طغت الأوضاع الدولية علي أعمال مؤتمر الحوار الإسلامي المسيحي الذي عقد في بروكسل مع بداية العام الجديد والذي شارك فيه الأزهر وعدد من الكنائس و الفاتيكان . وشدد المشاركون في المؤتمر علي أهمية تعميم ما أسموه ثقافة الحوار والتعارف المتبادل والعيش المشترك ومعالجة جذور التوترات الطائفية وفك الالتباس بين التدين والتطرف . و فكرة حوار الأديان التي يتم الترويج لها اليوم فكرة خبيثة دخيلة وفقا لوجهة نظر المعارضين لهذا الحوار ويرون ان لا اصل لها في الإسلام ، لأنها تدعو إلى إيجاد دين جديد ملفق ، يعتنقه المسلمون بدلا من الإسلام على حد قولهم.
ويؤكد عدد من المنتسبين للمؤسسات الدينية والجهات الدعوية ان الغربيين بعد ان فشلوا في أبعاد المسلمين عن عقيدتهم عن طريق المبشرين والمستشرقين والمؤلفات الثقافية والتضليل الفكري والسياسي الإعلامي ، لجأوا إلى الجهات الرسمية في دولهم وفي دول أخرى ـ قد يبالغ المتشددون من المعارضين لفكرة مثل هذا الحوار في تلك المؤسسات إلى حد وصفها بـ "الدول العميلة" للغرب ـ وشرعوا في عقد المؤتمرات والندوات ، ويشكلون فرق العمل المشتركة ، ويؤسسون مراكز الدراسات في بلادهم وبلاد المسلمين ، كمركز اكسفورد للدراسات الإسلامية ، ومركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة درم البريطانية ، وكلية الصليب المقدس الأمريكية ويعتقد المعارضون أن الدعاة إلى مثل هذا الحوار عادة ما يستعملون ألفاظا عامة ومصطلحات براقة ، تدل على معاني ـ بحسب رأيهم ـ غير محددة ، من اجل التضليل والخداع مثل … التجديد ، الانفتاح على العالم ، الحضارة الإنسانية ، المعارف العالمية ، ضرورة التعايش السلمي ، نبذ التعصب والتطرف ، العولمة وغيرها. ويشير المعارضون لحوار الاديان الى ان الغربيين لجأوا للخلط بين مفهومي العلم والثقافة والحضارة والمدنية ، ليتخذوا من هذا الخلط مسوغا لمهاجمة الذين يتمسكون بوجهة نظرهم في الحياة ، بأنهم ضد العلم وضد المدنية الناشئة عنة ، ووصمهم بالرجعية والتخلف ، مع أن الأمر في الإسلام غير ما يدعون ، فهو يفتح ابوابه للعلم وللمدنية الناشئة عن العلم ، ويغلق ابوابة في وجه أي حضارة أو ثقافة غير الإسلام وثقافته ، لكونهما أفكارا ومفاهيم متعلقة بسلوك الإنسان الذي يجب أن ينضبط بالمفاهيم الإسلامية عن الحياة . كما يرى المعارضون أيضا أن اهل الغرب زينوا بعض الأفكار الرأسمالية للمسلمين ، وسوقوها لهم على أنها لا تخالف الإسلام ، حتى اعتبرها بعض المسلمين أنها من الإسلام ، كالديمقراطية والحرية والتعددية الحزبية ( التي لا تحمل أفكارا إسلامية ) ، والاشتراكية وغيرها . بينما شنعوا على بعض الأفكار الإسلامية ، ونعتوها بأنها غير حضارية ولا تصلح لهذا العصر ، كالجهاد والحدود وتعدد الزوجات وغيرها من الأحكام الشرعية . ويرى عدد من المراقبين والمحللين ان الغرب ومؤسساته اخضعوا دراسة النصوص الإسلامية لطريقة التفكير الرأسمالية التي تجعل الواقع مصدرا للحكم وليس موضع الحكم كما جعلوا المقياس في اخذ الحكم أو تركة هو النفعية وليس الحلال والحرام ، مما دفع بعض المسلمين إلى استحداث بعض القواعد التي لا تستند إلى نصوص شرعية لفهم الإسلام مثل .. فقه الواقع ، فقه الموازنات ، وإطلاق قاعدة .. الضرورات تبيح المحظورات ، وغيرها . مما نتج عنة تمييع بعض أحكام الإسلام ، وعدم التمييز بين الدخيل والاصيل وبين ما هو كفر وما هو إسلام ، فصار الربا مباحا والاستشهاد انتحارا ويشير هؤلاء المراقبون لاسيما المهتمين منهم بالشأن الاسلامي الى ان الغربيين المشاركين فى الحوار مع بعض ممثلى الدين الاسلامى يتطلعون إلى تعميم وتوسيع الحوار ، فلا يظل محصورا بين الخاصة في المؤتمرات والندوات ، وإنما يشمل جميع شرائح المجتمع من نساء ورجال ، ومثقفين وعمال ، عن طريق المدارس والجامعات ، ومعاهد الدراسات والأحزاب والنقابات ، وهو ما عبر عنة بعض المؤتمرين بالمطالبة بإلحاق المسلمين وادماجهم فى النسق الحضاري السائد فى الغرب بدءا من الاقتصاد والاجتماع وانتهاءا بالسياسة والتعليم وغيرها . فالرأسمالية -على حد زعم الغربيين - هي الإنسانية والعقلانية والحرية والديمقراطية ، وهي الحضارة الحديثة الناجحة . وأما الإسلام ، فهو التقليد والاستبداد والتراث ، وهو سيادة الدين والرق وتعدد الزوجات ، فهو دين غير حضاري . ومن أساليب التعمية على المسلمين في مؤتمرات الحوار - وفقا لرأى الشيوخ والمؤسسات الإسلامية المعارضين لهذا النهج - هو إشراك المنتمين إلى بعض العقائد كالهندوسية والبوذية والسيخ وغيرهم ، مع المسلمين والنصارى واليهود ، كما حصل في المؤتمر العالمي للدين والسلام في اليابان حتى لا يظن المسلمون انهم وحدهم المستهدفون بالحوار ويتسائل هؤلاء المعارضون : كيف يقبل من يسمون بعلماء المسلمين أن يساوى بين الإسلام والبوذية وغيرها من الأديان . ويرى المسلمون الرافضون للحوار أن الهدف الأساسي الذي يسعى الرأسماليون الغربيون لتحقيقه هو الحيلولة دون عودة الإسلام إلى الحياة كنظام ،لانه يهدد بقاء مبدئهم وحضارتهم، ويقضي على مصالحهم ونفوذهم .أما الاهداف الأخرى الفرعية ، التي تخدم الهدف الأساسي بحسب ما يقوله المعارضون ـ فمتعددة فهم يهدفون إلى صبغ العالم بصبغة الحضارة الرأسمالية ، ولا سيما المناطق التي يعيش فيها المسلمون ، لإحلالها محل الحضارة الإسلامية ، ليتسنى لهم محو الثقافة الإسلامية من الأذهان ، وذلك بزعزعة ثقة المسلمين بها وبمصادرها وبأساسها ، لتحييد الإسلام في معركة الصراع الحضاري وهم يهدفون إلى صياغة شخصية المسلم صياغة جديدة ، بحيث لا يجد غضاضة في ترك الواجب وفعل الحرام ، ثم إفساد الذوق الإسلامي لديه ، وقتل الحمية للإسلام في نفسه ، فلا يبغض الكفر والكافرين ، ولا يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر ، ولا يجد غضاضة من حمل أفكار ومبادئ الرأسمالية .وبذلك ـ كما يوضح المعارضون ـ يزيلون المناعة الثقافية في الأمة الإسلامية التي تقاوم بها أي دخيل ، ويزيلون الحواجز الفكرية والنفسية التي تهدد الوجود الحضاري الرأسمالي في بلاد المسلمين ، فتصبح المحافظة على نفوذهم ومصالحهم سهلة ، ويضمنون بقاءهم واستمرارهم . وتشدد جبهة الشيوخ المعارضة للتحاور على إن الحوار الذي يرعاه الغرب و السلطات المحلية في بعض بلاد المسلمين ومعهم عدد من العلماء والمفكرين ، المقصود منة إيجاد دين جديد للمسلمين ، مبني على عقيدة فصل الدين عن الحياة ، فيه التشريع للبشر بدل أن يكون لله تعالى ، خالق البشر .ويستدل هؤلاء على ذلك بقول الله تعالى (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ) و قوله تعالى ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ). وبما أن الحضارة الإسلامية أساسها العقيدة الإسلامية ، والحضارة الرأسمالية أساسها العقيدة الرأسمالية والجمع بينهما غير ممكن ، فيكون القصد من الحوار الذي يتزعمه الغرب هو العمل لتخلي المسلمين عن المفاهيم الإسلامية لحساب المفاهيم الرأسمالية ، لأنهم يدركون أن الجمع بين متناقضين غير ممكن . وفى النهاية يؤكد المسلمون المعارضون للحوار بين الأديان أن هذه الخطوة ضرب من الخيال وان الصراع الفكري بين الأديان والحضارات امر لا مفر منه لتمييز الحق من الباطل ، والطيب من الخبيث ،(فأما الزبد فيذهب جفاء .. وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ).
وقد أصدرت رابطة العالم الإسلامي بيانا حذرت فيه من خطورة البرامج والأعمال التي ينفذها مجلس التنسيق بين الأديان الذي أنشأته مجموعة من الحاخامات اليهود ، موضحة أن ذلك الحوار خديعة كبرى للشعوب الإسلامية ، ويؤكد الدكتور عبد الودود شلبي الأمين العام السابق للجنة العليا للدعوة الإسلامية " إن الحوار بين الأديان أسلوب جديد من أساليب التنصير والتبشير والغزو الفكري حيث أن الحوار ظاهره الرحمة وباطنه العذاب وللأسف وقع الأزهر وبعض المؤسسات الإسلامية بالدول العربية في مطب الحوار بحسن نية .. فأنشأ الأزهر لجنة تنسيق مع الفاتيكان أطلق عليها لجنة الحوار، والمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة هو الآخر أنشأ نفس اللجنة، وبعض الهيئات في الدول الإسلامية تهرول إلى هذا الحوار. وقال الدكتور محمد عبد المنعم البري الأستاذ بكلية الدعوة بالأزهر الشريف " إن التقارب الإسلامي المسيحي والحوار بين الغرب والشرق وحوار الحضارات وغير ذلك كلها أساليب المراد منها أن تنال من العرب والمسلمين ليس إلايظهر أن السياسة العالمية قد بدلت حركتهم فجأة بعد 11 سبتمبر وخلال عصر الدوت كوم (الذي يبدو الآن كزمن ساحر غابر ) كانت أمريكا تندفع إلى الأمام وكانت الشيوعية المنافس الكبير الأخير للديمقراطية الليبرالية، قد انهارت تماما كالفاشية والملكية قبلها وكان الاقتصاد الأمريكي في عز صعوده وبدت المؤسسات الديمقراطية وكأنها تتقدم في أنحاء العالم كله وقيل أن التكنولوجيا تقرب القرية العالمية أكثر إلى بعضها بعضا بطرق قللت من أهمية الدول القومية التقليدية . اليوم اختلف كل شيء . فالولايات المتحدة دخلت الحرب ضد طالبان والقاعدة في أفغانستان بعد أن عانت هجمة ناجحة غير مسبوقة على أراضيها وتستنفر الآن أعداد كبيرة من المسلمين لمعارضة الولايات المتحدة، ويطلب من بلدان حول العالم أن تختار أحد الصراع وأصيب الاقتصاد بالركود في الولايات المتحدة والخارج في الوقت الذي ترمي فيه الاعتبارات الأمنية الرمل في حركة الاقتصاد المعاصر.
ما الذي يحدث هنا هل نرى بداية "صدام حضارات" تستمر لعقود تضع الغرب في مواجهة الإسلام المواجهة التي تمتد بوحشية من المستنقع الأفغاني لتصل تدريجيا إلى مناطق أوسع من العالم؟ هل ستتحول التكنولوجيا ذاتها التي بدت وكأنها تعزز الحرية كالطائرات وناطحات السحاب ومختبرات الأحياء ضدنا بأساليب لن تستطيع في النهاية وقفها؟ أم أن المواجهة الحالية ستتراجع ويعود العالم القديم ذو الاقتصاد العالمي المتداخل إلى وضعه فور الانتهاء من أسامة بن لادن وطالبان وطي صفحة شبكة الإرهاب؟
قبل 1. سنوات جادلت بأننا بلغنا "نهاية التاريخ" ولم أعن بذلك أن الأحداث التاريخية قد تتوقف لكن ما عنيته هو أن التاريخ الذي يفهم على أنه تطور المجتمعات الإنسانية من خلال أشكال مختلفة من الحكومات قد بلغ ذروته في الديمقراطية الليبرالية المعاصرة ورأسمالية اقتصاد السوق . إن وجهة نظري هي أن هذه الفرضية ما زالت صحيحة رغم الأحداث التي تلت 11 سبتمبر فالحداثة التي تمثلها الولايات المتحدة وغيرها من الديمقراطية المتطورة ستبقى القوة المسيطرة في السياسة الدولية والمؤسسات التي تجسد مباديء الغرب الأساسية في الحرية والمساواة ستستمر في الانتشار عبر العالم إن هجمات 11 سبتمبر تمثل حركة إرتجاعية عنيفة يائسة ضد العالم الحديث الذي يبدو وكأنه قطار شحن سريع لمن لا يريد ركوبه.لكننا بحاجة لأن ننظر بجدية إلى التحدي الذي نواجهه . وذلك لأن وجود حركة تملك القوة الإحداث خراب هائل في العالم الحديث حتى وإن مثلت عددا قليلا من الناس فحسب يطرح أسئلة حقيقية حول قدرة حضارتنا على البقاء . والأسئلة الأساسية التي يواجهها الأمريكيون وهم يزحفون باتجاه هذه "الحرب" على الإرهاب هي ما مدى عمق هذا التحدي الأساسي
وما نوع الحلفاء الذين نستطيع تجنيدهم؟ وما الذي ينبغي علينا عمله للتصدي له .
يجادل صامويل هانتينغتون عالم السياسة البارز في هذه الصفحات بأن المواجهة الحالية قد تتحول إلى "صدام حضارات" وهي إحدى المواجهات التي تنبأ قبل عدة سنوات بأنها سترهق عالم ما بعد الحرب الباردة وفي الوقت الذي تؤكد فيه إدارة بوش عن حق بأن النضال الحالي هو ضد الإرهاب وليس حربا بين الغرب والإسلام فإن هناك مسائل حضارية واضحة تلعب دورا فيه .
ولقد نزع الأمريكيون للاعتقاد بأن المؤسسات والقيم الديمقراطية والحريات الشخصية وسلطة القانون والرخاء المستند إلى حرية الاقتصاد تمثل تطلعات لا بد أن يشاطرهم فيها الناس حول العالم في النهاية إذا توافرت لهم الفرصة وهم ميالون للظن بأن المجتمع الأمريكي له جاذبيته للناس من جميع الثقافات . ويبدو الملايين من المهاجرين من بلدان في أنحاء العالم كله الذين يتذمرون من بلدانهم ويودون الانتقال إلى امريكا وغيرها من المجتمعات المتقدمة وكأنهم يشهدون على هذه الحقيقة.
لكن أحداث ما بعد 11 سبتمبر تتحدى هذه النظرة فمحمد عطا والعديد غيره من الخاطفين الآخرين كانوا أناسا متعلمين عاشوا ودرسوا في الغرب . ولم يستطيع الغرب إغرائهم بل إن النفور مما شاهدوه كان لدرجة أنهم كانوا راغبين بالانقضاض بالطائرات على بنايات وقتل الآلاف من الناس الذين كانوا عاشوا بينهم والقطعية الحضارية هنا كما هي بالنسبة إلى أسامة بن لادن وأتباعه من الأصوليين الإسلاميين قد تبدو كاملة هل قصر النظر الحضاري لدينا يجعلنا نظن أن القيم الغربية هي قيم عالمية محتملة
هناك في الحقيقة أسباب للاعتقاد بأن القيم والمؤسسات الغربية تلقى قبولا كبيرا لدى الكثير من شعوب العالم غير الغربية إن لم نقل جميعها . وهذا لا يعني نفي العلاقة التاريخية بين كل من الديمقراطية والرأسمالية مع المسيحية أو حقيقة أن الديمقراطية تملك جذورها الثقافية في أوربا فكما أشار الفلاسفة من أليكسيس دي توكوفيل وجورج هيجل إلى فريدريك نيتشه، فإن الديمقراطية الحديثة نسخة علمانية للمبدأ المسيحي في المساواة الإنسانية عالميا.
إلا أن المؤسسات الغربية كالأساليب العلمية، التي وإن كانت قد اكتشفت في أوربا فإن لها تطبيقات عالمية . فهناك آلية أساسية تشجع على لقاء طويل الأجل يتجاوز الحدود الثقافية اقتصاديا في المقام الأول والقوى ومن ثم في عالم السياسة وأخيرا (وفي المقام الأبعد) حضاريا وما يدفع هذه العملية إلى الأمام في المقام الأول هو العلم الحديث والتكنولوجيا التي تعتبر إمكاناتها على خلق الثروة المادية وسلاح الحرب هائلة إلى الحد الذي يوجب على المجتمعات الأخرى أن تقدم على التفاهم معها . إن تكنولوجيا الموصلات أو الطب العضوي لا تختلف بالنسبة إلى المسلمين أو الصينيين عما هي عليه للأمريكيين والحاجة لاستيعابها تتطلب تبني مؤسسات اقتصادية معينة تشجع النمو كالأسواق الحرة وسيادة القانون . وتزدهر اقتصاديات الأسواق التي تقودها التكنولوجيا الحديثة استنادا إلى الحريات الفردية أي نظام يقوم فيه الأفراد وليس الحكومات أو رجال الدين على اتخاذ القرارات المتعلقة بالأسعار أو نسب الفائدة.
وبدوره ينزع النمو الاقتصادي نحو إنشاء ليبرالية ديمقراطية ليس بصورة حتمية ولكن غالبا ما يحدث ذلك بقدر يجعل العلاقة بين النمو والديمقراطية أحد "قوانين" العلم السياسي القليلة المقبولة عامة فالنمو الاقتصادي يولد طبقة وسطى لها حقوق ملكية ومجتمعا مدنيا معقدا وحتى مستويات تعليمية أعلى للمحافظة على القدرة على التنافس وتخلق هذه العوامل مجتمعة أرضا خصبة تنمو فيها مطالب المشاركة السياسية الديمقراطية التي تأخذ شكلا مؤسساتيا ضمن الحكومات الديمقراطية في نهاية المطاف.
والحضارة المعتقدات الدينية والعادات الاجتماعية والتقاليد الثابتة هي الحلقة الأخيرة والأضعف في مسلسل التحول والمجتمعات تمقت التخلي عن القيم التي تدق جذورها عميقا وسيكون من السذاجة الشديدة الظن بأن الثقافة الأمريكية الشعبية مهما كانت درجة إغرائها ستسود العالم قريبا . والحقيقة أن انتشار ماكدونالدز وهوليوود حول العالم أشعل سخطا عارما ضد أسس العولمة المنتظرة.
وبينما تبقى الفوارق الثقافية في المجتمعات المعاصرة فإنها تميل لأن توضع في صندوق منفصلة عن السياسة وتنسب إلى عالم الحياة الخاصة والسبب في ذلك بسيط إذا كانت السياسة ترتكز على شيء كالدين فإنه لن يكون هناك سلم اجتماعي لأن الناس لا يستطيعون الاتفاق على القيم الدينية الأساسية إن العلمانية هي تطور حديث نسبيا في الغرب كان الأمراء والرهبان والمسيحيون يفرضون المعتقدات الدينية على رعاياهم ويلاحقون المعارضين وقد نشأت الدول الديمقراطية العلمانية الجيدة نتيجة الصراع الديني الدموي في أوروبا في القرنين الـ 16 وال 17 حين ذبحت المجموعات المسيحية بعضها بعضا دونما رحمة وقد أصبح الفصل بين الدين والدولة أحد مكونات الحداثة المعاصرة بالضبط بسبب الحاجة للسلم الاجتماعي وهي أطروحة مذهلة جادل بها الفلاسفة من أمثال هوبز ولوك ضمن تقليد عظيم وصل ذروته في إعلان الاستقلال والدستور الأمريكي .
ويقترح منطق الحداثة الأساسي هذا أن القيم الغربية ليست نتاجا حضاريا اعتباطيا للمسيحية الغربية لكنها تجسد مسارا عالميا أكبر والسؤال الذي نحتاج لطرحه عندئذ هو هل هناك ثقافات أو مناطق في العالم ستقاوم أو تثبت أنها منيعة على عملية التحديث؟
سيكون من الصعب إذا نظرنا إلى آسيا رؤية عوائق حضارية أمام التحديث كان رئيس وزراء سنغافورة السابق لي كوان يو يجادل بأن هناك "قيما آسيوية تدعم الاستبداد وليس ديمقراطية ناجحة . لكن السنوات الأخيرة شهدت انتقال كوريا الجنوبية وتايوان إلى ديمقراطية ناجحة مع زيادة ثرائهما وبالطبع فإن الهند أضحت ديمقراطية منذ استقلالها عام 1948 ورست أخيرا على مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية التي قد تساعد على تخليصها من الفقر أيضا وفي أمريكا اللاتينية والدول الشيوعية السابقة في أوروبا فإن المعوقات الثقافية أقل بروزا فالمشكلة بالنسبة إليهم هي الفشل في تحقيق التحديث على الأرض بدل النقمة على الهدف ذاته وأفريقيا الواقعة جنوب الصحراء لديها العديد من المشاكل من الإيدز إلى الحرب الأهلية والحكومات الرثة لكن من الصعب رؤية كيف تمنع التقاليد الثقافية المتنوعة هناك التحديث إذا استطاعت هذه البلدان لملمة نفسها في نواح أخرى.
إن الإسلام هو الحضارة الرئيسية الوحيدة في العالم التي يمكن الجدال بأن لديها بعض المشاكل الأساسية مع الحداثة ومع كل الحنكة التي تتمتع بها المجتمعات الإسلامية فإنها يمكن أن تتبجح بوجود ديمقراطية عاملة واحدة فقط (تركيا) وهي لم تشهد أي إنجازات اقتصادية مثل كوريا أو سنغافورة ومع ذلك فإنه من المهم أن نكون أكثر دقة في تحديد أين تكمن المشاكل الأساسية .
من المشكوك فيه أن يكون هنالك شيء موروث في الإسلام يجعله معاديا للحداثة فالإسلام كالمسيحية والهندوسية والكونفوشية أو أي ديانة أخرى من الديانات الكبرى أو التقاليد الحضارية عبارة عن نظام شديد التعقيد تطور بطرق متعددة مع مرور الوقت وأثناء الفترة المشار إليها أعلاه حين كانت أوروبا ممزقة بفعل الحروب الدينية كانت المذاهب المختلفة تتعايش بسلام في ظل نظام الملل العثماني وفي القرن الـ 19 وبداية القرن الـ 2. كانت هناك توجهات إسلامية ليبرالية مهمة في مصر وإيران وتركيا وأضحت جمهورية كمال أتاتورك أحد الأنظمة الأكثر علمانية في التاريخ الحديث.
ويختلف العالم الإسلامي اليوم عن غيره من الحضارات في وجه واحد مهم فهو وحده ولد تكرارا خلال الأعوام الأخيرة حركات أصولية مهمة ترفض لا السياسات الغربية فحسب بل المبدأ الأكثر أساسية للحداثة التسامح الديني واحتفلت هذه المجموعة بهجمات 11 سبتمبر لأنها قهرت مجتمعا اعتقدت أنه مجتمع فاسد في جذوره ولم يكن هذا الفساد يقتصر على الإباحية والمثلية الجنسية وحقوق المرأة فحسب كما هي موجودة في الغرب ولكنه نجم من وجهة نظرها من العلمانية نفسها وما يكرهونه هو أن الدولة في المجتمعات الغربية يجب أن تكرس التسامح الديني والتعددية بدلا من خدمة الحقيقة الدينية وبينما تجد شعوب آسيا وأمريكا اللاتينية ودول المعسكر الاشتراكي السابق أو أفريقيا الاستهلاكية الغربية مغرية وتود تقليدها لو أنها فقط استطاعت ذلك فإن الأصوليين مثل الوهابيين السعوديين وأسامة بن لادن أو طالبان يرون في ذلك دليلا على الانحلال الغربي.
وعليه فإن هذه ليست ببساطة "حربا" على الإرهاب كما تظهرها الحكومة الأمريكية بشكل مفهوم وليست المسألة الحقيقية كما يجادل الكثير من المسلمين هي السياسة الخارجية الأمريكية في فلسطين أو نحو العراق إن الصراع الأساسي الذي نواجهه لسوء الحظ أوسع بكثير وهو مهم ليس بالنسبة إلى مجموعة صغيرة من الإرهابيين بل لمجموعات أكبر كثيرا من الراديكاليين الإسلاميين ومن المسلمين الذين يتجاوز انتماؤهم الديني جميع القيم السياسية الأخرى إنها الأصولية الإسلامية التي تشكل الخلفية لحس أوسع من المظالم أعمق بكثير وأكثر انفصالا عن الحقيقة من أي مكان آخر وهذا النوع من الإسلاميين هو الذي يرفض تصديق أن المسلمين كانوا متورطين في الهجمات على مركز التجارة العالمي ويلقى اللوم بدل ذلك على إسرائيل وقد يشكو من سياسة الولايات المتحدة لكنهم يفسرون تلك السياسة على أنها جزء من مؤامرة أكبر على المسلمين (ناسين بشكل مناسب" أن السياسة الخارجية الأمريكية قدمت الدعم في الماضي للمسلمين في الصومال والبوسنة وكوسوفا والشيشان).
وإذا سلمنا بأن الصراع الأساسي ليس مع الإرهابيين الفعليين فقط ولكن مع الأصوليين الإسلاميين الذين يرون العالم كصراع ما نوى (صراع بين النور والظلام) بين المؤمنين والكفار فإننا لا نتكلم عن مجموعة صغيرة منعزلة من المتعصبين لقد ولد أسامة بن لادن تعاطفا كبيرا عبر العالم الإسلامي منذ 11 سبتمبر بسبب وقوفه ندا للولايات المتحدة من سكان المناطق مدقعة الفقر في باكستان إلى المهنيين في بيروت والقاهرة والمواطنين الباكستانيين والجزائريين في بريطانيا وفرنسا ويقدر المختص بشؤون الشرق الأوسط دانييل بايبس عدد هؤلاء 1. إلى 15 بالمائة من العالم الإسلامي.
لماذا ظهر هذا النوع من الأصولية الإسلامية فجأة من الناحية الاجتماعية ؟ قد لا تكون الأسباب مختلفة عن تلك التي حركت الفاشية الأوربية في وقت مبكر من القرن الـ 2. فقد شهد العالم الإسلامي اجتثاث أعداد كبيرة من السكان من قراها التقليدية أو حياتها القبلية خلال الجيل الماضي وقد تم تمدين الكثير منهم وتعرض هؤلاء لشكل أدبي آخر من الإسلام أكثر يدعوهم للعودة إلى شكل آخر أكثر نقاء من الدين تماما كما حاول متطرفو القومية الألمانية أن يعيدوا إحياء هوية عنصرية خرافية منذ زمن بعيد ولهذا الشكل الجديد من الأصولية الإسلامية جاذبية هائلة لأنه يزعم أنه يشرح فحوى خسارة القيم والارتباك الحضاري اللذين ولدتهما عملية التحديث ذاتها .
وعليه فإنه قد يمكن توضيح الأمور بالقول إن الصراع الحالي ليس ببساطة معركة ضد الإرهاب ولا ضد الإسلام كدين أو حضارة ولكنه صراع ضد الفاشية الإسلامية أي العقيدة الأصولية غير المتسامحة التي تقف ضد الحداثة والتي انبثق حديثا في أجزاء عديدة من العالم الإسلامي .
وينبغي أن يوجه إصبع اتهام قوى بشأن صعود الفاشية الإسلامية نحو المملكة العربية السعودية فثروات العائلة السعودية المالكة اختلطت بمصالح الطائفة السلفية الوهابية منذ سنوات عديدة فقد سعت الأولى للحصول على الشرعية والحماية من رجال الدين عن طريق ترويج الوهابية لكن الحكام السعوديين قدموا استثمارات جديدة هائلة لترويج مفهومهم الخاص للإسلام في الثمانينات والتسعينات خاصة بعد محاولة الاستيلاء على الحرم المكي الشريف عام 1979 التي تم إجهاضها ويمكن تصنيف الفكر الوهابي بسهولة على أنه إسلامية فاشية هناك كتاب دراسي إجباري للصف الـ 1. يشرح أنه "يجب على المسلمين أن يخلصوا لبعضهم بعضا وأن يعتبروا الكفار أعداءهم " ولم يروج السعوديون هذه العقيدة في الشرق الأوسط فحسب بل في الولايات المتحدة أيضا حيث قيل إنهم أنفقوا مئات ملايين الدولارات على بناء المدارس والمساجد لنشر مفهومهم الخاص عن الإسلام، وقد سمحت كل هذه الأموال القادمة من الخليج لأسامة بن لادن وأتباعه فعليا بشراء بلد أفغانستان لأنفسهم واستخدامها كقاعدة لتدريب جيل كامل من المتعصبين العرب وفي هذا المجال فإن الولايات المتحدة تلام أيضا لأنها هجرت (أفغانستان) بعد انسحاب الاتحاد السوفيتي ولأنها تخلت عن مسئوليتها في إقامة نظام سياسي مستقر ومعاصر هناك.
ويتعلق السبب الأخير لانطلاق الفاشية الإسلامية في الثمانينات والتسعينات " مسائل جذرية" كالفقر والركود الاقتصادي والسياسات السلطوية في الشرق الأوسط التي يعتبرها التطرف السياسي موادا للاشتعال وفي ضوء الاتهام المتكرر بأن الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية كان يمكن لها أن تتحرك لتخفيف هذه المسائل بشكل مهم فإننا نصبح بحاجة إلى وضوح شديد في معرفة جذور هذه المسائل الجذرية وبالفعل فإن المجتمعات الخارجية من خلال المنظمات الدولية كالبنك الدولي ما فتئت تقدم المساعدة للدول الإسلامية منذ البداية كما فعلت الولايات المتحدة في تعاملاتها الثنائية مع دول مثل مصر والأردن ومع ذلك كان القليل جدا من هذه المساعدة مثمرا لأن المشكلة الأساسية هي مشكلة سياسية في العالم العربي الإسلامي نفسه ففرص الإصلاح الاقتصادي والسياسي كانت دائما موجودة لكن عددا قليلا من الدول الإسلامية وجميع الدول العربية بشكل خاص تبنت نوع السياسات التي تبنتها دول مثل كوريا الجنوبية وتايوان وتشيلي أو المكسيك لفتح بلدانها على الاقتصاد العالمي ووضع أسس التنمية المستدامة ولم تتطوع أي حكومة عربية للتخلي عن السلطة لمصلحة الحكم الديمقراطي كما فعلت الملكية الإسبانية بعد الدكتاتور فرانكو أو الوطنيين في تايوان أو الدكتاتوريات العسكرية المختلفة في الأرجنتين والبرازيل وتشيلي وغيرها من مناطق أمريكا اللاتينية ولم تكن هناك لحظة واحدة في أي من الدول الغنية بالنفط في الخليج استخدم فيها ثراؤها لتأسيس مجتمع صناعي مستقل بدل خلق مجتمع يقوم على أصحاب الدخول الفاسدين الذين تحولوا مع مرور الوقت تدريجيا إلى متعصبين إسلاميين هذا الفشل وليس أي شيء فعله العالم الخارجي أو لم يفعله هو السبب الجذري في ركود العالم الإسلامي .
إن التحدي الذي يواجه الولايات المتحدة اليوم هو أكثر من مجرد معركة مع مجموعة صغيرة من الإرهابيين فبحر الفاشية الإسلامية الذي يسبح فيه الإرهابيون يشكل تحديا أيديولوجيا هو في بعض جوانبه أكثر أساسية من الخطر الذي شكلته الشيوعية كيف ستتقدم مسيرة التاريخ العريضة بعد هذه النقطة هل سيحصل الإسلام الراديكالي على مزيد من المؤيدين وأسلحة جديدة أقوى يهاجم بها الغرب؟ من الواضح أننا لا نستطيع أن نعرف لكن بعض العوامل ستشكل مفاتيح لذلك.
أول هذه العوامل هو نتيجة العمليات الدائرة الآن في أفغانستان ضد طالبان والقاعدة وبعدها صدام حسين في العراق وبالرغم من رغبة الناس في الاعتقاد بأن الأفكار تعيش أو تموت نتيجة استقامة أخلاقياتهم الداخلية فإن القوة لها شأن كبير فالفاشية الألمانية لم تنهزم بسبب تناقضاتها الأخلاقية الداخلية بل ماتت لأن ألمانيا احتلت وتحولت إلى أنقاض بفعل قصف جيوش الحلفاء وقد كسب أسامة بن لادن شعبية هائلة لنجاحه في الهجوم على البرجين التوأمين وإذا ما علق مجازا على عمود كهربائي في ميدان عام من قبل القوات الأمريكية مع من حماه من طالبان فإن جاذبية حركته ستقل كثيرا وبالعكس إذا استمرت المواجهة العسكرية بشكل غير مؤثر فإن الفاشية الإسلامية ستحصل على مزيد من التأييد.
التطور الثاني والأهم ينبغي أن يأتي من داخل الإسلام نفسه فعلى المجتمع الإسلامي أن يقرر فيما إذا كان يريد أن يصل إلى حل سلمي مع الحداثة وخاصة فيما يتعلق بالمبدأ الأساسي حول الدولة العلمانية والتسامح الديني ويقف العالم الإسلامي اليوم على تقاطع الطرق نفسه الذي كانت تقف عليه أوروبا المسيحية أثناء حرب الـ 3. عاما في القرن الـ 17 فالسياسات الدينية تقود صراعات محتملة لا نهاية لها ليس فقط بين المسلمين وغير المسلمين ولكن بين الطوائف الإسلامية أيضا( كثير من التفجيرات الأخيرة في باكستان نتجت عن خلافات سنية شيعية) وفي عصر الاسلحة البيولوجية والنووية يمكن لذلك أن يقود إلى كارثة على المجتمع إن هناك بعض الأمل في ظهور فكر إسلامي أكثر ليبرالية بسبب المنطق التاريخي الداخلي للعلمانية السياسية فالحكم الديني الإسلامي جذاب للناس في حالته التجريدية فقط أما بالنسبة إلى أولئك الذين اجبروا فعليا على العيش في ظل مثل هذه النظم في إيران أو أفغانستان مثلا فقد عانوا دكتاتوريات خانقة لا يملك زعماؤها كالآخرين حلولا لكيفية التغلب على الفقر والركود وحتى بينما كانت أحداث 11 سبتمبر تتكشف كانت المظاهرات مستمرة في طهران وغيرها من المدن الإيرانية وشارك فيها عشرات آلاف الشباب الذين فقدوا صبرهم تجاه النظام الإسلامي والذين كانوا ينادون بنظام سياسي أكثر ليبرالية وقد تحولت هتافات "الموت لأمريكا" السابقة إلى نداءات "نحن نحبك يا أمريكا" حتى في الوقت الذي كانت فيه القنابل الأمريكية تتساقط على طالبان في الجارة أفغانستان ويظهر فعليا أنه إن كانت هناك دولة ستقود العالم الإسلامي خارج مأزقه الراهن فإنها قد تكون إيران التي بدأت قبل 23 عاما الصعود الحالي للأصولية حين أسقطت الشاه وجلبت آية الله الخميني للسلطة وبعد جيل من الزمن فإنه من الصعب العثور على أي شخص تحت سن الـ 3. لديه أي تعاطف مع الأصولية وإذا استطاعت إيران إيجاد شكل إسلامي أكثر معاصرة وتسامحا فإنها ستشكل مثالا قويا لبقية العالم الإسلامي.
يجب على المسلمين المهتمين بصيغة إسلامية أكثر ليبرالية أن يتوقفوا عن لوم الغرب على أنه يرسم الإسلام بريشة عريضة جدا وأن يتحركوا لعزل المتطرفين بينهم وتقويض شرعيتهم وهناك بعض الدلائل على أن ذلك يحصل الآن فالمسلمون الأمريكيون يستيقظون الآن ليكتشفوا مدى تأثير الوهابية داخل مجتمعاتهم نفسها ويحتمل أن يدرك الذين يعيشون في الخارج منهم هذه الحقيقة إذا تحول المد بشكل واضح ضد الأصوليين في أفغانستان.
إن الصراع بين الديمقراطية الليبرالية الغربية والفاشية الإسلامية ليس صراعا بين نظامين حضاريين يتمتعان بقابلية البقاء نفسها ويستطيع كلاهما ركوب العلم والتكنولوجيا وخلق الثروات والتعامل مع التنوع الموجود في عالمنا المعاصر وفي هذه المجالات كافة فإن المؤسسات الغربية تسيطر على الأوراق كلها ولذلك فهي ستستمر في الانتشار في أنحاء العالم على المدى الطويل لكن الوصول إلى هذا المدى الطويل يتطلب أن نبقي أحياء على المدى القصير ولسوء الحظ فإن التقدم التاريخي ليس حتميا وهناك القليل من النتائج الجيدة عدا القيادة والشجاعة والتصميم على خوض المعركة دفاعا عن القيم التي تجعل المجتمعات الديمقراطية المعاصرة ممكنة.
في هذه الأيام تسمع دقات طبول الصدام في كل مكان ، ويمر العالم الإسلامي بأخطر منعطف في تاريخه ، حيث ترتفع في الغرب أصوات تقول بنهاية التاريخ عند النموذج الغربي ، وعلى الثقافات الأخرى - وفي مقدمتها الإسلام - أن تختفي من الوجود ، حتى يدور الجميع في فلك الغرب .
أمام هذا الوضع الحرج يطرح سؤال حول إمكانية وأهمية الحوار بين الإسلام والغرب .
وفي عددها الأخير تطرح مجلة " العربي " ملفا خاصا (ينشر في عددين) حول هذه القضية لعلها ترصد من خلاله جذور تلك العلاقة المشوهة التي تربطنا بالغرب ، وتفتح من خلال النقاش كوة من الأمل لحوار صريح وفعال بيننا وبين الحضارة الغربية .
وفي الجزء الأول من ملف " الإسلام والغرب .. صدام الحضارات متى تحين لحظة الحوار ؟ "
نطالع رؤى للدكتور حسن حنفي أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة ، والمفكر والمؤرخ اللبناني مسعود ضاهر ، والمفكر البحريني د.محمد جابر الأنصاري ، والكاتب والمحلل السياسي المصري محمد سيد أحمد .
تحت عنوان "الغرب وأزمة البحث عن عدو" يرى د.حنفي في مقاله أن الغرب هو الذي يخلق الأعداء من خلال نظرته الإستعلائية ومعاييره المزدوجه التي تولد الغضب والعنف .
ويقول بأن الإسلام والغرب ، تقابل مفتعل يحل المشكلة قبل تشخيصها ، ويثبتها قبل أن ينفيها . وهو تقابل خاطيء ، بين دين وحضارة وثقافة من ناحية وهو الإسلام ، ومنطقة جغرافية تحولت إلى صورة أو رمز أو مثال من ناحية أخرى ، وهو الغرب .
ويقول أنه في العصور الحديثة في الغرب بدأ إعلان عن حضارة العقل والعلم وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والعقد الاجتماعي منذ القرن السابع عشر . وتحققت في الثورة الفرنسية ومثلها في الحرية والإخاء والمساواة في القرن الثامن عشر . ولما بلغ العنفوان الأوربي الذروة في القرن التاسع عشر وسيطر على البر والبحر ، بان المعيار المزدوج ، البناء في داخل الغرب ، والهدم خارج الغرب ، العقل والعلم والحرية والديمقراطية في الداخل ، والأسطورة والخرافة والتسلط والقهر في الخارج ، فتحطمت القيم الغربية على حدود الجغرافيا . وأصبحت أدوات للسيطرة والتبشير والإلهاء والخداع ، وشق الصف الوطني ، وخلق طبقة منبهرة بالغرب باسم العلمانية والتنوير والحداثة والعقلانية والعلم ضد الأصولية والسلفية والظلامية والتخلف والتعصب والعنف والإنغلاق . فينشأ صراع بين الأقلية في الحكم والأغلبية في المعارضة ، ويتم الاستبعاد المتبادل بين الطرفين ، تكفير الأغلبية للأقلية ، وتخوين الأقلية للأغلبية .
ويقول د.حنفي بأن العالم الإسلامي هو الوحيد المرشح لأن يكون قطبا ثانيا في مواجهة القطب الأوحد الذي تتربع أمريكا على عرشه وتستخدم الأحلاف العسكرية والمنظمات الدولية لتنفيذ أغراضه مثل ضرب يوغسلافيا . فهو العالم الحي بتراثه الذي يزخر بتساؤلاته حول القديم والجديد ، التراث والحداثة ، الأصالة والمعاصرة . لم يقطع مع الماضي كما فعل الغرب في بداية العصور الحديثة . يمتد في التاريخ ،
إبداع حضارة ما زالت حية في القلوب ، وتثير الإعجاب والفخر لما قدمته للبشرية من علوم وفنون . وقام بحركات التحرر الوطني ، وقادها ، وفك إساره من الغرب . وأنشأ الدول الحديثة ، وأقام صرحا صناعيا في ماليزيا وإندونيسيا ومصر . وما زال يقوم بدور المعارضة للهيمنة الغربية في الأمم المتحدة رافضا الدخول في بيت الطاعة الأمريكي . وهنا يبرز التقابل بين الإسلام والغرب .
ويقول د. حنفي بأن الأصولية موجودة في كل حضارة فهي ليست مقصورة على الحضارة الإسلامية وحدها ، بل هي ظاهرة طبيعية في كل حضارة تصل في مسارها التاريخي إلى مرحلة التأزم .
* الحوار الثقافي :
أما قلم مسعود ضاهر فيؤكد في مقاله على الحوار الثقافي وأهمية .. فتحت عنوان "العرب والغرب : تاريخ من العلاقات المشوهة" يقول أنه رغم الأحداث الأليمة التي تشهدها الآن الساحة الدولية ، وانعدام الثقة في العلاقات العربية - الأمريكية بشكل خاص والعلاقات العربية مع الدول الغربية بشكل عام ، لابد من حوار ثقافي مسئول وطويل الأمد لإعادة الاعتبار للحوار بين الثقافات والحضارات وليس للصراع في ما بينها لكي يعيد الثقة المفقودة بين الجانبين .
فالغرب ليس واحدا وليس مطلقا بل يمتاز بالتنوع والتناقضات والصراعات . كما أن المجتمعات العربية بدورها ليست واحدة بل تمتاز أيضا بالتنوع الثقافي والديني والاجتماعي . وبالتالي ، فقد آن الأوان لمراجعة معارفنا عن الغرب ولإعادة النظر في المسلمات الراسخة في أذهاننا عنه وبناء صور جديدة تساعد على تقديم معرفة عقلانية وليس عاطفية أو انفعالية عن صورة المجتمعات العربية في الغرب . فالسائد لدى العرب هي صورة الغرب الاستعماري البشع الذي أشاع مناخا من الصدام والمواجهة مع الشرق . وصورة الغرب هي دوما صورة الغرب المنتصر كما عبر عنها فوكوياما وهنتنغتون . فهو انتصار الأقوى سياسيا واقتصاديا وعسكريا ومعرفيا . لكن على المثقفين العرب نقد مقولتي "صراع الحضارات" و"ما بعد الحداثة" وغيرهما لأنهما تعبر عن جديد أيديولوجيا العولمة الأمريكية ، دون أن تحمل أي تجديد ثقافي .
* مواجهة النفس أولا :
أما د.محمد جابر الأنصاري فيعرج بنا إلى منحى آخر ، ففي مقاله المعنون " نحن في علاقة مشوهة ... مع النفس! " يؤكد قبل كل شيء على لحظة المواجهة مع النفس قبل المواجهة مع الغرب أو الشرق رغم شراسة الهجمة المعادية ، وذلك تصحيحا لهذه "العلاقة المشوهة" التي طالت وتطاولت ، رغم أنها من المسكوت عنه في معظم الخطاب العربي الحديث والمعاصر .
المواجهة مع النفس ، من أجل المصالحة مع النفس ، بكل أبعادها الجمعية والفردية ، التاريخية والحضارية ، المجتمعية والسياسية . " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " .
ويقول بأنه قبل محاورة الغرب أو الشرق علينا أن نؤسس لحوار جديد ومختلف مع أنفسنا على الأسس التالية :
أولا: تربية العربي المسلم على تقبل العربي المسلم الآخر . وكذلك مواطنه الآخر غير العربي أو غير المسلم . فيرى أن تقبل "الغير" من المواطنين في الوطن - تعايشا وتحاورا وتسامحا -هو الشرط الأول لأي مشروع حوار حضاري أو سياسي مع الغرب أو الشرق .
ثانيا: أن تضع السياسات التربوية في المجتمعات العربية في مقدمة أهدافها تقديم مقررات في الثقافة العامة تشرح مختلف عناصر التراث الإسلامي والحضارة الإسلامية بصورة موضوعية رصينة ومسئولة إلى الأجيال الجديدة .
ثالثا: التنوير الثقافي العام بشأن المعطيات الحضارية الإنسانية المختلفة التي صبت في كيان الحضارة العربية الإسلامية سواء من حضارات الشرق القديم من بابلية وسومرية ومصرية قديمة ... إلخ ، أو من الحضارات الفارسية واليونانية والهندية والصينية التي اقتبس منها العرب والمسلمون باختيارهم ومن موقع القوة والثقة بالنفس .
* التواصل والتكامل :
وأخيرا يجيب قلم محمد سيد أحمد في مقاله " تصاعد الإرهاب.. وصدام الحضارات" على السؤال الكبير : كيف تكون عوامل التواصل والتكامل أقوى من عوامل التنافر ، بل وتردي هذه الأخيرة إلى حد بلوغ عتبة اليأس ، وعتبة الإرهاب ، والرجوع بالبشرية إلى الهمجية ؟
وكخطوط عريضة للإجابة عن السؤال .. يقول بضرورة تحقق الأمور التالية :
أولا: وقف الحرب ، والحيلولة دون زيادة انتشارها ، واستخدام التفوق التكنولوجي في مختلف جوانبه ، قبل الردع العسكري ، سلاحا رئيسيا في إبطال مفعول الأعمال الإرهابية .
ثانيا: إصلاح النظام الدولي لإجهاض مبررات اللجوء إلى الإرهاب ،
ويتطلب ذلك حلا عادلا لمشاكل عويصة كشفت عن أوجه غبن صارخة ، على رأسها القضية الفلسطينية .
ثالثا: نقل كل مكونات الصراع إلى العلنية والشفافية والديمقراطية ، وإتاحة فرصة المشاركة في صنع القرار للجميع .
رابعا: دعم هيئة الأمم المتحدة بهيئة للمنظمات غير الحكومية ، تمثل وجهات نظر المجتمع المدني في القضايا الكبرى المصيرية .
من المقرر أن يقدم عدد فبراير 2..2 من " العربي" الجزء الثاني من الملف ، الذي يشارك فيه د.أنور عبد الملك ، ود.جورج قرم ، ود.فهمي جدعان ، ود.وجيه كوثراني .
أخفق اجتماع دام قرابة ثلاث ساعات بين ممثلين رفيعي المستوى من وزارة العدل الامريكية ومكتب التحقيقات
الفيدرالي ( أف بي آي) ومكتب الهجرة في اقناع مسلمي الولايات المتحدة بعدم وجود سياسة تدعو لاضطهادهم في اعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر على كل من نيويورك وواشنطن.
وذكرت ميدل ايست نيوز اون لاين ان المسؤولين الامريكيين
لم يفلحوا في تهدئة مخاوف المسلمين ممن حضروا الاجتماع الذي عقد الاحد الماضي في لاميرادا بكالفورنيا برعايــة مجلس العلاقات الامريكية الاسلامية (كير) او في ان يطمئنوهم حول اوضاعهم.
وكانت نقاشات حادة قد دارت خلال الاجتماع الذي حضره ممثلون عن الادارات الامريكية الثلاث من بينهم رونالد وكاباياشي من وزارة العدل الامريكية، وطريف نشاشيبي رئيس اللجنة العربية الاميركية التابعة للحزب الجمهوري، بالاضافة الى ما يزيد على 12. من العرب الاميركيين ومسلمين من شبه القارة الهندية حول الاجراءات التي يتوجب اعتمادها لطمأنة الامريكيين العرب والمسلمين في الولايات المتحدة.
وسادت لحظات توتر خلال الاجتماع بعدما اخفقت كافة المحاولات التي بذلها الامريكيون لنفي اعتماد بلادهم لسياسة اضطهاد ضد العرب والمسلمين ، مما دفع المسؤول في وزارة العدل الاميركية عن ولاية كاليفورنيا جون جوردن لمخاطبة الحضور بالقول" لا تنسوا حقوقكم.. لاتعتقدوا باننا سنحل كل المشاكل".
واضاف جوردن بان وزارة العدل الامريكية تجري حاليا تحقيقات حول قضايا كلف بها مكتب التحقيقات الفيدرالي في اعقاب احداث الحادي عشر من سبتمبر، مضيفا انه يتعين على المسلمين اللجوء الى القضاء اذا شعروا بانهم " ضحايا" او يعاقبون بغير حق.