حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 1041 - 2004 / 12 / 8 - 12:57
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
أزمة منتصف العمر(باب نصف مفتوح)
لا أستطيع الخلاص من فكرة الانتحار,الكتابة ساعدتني كثيرا,لكني بدأت مؤخّرا بإهدارها بتهور, كنت أكتب بشكل سرّي وخاص,وأجد في الكتابة المعنى والملاذ, وقبل ذلك المؤازرة وقدر كبير من التكيّف. سنة 2002 دخل الإنترنت في حياتي وتغيّر كل شئ, صرت أعيش كقفاز مقلوب, فقدت الخصوصية وهذا يدفعني إلى الجنون, لا أرغب بالعودة ولا أستطيع المتابعة المتوازنة في هذا العالم الافتراضي, أقف في منتصف المسافة بين الرغبة في التكيف وممارسة الخصوصية, أحيانا أحلم بفقدان الذاكرة, أن أصحو وأجد نفسي شخصا آخر بلا رغبات أو ذكريات.
كنت أعتقد أن الشخصية بعد الأربعين تتصلّب وتتماسك أجزاؤها, أو هكذا كنت أنتظر أن يحصل معي. الخطّ الواقعي أو ما يسمّى حسّ الواقع اتضح أكثر, لكن يعاكسه دوما خط آخر أكثر جاذبية وعمقا,لا اعرف تسمية له سوى العدم أو اللاجدوى, المصير القاتم.
كنت أفكر في العلاقة بين الكلمة المكتوبة وعالم الصورة, في ذلك الحيّز الخاص بالكلام المكتوب, الذي يرعاه الشعر ويجهد للحفاظ عليه. الصورة تزيد من ضغط الحاجة إلى التكيف,وتدفع بالخصوصية إلى أمكنة أكثر عتمة وعمقا, في الداخل المجهول, وطالما أن الموت ينتظر فقط, خلف الباب,لا يوجد مبرر لتجاهل تلك العلاقة المتوترة أصلا والقابلة للانفجار دوما, كما يحصل معي بعدما وصلت إلى الرقم(44), بسحر أقل من المنتصف الأزلي (33), ومعيار حادّ للفشل أو النجاح دون تمييز بين الحالتين.
أشكو من غياب الأعداء,قد تكون مشكلتي عابرة ومؤقتة, بوجود صداقة دافئة تمنح المعنى والأمل, بوجود ما يعين على المصالحة الكبرى, لكن هيهات!
هل منتصف العمر حصاد ونتيجة طبيعية لما حدث وتراكم في الطفولة من أفكار وقيم وممارسات؟ أم هو مرحلة وحالة أكثر اتساعا وتعقيدا وتشمل عالمي الخارج والداخل معا بنفس الوقت والدرجة, وتضمر الموروث الجيني ولا بد من انفجار الأسئلة المكبوتة والمهملة مجددا, سؤال الوجود والخيار الشخصي!؟ ليتني أعرف.
ليس اليتم,
ولا العروة فوق قميص محبوب
أستعيد لونا شمعيا
نهاية الكلام,
بطرف الخيط المشدود
والصورة الباردة, ظلال منكسرة
لدائرة تحصر خارجها
*
لحسن الحظ افتتح إسماعيل الحسين مقهى ثقافي في اللاذقية"صباح ومسا" وهو يقول أننا جميعا فيه ضيوف على فيروز, وهو حقق الفكرة.
أجلس الآن في المقهى في منتصف النهار وجميع جيراني شباب, الصبايا اكثر من الهواء وأكاد أختنق من زحمة الجمال وتوفره حولي من جميع الجهات.
أجلس قبالة الباب,وكأنني أنتظر دخول من أعرف أنها لن تأتي أبدا.
للأبواب قصص حزينة دوما,مليئة بالشجن والانتظار, حتى بعدما يغادر الجميع ستبقى الأسئلة التي نجهد لدفعها إلى العالم السفلي المكبوت والمهمل, لتنفجر في رأس سيئ الحظ مثلي, يسعى بكل كيانه لتجاوز شرك أل(44) بسلام.
فيما مضى كنت أكتب كاللص بخوف وخجل, وحتى فريدة التي حملت ضعفي وعيوبي أكثر مني, تتحاشى الدخول الفجائي, وأنا الآن بين جمع من الغرباء, أكتب وأدخّن وأسمع فيروز,وكأنني آخر.
*
قرأت ما كتبه اليوم نبيل فياض حول تجربته في التجمع الليبرالي في سوريا, لا اختلف في توصيف الجمود الفكري والثقافي السوري, لكن سؤالي وتساؤلي المريرين لماذا يرغب السوري ومن أي موقع جاء,في أن يختتم الكلام ويمنعه عن غيره, في الوقت الذي ينتقد الجمود وأحادية النظر والتفكير والتعبير!؟
كنت وما أزال أرغب في فتح حوار حول نقطتين أعتقد أنهما عقبتان راسختان في الثقافة والاجتماع السوريين: "التخوين الخارجي" و"التخوين الداخلي". تساءلت مرارا عن المشترك بين السوريين أو بين أغلبية السوريين بالأصح, وهل يعقل أن يبقى مقتصرا على الخارج والآخر, وبالأخص العدو!؟ ليست الإجابة عندي, وإن كنت أعتقد أن الطريق إلى تكوين مشترك حقيقي وراسخ بين أغلبية السوريين يمر بعد حل معضلة التخوين الخارجي, والتي تتمثل في اعتبار الخارج عنصرا مفردا يجسّده عدو! وأي تواصل مع الآخر والخارجي أو حتى محاولة معرفته يوحّد أغلبية السورين ضده, ويعتبر خيانة تستحق العقاب الشديد, الخروج من تلك النظرة الضيقة والخانقة يتزامن مع حل معضلة التخوين الداخلي, ذلك الموروث الباهظ, الذي قسم السوريين بالمطلق إلى معسكرين, يمثل الأول السلطة وأجهزة الأمن وبقية الدوائر الحكومية بما فيها أحزاب الجبهة, ويمثل الآخر فصائل المعارضة الدينية والقومية واليسارية, حالة التخوين الداخلي ما زالت مستمرة, وقد عبر عنها نبيل فياض بعد خروجه من التوقيف بشكل صارخ, فهو من جهة يتحدث بثقة واعتزاز عن علاقته مع جهات أمنية عليا,وبنفس الوقت وبنفس الفقرة في بياناته المتلاحقة, يتهم غيره بالعلاقة مع أجهزة المخابرات, فهل المشكلة في كلمة أمن أو مخابرات!؟
تلك مشكلة التخوين الداخلي التي يمثلها نبيل فياض بامتياز, وهي تضمر ثنائية الخير والشر أو الخطأ والصواب والتي تسببت بكل هذا الفقر الثقافي والفكري وحتى الأدبي, وأخشى ما أخشاه أنه المشترك الأساسي والوحيد بين أغلبية السوريين مع توأمه التخوين الخارجي.
البلاد التي ترجم عشاقها بالصخور
البلاد التي تشيد مقابرها بالعشاق
البلاد التي تنظر للأسفل
كي ترى السماء
البلاد التي تكحّل عيون أطفالها بالزرنيخ
بلادي.
*
جميع أفراد, عناصر وقيادات أجهزة الأمن في سوريا هم سوريون,كما أن جميع المثقفين في سوريا هم سوريون, وهم يتوزعون على جميع مدن وبلدات وقرى سوريا, تلك حقيقة من البلاهة التأكيد عليها, لكن من تلك الحقيقة تستخلص نتائج أكثر بلاهة, وهي مكرسة ويستمر الحفاظ عليها من قبل المثقفين بالدرجة الأولى, أو هذا ما أراه,ولا علاقة لها لا بالحقيقة ولا بالواقع. عبارات مثل"ضمير الشعب" و"أعداء الشعب أو الأمة" انحسر استخدامها بصيغتها الفجّة لكن فعاليتها وتأثيرها في الحفظ والصون وهي وجه العملة الآخر للتخوين الداخلي والخارجي. بوجود العدو أو الضمير ينتفي الحوار,وينحصر الدور في القضاء المبرم على العدو وأشباهه وفي التبعية والإخلاص للضمير.
الحوار يقوم بين البشر حصرا وشرطه المساواة والتكافؤ بين الحق والواجب.
أشكو من غياب الأعداء كما أشكو من نقص في مصداقية الأصدقاء, تلك مشكلتي مع أزمات منصف العمر, وأنا أسعى لطوي بأمان عامي أل(44) الذي أسمّيه بلا تردد: عام لعين مر أيضا.
الباب مفتوح
على مصراعيه
مع الحضرة الكبرى
تحت الشمس
كأننا قطعة من الأبد
الضوء, والورقة الخضراء
ماذا كنت أيضا سأقول
للذي ملأ كفي بالرماد.....
اللاذقية_ صبح ومسا
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟