|
المعالجة بالداء.. وعسكرة الاقتصاد سيقودان إلى انفجار جديد
بشار المنيّر
الحوار المتمدن-العدد: 3506 - 2011 / 10 / 4 - 06:30
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
لم يكن تفاؤل أوباما الحذر الذي اختتم به خطاب القسم، مفهوماً للأمريكيين.. ولا لشركائه الأوربيين، إذ استمرت المخاوف التي عززتها كلمات ساقها أوباما في خطاب القسم، دللت على حجم الكارثة التي عصفت بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الولايات المتحدة: (اقتصادنا أُضعف بشدة نتيجة للجشع وعدم المسوؤلية من جانب البعض، منازل فُقدت، وظائف انتهت، أعمال تهاوت، نظام الرعاية الصحية لدينا مكلف جداً، مدارسنا أيضاً فشلت، وشعور بالخوف أن تدهور الولايات المتحدة أمر لا مناص منه، وأن على الجيل القادم أن يخفض من سقف تطلعاته). ماذا سيقول أوباما الآن؟! ماذا سيقول أوباما اليوم، وهو يستعد لإطلاق حملته الانتخابية للتجديد في ظل توقعات بانفجار أزمة اقتصادية جديدة، قد تبدو أمامها أزمة خريف عام 2008 فقاعة صغيرة، وفي ظل ارتفاع نسبة الفقر في الولايات المتحدة إلى 15.1 % خلال عام 2010، وهي النسبة الأعلى منذ العام 1993، ما يعني أن 46.2 مليون أمريكي بحاجة إلى المساعدات؟ ففي 2 آب2011 تجاوز الدين الأمريكي المقدر بنحو 14580 مليار دولار، قيمة الناتج الداخلي الأمريكي والمقدر بنحو 14526 مليار دولار، لذلك كان من الواجب حسب القانون الأمريكي أخذ موافقة الكونغرس، وفيما بعد مجلس الشيوخ، اللذين وافقا على رفع سقف الدين بنحو 2400 مليار دولار على مرحلتين: الأولى بمبلغ 900 مليار دولار، والثانية 1500 مليار دولار، وتخفيض الإنفاق بمبلغ 2000 مليار دولار لغاية عام 2013. علماً أن كتلة الديون البالغة 14580 مليار دولار تتوزع بين الدائنين الأجانب الذين يمثلون ثلث الدين الأمريكي. فالصين دائنة بنحو 1200 مليار دولار، واليابان 750 مليار دولار، والسعودية 400 مليار دولار. وصناديق التقاعد الأمريكية تمثل الثلث الثاني، والمستثمرون الأمريكيون يمثلون الثلث الثالث. لكن المسألة لا تقف عند حدود الديون، فهذه يمكن التخفيف من آثارها وفق آليات النظام الرأسمالي القائم على الاقتصاد الحقيقي، كالصناعة والزراعة والتبادل. فقد سبق أن تخطى الدين العام الأمريكي إجمالي الناتج الداخلي للبلاد عام 1947 بعد الحرب العالمية الثانية. بل تتجه مخاوف الاقتصاديين على جانبي الأطلسي إلى ارتدادات الأزمة عام 2008، لكنها أشد تأثيراً وتدميراً من الأزمة ذاتها. فمازالت آليات التحفيز الاقتصادي للاقتصاد الأمريكي تتوزع على حزمة إجراءات لمعالجة انهيارات المصارف الكبرى وبيوت الاستثمار، تلك التي تسببت بانهيارات كبرى أوصلت الاقتصاد الأمريكي والعالمي إلى حافة الإفلاس، في حين تلاشت التخفيضات الضريبية التي منحها أوباما للشركات الصغيرة بهدف تخفيض نسبة البطالة التي تتراوح بين 9.6و9.1 %. لن يفيد أوباما تحميل الجمهوريين مسؤولية تدهور الاقتصاد الأمريكي، كذلك لن ينفعه لوم الاقتصادات الأوربية التي تتشظى إلى ما وراء المحيط. المشكلة التي يتجاهلها أوباما هي صلة الدين بالاقتصاد، فالدين يرتفع لكنّ الاقتصاد لا ينمو، نفقات الحرب هي التي تزداد! يقول الاقتصادي الأمريكي البارز بول كريغ روبرتس: (الاقتصاد لا ينمو لأنّه خارج البلاد.فالناتج المحلي الإجمالي الذي كانت تحققه الشركات الصناعية الأمريكية الكبرى.. هو ناتجٌ محليٌّ إجماليٌّ للصين والهند وإندونيسيا وبلدانٍ أخرى، حيث قوة العمل الصناعية والخدمات المهنية يمكن استئجارها بأسعار أقل مما هي عليه في الولايات المتحدة، والمستفيد الوحيد هنا (وول ستريت) وحملة أسهم الشركات الكبرى ومديروها، وفي حين تتصاعد دخولهم، يتناقص الناتج المحلي إلى جانب تناقص فرص العمل للأمريكيين كما تتناقص الإيرادات الضريبية). قال نورييل روبيني الأستاذ في جامعة نيويورك الذي توقع بدقة منذ أربع سنوات انفجار الأزمة المالية العالمية، في مقابلة مع وول ستريت جورنال: (إنّ واحدة من انتقادات كارل ماركس للرأسمالية تلعب بشكل خاص دوراً في الأزمة العالمية الحالية، لقد جادل ماركس ضمن العديد من نظرياته الآخر: (إنّ الرأسمالية تنطوي على تناقض داخلي من شأنه أن يؤدي إلى أزمات دورية. وتابع روبيني: (كارل ماركس كان على حق)، لكن هناك سبباً آخر، إنه الغطرسة العسكرية.. سياسات الدركي التي لم تكتفِ بإفقار الأمريكيين، بل شردت العراقيين واليمنيين والصوماليين والليبيين، فتدخل الولايات المتحدة العسكري في أنحاء مختلفة من العالم كلفت الولايات المتحدة 75 % من عجز الميزانية. أيّ بلدٍ في العالم يواجه الإفلاس والعجز عن التسديد ينخرط في مناوراتٍ عسكريةٍ في منغوليا وآسيا الوسطى؟لماذا الإنفاق العسكري ضروريّ، والإنفاق على تخفيض أعداد المشردين وإبقاء الأمريكيين في بيوتهم غير ضروريّ؟ لماذا لا يصغي الجمهوريون الذين وافقوا على زيادة الميزانية العسكرية، حين يقول الملياردير (وارين بافيت): إنّ معدل الضريبة على دخله الهائل أقل من معدل الضريبة على دخل سكرتيرته! (1) يفضل 72 % من المواطنين الأمريكيين معالجة العجز من خلال فرض الضرائب على كبار الأثرياء، بينما يعارضهم 27 %، حسب استطلاع مشترك بين صحيفة (الواشنطن بوست) وشبكة (إيه. بي. سي. نيوز) التلفزيونية. ويعارض 69% من الأمريكيين خفض مخصصات البرامج الصحية. في حين تعد (التسوية النهائية) بين الحزبين الرئيسيين حول مسألة الدين العام، أو على نحو أدق، (الاستسلام لأقصى اليمين) معاكسة على كل الصعد لمصالح أكثرية الشعب الأمريكي. ومن المؤكد تقريباً أنها ستؤدي إلى بطء النمو والإضرار بالجميع في الأجل الطويل، باستثناء الأغنياء والشركات، التي تحقق أرباحاً قياسية. (2) أوربا تواجه المجهول أما أوربا التي ينتظرها شتاء قاس بعد أزمات اليونان وإيرلندا والبرتغال وإسبانيا، فتبدو فزعة من تنامي الدين العام الإيطالي الذي ناهز 122% من الناتج المحلي الإيطالي.لقد كان (تريشيه) محافظ المصرف الأوربي يبدو واثقاً بنفسه، فنسبة الفائدة ثابتة، والتضخم تحت السيطرة. والدول الأوربية حسب اعتقاده لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه أزمة اليورو، وذلك بوساطة شراء السندات الأوربية، وأراد طمأنة الأسواق، والمتعاملين في البورصات، وصغار المودعين الذين أصابهم الخوف الشديد، من التطورات المالية بعد خفض تصنيف ديون الولايات المتحدة الائتماني من قبل وكالة (ستاندر اند بورز)، لكنه حصل على عكس ذلك تماماً.فقد انخفضت قيمة السندات السيادية للدول الأوربية، بسبب الديون التي تعانيها اليونان والبرتغال وأيرلندا وإسبانيا وإيطاليا، واستمرت الأزمة.. وقدرت الخسارة بنحو 4 تريليونات دولار. (3) الحكومات الأوربية لجأت إلى الحلول المعهودة.. تلك التي تعتمدها الرأسمالية في مواجهة أزماتها، وهي الانقضاض على مكاسب الطبقة العاملة والفئات الشعبية الأخرى، من خلال تدبيج الموازنات التقشفية التي تخفض المعونات الاجتماعية، والنفقات العامة التي يستفيد منها الفقراء. وبينما كان العمال الإيطاليون يشتبكون مع قوات حفظ النظام، احتجاجاً على موازنة التقشف الحكومية، قدم رئيس المفوضية الأوربية جوزيه مانويل باروسو تقييماً قاسي الشدة لأزمة ديون منطقة اليورو في كلمته أمام البرلمان الأوربي، واصفاً إياها بأنها معركة من أجل المستقبل الاقتصادي والسياسي لأوربا، وقال باروسو: (إن المنطقة تواجه أخطر تحد منذ نحو ثلاثين عاماً، نحن نواجه أخطر تحد في جيل). جاء في التقرير الاقتصادي والاجتماعي الذي أقره المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي السوري (الموحد): ( لم يعد بمقدور أحد إنكار أن الأزمة العالمية الراهنة قد أصابت الليبرالية الجديدة والعولمة بصيغتها الإمبريالية بالصميم، وهي وإن كشفت عن معظم أساليب الاحتكارات الدولية ووحشيتها في استغلال الشعوب، إلا أن ما يزيد عزلتها هو معالجاتها التي تتم عبر دعم تلك الاحتكارات، وخاصة منها المصرفية، وتعيدها إلى سابق جبروتها وأساليبها، الأمر الذي يتسبب بأعظم الاستفزاز والاستهتار بمصالح دافعي الضرائب وأرزاق وفرص عمل جماهير واسعة ودفعها نحو الإضراب والتظاهر وممارسة جميع أشكال الاحتجاج والمقاومة. وهذا يعني أن العواقب الاجتماعية للأزمة صعدت بقوة إلى سطح الأحداث، إلى جانب مسائل عالمية أخرى كالحفاظ على البيئة ومشاكل الطاقة والمياه والجوع والإرهاب وغيرها). دروس الأزمة وتداعياتها حددنا أربعة دروس رئيسية أفرزتها أزمة خريف 2008، وهي دروس لا تزال تحتفظ براهنيتها بعد تخوف العالم من أزمات جديدة تجتاح الولايات المتحدة وأوربا، والنظام الرأسمالي برمته: (4) 1 - أظهرت الأزمة عجز آليات السوق عن تصحيح نفسها بنفسها، وأن الأمر يتطلب قوة من خارج السوق تعيد إليه توازنه هي الدولة.. الحكومة. فالسوق ليست كلية القدرة كما تروِّج الليبرالية الاقتصادية الجديدة ولا تستطيع تأمين التوازنات الاقتصادية. 2 - إن تحرير الاقتصاد وتعاظم دور الأسواق المالية، يشكل خطراً جسيماً على النمو الاقتصادي في الدول المتقدمة، ويهدد عملية التنمية في البلدان النامية، ويضع شعوبها أمام احتمالات البطالة والجوع. 3 - إن الفئات الفقيرة والمتوسطة في البلدان المتقدمة وشعوب البلدان النامية، هي التي تتحمل عبء تكلفة برامج الإنقاذ التي وضعت لمعالجة مفاعيل الأزمة الاقتصادية التي تفجرت في قلعة الرأسمالية. 4 - أكدت الأزمة العالمية ضرورة إعادة النظر بالنظام الاقتصادي العالمي الذي فرضته الولايات المتحدة منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، فقد أصبحت الحاجة ملحة لنظام جديد يضمن ضبط حركة الأموال والأسواق بمشاركة البلدان النامية، يقوم على العدالة بين المساهمين في الاقتصاد العالمي، ولا يرتهن لقطب سياسي واقتصادي واحد، هو المصدّر الرئيسي للأزمات الاقتصادية والكوارث الاجتماعية. المراجع 1 - موقع (قاسيون) بتاريخ 5 آب 2011. 2 - نعوم تشومسكي نقلاً عن (Democratic underground). 3 - سمير التنير - صحيفة (السفير). 4 - صحيفة (النور)، العدد 382 تاريخ 25/3/2009. بشار المنيّر
#بشار_المنيّر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أين كنا... وأي نهج اقتصادي ينهض ببلادنا؟ السورية (10)
-
التنمية.. حق من حقوق الإنسان
المزيد.....
-
فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح
...
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|