أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - أبو الحسن سلام - الأطفال في مسرح يوسف عز الدين عيسي بين التربية الجنسية والتربية الأسرية















المزيد.....



الأطفال في مسرح يوسف عز الدين عيسي بين التربية الجنسية والتربية الأسرية


أبو الحسن سلام

الحوار المتمدن-العدد: 3507 - 2011 / 10 / 5 - 16:08
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة
    



يحار الناقد أمام كتابات يوسف عز الدين عيسى المسرحية ، ليس لأنه مسرح أفكار ، وليس لأنه مسرح خيال علمي ، ولكنه محير لكونه يوجه خطابه إلى الأطفال - وقد يبدو غريباً أن يهتم عالم كبير وأديب مرموق بالكتابة في اتجاه نظرية التعلم الخاصة بالأطفال ومع ذلك نجد لبيكاسو كتابات في المسرح يتوجه خطابها إلى الأطفال مثل (البنات الأربعة ) وهي أقرب ما تكون إلى الرسم والتشكيل بالكلمات بديلاً عن الألوان كتابة تشكيلية أشبه ما تكون باللعب بالألوان . ولئن كانت الكتابة التشكيلية في مسرحية بيكاسو تصويراً دقيقاً لبراءة الطفولة وحركة تداعياتها اللفظية والحركية فإن كتابة يوسف عز الدين عيسى للطفل هي لون من ألوان اللعب بالفكرة في اتجاه بنيوية معرفية طفلية . والمثال الذي نتوقف عنده في هذا المبحث هو مسرحيته ( نريد الحياة ) يجسد فيها نطفاً تخيلها أجنة في رحم الغيب في انتظار أن تولد واللهفة تدفعها دفعاً إلى الثورة على حارس أبواب الحياة ، شكاً منهم في أنه يحول بينهم وبين الخروج إلى الدنيا :
( أعمدة وأثاث فاخر وديكور آية في الإبداع يملأ المسرح . في الخلف باب زجاجي بعرض المسرح يطل على حدائق غناء وجبال وبحيرات تبهر الأبصار . نرى عند فتح الستائر عشرة أطفال ، خمسة ذكور وخمس إناث في أثواب جميلة متنوعة الألوان . إنهم أطفال صغار مازالوا في عالم الغيب ، اجتمعوا في هذا المكان المجهول الذي لا تراه عيون البشر . جميع الأطفال ينظرون إلى الباب الخلفي بشوق وترقب . ينتظرون سفينة الحياة التي ستنقلهم إلى عالمنا الأرضي حيث تلدهم أمهاتهم ، فهم لم يولدوا بعد . لابد أنهم يتطلعون بفارغ الصبر إلى ذلك اليوم السعيد الذي سيولدون فيه . ولقد طال انتظارهم ونفد صبرهم . وحتى الآن لم يأت دورهم . ينتفض أحد الأطفال فجأة صائحاً ) .
الطفل : نريد أن نولد . نريد أن نولد .
طفل : ( صائحاً في ثورة) منذ أحقاب طويلة ونحن ننتظر هنا .
متى سنولد ، نريد أن نهبط إلى الأرض لنولد ونكبر ونعيش .
طفلة : ( ثائرة) لقد مللنا الانتظار ، نريد أن نولد ، ألا ينوون ولادتنا "
ان الباب الزجاجي بعرض المنظر في بداية المشهد علامة دالة علي الغشاء الذي يحيط بالأجنحة ، والكاتب يتصور الأجيال التي لم تولد بعد مخلوقات انفعالية ومفتقدة للصبر وللروية ، أجيالا متعجلة حتى قبل أن تولد !! وهذه العجلة ونفاد الصبر يؤدي بهم إلى التظاهر في رحم الغيب - وكأن الأجيال القادمة من عالم الغيب ، أجيال السياسة لديها غريزة - .
طفل : هل سنظل هنا إلى الأبد في انتظار سفينة الحياة
الأطفال: (يصيحون معاً)نريد أن نولد.نريد أن نولد.نريد أن نولد.نريد الحياة.نريد الحياة . ( يدخل حارس الزمان مهرولاً )
الحارس : ماذا جرى ؟ لماذا هذه الثورة ؟ لماذا هذا الغضب ؟
طفل : ( صائحاً في غضب ) نريد أن نولد .
الأطفال : ( معاً ) نريد أن نولد . نريد الحياة . نريد الحياة . "
ويحاول الحارس أن يخفف من ثورتهم دون جدوى فالكلام عن التذرع بالصبر بشع في نظرهم والحارس يجاريهم .
إن يوسف عيسى يثبت حق الإنسان في الاعتراض على ما لا يرضى عنه ، يؤكد حق التظاهر ، ويرى أنه يولد مع ولادة الإنسان وتلك تعليمية بنائية في نظرية المعرفة التربوية :
الحارس : ستولدون في يوم من الأيام
طفل : ( منهمكاً ) في يوم من الأيام . ومتى يأتي ذلك اليوم ؟
الحارس : لابد أن يأتي . ستولدون جميعاً . كل بدوره . كل بدوره . "
غير أن التفكير الغريزي يفرض نفسه ، فالإنسان لحوح حتى وهو ما يزال في رحم الغيب :
" طفلة : متى سأولد لأكبر وأتزوج ؟ "
إن النطفة بذلك تكون عاقلة تمتلك قدرة التفكيرفي الهدف الأسمى لوجودها وهو (التكاثر) فغريزة التكاثر في جينة كل نطفة . إن النطف في فكر يوسف تفكر في الوجود قبل أن تصبح ماهيات - وكأني بيوسف عز الدين عيسى مع ما قال به الوجوديون الماديون من أن ( الوجود سابق للماهية ) .
فالتفكير في النمو وفي الوظيفة الحياتية التي تنتج وسائط إعمار الوجود ، يدخل في إطار ( ماهية الموجود ) غير أن هذا القول يشكل جزءاً أو طرفاً من معادلة فلسفة الوجود الإنساني أما الطرف الآخر من تلك المعادلة فهو تجسيد لفكرة الجبر الغيبي :
الحارس : أقسم لك أنك ستولدين وتكبرين .. وتتزوجين .
طفلة : ( صائحة في ثورة ) متى ؟ متى ؟ تكلم . متى ؟
الحارس : لا تخاطبيني بهذه اللهجة القاسية . فأنا لا أستحق منكم القسوة . إنني أعطف عليكم جميعاً . وما أنا إلاّ حارس الزمن . أنتظر الأمر وأنفذ الأوامر عندما تأتيني .
" طفلة : أنت أيضاً تنتظر ؟
الحارس : كلنا ننتظر . الأمر ليس بيدي ( صائحاً في فرح ) انظروا . انظروا سفينة
الحياة . لقد أتت سفينة الحياة . سيولد منكم دفعة جديدة . "
وسفينة الحياة تلك " مزدانة بالأعلام بألوان مختلفة والسفينة ملونة بألوان جميلة براقة
وتلك علامة ترمز إلى طقس المخاض ، وما اختلاف أعلامها سوى رمز آخر لبلاد مختلفة ، إذ أن غرفة الأسرار الزجاجية التي يحتجز الأجنحة : الأطفال خلفها ؛ هي رمز لرحم الغيب الكوني .
يتخذ التعبير الدرامي مستويين مختلفين من حيث المغزى المستهدف ، أحدهما يفهمه الأطفال بوصفه معلومة تضاف إلى حصيلة معلوماته أو معارفه ، إذ يتعلم منها النظام والالتزام بعدم تخطي غيره ؛ على حين أن المتلقي المتعمق ، الذي أدرك إشكالية الفرق بين مقولتي : ( الوجود سابق للماهية ) و ( الماهية سابقة على الوجود ) يقرأ فكر يوسف عز الدين عيسى الذي يحض على كسب التأييد للمقولة الأولى ؛ فما أن تصل سفينة الحياة حتى ( يتوافد من جميع الجهات أطفال صغار يمتلئ بهم المسرح )
الأطفال : ( يصيحون هيه . سنولد . سنولد . سنولد . سنولد غدا .)
( الباب الخلفي يفتح فيحاول الأطفال الهجوم دفعة واحدة ليركبوا سفينة الحياة )
الحارس : ( محاولاً السيطرة على النظام ) ارجعوا إلى أماكنكم المسألة ليست فوضى . ( يجذب طفلاً يحاول الوصول إلى السفينة )
تعال هنا أتريد أن تولد قبل أوانك ؟ كل شئ بالدور وبنظام . ارجع . إلى الخلف . لم يأت دورك لتولد . أبوك لم يعرف أمك حتى الآن . ولم يتزوجا "
إذن فتحقيق ما يريده الطفل ( أن يولد ) ولادة حقيقية لن يتحقق إلاّ وفق شرطين : أولاً - أن يوجد وجوداً جبرياً في المكان والزمان والنوع . وهوشرط لا رأى له فيه ثانياً - أن يوجد وجوداً اختيارياً في المكان الذي يريد أن يكون فيه وهو لا يملك تغيير نوعه ذكرا أو أنثى ، كما أنه لا يملك تحديد الزمن الذي سينتقل فيه إلى الوجود بالقوة (الوجود الذي يريده ويقدر على تحقيقه )
إن هذا المعنى يتكرر كثيراً في النص على لسان الحارس : " .. لم يأت دورك بعد " وعلى لسان الراوي : " .. إن هؤلاء الأطفال لا يحملون أسماء فهم لم يولدوا بعد .. "
" الحارس : ليت الأمر بيدي . لم يجيء دورك حتى الآن . إن أمك التي سوف تلدك لم
تر والدك حتى هذه اللحظة ، ولا يعرف أحدهما الآخر "
ولان التفكير هو أعز ما يملكه الإنسان ويتميز به عن غيره من الكائنات ولأن المعارضة لا تقوم بدون تفكير ولأنها الوسيلة الفعالة في الوصول إلى الأنفع والأرفع ، لذلك يحض النص الأطفال على التفكير وتوظيفه للاعتراض ، بوصفه أهم حقوق الإنسان العاقل :
" الطفل (الفيلسوف) : كيف نولد دون أن يؤخذ رأينا في هذا الحدث الكبير ؟ كيف
نوجد في الحياة دون استشارتنا أو استئذاننا على الأقل ؟ يبدو أن رأينا في هذا الموضوع ليس له أي اعتبار . إن سفينة الحياة تأتي ونؤمر بركوبها ثم تهبط بنا على الأرض فنجد أنفسنا أبناء أشخاص لم نكن نعلم عنهم شيئاً من قبل . هل هذه عدالة ؟
هذا نوع من الاعتراض على الوجود الجبري ، حتى بعد الانتقال من عالم الميتافيزيقا إلى العالم المادي . وهو بمثابة التساؤل الاستنكاري لذلك الوجود الجبري .
إن المؤلف يستهدف بذلك الاعتراض أن يتعلم الطفل حرية المعارضة والتفكير وجرأة التعبير عما يفكر فيه . هذا إلى جانب تعلمه مراجعة النفس وحق التراجع عن موقف سابق :
" الحارس : ماذا جرى لك ؟ بالأمس فقط كنت تبكي متعجلاً ولادتك . وحاولت في
غفلة مني أن تتسرب إلى سفينة الحياة . كنت تريد أن تولد قبل أوانك ؟
الطفل ( الفيلسوف) : نعم هذا صحيح . ولكني رجعت أفكر . أنت تعلم أنني دائماً أفكر . فخطرت لي فكرة غريبة . أنا لا أعلم شيئاً عن الذين سيلدونني . قد
لا يعجبوني لو رأيتهم أليس كذلك ؟
الحارس : هم أيضاً سيلدونك وتصبح إبناً لهم دون أن يعلموا عنك أي شيء . لا
يعلمون إذا كنت ذكياً أم غبياً . نشيطاً أم كسولاً . إنها مسألة حظ ونصيب
بالنسبة لهم أيضاً كما هي بالنسبة لك .
الطفل (الفيلسوف) : إنني سأرث عنهم صفاتهم . لو كانوا أذكياء فسأصبح ذكياً ولو
كانوا أغبياء فسأصبح غبياً ، لو كانوا فقراء فسأصبح فقيراً . هم يعرفون عني
أكثر مما أعرف عنهم .
الحارس : الآباء والأبناء لا يتشابهون في كثير من الأحيان .
الطفل (الفيلسوف) : لست أدري . أنا حائر . إنها فكرة خطرت ببالي . كيف أجد
نفسي مولوداً في منزل قد لا يعجبني . أجد لي أماً وأباً وقد فرضوا عليّ فرضاً،
إنها مسألة حياة أو موت .. لست مطمئناً على مستقبلي . قد أولد في الحياة
نتيجة خطأ لا يد لي فيه أنا خائف ( يبكي ) "
في هذا التيار المعلوماتي تدريب للطفل على حرية التفكير وحرية المناقشة وإبداء الرأي والخوض في مسائل كبيرة تقنع الكاتب خلف قناع طفل فيلسوف ليعرضها في حوار يجسد جوهر ما يريد على لسان الشخصية بحيث تبدو إرادته جوهر ما تريده الشخصية. وفي الحوار دعوة مبكرة للتفكير في الماهية :
" الطفل (الفيلسوف) : هذا غير معقول . نحن لا نكبر طالما نحن هنا . لا تأثير للزمن
علينا طالما نحن في هذا المكان . نحن هنا في عالم الغيب .
الطفلة (الفراشة): من أجل هذا أريد أن أولد ؟ لكي أكبر وأتزوج ويولد لي أطفال .
لا أريد أن أظل هنا في هذا الحجم الذي لا يتغير ولا يتبدل . شيء فظيع ."
" الأطفال : بل نريد أن نولد الآن فوراً . لم يعد لدينا صبر للانتظار سئمنا الحياة هنا .
لقد شبعنا سباحة في البحيرة وشبعنا تسلقاً للأشجار . وشبعنا لعباً ولهواً وما
فائدة كل هذا ونحن هنا في عالم الغيب ؟ نريد أن نولد ليصبح لنا وجود .
طفل : طالما نحن هنا فلا إنسان يعرفنا . نحن هنا لا وجود لنا نريد أن نصبح من أهل
الدنيا ."
إن الوجود الحقيقي هو الوجود المختار وليس الوجود الجبري إن الإنسان ملول ، وتلك صفة عامة من صفات الإنسان ، غير أن الأطفال أكثر المخلوقات مللاً وحباً للحركة لأنها مظهر رئيس من مظاهر تحقيق غريزة النمو وغريزة حب الاستطلاع
" الحارس : هل سئمت البقاء هنا ؟
الطفلة ( الفراشة): نعم سئمت ومللت . "
ولكسر الملل يعطف الحارس على ( الطفلة الفراشة) فيريها من وراء ستار عالم الغيب أباها وأمها قبل أن يتزوجها بل قبل أن يعرف أحدهما الآخر ، لذلك يأمرها بأن تفتح عينيها اللتين أمرها بإغماضهما قبل أن يريها والديها في الغيب وعند ذلك ترى الطفلة " ( .. سور حديقة خلفه منزل جميل وجزء من شارع به بعض المارة . وبجوار السور سيارة فاخرة يقف بجوارها شاب أنيق يبدو عليه الثراء يتحدث مع رجل ولكن لا يسمع حديثه )
الطفلة(الفراشة) : الله . إنها أشياء جميلة . هل هذا المنظر في الدنيا التي سأولد فيها ؟
الحارس : نعم . وهذا هو منزلك التي ستولدين وتعيشين فيه . وحديقة المنزل وسور الحديقة .
الطفلة (الفراشة) : وأين أبي ؟
الحارس : الواقف على اليمين . في هذه الجهة
الطفلة : يبدو أنه لطيف . وما هو الشيء الذي بجواره
الحارس : سيارة
الطفلة (الفراشة) : سيارة ؟
الحارس : نعم سيارة . يركبها لينتقل بها من مكان إلى مكان .,
الطفلة (الفراشة) : وهل سأركبها أنا أيضاً عندما أولد ؟
الحارس : نعم . ستركبينها وتركبها أمك أيضاً
الطفلة(الفراشة): في الدنيا أشياء جميلة . وماذا يصنع أبي الآن؟
الحارس : يعطي فلوساً لأحد الناس؟
الطفلة(الفراشة): فلوس ؟ ما معنى هذه الكلمة ؟ هل هي شيء حسن أم شيء قبيح ؟
الحارس :الفلوس أهم شيء في الدنيا التي ستولدين فيها "
هذا التيار المعلوماتي الذي يستهدف به المؤلف على لسان الحارس التعريف بقيمة الفلوس والفرق بين الغنى والفقر وكيفية الاغتناء .
" الطفلة(الفراشة): وهل يوجد في الدنيا الكثير من هذه الفلوس ؟
الحارس : طبعاً. يوجد في الدنيا الملايين من هذه الفلوس .
الطفلة(الفراشة): وماذا يفعل أبي في هذه الدنيا ؟
الحارس: يتاجر .
الطفلة(الفراشة): يتاجر ؟ ما معنى هذه الكلمة ؟
الحارس : يشتري أشياء بفلوس قليلة ويبيعها للناس بفلوس كثيرة .
الطفلة(الفراشة):ولماذا لا يشتري الناس هذه الأشياء بفلوس قليلة مثل أبي؟"
هذه الحوارية تستهدف نوعاً من تعليمية التعرف على الأشياء ، التعرف على أساليب الاغتناء .
الطفلة(الفراشة):يبدو أن الدنيا بها أشياء غريبة لا أفهمها .
الحارس : لا داعي لفهمها . المهم أن والدك غني جداً ولديه فلوس كثيرة وفي استطاعته أن يشتري لك كل ما تطلبين . فالفلوس تشتري كل شيء . تشتري الجاه والاحترام وتشتري الضمائر . من يملك الكثير منها تصبح رذائله في نظر الناس فضائل. ومن يحرم منها تصبح فضائله في نظر الناس رذائل . "
وفي مرة ثانية تفتح الطفلة عينيها لترى أمها قبل أن تتعرف علي أبيها ( فتاة أنيقة ترتدي روب دى شامبر وفي يدها كتاب تقرؤه ) :
" الحارس : هل ترين هذه الفتاة الجالسة تقرأ كتاباً ؟
الطفلة(الفراشة):هل هذه هي التي ستصبح أمي ؟
الحارس: هي بعينها .
الطفلة(الفراشة):إنها لا تعجبني.
الحارس: لماذا ؟
الطفلة(الفراشة): أنفها طويل . أخشى ألاّ تعجب أبي فلا يتزوجها وتكون النتيجة ألاّ
أولد أبداً .
الحارس : لا تخافي ، ستعجب أباك وسيتزوجها فهي غنية جداً لديها فلوس كثيرة (تقفل
ستائر البانوراما )
الطفلة(الفراشة): كله فلوس فلوس . ألا يوجد في هذه الدنيا ما هو أهم من الفلوس ؟ حتى الأنف الطويل يصبح جميلاً بفضل هذه الفلوس ؟ "
في هذه الحوارية ملمح تربوي أسري ، ونواة تربية جنسية ، تكشف عن بدايات الارتباط بين ذكر وأنثى ، إلى جانب ملمح صحيح لتقييم كل مظهر .
" الحارس : قلت لك إن الفلوس تحول الرذائل إلى فضائل ، وتجعل القبيح جميلاً . ومع
ذلك فأمك ليست قبيحة .
الطفلة(الفراشة):إنها لا تعجبني . أنفها طويل .
الحارس : عيب . لا تقولي هذا على المرأة التي ستصبح أمك . فالأنف الطويل أو القصير ليس كل شيء في الحياة الدنيا التي ستولدين فيها . توجد صفات أخرى كثيرة أهم من ذلك .
الطفلة(الفراشة): صفات أخرى ؟ مثل ماذا ؟
الحارس : الأخلاق الطيبة ، الشرف ، العاطفة ، النبل ، الذكاء ، الإخلاص ، أشياء
كثيرة أهم من الأنف الطويل أو القصير . أنت تحكمين على الناس الآن من
خلال هذه البانوراما بمنظرهم فقط ، ولكن بعد أن تولدي ستعلمين أشياء
أخرى كثيرة . المنظر والمظهر ليسا كل شيء .."
في هذه الحوارية حض على النظر إلى الآخر لا بوصفه شيئاً لمجرد رؤية مظهره ، ووجوب النظر إلى ما يتصف به من صفات إنسانية - وذلك ماقال به الوجوديون -
هكذا يمضي يوسف عز الدين في البناء المعرفي للطفل دون مباشرة أو تعسف في نقل المعارف والمعلومات :
"الطفلة(الفراشة): الدنيا جميلة . جميلة جداً . أريد أن أولد سريعاً لأرى الدنيا (بحزن) لكن أبي لم يلتق بأمي حتى الآن "
" الحارس : سأطلعك أولاً بأول على كل شيء يخص أباك وأمك سترين من خلال هذه البانوراما كيف سيتقابلان ، وكيف سيتحابان ، وكيف سيتقدم أبوك لخطبة أمك . ستعرفين كل شيء أولاً بأول لأطمئنك على ولادتك وأسليك في الوقت نفسه وأهون عليك مرور الأيام "
يتعلم الطفل كيفية ارتباط أبيه بأمه ، كيفية تكوين علاقة بين رجل وامرأة ، كيفية ولادته .
أما الحوار الآتي فيعكس استحالة ائتمان طفل على كتم سر ما :
" الحارس: ولكن إيّاك أن تخبري أحداً بأي شيء ، إن هذا كما أخبرتك ضد الأوامر وإذا عرف الأطفال فستكون كارثة كبرى . سيطلبون هم أيضاً رؤية آبائهم وأمهاتهم فتكون الطامة الكبرى .
الطفلة(الفراشة): لن أخبر أحداً أبداً أبداً أبداً أبداً . "
وهكذا يصور لنا المؤلف ( للأطفال ) كيفية نشوء علاقة بين رجل وامرأة .. وكيف تبدأ طقوس التعارف تمهيداً لارتباطهما :
" ( تفتح ستائر البانوراما ويبدو الصالون . ويرى الأب والأم جالسين متجاورين على كنبه . الأب يأخذ يد الأم في يده ويهمس في أذنها بكلمات غير مسموعة ,. الأم مطرقة للأرض مبتسمة . يحاول تقبيلها . ولكنها تتمنع مبتسمة وتنتقل إلى كنبة أخرى فيسرع ويجلس بجوارها ويأخذ يدها في يده )
الحارس : انظري لقد تعارفا . أبوك عرف أمك . هاهما جالسان معاً يتناجيان .
الطفلة(الفراشة):أنا سعيدة . أنا مسرورة . أنا فرحانة . لقد تعارفا . تعارفا ( تدور الطفلة في أنحاء المكان وكأنها ترقص باليه مرددة أنا فرحانة ,. أنا سعيدة لقد تعارفا . أنا مسرورة . أنا فرحانة . سأولد . سأولد "
هذه الحوارية لون من ألوان التربية الجنسية للطفل يتعرف خلالها على كيفية التقارب العاطفي بين الجنسين . ونلاحظ هنا في تكرار فتح ستائرالبانوراما لتشاهد الطفلة علاقة مستقبلية أو مشروع تخطيطي لعلاقة ستنشأ بين رجل يفترض أن يكون أباها وامرأة يفترض أن تصبح أمها . فهذه البانوراما بستائرها تشكل كقيمة فنية مصدر فرجة شعبية فهي مستوحاة من فكرة ( صندوق الدنيا) .
وهكذا تتوالى زيارات الطفلة الفراشة وتقافزها حول باب الحارس ليطلعها على أخبار والديها المستقبليين .. وهكذا ينبني درس في التربية الجنسية - مبادئها الأولية – .
" ( تفتح ستائر البانوراما . يرى الأب والأم جالسين في الصالون ومعهما عدد من الرجال والنساء . الأب يأخذ يد الأم ويلبسها دبلة )
الحارس : ( يفزع) أخيراً فرجت . لقد خطب أبوك أمك . هاهو يلبسها الدبلة . ستولدين بعد فترة وجيزة . "
إن الحارس هنا أشبه بالعراف .. وهنا يكون مصدر فرجة شعبية مثلما تشكل البانوراما بديلاً لمصدر فرجة شعبية هي ( صندوق الدنيا) غير أن صراعاً داخلياً يشتعل في صدر الحارس :
" الحارس : لن أسمح لهذه الطفلة بدخول هذا المكان بعد الآن . ضميري غير مرتاح لهذه الأمور . سأضع حداً لذلك . هذا ضد الأوامر . لو عرف باقي الأطفال فستكون الطامة الكبرى . لن أسمح لها بدخول هذا المكان بعد الآن .
( الطفلة تخرج من خلف ستارة كانت مختبئة خلفها ) .
الطفلة(الفراشة): أنا هنا "
الحارس يراجع نفسه ، هل يحب تعليم الطفلة وتربيتها لتتعرف على مشروعية ارتباط امرأة برجل أم لا ؟ فالتقاليد وطرق التربية المعتادة في المجتمع لا تسمح بذلك . بينما الطفلة واللعب في دم الأطفال . تأخذ المسألة كما لو كانت لعبة . إن اللعب ليس تسلية فحسب بل هو تعلم أيضاً وعن طريقه يتعدل سلوك الطفل ويتغير .
وهكذا لا يجد الحارس ( المربي الغيبي)( مفراً ) من أن يواصل بناء معارف للطفولة ، عن طبيعة الحياة قبل الزواج وببعد الزواج لتحصين جيل المستقبل :
( تفتح ستائر البانوراما فنرى الصالون نفسه وبه الأب والأم جالسين متقاربين ؟. يبدو أن بينهما مشادة كلامية . المشادة تحتد . الأم تقوم غاضبة وتخلع الدبلة من يدها وتقذفها في وجه الأب . ثم تخرج من الغرفة . الأب يلتقط الدبلة ويقوم حزيناً يذرع الغرفة ذهاباً وإياباً في حالة قلق ) .
وتنزعج الطفلة وفي ذلك بناء لخبرة الطفل الحياتية ، حيث لا سرور دائم ولكن القلق والحزن يعاود الإنسان بين الحين والحين فيجيبها الحارس عن تساؤلها المذعور :
" الحارس : يبدو أن خلافاً دب بين أبيك وأمك . فخلعت أمك دبلة الخطوبة وألقت بها في وجه أبيك "
"الطفلة(الفراشة): ومتى سأولد إذا كانت تلك التي ستصبح أمي تركت هذا الذي سيصبح أبي ؟
الحارس : اطمئني ستولدين . ولكن يبدو أن هناك بعض العقبات البسيطة ."
وهكذا ينتقل الكاتب بالطفلة في رحلة تعلم لاكتساب الخبرة الحياتية الأسرية من حال سعادة إلى حالة تعاسة إلى سعادة أخرى ليتدرب الطفل على حالات الصعود والاخفاق الحياتي المتكرر . ليخبر الدنيا على طبيعتها المتقلبة فيكتسب حصانة تحفظ عليه حياته ونفسه :
( تفتح ستائر البانوراما فنرى الأب جالساً بجوار الأم يبتسمان ثم يميل الأب على الأم ويقبلها )
الحارس : الحمد لله . فرجت . لقد تصالحا . تصالحا جداً .
الطفلة(الفراشة): تدور في أنحاء المكان وكأنها ترقص ) سأولد . سأولد "
"الطفلة(الفراشة): آه لو يعلمان كم تألمت لهذا الخصام الذي حدث بينهما آه لو يعلمان كم أتعذب انتظاراً لولادتي "
وهذه تعليمية للوالدين وتعليمية للأطفال ليدركوا عدم دوام الحال . هكذا تمر الأحداث في طريق تمام الارتباط الزوجي بالزفة والعرس في فرجة شعبية . ويكشف لنا المؤلف عن توازي حدثين متعلقين بفكرة الولادة . فولادة أسرة كولادة مولود .. هما حدثان متوازيان مترابطان ، ونلحظ في البناء الدرامي خلطاً بين أسلوبين : أسلوب فانتازي وأسلوب طبيعي . وهو خلط تفرضه ضرورة تجسيد الفكرة الأساسية التي يجسدها النص .
ولأن ائتمان طفل على سر ضرب من عدم الحصافة لذلك كشفت الطفلة عن السر من فرحتها ربما . وربما كنوع من أنواع إثبات التميز والتفوق الذي مكنها من التقرب إلى الحارس الغيبي ومن ثم الإطلاع على بواطن الأمور وأسرار الغيب مما جعلها تخبر الأطفال أو مشروعات الأطفال عن اطّلاعها على أبيها وأمها - على اعتبار ما سيكون - وهكذا يصور لنا المؤلف مشهداً قائماً على الحكي كعنصر فرجة شعبية :
"( المنظر نفسه الذي رأيناه في المشهد الأول . الفراشة جالسة على مكعب كبير وسط البهو . وقد جلس أمامها طفل وطفلة . يرى أطفال آخرون متناثرون في مجموعات في أنحاء المكان ، كل مجموعة مشغولة بالحديث فيما بينهم ولكن لا يسمع حديثهم . الفراشة تتحدث للطفل والطفلة الجالسين أمامها )
الطفلة(الفراشة): سأطلعكم على سر لم أخبر به أحداً من قبل " وهكذا تشعل الطفلة غريزة حب الاستطلاع لدى أطفال الغيب . وبتقافزها هنا وهناك من صورة إلى أخرى مرتبطاً بالاسم الذي أطلقه عليها حارس الغيب ( الفراشة) تمكنت من جمع المعلومات كالنحلة التي تجمع الرحيق من الأزهار ، ثم هي تفرغ جعبتها من حصيلة المعلومات فيعرف أطفال الأرحام في الغيب ما الفلوس ، وما السيارات وهنا تشتعل الغيرة الطفولية ؛ فلا ينفع تحذير الطفلة لهم بعدم إخبار الحارس عما قالته لهم .
الطفلة(الفراشة): إياكم أن تخبروا الحارس . هذا ضد الأوامر .
طفل : ولماذا أطلعك أنت عليه ؟ نحن أيضاً نريد أن نرى الدنيا الجميلة "
وهكذا يتظاهر أطفال الأرحام مطالبين بكشف لثام الغيب عن آباء المستقبل وأمهاته وتدوي الهتافات تطالب بذلك .
وهنا يضع المؤلف قيمة تربوية جديدة في البناء المعرفي للطفل وهي ( الندم )
( الفراشة تبدو مطرقة للأرض في خجل )
فالتأنيب أسلوب تربوي ووخز الضمير أسلوب تربوي :
الحارس : أهذه وصيتي لك يا فراشة ؟ أم أطلب منك ألاّ تخبري أحداً ؟
الطفلة(الفراشة): ( على وشك البكاء ) لقد أخبرتهم . أخبرتهم جميعاً . لم أستطع الاحتفاظ بالسر . أرجوك ألاّ تغضب مني . أنا متأسفة "
وعندما يستجيب الحارس لإلحاح الأطفال وإصرارهم على رؤية آباء الغيب وأمهاتهم في المستقبل يضع لبنة معرفية عن المستويات الطبقية في المجتمع ، تلك التي تجعل الأطفال الغيبيين يحجمون عن الرغبة في الولادة ويفضلون الخلود في عالم النطف الغيبي في رحم الأسرار الميتافيزيقي :
" الطفل : ( في فرح شديد ) سأرى أبي . سأرى أمي
( تفتح ستائر البانوراما فنرى غرفة حقيرة . ونرى في أحد أركانها أربعة أطفال نائمين على الأرض بجوار بعضهم والأب والأم وقد ارتديا أسمالاً بالية ، يتحدثان معاً . يتطور الحدث إلى مشادة تتضح من حركات أيديهم ، ثم تقوم الأم غاضبة فيقوم خلفها الأب. يدوس الأب على رجل أحد أبنائه النائمين فيصحو من نومه منتفضاً في فزع ، ويصحوا على إثر ذلك الأطفال الآخرون . كل هذا دون أن يسمع لهم صوت )
ويتعرف الطفل على صورة أسرته قبل أن يولد هو ويعرف أن كان له أخ خامس مات:
" الطفل : مات ، ما معنى هذه الكلمة ؟
الحارس : مات ، معناها أنه بعد أن ولد وعاش في الدنيا فترة من الزمن تلاشى من الوجود
الطفل : . تلاشى من الوجود ؟ بعد أن ولد وعاش ؟ ولماذا مات ؟
الحارس :صدمته سيارة فمات . لم يعد له وجود.
الطفل : صدمته سيارة ؟ سيارة أبو الفراشة ؟
الحارس : كلا سيارة أخرى .
الطفل : سيارة أبي ؟
الحارس : أبوك ليس له سيارة .
الطفل : ( على وشك البكاء ) ولماذا ليس لنا سيارة وأبو الفراشة عنده سيارة ؟
الحارس : لأن والدك لا يمتلك فلوسا كثيرة .الفلوس التي عنده قليلة جداً .
الطفل : الفلوس التي عنده قليلة جداً ؟ ولكن الفراشة أخبرتني أن الناس في الدنيا عندهم فلوس يمكنهم أن يحصلوا بوساطتها على ما يريدون . هل معنى هذا أو والدي لا يمكنه أن يحصل ما يريد ؟
الحارس : كلا . لا يمكنه أن يحصل على كل ما يريد .
الطفل : ( باكياً ) كنت أظن أن كل الناس في الدنيا عندهم فلوس وسيارات . كنت
أظن أن الدنيا جميلة . البيت الذي يعيش فيه أبي وأمي وأخوتي بيت حقير .
الدنيا بشعة. الدنيا قبيحة . أخوتي الذين ولدوا ؛ معذبون . لماذا يريدون تعذيبي
أنا أيضاً ؟ ( يلتصق بالحارس ) أنا خائف . خائف .
لا أريد أن أولد ( يشتد بكاؤه ) لا أريد أن أرى هذه الدنيا . لا أريد أن أرى
هذه الدنيا .
( الفراشة تتقدم نحوه وقد بدا عليها التأثر الشديد . تربت على كتفه محاولة تهدئته فيميل برأسه على كتفها وينخرط في البكاء مردداً " لا أريد أن أولد " لا أريد الحياة )
إن التداعيات التلقائية التي بنى على أساسها هذا المشهد تناسب عالم الطفولة . والمشهد زاخر بالقيم التربوية والمظاهر الغريزية حيث الغيرة الطفولية وحيث خاصية سرعة التصديق عند الطفل ، وحيث القيمة التعليمية التي هي جزء من البناء المعرفي للطفولة : نسبية الحياة ونسبية الحكم عليها . وتربية قيم المواساة والتعاطف وقيمة التأنيب على المستوى التربوي للطفل ، فعن طريق التأنيب يتحقق إحياء الضمير أو تربيته :
" الحارس : كله منك يا فراشة . كله منك . أنت السبب
الطفلة(الفراشة): لم أكن أعلم . كنت أظن أن كل الناس مثل أبي أنا حزينة . حزينة
جداً من أجله " .
إن العلم بالشيء لا يأتي إلاّ عن طريق الرغبة في إثارة التساؤلات المندهشة والإلحاح في كشف اللثام عن المجهول وعن طريق معارضة ما هو موجود والشك فيه كشفاً لقيمته وتأكيد هذه القيمة أو تغييرها واكتشاف غيرها . فهذه كلها عوامل تجديد الحياة وتطويرها وتحمل العيش فيها .
على أن ما حدث للطفل الفقير الأبوين وقد أدى به إلى الإحباط أدى إلى تردد الأطفال الغيبيين عن الرغبة في اكتشاف غيب والديهم . وهنا توكيد للمؤلف على الحكمة الدينية ( لو علمتم الغيب لاخترتم الواقع ) ومع ذلك لاستمرار الحدث يكشف لنا الكاتب عن والد طفل تطلع بعد تردد إلى التعرف على والده الغيبي :
( تفتح ستائر البانوراما فنرى غرفة نوم بها دولاب وسرير عليه امرأة عجوز نائمة . يدخل من النافذة رجل يرتدي قميصاً وبنطلوناً قديماً . الرجل يسير على أطراف أصابعه يفتح الدولاب . يأخذ من الدولاب أشياء يضعها في جيوبه . يعبث بباقي محتويات الدولاب . المرأة تستيقظ ويبدو أنها تصرخ في ذعر . الرجل يتناول من الغرفة جسماً صلباً وينهال به فوق رأس المرأة فتموت ثم يأخذ بعض الأشياء من الغرفة ويسرع نحو النافذة ويختفي . تقفل ستائر البانوراما بينما تبدو الدهشة على وجوه جميع الأطفال )
الطفل : ما هذا ؟ أين أبي ؟
الحارس : لقد رأيت أباك . إنه الرجل الذي رأيته يدخل من النافذة ؟
الطفل : ولماذا دخل من النافذة ؟ ومن هذه المرأة التي رأيناها في الغرفة؟ هل هي أمي؟!
الحارس : ليست أمك . لقد دخل أبوك من النافذة ليسرق بعض محتويات هذه الغرفة.
الطفل : يسرق ؟ ما معنى هذه الكلمة ؟
الحارس : معناها ؟ معناها .. معناها أن يستولي الإنسان على أشياء يمتلكها الغير . يحاول امتلاكها بطرق غير شريفة .
الطفل : طرق غير شريفة ؟
الحارس : نعم
الحارس : وأبي استولى على أشياء بطرق غير شريفة ؟
الحارس : نعم . دخل منزل هذه السيدة واستولى على فلوس وأشياء تمتلكها هذه
السيدة التي قتلها والدك .
الطفل : قتلها ؟ ما معنى هذه الكلمة ؟
الحارس : سلبها الحياة . فأصبحت ميتة . لا وجود لها .
الطفل : ولماذا سلبها الحياة ؟
الحارس : لأنها صرخت فخاف أن يسبب صراخها القبض عليه .
الطفل : القبض عليه ؟ وماذا يحدث لو قبضوا عليه ؟
الحارس : يحكم عليه بالسجن . أي يوضع بعيداً عن منزله في مكان لا يمكنه الخروج
منه بإرادته . لأنه رجل شرير .
الطفل : لا .. لا .. ( يبكي ) الدنيا فيها أشياء بشعة . أشياء مؤلمة كثيرة لا أريد أن
أولد . لا أريد الحياة .. لا أريد الحياة "
وينزوي الطفل كما انزوى الطفل الذي سبقه . ويعاود الحارس تأنيب ( الفراشة الطفلة)
إن في تلك الحوارية تعليمية عدم الاستيلاء على ممتلكات الغير . ونلاحظ هنا القيمة الفنية والدرامية والتربوية لتكرار لفظة : ( معناها ) التي تردد الحارس في تفسيره للفظة ( يسرق) حيث يكون للتكرار قيمة هدفها لفت نظر الطفل إلى أن كلمة ( يسرق) يجب الحذر من فعلها . ذلك إلى جانب قيم الحض على عدم فعل ذلك ( السرقة - القتل ) والتعريف بألفاظ مثل السجن كنتيجة عقابية لمن يقترف الأفعال السابق التحذير منها ، ومع كل صورة من هذه الصور التي زادت فيها نسبة الفقراء على نسبة الأغنياء في الدنيا يؤكد يوسف عز الدين عيسى ضمنياً على المقولة الدينية : "لو علمتم الغيب لاخترتم الواقع"
"الحارس : طبعاً يوجد سعداء . ولكن التعساء أكثر من السعداء . معظم البشر تعساء"
ولا يكتفي يوسف بتجسيد صور التعاسة الناتجة عن الفقر والتفاوت الطبقي ونتائجه بل يضيف إلينا صورة الحروب وما تجلبه من تعاسة على البشرية خلال عرض الحارس البانورامي لغيب الطفل الفيلسوف :
الحارس : ها هو أبوك
( تفتح ستائر البانوراما فنرى غابة وجموعاً من الرجال والفتيان بملابس القتال على رؤوسهم الخوذات وفي أيديهم البنادق يسيرون بحذر ويطلقون البنادق . بين آن وآخر يقع بعضهم صرعى رصاص الأعداء )
الطفل(الفيلسوف): ( في فزع ) ما هذا ؟
الحارس : جنود يحاربون الأعداء
الطفل(الفيلسوف):يحاربون الأعداء ؟ ما معنى هذه الكلمة ؟
الحارس: يقتلون الأعداء والأعداء يقتلونهم . بعضهم يموت ، وبعضهم ينجو
الطفل(الفيلسوف): يموتون ؟
الحارس : نعم يموتون .
الطفل(الفيلسوف):ولماذا كل هذا ؟
الحارس : الناس في هذه الدنيا في صراع دائم .
الطفل(الفيلسوف):ولماذا هذا الصراع ؟
الحارس : الأعداء هاجموا دولتكم ، وجنودكم يدافعون عنها .
الطفل(الفيلسوف):وأين أبي ؟ إنهم جميعاً متشابهون . لا أكاد أفرق بينهم
الحارس : هاهو ذا أبوك . الذي انبطح على الأرض يطلق مدفعه الرشاش .
وينتهي الأمر بالطفل الفيلسوف إلى رفض الخروج إلى الحياة الدنيا كسابقيه .
وبطبيعة الحال تذبل رغبة أطفال الرحم الغيبي في الولادة بعد أن كانوا متلهفين على حدوثها فيقفون مطرقين حزانى منصرفين عن الحارس واحداً بعد الآخر .
وعبثاً يحاول الطفل الفقير البحث عن إمكانية أن تلده أم الطفلة الفراشة ( الغنية ) بديلاً عن أمه الفقيرة وتتعاطف معه الطفلة الفراشة فيصده جواب الحارس :
" الحارس : هذا مستحيل . الفراشة لها أم ستلدها ولك أنت أم أخرى ستلدك وستعيشان في الدنيا في مكانين متباعدين . ولن يرى أحدكما الآخر أبداً . هذه أشياء لا يمكن تغييرها "
هل هو رجوع في النهاية عن فكرة الوجود سابق على الماهية وإقرار لفكرة الماهية سابقة على للوجود أم ماذا ؟ ! تلك هي حيرة العالم وقلق المفكر والإبداع الفلسفي للكاتب المسرحي المفكر والعالم يوسف عز الدين عيسى الذي ينهي نصه بعد أن طوف بالمتلقي الكبير والصغير عبر رحلة معرفية فلسفية فنية حقق فيها الإمتاع والإقناع مؤكداً محتوى الآية القرآنية :
" لا تسألوا عن أشياء إن تبدو لكم تسوءكم " ليرسخ في النهاية الرضا كقيمة تربوية سواء بالغنى أم بالفقر . فالفقر أفضل من السرقة ومن القتل ومن الحرب الغبية . فلئن تكون غنياً أو تكون فقيراً فلا يهم ، المهم ألاّ تكون لصاً أو تكون قاتلاً أو تكون مثيراً للحروب والدمار وإهلاك الأنفس التي أنيط بها إعمار الأرض .



#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشروع إخراج نص مسرحي لطلاب الدراسات المسرحية العليا
- العرض المسرحي المصري بين مأزق التحصن بالهوية ولهاث اللحاق بر ...
- نهار اليقظة في المسرحية العربية
- ثمار الثورة في حجر إخوان السلف
- أموال مبارك في بنوك تل أبيب بتوصية من بوش الأب
- حوار المواطنة
- الحقيقة ضالة الباحث
- عرس الدم من لوركا إلى ميدان التحرير
- تحليل دور ( الجارة في مسرحية : الزفاف الدامي ) للوركا
- تحليل دور مسرحي (أنتيجوني)
- مفاهيمية بيكاسو ودراما التشكيل المسرحي بالكلمات
- حيرة الكاتب المسرحي
- عروض مسرحية عربية - قراءة نقدية -
- إشكالية الأداء في المسرح الشعري بين التمثيل والغناء
- حسن عبد السلام مخرجا مسرحيا
- الرفيق الخيالي ومسرح الطفل في عصر العولمة
- على هامش ثورة التحرير
- هوامش التحرير - دردشة سياسية -
- سينوجرافيا المسرح (1) بين التمحل والتأصيل المنهجي
- وماذا بعد


المزيد.....




- في يومهم العالمي.. أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة ألهموا الع ...
- سويسرا تفكر في فرض قيود على وضع -أس- الذي يتمتع به اللاجئون ...
- كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
- اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
- السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في ...
- ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
- السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير ...
- غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا ...
- شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
- هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و ...


المزيد.....

- نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة / اسراء حميد عبد الشهيد
- حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب ... / قائد محمد طربوش ردمان
- أطفال الشوارع في اليمن / محمد النعماني
- الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة / شمخي جبر
- أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية / دنيا الأمل إسماعيل
- دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال / محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
- ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا ... / غازي مسعود
- بحث في بعض إشكاليات الشباب / معتز حيسو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - أبو الحسن سلام - الأطفال في مسرح يوسف عز الدين عيسي بين التربية الجنسية والتربية الأسرية