولا الحاضر مرغوب والمستقبل يعمل على عزلنا من الوجود مع الآخرين . قبل هجرتي عندما كنا نسمع أحاديث المغربين وآلامهم واشتياقهم وحنينهم لأهلهم ، كانوا يختمون " نيالكم " فأنتم لاتعرفون ما نحن به " ونحن نجيبهم " نيالكم " ألف مرة كوننا مازلنا نعيش في بلد فقدنا به حقوقنا . كنا نشعر بهم أحياناً ، إذ من بينهم من يقطع المسافات بين الفينة والأخرى للقاء شخص من طينته أو يتكلم لغته الأم ، ويتكلمون بحسرة ومرارة عن ذكرياتهم السابقة وعلاقتهم الطيبة بأرضهم وشعبهم . دارت الأيام ، واختبرنا الغربة ، ومازلت أحسد من تغربوا سابقاً كونهم على الأقل عاشو أوقات طيبة مع مغرّبين آخرين شاركوهم وحدتهم رُغم قلّتهم .. نحن الآن في غربتين ، ولا أسوأ منها ، الأولى غربتنا في دولة مهما عشنا بها لايمكننا أن نفهم ونستوعب قوانينها وأسلوب حياة شعبها . وأيضاً لايمكننا أن ننصهر ولو بالجزء اليسير مع عاداتهم وتقاليدهم كوننا وصلنا متأخرين في العمر ومنهكي القوة ومتعبين نفسياً بسبب معاناتنا في المحطات التي سبقت استقرارنا ، أي في بلاد الجوار وخصوصاً الناطقة بالعربية والتي ذقنا الأمرين فيها . والغربة الثانية وهي الأصعب ... غربتنا مع جالياتنا المختلفة ، بعد أن تغيرت النفوس . فبتنا لانفهم ثقافة أبناء جاليتنا بعد أن جلب غالبيتهم أمراضنا وجهلنا بنية فرضها على أبناء جلدته ومجتمعه الجديد . ففقدت العلاقات الجذرية عمقها وحلّت مكانها السطحية وسدت الفراغ لتصبح علاقات هامشية وقتية لامتعة تجنى من خلالها ولافائدة . وهذا ليس تجنياً ، بل حقيقة سافرة تفضح نفسها بنفسها في أول لقاء لمهاجر عندما تطأ قدماه بلاده الجديدة ويستقبله المحبون ، وماأكثر دموعهم حينها ، ومن ثم تبدأ دروس الترهيب والتخويف من أرض الاغتراب ، وبدل أن يتم تشجيعه ودعمه ، يخبرونه بقصص وحوادث تقتل به كل طموح . وبعد شهر لاأكثر ، ينعل أبو اليوم الذي منح فيه سمة الدخول ، وبعد فترة من الزمن يواكب مسيرته ويحيا كغيره محققاً مايجعله سعيداً إن أراد ذلك ، إلا أنه يختار إسلوب التشكّي دون إرادته حاله كغيره من الذين سبقوه ، ومن ثم يعيد التاريخ نفسه عندما يستقبل مهاجراً جديداً من عائلته أو أحد أقربائه . وأختلف حديث المغتربين ، فبدلاً من أن يتكلموا عن معاناتهم بعدم تأقلمهم في الوطن الجديد الذي لن يشعروا بانتمائهم له ، أصبحوا يشكون أقرانهم ومعانتهم من عدم التأقلم معهم . وكأننا قد نذرنا لنحيا بألم ، ألم الماضي التعيس الذي هربنا منه ، وألم الحاضر الذي إلتجأنا له وألم المستقبل الذي يتسببه كل مايحيط بنا ....... فما أقساها من غربتين ؟ وما أسوأها من آلام ؟
#زيد_ميشو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ارفضْ يالنجيفي ولاتأبه بمن يعارضك
-
العلم العراقي والحل المؤقت الطويل الأمد ... وامتداد حكم البع
...
-
إلعب وأطرد الكبر عنك
-
ثورة على التديّن
-
تقبيل الأيادي والانحناءات والاحترام المفروض !
-
والتقيت بعبوسي في مشيغان
-
الدكتور سعد الدليمي وكرم الخزرجي وجهان لعملة واحدة
-
صدّق بخرافة وأنت مبتسم ولاتؤمن بحقيقة تجعلك عابساً
-
عراةٌ أمام المرآة
-
الجريمة والثواب – عدالة اله أم إنسان
-
طريق الألم
-
مفارقات مع الحلال والحرام من الطعام
-
جائزة لكل ملحد يؤمن
-
أريد معلماً مختصاً بفن تغيير الوجوه
-
رجل الدين في زمننا
-
شتان بين كلاب وكلاب
-
لمن التصفيق ؟
-
أمل
-
عذراً أيها الحكيم البابلي – لقد كنت صغيراً جداً حينذاك ، ولم
...
-
لاأثق بهم ولاأستلطفهم ، فهل أنا على خطأ ؟
المزيد.....
-
ترامب: لا ناجين في حادث اصطدام الطائرة بالمروحية فوق نهر بوت
...
-
مغنية راب سودانية.. صوت يصدح أملا في زمن الحرب
-
غزة تشهد إطلاق سراح رهائن إسرائيليين جدد من أمام منزل يحيى ا
...
-
سلوان موميكا.. مقتل حارق القرآن في بث مباشر على تيك توك في ا
...
-
هل تمكّنت إسرائيل من إضعاف حماس عسكرياً؟
-
كيف استطاع أحمد الشرع أن يصل إلى رئاسة سوريا؟
-
من دمشق.. أمير قطر يدعو لحكومة -تمثل جميع الأطياف- في سوريا
...
-
ترامب: ليس هناك ناجون في حادثة تحطم الطائرتين فوق مطار ريغان
...
-
بن غفير: إطلاق سراح الرشق والزبيدي شهادة على الاستسلام ويجب
...
-
حافلات تقل سجناء فلسطينيين أفرج عنهم تغادر سجن عوفر الإسرائي
...
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|