أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - هاني طاهر - المسجد والسياسة















المزيد.....

المسجد والسياسة


هاني طاهر

الحوار المتمدن-العدد: 1041 - 2004 / 12 / 8 - 07:22
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


عندما تدخل بعض المساجد في فلسطين سيلفت انتباهك كثرة مجلات الحائط فيها، فهذه مجلة لحماس مليئة بقصاصات الجرائد تذكر تفاصيل عمليات عسكرية، وتلك مجلة لحزب التحرير تدعو الجيوش للانقلاب على الأنظمة، وتدعو الناس للعمل مع الحزب لإقامة الدولة الإسلامية العالمية الواحدة. وأخرى للسلفيين ورابعة للجهاد...
ورغم أن ثمة اتفاقا على غالبية المواضيع، لكنّ هناك تركيزا على الاختلاف، الذي يشتعل كلما حصلت مسألة مِفصلية.
واليوم يدور الخلاف بين جماعات إسلامية على حكم التسجيل للانتخابات الفلسطينية؛ فبعضها يرى أن التسجيل هو طريق تغيير المنكر، والبعض يرى أن التسجيل يتضمن اعترافا بالباطل وبالمنكر.
ويرى كل من هذه الفرق أن المسجد خير مكان لإيصال رأيه الاجتهادي. فإذا كان مصلّو أحد المساجد من جماعة ما، فإنهم يرفضون إعطاء فرصة للمخالف لهم من جماعة أخرى. بيد أن المشكلة تحتدم إن كان مصلّو هذا المسجد ينتمون، مناصفة، إلى جماعتيْن مختلفتيْن في مسألة ساخنة.. هنا يظل الجو مشتعلا، ويصبح المسجد سوقا للمواقف السياسية، حيث يرى كل فريق أن موقفه يمثل حكم الله تعالى، وأن غيره يحرّف الأحكام الشرعية!
وإذا منع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التجارة في المساجد، وإذا منع أن ينادي المرء على ضالته فيه، فيجدر منع أيِّ طرفٍ من استغلال المساجد لإيصال موقفه السياسي!
قد يعلّق متسرع على الفقرة الأخيرة بقوله: هذه دعوة لفصل الدين عن السياسة. فنسأله: هل فصل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدينَ عن التجارة حين منع التجارة في المساجد؟ أم تراه فصل الدينَ عن مصالحِ الناس حين منع أحدا من المناداة بشأن مفقوداته؟
إن الدين نظام شامل لمناحي الحياة، بمعنى أن على المسلم أن يكون ربانيًّا، خلوقًا، صادقًا، يذكر ربه في كل حين، ولا يمارس أي عمل إلا بعد معرفة حكم الله فيه.. لكن شمولية الدين لا تعني أن تُستغل المساجد للدعاية السياسية الحزبية الاجتهادية المحضة. إن اجتهاد أي جماعة مهما بدا وجيهًا وصحيحًا بالنسبة إليها، فلا يجوز لها أن تنشره في المسجد، فهو اجتهاد فقهي قابل للصحة والخطأ. أما أن يتحدث أحدهم وكأنه معصوم ومفوَّض من الله، أو أن يدّعي أن موقفه السياسي قد أنـزله الله، فهذا ما لا يجوز أن نقبل به. ونرفض أن تتحول المساجد إلى نوادٍ للمنازعات السياسية.
ثم إن المسجد ليس لشخص دون شخص، وليس لحزب دون حزب. من هنا فإن العدالة تقتضي أن نتبع أحد خياريْن، أولهما: أن يُسمح لأي حزب بأن يدلو بدلوه في المسجد، فتكون له مجلة حائط ومكتبة ومنبر. وثانيهما: أن يمنع الجميع من أي حديث يثير أي خلاف. وحيث إن الخيار الأول يحوِّل المسجد عن رسالته كمكان آمن لعبادة الله، ليصبح مكانا للعراك والصراخ، فيجدر بنا أن نختار الخيار الثاني.
ولكن، إذا بنت إحدى الجماعات مسجدا، وصارت تنفق عليه، فمن حقّها أن تُنظرِّ فيه لمواقفها السياسية واجتهاداتها الفقهية. ومن حقّها أن تمنع الآخرين من ذلك. لكن إن حولته إلى بؤرة للخروج على النظام الحاكم، فمن حقّ هذا النظام أن يمنع أيدي هذه الجماعة عنه، أو أن يحوله إلى مرفق عام، كمدرسة أو متحف. ولا يجوز اتهام هذا النظام بأنه يحارب الإسلام، بل يحارب جماعة تتآمر عليه. وهذا لا يعني أن النظام الحاكم صالح أو طالح، فلا علاقة لصلاح الحاكم بما نقول. ذلك أن صلاح أي حاكم ليس محلّ اتّفاق من الناس، فقد اختلف الناس في عثمان رضي الله عنه! فهل تراهم يتفقون على من جاء بعده؟! وحتى أشد الحكام استبدادًا فإنه يلقى من يؤيّده بحجة أن المرحلة تقتضي ذلك.
وقد يرى البعض أنه لا يجوز قصر دور المسجد على الصلاة؛ ذلك أن مسجد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان مدرسة ومركزًا للإعداد للجهاد وللاجتماعات كافة. ولا شك في صحة هذا الوصف لمسجد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكنه تناسى أن المساجد الحالية تختلف عن مسجد الرسول. فمسجد الرسول كان يضم مسلمين موحَّدين في قيادتهم الدينية والسياسية، بينما المساجد الحالية يؤمُّها مسلمون متباينون في مواقفهم السياسية. فهناك أحزاب إسلامية عديدة، كما أن هناك أنظمة حاكمة يصلي أفرادها في هذه المساجد، ويختلفون مع كثير من هذه الأحزاب. والمساجد الحالية تُنفق عليها الدولة، فإذا كان من حقّ أحد أن ينفرد بالتنظير لمواقفه السياسية فهي الدولة. لكننا نرفض ذلك أيضا، لأن مواقف الدولة السياسية لا يؤيدها كل المواطنين، كما أن الأموال التي تُنفق على المساجد آتية من الضرائب المجموعة من عامة الشعب، وبالتالي فلا يحق للنظام الحاكم أن يتحدث في المساجد، وإن كان الأحق من غيره في ممارسة هذا الخطأ!!
ولكن، ألا يجب على المسلم أن ينهى عن المنكر؟ ألا يجب عليه قول الحق عند السلطان الجائر؟ ألا يجب عليه أن يكون إيجابيا يتفاعل مع المجتمع ويجاهد ضد الظلم والعدوان؟
لا شك في وجوب ذلك كله. لكنّ هذا لا يعني أن يتم ذلك من المسجد، بل يجب إنشاء منابر أخرى لهذا الغرض. ذلك أن تصورنا لمنكرِ شخصٍ قد لا يكون محلّ اتّفاق بيننا جميعًا، فقد ينبري شخصٌ للحديث عن منكرِ زعيمٍ، فيقوم آخرُ بالردّ عليه مفندًا حديثه عن منكرِ هذا الحاكم، فيحتدم الخلاف ويشتدّ، فيتحول المسجد إلى ساحة معركة! فروّاد المساجد يختلفون في حكمهم اليوم على ابن لادن مثلا، فبينما يراه بعضهم بطلاً أسطوريًّا، يراه آخرون إرهابيًّا يسعى، بجهله، لتدميرنا. وبينما يرى البعض أبا عمار محررًا عظيمًا رفض الانحناء أمام العواصف العاتية، يراه آخرون أكبر متهاون ومتنازل عن الحقوق الوطنية عبر التاريخ. وكل هؤلاء المختلفين سياسيًّا من المصلين في المسجد الواحد. فالمصلون مختلفون حول الزعماء، وحول الجماعات الإسلامية، وحول قتال الغرب، وحول علاقة الترابي بالبشير، وعلاقة محمد بن عبد الوهاب بمحمد بن سعود، وحول سبل حلّ مشكلة احتلال العرق للكويت، وحول العلاقة مع الأنظمة الحاكمة وسبل إصلاحها أو تغييرها، وحول الانتخابات، وحول طريقة مواجهة الاحتلال.. فهذه كلها اجتهادات سياسية فقهية تعتمد على ما يصل المجتهدَ من معلومات، وعلى أصوله الفكرية، وغير ذلك..
من هنا فإنه يجب منع حزب التحرير من الدعوة في المساجد لتحريم الانتخابات، ويجب منع الإخوان المسلمين من الدعوة إلى إباحتها أو وجوبها في المساجد. ويجب السماح لكلا الحزبين بالدعوة إلى ما يراه حقًّا في أي مكان آخر. ويجب منع أي خطبة جمعة يتم الحديث فيها عن فساد السلطة، وأي خطبة يتم الحديث فيها عن محاسنها. كما يجب منع الخطيب من الدعوة لصالح الحاكم السياسي الذي لا يرغب فيه كثير من المصلين. ويجب منع خطيب الحرم المكي من الدعوة للملك فهد الذي يراه عدد من المصلين عميلا للأمريكان، أو أنه لا يعنيهم وليس حاكمهم، ثم إن الحرم المكي لكل المسلمين وليس لآل سعود!
إننا أمام خياريْن؛ أن يكون المسجد ساحة للاقتتال السياسي، أو أن نحافظ على نظافته من هذا كله.. أما أن يكون لأناس دون أناس، فهذا الظلم الواجب رفضه وتغييره.



#هاني_طاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلام والديمقراطية والعلمانية
- العلمانية
- التفجيرات في السعودية


المزيد.....




- الكرملين يكشف السبب وراء إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد على ...
- روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ MIRV لأول مرة.. تحذير -نووي- لأمر ...
- هل تجاوز بوعلام صنصال الخطوط الحمر للجزائر؟
- الشرطة البرازيلية توجه اتهاما من -العيار الثقيل- ضد جايير بو ...
- دوار الحركة: ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
- الناتو يبحث قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ فرط صوتي قادر على حمل ...
- عرض جوي مذهل أثناء حفل افتتاح معرض للأسلحة في كوريا الشمالية ...
- إخلاء مطار بريطاني بعد ساعات من العثور على -طرد مشبوه- خارج ...
- ما مواصفات الأسلاف السوفيتية لصاروخ -أوريشنيك- الباليستي الر ...
- خطأ شائع في محلات الحلاقة قد يصيب الرجال بعدوى فطرية


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - هاني طاهر - المسجد والسياسة