|
استشهاد فرج فوده والدروس المستفادة
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 3503 - 2011 / 10 / 1 - 10:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فى يوم 8 / 6 / 1992رُوّع الأحرار فى كل مكان فى كرتنا الأرضية بخبر اغتيال شهيد الفكر فرج فودة ، فهل تراجعتْ الأصولية الإسلامية فى مصر ، أم تضاعف نفوذها واستفحلت مخاطرها ؟ وهل تعلّمت الثقافة السائدة شيئًا من درس اغتياله ؟ أعتقد أنّ الدرس الأول هو الاعتراف بأنّ الأصوليين الإسلاميين لايعترفون إلاّ بحوار الرصاص مع كل مختلف عن منظورهم لحياة البشر العصرية ، حتى لو كان المختلف معهم يُعلن إيمانه بالدين الإسلامى ، وهو ما فعله فرج فودة الذى كتب (( أشهد أنّ لا إله إلاّ الله وأنّ محمدًا عبده ورسوله 0 شهادة من يدفعه مناخ ردىء إلى رفع شعار الديانة بديلا أو سابقًا لشعار المواطنة 0 وإثباتًا لما لا يتطلب برهانًا أو تأكيدًا 0 ومقدمة لابد منها فى مواجهة تيار أهون ما يفعله أنْ يُكفّر مسلمًا 0 أو يرمى من يختلف معه بسهام الإرتداد عن الدين )) ( قبل السقوط – هيئة الكتاب المصرية عام 1992 ص 41 ) الدرس الثانى أنّ من ينتقد تصرفات المسلمين فقد انتقد الإسلام 0 ومن يعارض خلط السياسة بالدين ، ويحذر من شركات نهب الأموال ، ويكشف التاريخ الدموى للخلافة الإسلامية ، فهو مرتد عن الإسلام ودمه مُهدر بالتبعية ، حتى لو كان يدافع عن الإسلام 0 وكان فرج فودة فى كل كتاباته يفرق بين ((الإسلام الدين والإسلام الدولة ، وأنّ انتقاد الثانى لايعنى الكفر بالأول 0 بينما أنت فى الأول لاتجد إلاّ ما تنحنى له تقديسًا وإجلالا وإيمانًا خالصًا)) ( المصدر السابق ص 14 ) وكرّر نفس المعنى فى كل كتبه 0 ولكن إذا تعرّض لتاريخ المسلمين العرب وكتب (( أنّ السيف أطار من رؤوس المسلمين أضعاف ما أطار من رؤوس أهل الشرك )) (ص15) فكأنه يتعرّض للإسلام ذاته 0 ولنقرأ معًا هذه الفقرة لنعرف كيف بدأها وكيف أنهاها 0 كتب (( الدولة الإسلامية التى استمرت ثلاثة عشر قرنًا ، لم تعرف حديث المعارضة داخل المسجد ( باستثناء واقعتيْن ) يتغنى بهما الركبان 0 وأنّ المعارضة لم تكن تواجه إلاّ بالسيف 0 بل قل أيضًا دون مبالغة ، أنّ التأييد فى أغلب الأحوال لم يكن يأتى إلاّ بالسيف 0 وأنّ ما استنكره المسلمون الأوائل من بيعة معاوية لابنه يزيد ، قد تطور فى عهد عبدالملك بن مروان إلى أخذ البيعة لمن يليه ولمن يلى من يليه 0 وأستطيع أنْ أذكر لك العديد من الأمثلة التى لا غناء فيها ، لأنها لاتمس الإسلام فى شىء ، وإنما تمس من حكموا باسم الإسلام 0 والإسلام من أسلوب حكمهم براء )) ( المصدر السابق ص 33 ، 34 ) ولكن الأصوليين يخلطون بين الإسلام والتاريخ 0 ولايفرّقون بين الدين والدولة 0 ولهذا فإنّ كل من ينتقد الخلافة الإسلامية أو شركات نهب الأموال ، ويدافع عن الدولة العصرية التى لا تنظر إلى ديانة ( المواطن ) ولا إلى مذهبه ، ولا إلى عقائده ، لأنّ المعيار الأول والأخير هو انتماؤه للوطن الذى يعيش على أرضه ويتمتع بخيراته 0 وبالتالى فلا فرق بين مواطن ومواطن إلاّ بعمله وأداء ضريبة المواطنة ، وليس بديانته. وكان فودة فى كل كتاباته يدافع عن ضرورة فصل الدين عن السياسة 0 وأنّ مفهوم المواطنة لن يتحقق إلاّ فى ظل ( علمنة ) مؤسسات الدولة 0 ولذلك – رغم دفاعه الصريح عن الإسلام – كان لابد من التخلص منه وتصفيته جسديًا 0 ومن هذا الدرس الثانى نتعلم أنّ الأصوليين يمزجون بين الدفاع عن الإسلام وبين معاداة ( العصرنة ) ومعاداة التقدم والحرية ورفض المفهوم العلمى لمعنى ( المواطنة ) ولذلك يُصرون على نفى المواطنة لغير المسلمين ، بحرمانهم من الدفاع عن الوطن وأداء الجزية المنصوص عليها فى القرآن . الدرس الثالث أنّ فودة ، فى كل كتاباته ، كان يُحذر من تغلغل الأصولية الإسلامية على كل مظاهر الحياة الشخصية والاجتماعية والسياسية 0 لذلك كان ينادى بأنْ (( نذهب إلى المساجد والكنائس لكى نسمع موعظة دينية لايختلف عليها إثنان 0 ولنذهب إلى مجلس الشعب لكى نتطاحن ونختلف دون حرج أو قيد 0 ليتكلم رجال الدين فى الدين ، وليتكلم رجال السياسة فى السياسة 0 أما أنْ يرفع رجال الدين شعارات السياسة إرهابًا ، ويرفع رجال السياسة شعارات الدين استقطابًا ، فهذا هو الخطر الذى يجب أنْ ننتبه له )) ( ص88 ) وفى هذا السياق ذكر أنّ د0 أحمد عمر هاشم كتب مقالا فى جريدة اللواء الإسلامى عدد 153 قال فيه (( الإسلام لايمنع التعامل مع غير المسلمين 0 ولكن يمنع المودة القلبية والموالاة 0 لأنّ المودة القلبية لا تكون إلاّ بين المسلم وأخيه المسلم )) وتدور الأيام ، فإذا بهذا أ0د الرئيس السابق لجامعة الأزهر ورئيس لجنة الشئون الدينية بمجلس الشعب يُصرّح بأنّ (( حجاب المرأة مسألة تمس الأمن القومى )) أى أنّ سيادته لايرى أنّ استيراد القمح الأمريكى ، ولا البذور المسرطنة ، ولا آلاف القرى المحرومة من الصرف الصحى ، ويشربون ويروون زراعاتهم بمياه المجارى ، ولا إدعاءات بنى إسرائيل المعاصرين أنهم بناة الحضارة المصرية إلخ ، لا يرى سيادته أنّ كل ذلك مسائل تمس الأمن القومى ، وإنما هو الحجاب على عقل المصريين 0 وهكذا نرى أنّ الأصوليين ليسوا هم وحدهم الذين يعملون تحت الأرض ، ويدمّرون الكنائس ويقتلون المسيحيين والمسلمين المختلفين معهم ، وإنما يتربّع الأصوليون فى كل مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة التنفيذية والمؤسسة التشريعية 0 الدرس الرابع أنّ أصحاب تيار ( تجديد الخطاب الدينى ) لم يتعلموا أنّ فودة تم قتله من إسلاميين يؤمنون بالقرآن والأحاديث النبوية ، رغم أنّ القتيل ( الشهيد ) كان يجادلهم بالقرآن والأحاديث النبوية 0 الدرس الخامس أنّ فودة يختلف عن كثيرين من العلمانيين 0 لأنه لم يكتف بالدفاع عن (علمنة) مؤسسات الدولة وضرورة فصل المؤسسات الدينية عن المؤسسات السياسية ، وإنما ضفّر ذلك بدفاعه عن خصوصية مصر الحضارية 0 لذلك كان يتصدى لكل من يهاجم القومية المصرية أمثال الشيخ صلاح أبو اسماعيل الذى يرى أنّ (( الداعى إلى القومية المصرية واحد من إثنين : إما منتسب إلى الفراعين والعياذ بالله ، أو منكر لمأثورته التى تجعل المسلم الهندى أقرب إلى المسلم المصرى من المسيحى المصرى 0 وهى مأثورة تُفرغ القومية المصرية من محتواها 0 وتجعل من رافعى شعارات القومية المصرية والوحدة الوطنية مجرد خوارج 0 إنّ الذى يراد لمصر ( والذى يريد لها هو الاستعمار والصهيونية ) أنْ تواجه واحدًا من اختيارين : وهما الاختيار الإيرانى أو الاختيار اللبنانى 0 أما الاختيار الآخر الممكن ، وهو الاختيار المصرى ، فإنّ المطلوب من الشيخ وأمثاله ، أنْ يواجهوه بكل القوة والصلابة 0 وألاّ يتحرّجوا فى نعته بأعنف الألفاظ ، بدءًا بوصفه بمنطق القرود 0 إنّ الشيخ قد أصابنى فى أغلى ما أملك ، مصر ، ذلك الوطن العظيم الذى لا أعرف معنى لوجودى إلاّ به 0 ولا أعرف شيئًا يسبقه أو يعلوه انتماءً )) وهذا الفصل نشره فودة فى مجلة المصور 11 / 5 / 1984 0 وفى عام 84 أيضًا كتب (( ونحن على أبواب مجلس نيابى جديد ، أود أنْ ألفت أنظار (الأعضاء) إلى أنّ عليهم مسئولية كبرى فى مواجهة رواد الإرهاب الفكرى داخل المجلس 0 وما دام الشيخ صلاح وأنصاره قد اختاروا المجلس النيابى منبرًا ، فليتحدثوا بلغته 0 وليس للمجلس إلاّ لغة واحدة ، هى لغة السياسة 0 وليس أيضًا إلاّ جنسية واحدة ، هى مصرية 00 مصرية )) وبعد مرور السنوات على اغتيال فودة ، واغتيال د0الذهبى ، ومحاولة اغتيال الأديب نجيب محفوظ إلخ ، تراكمتْ أخطار الأصولية ، بتصويب مدفعيتها التخديرية (بمزيد من حقن البنج المُدمّرة للعقل فيبتعد عن قضايا المجتمع ، وذلك بربطه بالخرافات ) فأطلقتْ الأصولية الإسلامية من كتب تراث التخلف بعض تلك الخرافات ، مثل رضاعة المرأة للرجل كى تكون الخلوة شرعية 0والعلاج من الأمراض المزمنة بشرب بول الرسول وبول الجمال . وإذا كان الأصوليون مع تلك الرغبة المريضة برجوع عقارب الزمن إلى الخلف ، وإذا كانت الثقافة السائدة البائسة تهادنهم وتغازلهم ، وتستكتبهم الصحف الحكومية والخاصة ، وتستضيفهم قنوات التليفزيون الأرضية والفضائية ( حتى بعد ثورة شعبنا فى طوبة / يناير2011) فالنتيجة هى تحقيق حلم الامبريالية ، حيث تصير إسرائيل دولة عظمى فى المنطقة ، ويتم تصنيف ( مصر ) ضمن قبائل البدو المتخلفة 0 *****
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أجيال جديدة ومرجعية قديمة
-
علمنة مؤسسات الدولة والسلام الاجتماعى والانتماء الوطنى
-
الإسلام السياسى للمستشار العشماوى
-
القومية المصرية تُغطيها قشرة رقيقة
-
شخصيات فى حياتى : بورتريه للأستاذ أديب
-
شخصيات فى حياتى - بورتريه للست أم نعناعة
-
النص المؤسس ومجتمعه
-
طه حسين : الأعمى الذى أنار طريق المبصرين
-
الوجه الآخر للمبدع الكبير سليمان فياض
-
الأصوليون وحدود الدولة وأمنها القومى
-
الترانسفير بين مصر وفلسطين وإسرائيل
-
المرجعية الدينية وآليات حكم الشعوب
-
الأصولية اليهودية والعداء للسامية
-
الترجمة عن العبرى وعقدة التطبيع الثقافى
-
الهوية بين الولاء للوطن والولاء للدين
-
الأديان لسعادة البشر أم لتعاستهم ؟
-
جامعة الاسكندرية والأصولية الإسلامية
-
المفكر الكويتى أحمد البغدادى : التنوير بلا تزوير
-
فؤاد زكريا والعلاقة بين العلمانية ونقد الأصولية الدينية
-
أهمية محاكمة البشير وأعضاء من حكومته كمجرمى حرب
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|