أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد حسين يونس - عالم بدون كهانة و كهان















المزيد.....

عالم بدون كهانة و كهان


محمد حسين يونس

الحوار المتمدن-العدد: 3504 - 2011 / 10 / 2 - 20:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


سيطرة الكهنة علي عقول العامة أمر امتد لالاف السنين عندما كان البشر علي حدود الوحشية لا يفترقون كثيرا عن أجدادهم من الضوارى والحيوانات .. وعي الانسان الذى تطور مع نمو عقله و قدرته علي استخدام الالة لم يسعفه بتفسير الظواهر الطبيعية اليومية أو الموسمية .. شروق الشمس و غروبها ، ظهور القمر في أطوار مختلفة من الهلال الي البدر .. الرياح ، الامطار ، الامراض، الموت ، الحياة (الاستيقاظ ) بعد الموت ( النوم ) اليومي، التناسل ، الجوع ، الخوف ، التعامل مع الكائنات الاخرى الباغية و الصديقة عالم غامض علي العقل الذى بدأ يتفتح و يعي.
ملاحظة الحيوانات عالية الرتبة ( خصوصا تجمعات القردة ) وقبائل البشر البدائية التي لم تتطور في غابات الامازون ، افريقيا الاستوائية ، جنوب شرق اسيا أو استراليا .. علمتنا كيف كان يعيش الانسان البدائي و يفكر قبل اختراع الكتابة والتدوين (4341 ق.م ).. المجتمعات ضعيفة التطور يحكمها عادة عاملين أساسين .. القوة الغاشمة الممثلة في الشباب الاكثر فتوة تسوس القطيع ، تفرض عليه الالتزام بقوانين الجماعة و تقوده في غاراته علي الاخرين و تدافع عنه اذا ما واجه عدوانا .. والحكمة الممثلة في ساحر القبيلة و كاهنها الذى يعلم ما لا يعلمون و يختلط عندة السحر بالطب ، المعرفة بالخرافة ، والقدرة بالعجز والاستسلام للمقادير التي تفرضها عليهم ارادة عليا غير مرئية و غير محسوسة تتحكم في الكون و البشر .
الانسان البدائي يختلط عنده الوجود المادى المحسوس بالوجود الاثيرى الذى يأتيه في الاحلام و الرؤى .. ، يختلط عنده حيوية الحياة بركود الاغماء والنوم والموت .. ويجد أن الشمس الغاربة تتجدد في الفجر والنبات الساقط في الخريف و الشتاء يعاود الازدهار في الربيع و الصيف ، والماء المنخفض في النهر يعود فيفيض فيلجأ الي الكاهن يفسر ويأول .. لقد كان للكاهن وظيفة يتوارثها عن سابقيه من اسلاف عظام .. الكهنة دائما سلفيون لا يقدمون الا ما تعلموه ويظلون يرددون ما قاله الاوائل عن تأويل الرؤى و دورة الحياة وحركة الفصول يقيمون المراسم و الطقوس كما اقيمت منذ زمن طفولة الانسان حتي زمن تواجدهم .. الكاهن كان هو الذى يقص قصص الارباب و صراعهم و زواجهم و ما نتج عنه من ظواهر طبيعية .. قصص تشبه الحواديت و لكنها جميلة جمالا بدائيا كما لو كانت تعيدنا الي طفولتنا و حكايات الشاطر حسن و الدببة الثلاث او سندريلا .. قصص تقرأها في جلجامش والالياذة وسنوحي المصرى وتستمتع مع مكر ايزيس وهي تضحك علي الرب الاعظم رع لتتعرف علي اسمه المخفي الكاهن القديم كانت له وظيفة احتلها مع تقدم الزمن العشرات من المتخصصين في الطب و الهندسة و الفلسفة و العلوم و التاريخ .. لقد كان موسوعة عصره المتحركة قبل ان تطور البشرية وسائل تعاملها مع الكون .
مع بداية الحضارة المكتوبة كان الكهان الذين يتقنون القراءة هم المركز و الاساس و النبع الذى لا يتوقف عطاؤه .. لديهم الاجابة علي كل الاسئلة يلجأون للاسطورة لتفسير الواقع .. كانوا الانتلجنسيا المثقفة القادرة علي قيادة و توجيه المجاميع التي تفتقد الي العلم و المعرفة، الكهنة احتفظوا لانفسهم بالتفسير والشرح والاخبار عن ارادة الارباب .. واحتفظوا بعلوم السحر و الطب و الهندسة والانشاء وهم الحصن لمكارم الاخلاق لذلك فنصائحهم كانت تحفظ في القلب والعقل وتوجيهاتهم تصون سامعها من عذاب القبر والنار ..لقد كان زمن حضارة الكهان و الكهانة سيطروا فيه علي كل مفردات الحياة الانسانية بما في ذلك قلوب القادة من الشباب الاكثر فتوة و قدرة علي القتال في سبيل نصرة ربهم فكونوا منهم اوليجاركية عسكرية حاكمة يستخدمونها لفرض سيطرة ربهم علي ارباب الاخرين واستنزاف ثروات شعب الاله المهزوم لصالح معابد و كهنة و خدام الرب المنتصر.
التاريخ يذكر لنا برهبة كيف حول الكهنة قادة المعارك المنتصرين الى آلهة تعبد ، تعيش حياة الأرباب .. فالملك الاله كان يتحكم فى رقاب العباد ، يحيي ويميت ، يغنى ويفقر، يمنح ويقطر، يتحدث فتصمت الجموع ويتحرك فيسقط رعاياه على وجوههم ساجدين.
لا يوجد شعب من شعوب الأرض القديمة التاريخ لم يصب بلعنة الكهنة والعسكر ، بما فى ذلك الشعوب غاربة الحضارة فى أمريكا اللاتينية واستراليا وافريقيا .. الكهنة والعسكر شكلا أرستقراطية متميزة طبقيا فى الهند والصين واليابان .. وكان المحرك الدافع لطوابير الغزاة التى أسست الامبراطوريات حول البحر المتوسط والممتدة من جبال فارس شرقا حتى سهول الأمازيغ والبربر .
فى بابل وآشور ، فى فارس ومصر ، فى اليونان وروما ، بلاد العرب ، بلاد اليهود ، بلاد الترك والتتار والمغول كانت الارستقراطية العسكرية ذات السطوة النافذة تحركها توجهات الكهنة وتنبؤاتهم ، الكهنة القدماء كان لهم الدور الأساسى فى تقبل الشعوب لحكامها ، وكان الحكام يتبادلون معهم الخدمات والمنفعة ويغمرونهم بالهدايا والعطايا والهبات ، حتى أن كهنة آمون كانوا الأكثر غنى وسيطرة على اقتصاد الامبراطورية المصرية فى الزمن من الاسرة الثامنة عشر حتى الخامسة والعشرين ، لا يجاريهم أو ينافسهم فى الثروة حتى الملوك والأمراء.
فلاسفة اليونان كانوا أول من أّذن بأفول سطوة الكهان ، لقد كشفوا زيفهم وإدعاءاتهم بأنهم متصلون بالسماء مباشرة ، وأسقطوا نفوذ كهنة( دلفى) ونبوءاتهم ، وبدأوا يناقشون الأرباب والآلهة والحكام والقادة من خلال منطق جديد يتسم بالديموقراطية .
انقسام العالم الى قسمين متميزين أحدهما يؤمن بقوة وقدرة الكهنة ، والآخر يسعى لفهم قوانين الحياة جاء مع عصر النهضة بايطاليا وألمانيا وانجلترا وتصاعد حتى القرن التاسع عشر عندما بدأت حياة البشر تأخذ منهجا جديدا ينحى الفكر الميتافيزيقي ويعتمد على العلم والفلسفة والتجربة ، والتخصص فى الأداء واستقلال المجتمع المدنى عن تأثير الكنيسة .
فى القرن الحادى والعشرين تسقط جهالات الكهنة أمام نور العلوم الحديثة ، فالانسان لم يعد يشغله شروق أو غروب الشمس أو حركة الأجرام السماوية ، انه يعرف بدقة أسباب ذلك ومواعيده ، ولم تعد تدهشه الأحلام لقد قام سيجموند فرويد وتلاميذه بالشرح والتأويل والتفسير، وهو يعرف شجرة أجداده وعلاقتها بكل الكائنات المتواجدة على الأرض ، الانسان اكتشف قوانين الوراثة وأسباب الأمراض وتركيبته الجينية ، وتوقع التغييرات التى تحدث على جسده خلال نموه أو غروبه .. الانسان لم يعد فى حاجة الى كاهن ليشرح له، انه يحتاج لتعلم اللغات وكيف يستخدم جهاز الكمبيوتر والانترنت ليعرف بدقة ما فى بطن زوجته وما يدور فى الفضاء الخارجى وما نوع الجرثومة التى أصابته ، الكهنة توقفوا فى جزء واسع من العالم عن الفتوى فيما لا يعرفون الا فى بلادنا حيث لازال لهم نفوذ ذو حجم غير محدود.
فى القرن الحادى والعشرين لم يعد فى قدرة الكهان أن يسوقوا فاشيست العسكر الى أهدافهم فالعالم أصبح صندوقا زجاجيا شفافا بواسطة أجهزة الاتصال والأقمار الصناعية ، الكهنة لم يعد بمقدورهم أن يستنسخوا جنكيز خان او هولاكو أو تيمور لنك حتى فى بلادنا المنكوبة بهم ، يتركون أجهزة الاعلام تقدم الديكتاتور الجديد وهم يحضون الشعب على إطاعته وعدم الثورة عليه أو على نظامه ، انها الوظيفة القديمة الجديدة لكهنة الدول المتخلفة ، دعم الحاكم عن طريق تأكيد عصمته عن الخطأ وأنه فى مكانه هذا تمثيل لإرادة علوية من رب هذا البلد الذى يرتضيه لشعبه قائدا وزعيما ، والزعيم فى المقابل يقدم لهم الامتيازات والوظائف والهدايا والأرباح.
فى القرن الحادى والعشرين لم يعد بقدرة الكهان أن يشبعوا الجانب الروحى والانسانى لراعاياهم انهم يكرهون الفنون والآداب والسينما والمسرح والرسم والنحت ويكفرون من يزاولها ، انهم يحصرون عبــّادهم فيما يسمحون به من طقوس وفروض يرونها تتناسب معهم .. الانسان المعاصر لن يتوقف عن سماع الموسيقى والغناء ولن يتوقف عن مشاهدة الأفلام والمسلسلات ، وهو يكتسب أفكاره وقيمه وإلهامه من انتاج بشر معاصرين له، وعلى الكهان أن يحملوا قصصهم الساذجة والتى ملّ الناس من سماعها ويذهبون الى معابدهم يزاولون هناك ما يحلو لهم من طقوس واحتفالات.
فى القرن الحادى والعشرين يتعلم الانسان فى المدرسة والجامعة ومن المكتبة والانترنت والندوات ، وينظم حياته بعيدا عن طغيان العسكر وتهاويم الكهنة ويشبع حياته الروحية فى المسرح والسينما والمتحف وأمام التليفزيون ، فهل هو فى حاجة اليوم الى كهانة وكهان !!
سكان العالم لا ينتظرون اليوم نبوءات الكهان وقراءات النجوم والطالع ، ولم يعد أى منهم يصدق تاريخا مغشوشا ومكذوبا يقدمونه له ولم يعد ينتظر أن يعلموه حتى طقوس دينه وأساليب صيامه وصلاته وحجه ، فعلى الانترنت من يقوم بهذا أفضل .. الانسان الحديث تسمو روحه وتشف حواسه بمشاهدة الرسومات والنحت والابداع الفنى فى الملابس والحلى والعمارة ، وسماع الغناء والموسيقة وهو يراعي صحته ويعالج امراضه لدى الطبيب بعيدا عن سحر الكهانة ، فلماذا نجدهم حولنا اينما ولينا نظرنا !! كهنة هندوس، بوذيون ، يهود مسيحيون، ومسلمين شيعة ،ومسلمين سنة ، كهنة من جميع الأجناس أسود وأبيض وأصفر وأسمر ، رجال ونساء وحتى الأطفال ، ألم يتغير العالم ، ألم نعد فى غير حاجة لهم !!
كهان العالم الجديد الذين لم يعد لهم دور يقودون الجماهير لتكسير وحرق وتدمير معابد الديانات الأخرى ، يحاولون الارتداد فى القرن الحادى والعشرين الى زمن كان الانسان فيه غير قادر على التمييز والفهم واتخاذ القرار الصحيح .
أيها السادة نحن لسنا فى حاجة اليكم ، إنكم بصراحة خارج حدود الزمن يعشش فى عقولكم قيم زمن متخلف ويدفعكم لخوض معارك انتهت أسبابها ، أيها السادة العالم لم يعد فى حاجة اليكم لقد بلغنا سن الرشد و لم نعد اطفالا نحتاج لرعايتكم فابحثوا عن مهنة اخرى تكون مفيدة للبشرية ، لقد انتهى عصر الكهانة بانتهاء وظيفتها ، وهؤلاء الذين يتمسكون بثوبها يعيشون عالة على الانتاج البشرى يعطلون ويوقفون حركته .. نحن فى حاجة اليوم الى عالم بدون كهانة وكهان تعطل تطورنا .



#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسلمات خارج حسابات المعاصرة .
- أطفال مدللين ..أم نصابين محترفين .
- بدعه ، ضلالة ، نار و تغييب لعقل الامة
- الاسلامجية و تدمير آثار مصر
- عريان بين ذئاب .. صديقي بالعراق
- مليونية ما بعد زيارة القدس
- لن أغفر للاخوان ما فعلوة بمصر.
- ادعاءات الفرزدق و عجز ما بعد الهوجه
- في انتظار .. قرن من السبات الوهابي.
- الاخوان المسلمين ..ارهاب باسم الدين.
- الاسطورة المصاحبه لميلاد الانبياء
- حقوق الانسان .. ام حقوق الرب.
- تعاظم موجات الكراهيه علي بر مصر
- مصر ..في قبضه المبتسرين
- مصر ..لن تكون جنتهم الموعوده
- حثالة البروليتاريا ..تطلق لحاها
- أكفل قرية في الصعيد.. خلط فكرى شديد .
- سقوط الميتافيزيقيا
- ((لا أعرف شيئا عن سر الاله))
- النبوءة


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد حسين يونس - عالم بدون كهانة و كهان