|
حوامل النهوض الشعبي في سورية
معتز حيسو
الحوار المتمدن-العدد: 3504 - 2011 / 10 / 2 - 10:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما زالت تُطرح العديد من التساؤلات عن طبيعة الحوامل الاجتماعية والسياسية للحراك الشعبي. وأهمية هذه التساؤلات هي كون الإجابة عنها يساهم في تحديد أشكال التغيير ومضامينه المستقبلية. إذاً من البداهة بمكان، أن تعبّر أشكال التغيير وأهدافه عن حوامل الانتفاضة الشعبية، وبطبيعة الحال سيكون هذا مرتبطاً بشكل موضوعي مع طبيعة وشكل تعامل النظام السياسي الذي لم يرتقي حتى اللحظة إلى حدود العقلانية السياسية مع المطالبين بالتغيير الوطني الديمقراطي السلمي، أي أن العقلية الأمنية المدعومة بالقوة العسكرية هي السائدة. دون أن ننسى الدور الإقليمي والدولي في الأوضاع الراهنة وأشكال التدخل التي يمكن أن تتخذها لتحقيق مصالحها.
وإذا كانت أشكال التغيير تتحدد في شكلها الأولي تبعاً لحواملها الاجتماعية، فإن البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية للنظام السياسي السائد تدلل على أشكال التغيير الذي تريد تحقيقه قوى التغيير التي هي بالأساس تتبنى مشاريع وبرامج سياسية تشمل كافة المستويات الاجتماعية. إذاً: عندما يكون النظام السياسي السائد قائماً على احتكار السلطة السياسة، وفق آليات تعمل على الإقصاء والاستئصال وقمع الحريات السياسية، وهدر كرامة الإنسان ،وعندما تهيمن فئة محدودة ومحددة على مصادر الثروة الوطنية، فمن البداهة أن تتكثّف وتضيق دائرة أصحاب النفوذ والمستفيدين من الشكل السياسي السائد، وتزداد اللوحة تعقيداً عندما يتم تغييب مختلف أشكال المواطنة في سياق إعادة إحياء الانتماءات الما قبل وطنية وتوظيفها سياسياً. هذا يعني بأن المتضررين من شكل النظام السائد وبنيته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يشكلون الغالبية العظمى من الشعب السوري، أي إن التحركات الشعبية تعتبر فعلاً طبيعياً لمواجهة الشكل السياسي المسيطر،لذا يجب عدم اختزال الحراك الشعبي بفئة محددة، أو أنه فقط نتيجة مؤامرة خارجية.
وبما أن النهوض الشعبي يشكّل تعبيراً حقيقياً عن طموحات المجتمع السوري، فإن استمراره يدلل على إرادة التغيير لتجاوز الشكل السياسي والاقتصادي المسيطر، لكونه يُشكّل حتى الآن النقيض الموضوعي لأي مشروع سياسي ديمقراطي، وأيضاً يشكّل نقيضاً موضوعياً لأي مشروع اقتصادي تنموي. أي أن أشكال الهيمنة الاقتصادية والسيطرة السياسية الراهنة تشكل حاجزاً أمام التغيير الوطني الديمقراطي السلمي على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
إن احتكار السلطة السياسية والهيمنة على مصادر الثروة الوطنية،إضافة إلى السياسات الاقتصادية التي ساهمت في انخفاض مستوى المعيشة وزيادة معدلات الفقر والبطالة..،شكلت أسباباً حقيقية للنهوض الشعبي، لذا يمكننا التأكيد بأن وحدة المجتمع السوري في نهوضه الشعبي، هي دليل على وحدة مصالحه، وهي دليل على أن كافة المتضررين والمهمشين والمفقّرين تجمعهم إرادة التغيير السلمية، وهذا يعني بأن المكونات الاجتماعية للحراك الشعبي تشكّل النقيض الموضوعي للشكل السياسي الأحادي الشمولي. ويجب التنويه بأن غياب القوى السياسية سيترك آثاراً سلبية على أشكال وطبيعة الحراك الشعبي. وكان من المتوقع، ولأسباب متعددة، أن تكون هذه القوى في مؤخرة النهوض الشعبي. وقد أكدنا سابقاً على ضرورة أن تسارع القوى السياسية لإعادة تشكيل ذاتها وتحديد موقعها السياسي الحقيقي من الجماهير، وإعادة إنتاج وتشكيل علاقاتها مع مجتمعها قبل أن يفاجئها النهوض الشعبي،وكنا ندرك بأن كلامنا لن يجد آذاناً صاغية، وكنا مدركين بذات اللحظة بأن انتفاضة الشعب السوري، ستكون قادرة على إنتاج قياداتها السياسية الفكرية والميدانية الشابة،ومن المرجح بأن الآليات الفكرية وأشكال الممارسة الميدانية للقيادات التي يُنتجها الحراك الشعبي لن تتوافق مع منهجية وآلية تفكير القيادات السياسية الكلاسيكية، إضافة إلى أن شكل الحراك لن يكون كما تحب وتتوقع. وقد بات واضحاً بأن الشباب هم من يشكلون القيادات الميدانية، وهم من يحدّد آليات واستراتيجيات التغيير، ومع هذا يجب التأكيد على ضرورة دور المثقفين والسياسيين الذين استطاعوا قراءة اللوحة السياسية في أشكال تجلياتها الجديدة،واستطاعوا أيضاً إعادة هيكلة وتجديد ذواتهم السياسية، لذا فإنهم الأقدر على مواكبة التغيّرات الجارية، والتعبيّر عن جوهرها.
ونشدد على أن الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي كان السبب الأساس، في أن يشكّل الشباب قاعدة النهوض الشعبي.هذا لأنهم يشكلون النسبة العظمى من العاطلين عن العمل وتحديداً الخريجين منهم،ويتقاطع هذا مع معاناتهم من التهميش السياسي،واحتوائهم في المؤسسات والمنظمات السياسية والشعبية الرسمية، لذا فإن جملة الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع السوري وتحديداً الشباب، كانت السبب في النهوض الشعبي.. ويجب التنويه بأن النهوض الشعبي يمكن أن يتجلى في بعض اللحظات، بأشكال غير سياسية. لذا فإن تمسّك المجتمع السوري بضرورة التغيير الوطني الديمقراطي (السياسي والاجتماعي) السلمي،وبوحدته الوطنية و التعايش السلمي بين كافة مكوناته،... يشكل الضمانة الحقيقية للتغيير.
#معتز_حيسو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأثير الإنتفاضة السورية على الوعي الشعبي
-
تأثير الانتفاضة السورية على التفكير الاجتماعي
-
عتبة التغيير الوطني الديمقراطي في سوريا
-
الطبقة العاملة السورية في اللحظة الراهنة
-
التغيير في سوريا ( قراءة أولية)
-
دور المثقف السوري في اللحظة الراهنة
-
حماية السلم الأهلي في سوريا واجب وطني
-
المجتمع السوري : واقع جديد: آليات علاجية
-
رسالة اليمن السعيد
-
الثورة الليبية : واقع وآفاق
-
تحولات ثقافية
-
المواطن العربي يفتح أبواب المستقبل
-
بحث أولي في إشكاليات الشباب
-
هل نسي المواطن السوري الفرح ؟؟؟
-
تجليات اقتصاد السوق الاجتماعي في سوريا
-
المواطن العربي يفتح باب التغير
-
ثورة الفقراء في تونس
-
في ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي السوري
-
حوار في فضاء التقرير الفكري للحزب الشيوعي السوري
-
الحوار في عيده التاسع
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|