|
العلمانية مفهوم يجب أن يدافع عنه المسلمون كذلك
عبد الصمد عياش
الحوار المتمدن-العدد: 3505 - 2011 / 10 / 3 - 05:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عندما نناقش مفهوم العلمانية، كثيرا ما يبادر إلى ذهن الكثير من مكونات المجتمع المغربي أن العلمانية هي كلمة مرادفة للإلحاد، غير أنها لا تعنى قطعا الإلحاد، وإنما تعني بكل بساطة الفصل بين المؤسسات السياسية والاجتماعية من جهة و الدين من جهة ثانية، أي بصيغة أخرى تصبح المسألة الدينة من تدبير المجتمع وليس عن طريق مراقبة مؤسسات الدولة. لا يمكن فهم الدور الكبير الذي تلعبه أسس العلمانية في حياة المسلمين المغاربة أنفسهم، إلا بتغير محيطهم الموضوعي، أي الزج بهم في عالم مختلف لا يعترف بقواعد ممارستهم الدينية والعقدية، حينها لا يمكن للمسلم المغربي- الغريب- المناهض لمفهوم العلمانية، إلا أن يكون مضطرا للاستنجاد بأبجدياتها لضمان حقه في ممارسة حقه في الاختلاف. ولا يمكن لأحد على أية حال أن يكون ضد حرية ممارسة ما يراه صحيحا، وما يعتقد به، رغم تغير الظروف الموضوعية وتغير المكان والزمان، لكن السؤال المطروح لماذا يطالب المسلمون المغاربة الدول الغربية بحرية ممارسة اختلافهم في الخارج حينما يشكلون أقلية، وفي نفس الوقت يناهضون هذا المبدأ حينما يتعلق الأمر ببلدانهم، أي بتعبير أدق يطالبون بالعلمانية في الخارج ويحاربونها في الداخل، رغم أن العلمانية لا تعني سوى أن تضمن الدولة حرية الممارسة الدينية كيف ما كانت مسيحية/ اسلامية/يهودية/أخرى وليس فقط ممارسة الإسلام بالخارج... إذ تبقى ممارسة القناعات هي السبل الوحيد لإثباث الذات، في وجود الأخر المختلف، ومادام الأخر/الاختلاف موجودا، تصبح العلمانية هي الإجابة الوحيدة المكفول لها حل هذا الإشكالات. في ممارسة طقوسهم الدينية في الدول الغربية الغير المسلمة مثلا، يحتاج المسلمون المغاربة الذين يشكلون أقلية في الخارج، إلى اعتراف الأخر، وقبول وجودهم وممارستهم في مجتمعات مختلفة لا تعترف إلا بالنظم و الأعراف و الثقافة التي تم التقعيد لها منذ مئات السنين في تلك البلدان، إذ يحاربون المنطق الشمولي التيقراطي في الدول الغربية الذي يعتبر الصلاة، الصيام، الأذان أو الحجاب، نوعا من الاستفزاز للمواطن/الأخر الذي يشكل أغلبية ساحقة والذي يعتبر أن تلك الممارسات الدينية المختلفة تجرح شعور المواطنين، كما يعتبر الإسلامي الشمولي أن ممارسة المسيحية او الإفطار في رمضان في المغرب، يعتبر بشكل من الأشكال استفزاز لشعور المسلمين. تجد أحيانا من المسلمين من يجسد في ممارساته موقفين متناقضين في ما يخص الحق في ممارسة قناعاته الشخصية، تلاحظ أنه في الخارج يدافع عن حقه في الوجود كأقلية وممارسة حريته الفردية وبالاعتراف بحقوق الأقلية المسلمة بالخارج واحترامها واحترام طقوسها، لكن بمجرد ما يتغير الواقع الموضوعي ويعود مثلا إلى وطنه المغرب، يهاجم بين عشية وضحاها مواقفه "العلمانية" الداعية إلى حرية المعتقد، وتراه يدافع عن احترام خصوصية بلده الإسلامي و احترام الثقافة المسلمة، ليسحب تحت يافطة الخصوصية حقوق الأقليات في ممارسة قناعاتها واعتقاداتها وفي ممارسة اختلافها بشكل عام كما كان يمارس قناعاته بالخارج. هذا التناقض الغير المبرر والذي تجسده "الأغلبية" المسلمة المغربية ، للأسف الشديد و الذي يعبر عن أنانية فضة، لا يمكن أن يفهمها المسلم المناهض لحقوق الأقليات في بلده، إلى عندما يستوعب جيدا أنه لا يمكن أن يمارس اختلافه في أي بلد أخر إلا في إطار تبني مبدأ الاحترام والاعتراف للمعتقد المختلف، ووعيه بهذا القانون الإنساني العميق، لا يمكن أن يكون إلا في إطار مجتمع يكفل حق الفرد في الحرية الدينية و العقدية سواء أكان بلده الأم أم بلدان أخرى. إن الاشتغال أساسا على بناء بروفيل/هذا المسلم الذي يسمح مثلا للأقلية بممارسة قاناعاتها/ الإفطار في رمضان مثلا، إنما هو في جوهره يعتبر عملا يؤسس لدولة علمانية تستمد فيها السلطة من الأرض و ليس من السماء، إذ بهذا المنطق بالذات تصبح العلمانية على عكس ما هو رائج الكيفية الوحيدة التي يمكن حماية الممارسة الدينة الإسلامية بالخارج المسيحي، فلولا هذا المنطق الذي أسس له التاريخ في العديد من الأنظمة لأجبر مسلمو الغرب على ممارسة دين الأغلبية في الدول الأجنبية الغير المسلمة، و في الحقيقة فإن مسلمو الغرب "المتطرفين" يطالبون بالعلمانية بدون شعور، لما يطالبون الدول الغربية أن تحفظ لهم حرية الممارسة الدينية و بناء المساجد و الأذان و الصوم و الحجاب .... فما هو السبب الذي يجعلهم إذن، يحاربونها عندما يتعلق الأمر بمسيحي أو ملحد في المغرب؟ أو عندما يتعلق الأمر بإفطار أحدهم في رمضان؟ أو أليس الحجاب أو الصلاة في بلد مسيحي، يقابله الإفطار في رمضان في بلد مسلم؟
#عبد_الصمد_عياش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
20 فبراير وربيع المغرب مالعمل الآن؟
المزيد.....
-
وفد -إسرائيلي- يصل القاهرة تزامناً مع وجود قادة حماس والجها
...
-
وزيرة داخلية ألمانيا: منفذ هجوم ماغديبورغ له مواقف معادية لل
...
-
استبعاد الدوافع الإسلامية للسعودي مرتكب عملية الدهس في ألمان
...
-
حماس والجهاد الاسلامي تشيدان بالقصف الصاروخي اليمني ضد كيان
...
-
المرجعية الدينية العليا تقوم بمساعدة النازحين السوريين
-
حرس الثورة الاسلامية يفكك خلية تكفيرية بمحافظة كرمانشاه غرب
...
-
ماما جابت بيبي ياولاد تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر
...
-
ماما جابت بيبي..سلي أطفالك استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
سلطات غواتيمالا تقتحم مجمع طائفة يهودية متطرفة وتحرر محتجزين
...
-
قد تعيد كتابة التاريخ المسيحي بأوروبا.. اكتشاف تميمة فضية وم
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|