|
اغتيال الفيلسوفة المصرية هيباتيا والعداء للمعرفة
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 3503 - 2011 / 10 / 1 - 10:44
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عندما دخلت المسيحية مصرآمن بها كثيرون وتخلوا عن ديانة جدودهم. وعانوا من اضطهاد الرومان 250 سنة. إلى درجة تقديمهم للوحوش فى الملاهى الكبرى . استمرالاضطهاد والقتل إلى عام 313 بصدورإعلان ميلان الذى نص على (التسامح الدينى) واستقرالوضع أكثربعد أنْ اعتنق الامبراطورقسطنطين المسيحية. ثم أصبحت هى الديانة الرسمية لكل الدول الخاضعة لروما. كان المنتظرأنّ من عانى الظلم ينشأ لديه وجدان يرفض أنْ يكون ظالمًا. ولكن ماحدث هو العكس ، إذْ مارس الأساقفة الاضطهاد ضد الذين رفضوا اعتناق المسيحية وظلوا على إيمانهم بالديانة القديمة. كما شمل الاضطهاد بعض الطوائف المسيحية وشمل تحطيم التماثيل بإعتبارها (وثنية) وتحويل المعابد الى كنائس . وتحطيم معبد السرابيون ، وهوتحفة معمارية . وكانت قمة التصاعد المأساوى عندما قرّرالمؤمنون بالمسيحية الأتقياء اغتيال الفيلسوفة هيباتيا . هيباتيا (370- 415) فيلسوفة مصرية وعالمة فى الرياضيات. وهى ابنة (ثيون) أستاذ الرياضيات فى متحف الاسكندرية. وكتب عنها ديورانت فى قصة الحضارة- المجلد الثانى. وجورج سارتون وادوارد جيبون وبرتراند رسل وآخرون. ومن المصريين د. توفيق الطويل ود. زكى نجيب محمود. غيرالروائيين والشعراء الأوروبيين. ووصل اهتمام العالم المتحضربهذه الفيلسوفة المصرية أنْ أصدرت جامعة الينوى الأمريكية مجلة فلسفية اسمها (هيباتيا) وفى أوروبا وأمريكا عشرات الجمعيات والمجلات العلمية والفلسفية التى تحمل اسم جدتنا (هيباتيا) كانت هيباتيا ذات جمال أسطورى ، ورغم ذلك رفضتْ كل عروض الزواج وفضّلتْ التفرغ للعلم والفلسفة. وكتبتْ عنها دائرة المعارف البريطانية أنها جمعت بين التواضع والجمال والقدرة العقلية ((فجذبتْ عددًا هائلا من التلاميذ)) وكان من تلاميذها أساتذة وفلاسفة ، كانوا يأتون من أكثرمن دولة ليستمعوا إلى محاضراتها ، من بينهم الفيلسوف اليونانى (دمشيوس) والعالم (سينسيوس) الذى اعترف بفضلها عليه فى تثقيفه وأنها شرحتْ له مؤلفات أرسطو وأفلاطون وبعض العلوم الطبيعية مثل الفلك والميكانيكا والرياضيات. وكانت تُكرس لأهمية الحب الروحى لا الجسدى . ويقول عنها معاصروها أنها كانت تتربع بشرف ((على قمة الأسرار الفلسفية)) وذكر د. إمام عبدالفتاح إمام أنّ هيباتيا أنجزتْ حسب ما كتب سويداس فى معجمه ثلاثة كتب : شرح على كتاب ديفونطس السكندرى فى علم الحساب. والثانى شرح على كتاب بطليموس (المجموع الرياضى) الثالث شروح على (قطوع المخروط) أبولونيوس البرجى . كما أنها اخترعت (البلانسفير) وهى خريطة ذات ثلاثة أبعاد لنصف الكرة السماوية. أو الآلة الفلكية القديمة المسماة الاسطرلاب . والاختراع الثانى هو جهاز قياس الوزن النوعى للسوائل . وهو نوع من الهيدرومتر. ولأنّ الأصوليين فى كل دين متعصبون أحاديون منغلقون ، لذلك جاءتْ النهاية الدامية لهذه الفيلسوفة التى كانت تنادى بترسيخ قيم الحب والعدل والجمال كما تعلّمتها من الفلسفة المصرية. ولكن لأنها رفضت اعتناق المسيحية ، ولأنّ شهرتها فاقت فى الأهمية شهرة رجال الدين ، فقد دبّر رئيس الأساقفة خطة اغتيالها ، عندما أطلق إشاعة هو مصدرها تقول أنّ هيباتيا هى العقبة الوحيدة للتوفيق بين الحاكم أورستس ورئيس الأساقفة كيرلس . ولأنّ المتدين يُصدق رمزه الدينى ، صدّق المسيحيون ما يقوله كيرلس من بذاءات وافتراءات ضدها إلى أنْ جاءت لحظة اغتيالها فى شهرالصيام الكبير. وعن مشهد الاغتيال كتب د. إمام عبدالفتاح ((اعترضتْ جماعة من رهبان صحراء النطرون ، الذين قضوا فى الصحراء سنوات طويلة يصارعون قوى الشر كما يقولون ويديرون معركة صراع باطنى ضد شهوات الجسد ،اعترضوا عربة هيباتيا بإيعاز من كبيرهم كيرلس ، فأوقفوها وأنزلوا الفيلسوفة الشابة الجميلة. ثم جروها إلى كنيسة قيصرون حيث تقدّمت مجموعة من هؤلاء الرهبان وقاموا بنزع ثيابها حتى تجردت من ملابسها لتصبح عارية. وتقدم بطرس قارىء الصلوات فى الكنيسة وقام بذبحها وهى عارية. وقد أمسك بها مجموعة من الرهبان ليتمكن قارىء الصلوات من ذبحها. ثم عكف الرهبان (الأتقياء القلب) على تقطيع جسدها مستمتعين بما يفعلون. ثم راحوا يكشطون اللحم عن العظم بمحار حاد الأطراف . ثم أوقدوا نارًا وقذفوا فى النار بأعضاء جسدها وهى ترتعش بالحياة كما يقول الفيلسوف برتراند رسل . حتى تحول الجسد إلى رماد وهم يتحلقون حوله فى مرح وحشى شنيع على حد تعبير ديورانت)) ويرى د. إمام أنّ ((الرهبان عجزوا عن قمع شهوات الجسد. ولما كان يصعب الوصول إليه ، فإنه يسهل عليهم تمزيقه)) . هذا هو درس التعصب : اغتيال الفيلسوفة والعالمة التى يعتقد بعض المؤرخين أنّ العالم كوبر نيكوس تأثر بنظريتها فى علم الفلك. وأنّ الروائى الإنجليزى تشارلزكنجزلى كتب رواية اسمها (هيباتيا) وكتب عنها الأديب الفرنسى Gille Menage فى كتابه الفلاسفة من النساء قصيدة قال فيها ((لابد لكل من يشاهد ويتأمل بيتك الطاهر/ الخالى تمامًا من كل زخرف أوزينة/ أنْ ينشغل بأمرالثقافة/ حقًا ، لقد انشغلتِ أنتِ بالسماء/ هيباتيا.. أيتها المرأة الحكيمة/ لغتك عذبة.. ونجمك متألق فى سماء الحكمة)) (د. إمام عبدالفتاح إمام- نساء فلاسفة- مجلد 4 ) وكتبتْ عنها ماريا ذليسكا ((لن يقدرالموت يومًا / أنْ يميتها / إنها قائمة هناك.. بسكونها / الموت لايقدرأنْ يُميت مثلها / الموت يقدر فقط / أنْ يبعثر هذا الزمن / بعوالمه المرتجفة / أما هى ستظل دائمًا هى)) (د. مرفت عبدالناصر- لماذا فقد حورس عينه- دارشرقيات- عام 2005 ص 82) . ألا تُذكرنا مأساة هيباتيا بمأساة المفكرالفارسى ابن المقفع الذى كان مصرعه بتقطيع جسده وهو ينظرإلى أعضائه وهى تلقى فى النار. وبالنهاية المأساوية لعبدالحميد الكاتب الذى قتله العباسيون بوضع طست محمى على رأسه. و بمحنة الإمام أبى حنيفة الذى رفض أوامرابن هبيرة الذى طلب منه تأييد تصرفه بقتل أحد الأشخاص ، فقال أبوحنيفة ((كيف أقبل هذا العمل؟ تأمرأنت بقتل إنسان ظلمًا أو مصادرة ماله وأختمه أنا. هذا لن يكون أبدًا))وكانت النتيجة أنْ أمرابن هبيرة صاحب الشرطة بحبس أبى حنيفة وأنْ يُضرب كل يوم عشرة أسواط . وفى عهد أبى جعفرالمنصورأيضًا تم جلد الإمام مالك . وفى عهد الرشيد كاد الإمام الشافعى أنْ يُقتل لأنه اختلف مع أتباع الإمام مالك . وفى العهد الأموى قال الجعد بن درهم أنّ القرآن مخلوق ومحدث. فأتى به الولى خالد بن القسرى إلى مسجد الكوفة مقيدًا بالأغلال يوم عيد الأضحى . وصلى خالد بالناس صلاة العيد وقال فى آخرخطبته ((اذهبوا إلى بيوتكم وضحوا تقبل الله منكم . أما أنا فإنى أريد أنْ أضحى بالجعد بن درهم . ونزل من على المنبر وقتل الجعد بن درهم مطيحًا برأسه بالسيف . ثم يجيىء المأمون ويتبنى فكرالمعتزلة حول خلق القرآن . واعتقل كل من رفض تأييد رأيه وكان من بينهم الإمام أحمد بن حنبل الذى ظل فى السجن 28 شهرًا وكان يُضرب بالسوط إلى أنْ يُغمى عليه. ويُنخس بالسيف فلا يحس (أنظرسليمان فياض- الوجه الآخرللخلافة الإسلامية- ميرت للنشر- عام 1999- أكثرمن صفحة) . ويصل التعصب إلى درجة اغتيال الصوفى الكبيرالحلاج الذى حاول التوفيق بين الدين والفلسفة اليونانية. فكان مصيره السجن 8 سنوات وضربه بالسياط وحرق جثمانه. ورغم أنّ القضاة حكموا بتكفيره ، فقد كان من الصالحين فى نظرالجماهير. والتعصب ينهش صدورالفقهاء ضد السهروردى فيتآمرون عليه لدى صلاح الدين الأيوبى الذى أمربقتله. وبعد نفى ابن رشد إلى اليسانه كتب الخليفة الأندلسى المنصورمنشورًا أمرفيه الجماهيربعدم الاشتغال بالفلسفة. والعداء للمختلف لم يتوقف فيكون اغتيال فضيلة د . محمد حسين الذهبى وفرج فوده ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ . والموقف من الفلسفة لم يتغير، إذْ فى عهد عبدالناصريُصدر وزيرالتعليم كمال الدين حسين قرارُا بإلغاء مادة الفلسفة من المرحلة الثانوية. ومع بداية الألفية الثالثة أصدروزير التعليم قرارًا بأن تكون مادة الفلسفة اختيارية. وهكذا يتلازم ثنائى الشرالمطلق : العداء للمعرفة (بمراعاة أنّ الفلسفة هى المدخل للمعرفة) واغتيال كل صاحب فكر. وصدق من قال ((من يبدأ بحرق الكتب. ينتهى بحرق البشر)) ومع ذلك فإنّ الأحرارفى كل مكان مازالو يبحثون عن أية معلومة عن الفيلسوفة المصرية هيباتيا . ويعيش سقراط فى الوجدان وفى الكتب . ونقرأ ما كتبه الحلاج والسهروردى وابن المقفع وابن الراوندى . وصدق الفيلسوف هيجل فى قوله الحكيم الذى لخص مأساة التعصب المصحوب بالدم فى جملة تحمل الأمل لذوى الضمائر الحية ((إنّ الخنجرلايقتل الأفكار)) . *****
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استشهاد فرج فوده والدروس المستفادة
-
أجيال جديدة ومرجعية قديمة
-
علمنة مؤسسات الدولة والسلام الاجتماعى والانتماء الوطنى
-
الإسلام السياسى للمستشار العشماوى
-
القومية المصرية تُغطيها قشرة رقيقة
-
شخصيات فى حياتى : بورتريه للأستاذ أديب
-
شخصيات فى حياتى - بورتريه للست أم نعناعة
-
النص المؤسس ومجتمعه
-
طه حسين : الأعمى الذى أنار طريق المبصرين
-
الوجه الآخر للمبدع الكبير سليمان فياض
-
الأصوليون وحدود الدولة وأمنها القومى
-
الترانسفير بين مصر وفلسطين وإسرائيل
-
المرجعية الدينية وآليات حكم الشعوب
-
الأصولية اليهودية والعداء للسامية
-
الترجمة عن العبرى وعقدة التطبيع الثقافى
-
الهوية بين الولاء للوطن والولاء للدين
-
الأديان لسعادة البشر أم لتعاستهم ؟
-
جامعة الاسكندرية والأصولية الإسلامية
-
المفكر الكويتى أحمد البغدادى : التنوير بلا تزوير
-
فؤاد زكريا والعلاقة بين العلمانية ونقد الأصولية الدينية
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|