|
مقدمة في نقد تأويل التأويل / جزء 4
غالب محسن
الحوار المتمدن-العدد: 3507 - 2011 / 10 / 5 - 21:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }. آل عمران آية 7
هذه من بين أشهر آيات التأويل على الأطلاق ، كما أعتقد . حاول النيسابوري تفسيرها بحوالي 10 صفحات ، والطبري حاول أن يشرحها بما يوازي 17 صفحة ولم يزد على هؤلاء سوى الطبطبائي حيث جاهد في شرح هذه الآية وحدها بحوالي 50 صفحة .
أذن ، هذه هي من بين أكثر الآيات التي أثارت الخلافات بين الكثير من المفسرين حتى في حياة كبار صحابة الرسول من الفئتين بمن فيهم أبن عباس الذي قال عنه النبي " اللهم علمه الحكمة " وفي رواية ثانية " فقّهه وعلّمه الكتاب والتأويل " ، بل هو من قال عن نفسه أنه المقصود ب " الراسخون في العلم " في هذ الآية . من هذه الزاوية ، يمكن القول أن هذه الأختلافات نشّطت السجال الفكري بين مختلف المدارس بل وأغنت الفكر الفلسفي نوعاً ما .
ولو شئت التأويل ، كما صار مفهومه لاحقاً ، لزعمت أن الطبطبائي أنما أوحى في شروطه (وردت في مطلع الجزء 2 من هذه التأملات ) الى هذا الجزء من الآية " وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ " . وقد لا أجافي الحقيقة كثيراً لو قلت أن أكثر المفسرين المعاصرين وأن أختلفوا بالمذهب مع السيد الطبطبائي وخصوصاً من " الفضائيين " و أصحاب محطات البترول من الحُكّام وأهل الخيام ، أنما يؤيدون بالتمام ما ذهب اليه خصوصاً تأويل من أنهم بالذات من قصدهم ذو الجلالة . لذلك ليس مصادفة أبداً أنهم يجتزؤن هذه الآية الى هذا الحد " ٱلْعِلْمِ " لتأكيد معنى أنهم الراسخون في العلم ويقصدون أنهم مع الله يعلمون تأويله وهم في الحقيقة بعيدين كل البعد عن ذلك . تلك الفكرة رغم سذاجتها الظاهرة ، للنبيه والحليم ، فأنها تنطلي على الغالبية العظمى من المؤمنيين وتراهم في هواها سارحين مطمأنيين في رعاية مَن هُم في وَهم العِلم راسخين .
الحرف الذي أسقط الحكمة في شباكه
أختلف المؤولون في تفسير هذه الآية ، بشكل حاد أحياناً ، وانقسموا الى معسكرات و جماعات ، من العلماء والتابعين وبُنيت عليها ، في ضوء ذلك ، الأحكام و الفتاوى . والأختلاف بين المسلمين ليس غريب ، لكن السبب هنا عجيب ، وأثار كل هذا السجال حتى أنقطع الوصال . أنه حرف الواو الذي يسبق الراسخون ، وبه سر التأويل يعلمون ! يا لغرابة هذا الحرف الذي سرق الأضواء من الحكمة الألهية وأسباب التنزيل وجعلها ، في ظلاله ، تبحث عن مكانة لها في التفسير والتاويل . وأنشغل المفسرون لا بتفسير تلك الحكمة بل في أعراب هذا الحرف ومكانه وما أذا كان معطوفاً على لفظ الجلالة أم الجملة التي أتت بعده .
وهكذا سعى المفسرون بدافع من الأيمان وحب الرحمان ، والرغبة الصادقة في الجنان ، كل بحسه وقدرته وبحكمة لقمان ، مهما كان اللسان ، من مكة والمدينة ونجران ، من الأنصار والمهاجرين والعربان ، من أتباع أهل البيت ومن آل عثمان ، الكل ، صادقاً ، ومجاهداً في تفسير القرآن ، وهل كان حرف الواو معطوفاً على لفظ الجلالة أم مبتدأً كان .. كانت كتب التفسير ، تسرف في الأعراب والتصريف ، وفي الأقتباس والأمثال والذي قيل وما قال ، حتى كادت تضيع رسالة الوحي بين الحروف والخبر المعطوف . لكن الخلاصة التي ضُيّعت ، وأندثرت ، بقصد أهل العلم ، مع مرور الزمن لمصلحتهم " الراسخين في العلم " هي حقيقة أنهم لا يعلمون تأويله وهذه أمثلة على ذلك :
1. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالراسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مّنْ عِندِ رَبّنَا }. يعنـي جل ثناؤه بذلك: وما يعلـم وقت قـيام الساعة وانقضاء مدة أجل مـحمد وأمته وما هو كائن ، إلا الله ، دون من سواه من البشر الذين أمّلوا إدراك علـم ذلك من قبل الـحساب والتنـجيـم والكهانة . الراسخون فـي العلـم، فـيقولون: آمنا به كل من عند ربنا، لا يعلـمون ذلك ، ولكن فضل علـمهم فـي ذلك علـى غيرهم العلـم بأن الله هو العالـم بذلك دون من سواه من خـلقه. / الطبري
2. وهل يعلم الراسخون تأويله أم لا ؟ فيه قولان . أحدهما: أنهم لا يعلمونه ، وأنهم مستأنفون ، وقد روى طاووس عن ابن عباس أنه قرأ { ويقول الراسخون في العلم آمنّا به } وإلى هذا المعنى ذهب ابن مسعود ، وأبيّ بن كعب ، وابن عباس ، وعروة ، وقتادة ، وعمر بن عبد العزيز ، والفراء ، وأبو عبيدة ، وثعلب ، وابن الأنباري ، والجمهور . / ابن الجوزي
3. { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ } يعني منتهى ملك هذه الأمة ثم قال تعالى: { وَٱلرسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ } قال الكلبي ومقاتل: استأنف الكلام يعني لما قال { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ } فقد تم الكلام ثم استأنف فقال: { وَٱلرسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ } [أي البالغون العلم في كتبهم] التوراة والإنجيل { يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ } يعني القرآن . تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ)
4. { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ } ، كم يملكون من السنين ، يعنى أمة محمد ، يملكون إلى يوم القيامة ، إلا أياماً يبتليهم الله عز وجل بالدجال . تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ)
5. الثاني: أنهم خارجون من الاستثناء، ويكون معنى الكلام: ما يعلم تأويله إلا الله وحده ، ثم استأنف فقال: { وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ } . تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي
6. والذى نراه أنه إذا فسر المتشابه بما استأثر الله - تعالى - بعلمه كقيام الساعة وحقيقة الروح ، كان الوقف على لفظ الجلالة وكانت الواو فى قوله { وَٱلرَّاسِخُونَ } للاستئناف ، والراسخون مبتدأ وجملة " يقولون " خبر عنه. أى والراسخون فى العلم يقولون آمنا به ويفوضون علمه إليه - سبحانه - ولا يقتحمون أسواره تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) .
الأمانة تقتضي ، طبعاً ، ذكر أن هناك آخرون ، وأن كانوا قلة ، قد قالوا كلاماً مختلفاً وأن كان أقرب للحيرة منه لليقين . و كما جاء في تفسير الطبري " بل معنى ذلك: وما يعلـم تأويـله إلا الله والراسخون فـي العلـم .... عن مـجاهد، عن ابن عبـاس أنه قال: أنا من يعلـم تأويـله " ومثله قال الطبرسي : { وما يعلم تأويلـه إلا الله والراسخون في العلم } أي الثابتون في العلم الضابطون لـه المتقنون فيه واختلف في نظمه وحكمه على قولين أحدهما: أن الراسخون معطوف على الله بالواو على معنى أن تأويل المتشابه لا يعلمه إلا الله وإلا الراسخون في العلم فإنهم يعلمونا ويقولون على هذا في موضع النصب على الحال وتقديره قائلين { آمنا به كل من عند ربنا }.
الخلاصة هي أن هذا القول (الراسخون في العلم يعلمون تأويله ) هو الأضعف عند معظم المفسرين ولم أجد بين الذين ذكرتهم من يميل الى هذا القول ، صراحة ، بل على العكس حيث أنهم جميعاً ، تقريباً ، يميلون بوضوح الى أن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويله بل يقولون آمنا به .
لكل من يرغب بالمزيد ما عليه سوى تصفح كتب التفسير .
التأويل تأتأة الملالي
كنت قد كتبت سابقاً أن التأويل ، في معناه اللاحق لمرحلة الوحي وحتى يومنا هذا ، وتعدد وأختلاف التفاسير ومن أن " القرآن حمًال أوجه " يمكن أن تكون دلالات ضعف وليست قوة كما قد يبدو للوهلة الأولى ، يعني حجة عليه لا له . بل أرى ، لو ذهبت أعمق ، أن هذا التأويل بهذا المعنى اللاحق قد دفع ، في الممارسة ، الى التعصب والتكتل الطائفي وبالتالي للتباعد ليس مع الآخرالأجنبي بل والمختلف منًا أيضاً أكثر مما أغنى الفكر الأسلامي . فحروب المسلمين فيما بينهم منذ أجتماع السقيفة وحتى الآن أنما كانت من بين أسبابها الأختلاف في التأويل . ألم يكن التأويل هو من بين أسباب مقتل " الخلفاء الراشدين " جميعاً ( هناك ضنون حول مقتل الخليفة الأول أبا بكر ) ؟ ألم يتلفع التأويل بقميص عثمان ؟ أليس هو التأويل من دفع سيد الشهداء للخروج على يزيد بن معاوية ؟ ألم يحتمي معاوية بالتأويل وهو يأمر بسب الأمام من على المنابر ؟ بنو العباس ثاروا على بنو عمومتهم بنو أمية ولاحقوهم بنفس حجتهم . وأذا كان التأويل نوراً عند شيخ الحكماء المسلمين أبا الوليد فأنه كان ظلاماً عند أبن عبدالوهاب والسلفيين الجدد من أمثال طالبان والشباب وغيرهم كثير.
ولعل أحد أبرز الأمثلة على ما آل أليه ذلك الأختلاف في التأويل هو ما يُعرف في التراث الأسلامي التقليدي بحروب الخوارج التي كانت لهم تأويلاتهم " النارية " الخاصة حول الخلافة والتحكيم والتكفير وغيرها . وأذا كنت قد قلت في مناسبة سابقة من أن التأويل قد أزدهر منذ وفاة الرسول ، فأن الخلافات " والتاويلات " كانت بدايتها في الواقع بين الصحابة أنفسهم " والفقهاء " حتى في زمن المصطفى . وهناك شواهد عديد تؤكد هذا الزعم أشهرها واقعة مرض الرسول . عن ابن عباس قال : لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه قال ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده قال عمر إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا فاختلفوا وكثر اللغط قال قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع // صحيح البخاري * .
أن أحد شكوكي حول أسباب أزدهار التأويل منذ وفاة صاحب الدعوة ، بالأضافة الى ما ورد ، هو غموض الآيات القرآنية وتكرارها وتعدد وأختلاف قرائاتها وتناقضاتها بما فيها غموض حكمة الناسخ والمنسوخ وحتى في الحدود وأحكام الحلال والحرام (التي تشملها الآيات التي تُعرف بالمُحكم من القرآن ) يبدو التأويل مفترقاً ** .
تأويل التأويل وحلف الأيمان والسلطان
وهكذا أحتل التأويل ، شأناً بارزاً في الجدل الفلسفي و" طغى " ثم صار موضوعاً محبباً لطلاب " العلم " والتقرب لله والسلطان في آن . أما في خطابات الأسلام السياسي الرسمي فقد تألق وأن تخفى معظم الأحيان بالحجاب والجلباب . فمن جهة كان هذا التغيير ، والتطور أن شئتم ، في دور التأويل ، أستجابة لضرورة فكرية حتمتها المواجهة مع التطور الاجتماعي والعلمي المتسارع ، ومن جهة أخرى مصلحة سياسية ( ميكيافيلية ) . هكذا تشكل حلف السلطة والأيمان وتشكل البرهان ، على جمرٍ هادئ ، في معظم الأحيان ، وأن بأطرافها لظت النيران . فالتأويل بمعناه القرآني ، التفسير والعاقبة ، لم يكن ليخدم هذه الخطابات بل كان ليلقي المزيد من المآزق والمتاعب التي تواجه أصحابه ويضعف من تبعية المؤمنيين لرجال الدين والدولة . ومن ناحية ثانية فأن النص ذاته بدأ يلاقي المصاعب الواحدة تلو الثانية ، في مواجهة متطلبات التطور الأجتماعي من جهة والتقني - العلمي وعالم الأنترنت من جهة أخرى .
أصبح التأويل ، أذن ، هو " المُخلِّص " وهو سلاح المقاومة الأسلامية الأرأس ، خارج حدود الفلسفة الرصينة ، في الكفاح الفكري – السياسي في وقت تضيق فيه الدائرة حول النص المقدس في المواجهة المستعرة مع شبابيك التويتر والفيس بوك وتفجيرات طالبان . هكذا أُسند للتأويل دوراً جديداً ، ليس تأويل النص القرآني ، بل تأويل التأويلات السابقة مع ترك مساحة مريحة لتأويلات قادمة وهكذا ..
التاويل معرفة
وهنا لا بد من الأشارة الى أن التأويل الذي أعنيه بشكوكي هو ليس المعنى الكلاسيكي الذي قصده القرآن ، أي معنى التفسير والعاقبة والمصير وكما جاء في الأمثلة السابقة . هذا المعنى الذي جاء في المعجم الوجيز أيضاً . أنا مهتم بذلك المفهوم من التأويل ، القسري ، الفج ، والبعيد عن روح النص المقدس ، و أُريدَ له حل التناقضات التي تكالبت على الكتاب ، من جهة ، ومصالح الحكم من جهة أخرى .
ومن غير شك فأن العديد من فلاسفة المسلمين حتى في هذه المرحلة قد أضافوا للمعرفة ، عبر موضوعة التأويل ، الشئ الكثير وفي مقدمتهم شيخ الفلاسفة أبن رشد خصوصاً في منظراته مع الشيخ الغزالي وكذلك المعتزلة وغيرهم حتى العصر الحديث . أنني لا أنشد بأي حال التقليل من أهمية التأويل المعرفي للأستدلال ، هذا التأويل الذي يتكئ على أريكة المنطق الأرسطي ويستريح على شواطئ الفلسفة العقلية لفرانسيس بيكون و رينيه ديكارت بل وأنظر بأعجاب شديد لأجتهادات بعض المفكرين الباحثين في هذا الميدان ، خارج الحيطان ، للمعرفة أفترشوا الشطآن ، من بينهم المفكر نصر حامد أبو زيد مثلاً في رسالته للدكتوراة " فلسفة التأويل / دراسة في تأويل القرآن عند أبن عربي " . وكما قلت فأنا منشغل بالتأويل كما قصده الوحي .
كما أن شكوكي تُميّز التأويل بمعناه المعاصر أو ما يُعرف بالهيرمينوطيقا التي تعنى في بحث النصوص (الدينية خصوصاً ) لمعرفة مقاصدها ودلالاتها المخفية والتي تطورت لتشمل النصوص الأدبية والتاريخية أيضاً . ورغم أن بواكيرهذه الأخيرة قديمة ، وحيث لاقت رواجاً واسعاً ، قديماً بين فلاسفة وفقهاء المسلمين ، ألا أن ملامحها لم تتضح ألا في العصر الحديث .
ماهي حدود التأويل ؟
لم يعد التأويل حكراً لأحد ولا حتى لأصحاب المنابر والعنابر وساكني المقابر . فكلما واجهت أحداً بفكرة تتناقض مع النص المقدس تحديداً فاجأك ب " تخريجة " تتركك بأنشداه هو اقرب للأنصقاع . منذ فترة طويلة نسبياً تخليت عن المجادلة بالأحاديث النبوية ، معانيها ومقاصدها ، لأنني أدركت عدم جدوى المجادلة . فالأجابات جاهزة قبل الأسئلة من قبيل أن هذا الحديث ضعيف (كذا) ، وأن ذاك غير متفق عليه ، و التالي من أحاديث الآحاد ، وأن البُخاري جَمَعَ ستمائة ألف حديث ولم يصح عنده سوى أربعة آلاف وكذلك مسلم أوغيرها من الحجج ، وتصورت أن النص القرآني بقدسيته ، وجبروته في وحدانيته ، والمتفق عليه بالأجماع ، في كل الأصقاع ، سيغني عن هذه " المشاق " . لكن خاب ضني من جديد .
وهكذا ، كَثُرَ المؤولون في زماننا وأختفى المفسرون !!
أذن لم يعد معنى التأويل كما جاء في الكتاب ولا كما أجتهد له خيرة فلاسفة المسلمين الأقدميين ، بل تحول راهناً ، الى الحد الذي يمكن وصفه بالأبتذال كما في مثال خالد الجندي الذي سبق ذكره (جزء 2 ) . أن تعدد التفاسير والتآويل والمدارس والملل لايمكن أن تكون في صالح الدين الأسلامي . فهذه الكثرة ، ستقود حتماً الى العثرة ، ولا بد لها من أن تترك المؤمن البسيط وغيره الآخر الباحث عن الحق في حيرة ، تدفعه بعيداً عن الأيمان ، فيضيع منه الميزان ، ويقع في قبضة السلطان ، من الآن ، وحتى ظهور صاحب الزمان .
ألم يبعتد الكثيرين من عامة الناس عن السياسة لهذا السبب بالذات .
تأويل أم تضليل
التأويل متقلب بينما التفسير ثابت . هذه الفكرة أوحى بها النيسابوري منذ أكثر من سبعة قرون حيث جاء في كتابه تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان ، في شرح نفس الآية ( 7 / آل عمران ) " ثم إن كل أحد من أصحاب المذاهب يدعي أن الآيات الموافقة لمذهبه محكمة ، ولقول خصمه متشابهة .... فكل منهم يسمي الآيات الموافقة لمذهبه محكمة والمخالفة متشابهة ، وربما آل الأمر في ترجيح بعضها على بعض إلى وجوه ضعيفة وتراجيح خفية ، وهذا لا يليق بالحكمة .. ".
قد يبدو هذا الكلام مساساً بالمقدسات أو تعدياً على كتاب الله . غير أن هذا الزعم لا ينم عن معرفة . أن كبار المفسرين القدامى قد قالوا قولاً مشابهاً من حيث الجوهر . فالآيات المنسوخة يؤمن بها ولا يُعمل بها على أعتبار زوال مسبباتها وهي ما يسميها الكتاب الآيات المتشابهات . " فقال بعضهم : الـمـحكمات من آي القرآن : الـمعمول بهنّ ، وهن الناسخات ، أو الـمثبتات الأحكام ؛ والـمتشابهات من آية: الـمتروك العمل بهن ، الـمنسوخات . عن ابن عبـاس قوله: { هُوَ الَّذِى أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَـابَ مِنْهُ آيَـاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَـابِ } الـمـحكمات : ناسخه ، وحلاله ، وحرامه ، وحدوده ، وفرائضه ، وما يؤمن به ، ويعمل به . قال: { وَأُخَرُ مُتَشَـابِهَـاتٌ } والـمتشابهات: منسوخه ، ومقدّمه ، ومؤخره ، وأمثاله ، وأقسامه ، وما يؤمن به ، ولا يُعمل به . وأيضاً عن ابن عبـاس والـمتشابهات: هن الـمنسوخات التـي لا يدان بهن . عن الـحسين بن الفرج ، قال: سمعت أبـا معاذ يُحدّث ، قال : أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان ، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { مِنْهُ آيَـاتٌ مُّحْكَمَاتٌ } يعنـي : الناسخ الذي يعمل به ، { وَأُخَرُ مُتَشَـابِهَـاتٌ } يعنـي الـمنسوخ ، يؤمن به ولا يعمل به. // الطبري
هل نحن بحاجة لتأويلٍ جديد ؟
أن المطلوب ليس تأويلاً جديداً سرعان ما يتقادم لنقوم بتأويل جديد لذاك التأويل في حلقة لا تنتهي في وقت يضيق فيه الخناق أزيد حول الأسلام كفكر عموماً . فالتطور الأجتماعي والعلمي لا يتوقفان ، أما النص فهو ثابت ، لا يتغير . ومهما حاول التأويل جاهداً ، بحسن نية أم بغيرها ، فأنه سيضطر في النهاية لتأويل التأويل أو ، أن شئت الصراحة ، للتضليل . أن ما نحتاج أليه هو وقفة نقدية موضوعية ، شجاعة ، لكن حكيمة قبل كل شئ ، ببعدها الزماني والأنساني ، من أن النص المقدس ، كان ، بمعنى أن زمانه غير هذا الزمان وأن ما ملكت الأيمان والجزية والرقيق والحدود و قطع الأيادي والجَلد والسبي وضرب النساء ورجمهن وغيرها ربما ( تجاوزاً للجدل ) كانت في وقتها مقبولة وربما كانت أحكام ومفاهيم ضرورية ، وربما وربما ...الخ وأنتهى دورها ، و مكانها الآن كما كتب التأريخ . هذه ليست دعوة لترك الأيمان ، فهذا شأن خاص بالأنسان ، بل لعلها تُغني تأمل الحيران ، الصابر في السرّاء والضرّاء بقوة الرحمان ، طالباً العفو والغفران ، لجَنةٍ يَسقُون الخمرَ فيها غلمان ، و بيوتٌ من ياقوتٍ وكهرمان ، له فيها ما شاء مما ملكت الأيمان ، من غير تأويل أو تحوير أو كتمان ، إنما هو حلمٌ راودَ المؤمن السهران . د . غالب محسن
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------- * وفي رواية أخرى ( للشيعة ) أن عمر قال " لا حاجة لنا بكتابه إن النبي يهجر ( يعني يهذي من شدة المرض – التوضيح مني ) وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله " . ورد في الصحيحين والطبري وأبن الأثير وغيرهم .
** خذ مثلاً موضوعة تحريم الخمر التي أختلف فيها العديد من " الفقهاء " الذين يعتبرون من كبار أئمة المسلمين والصحابة من بينهم الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود وشيخ الأسلام سفيان الثوري والأمام أبو حنيفة النعمان وغيرهم ممن لم يُحرِّموا الخمر بالمطلق وكانت لهم " تأويلاتهم " المختلفة عن ما هو معروف وشائع للآيات التي وردت فيها وأسباب نزولها والحكم فيها . هذه التأويلات ومثيلاتها ( المختلفة عن العام ) تم دفنها مع أصحابها من قبل المؤوليين الجدد .
#غالب_محسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقدمة في نقد تأويل التأويل // جزء 3
-
مقدمة في نقد تأويل التأويل / جزء 2
-
مقدمة في نقد تأويل التأويل / جزء 1
-
الى المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي العراقي مع أطيب التحيات
-
عندما يكون العنف طريقاً للحق / جزء 2
-
عندما يكون العنف طريقاً للحق / جزء 1
-
تأملات في تقييم الحركة الأنصارية / جزء 2
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 16 / تأملات في تقييم الحر
...
-
التيار الديمقراطي بين الأمل وثقل العمل (2)
-
التيار الديمقراطي بين هَم الأمل وثقل العمل (1)
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 13 / من غير وصايا كان الع
...
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 12 صَخبٌ في العقول
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 11
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 10 /الأيمان في الغربة وطن
...
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 9 / الأيمان في الغربة وطن
...
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 8 تبسيط السياسة دون أبتذا
...
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 7 // الرمز الديني بين مطر
...
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 6 // جزء 2 (2)
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 6
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 5 / السياسة بين التأمل وا
...
المزيد.....
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|