موريس عايق
الحوار المتمدن-العدد: 1040 - 2004 / 12 / 7 - 08:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ان قضية المنار في فرنسا اعادت طرح الموضوع الجديد-القديم حول المعاداة للسامية. المشكلة ليست في ما تطرحه المنار –وقد يختلف المرء معه أو يتفق- لكن قضية حق التعبير ومعاداة السامية هي الهامة فهي تتجدد كل فترة وتجاه أسماء مختلفة ومن أنحاء العالم أجمع (واليوم تأخذ أبعاد أخرى مع اختراع العداء لأمريكا).
ان قضية العداء للسامية هي قضية محض اوربية, لم تعرفها شعوب العالم إلا أوربا وحدها وخاصة ان أغلب بقاع العالم لا تعرف اليهود أصلا, ومع ذلك نرى أن قضية المعاداة للسامية تطرح دوما وبشكل عالمي ومنذ فترو أقر الرئيس بوش بإنشاء مركز لمراقبة معاداة السامية في العالم. هذا –طبعا- ليس عائد الى هيمنة اللوبي اليهودي أو الصهيوني, بل ببساطة الى السياسة والرغبة بالهيمنة , والى المركزية الأوربية , فمشاكل أوربا هي مشاكل العالم , مثلما أن عقلها وتاريخها هما عقل وتاريخ العالم, أما العالم الآخر,المغاير والمختلف, فهو ليس سوى العالم العجائبي والغرائبي, الذي لا يكون إلا موضوعا للإزدراء أو الهروب, اما كونه عالم أو جزءا من العالم الحقيقي والتاريخي فهذا ليس امرا يستحق التفكير. وهكذا نرى مشاكل لا علاقة لنا بها مفروضة علينا وهكذا يكتشف الصيني الذي لا يعرف –ربما – معنى اليهودي ولم يسمع بموسى نفسه مراقبا إن كان معاديا للسامية أو لا.
إن المركزية الأوربية ليست قضية ثقافية , انما قضية سلطة ذات امتياز يتعلق بقدرتها على صناعة العقل (المعرفة والوعي), انها سلطة تضع المعرفة في خدمتها, تعيدتشكيلها وانتاجها عبر انتاج سؤالها ومقدماتها الصريحة والضمنية. وهذه السلطة المتماهية مع المعرفة, تصبح المعرفة بذاتها, هي اشكالية المركزية الأوربية.
إنها ليست معرفة محايدة - وعمليا لا توجد معرفة محايدة إلا في الأوهام- انما هي خلق للوعي الأولي, للمتخيل الأساسي للمعرفة, تحديد لما هو معقول وبديهي, وا هو غير معقول وجنوني. ان هذه السلطة التي تفرض علينا وعينا واشكاليتنا, حتى لو توهمنا بتحررنا منها, والمثال الأبرز على ذلك هو ما يحدث الآن من (محاربة الإرهاب), فبعد 11 ايلول طرحت أمريكا سؤالا والجميع اليوم يحاوره ومن يظن نفسه خارج الهيمنة الأمريكية لأنه قدم إجابةمغايرة, هو مخطىء لأن الجميع استبطنوا سؤال امريكا, وأصبح أس وعيهم, اما أسئلتنا نحن, رؤيتنا وروايتنا, فلم تعد موجودة, لقد أخضعنا للولايات المتحدة تماما.
إن سيادة الرؤية تتحقق عبر سيادة أسئلتها, ول يهم كثيرا ما يقدم من إجابات, وهكذا أصبحنا نرى مؤتمرات لدول إفريفية – تعاني خطر الزوال بسبب المجاعة والايدز- لمكافحة الارهاب, وهو ليس بمشكلتها.
اذا معاداة السامية المطروحة علينا وعلى غيرنا اليوم كامتداد للمركزية الأوربية, وهي المشكلة الخاصة بأوربا من ناحية جناتها وضحاياها, فاليهود بيض وأوربيون, عكس أغلبية شعوب العالم,حيث لم تثر مجازر راوندا وبوروندي مشكلة خاصة, أو تبكيت ضمير للانسانية, ولم نسمع عن معاداة الهوتية أو التوتسية, على الرغم من استمرار أعمال العنف. جميعهم بيض في النهاية, ولهذا لا يأبه الكثيرون للضحايا اليوميين للاسرائيلين, الفلسطينيون السكان الأصليون للبلاد, التي انتزعت منهم وطردوا منها, ونصبح نحن دوما مضطرين للنضال ضد فكرة كوننا معادون للسامية. كأننا نحن الجناة, سلفا نبدأ في الدفاع عن أنفسنا ضد هذه التهمة, والمشكلة إننا غالبا ما نفعل هذا دون أن ننتبه الى اننا نسلم مسبقا باحتمال كوننا مذنبون أو خطاة. اننا نقوم بتبادل أدوار مجاني لحسابهم هم, وعلى الضد من الوافع الحقيقي وما نراه, لجلس في المكان الذي عينوه لنا والدور المرسوم لنا, أي تحت رحمتهم ونصبح بكل بساطة جزءا من رؤيتهم هم, وروايتهم هم للأحداث.
طبعا هذا يعود –بشكل أساسي على الأقل- الى ضعف وعينا, الى لا حداثته ولا عقلانيته وهو في النهاية نتاج فواتنا الحضاري, فوات مجتمعنا بكامله –وليس السلطة السياسية وحسب كما يقول الكثيرون- ان قدرتنا على فرض رؤيتنا لا ينبع إلا من قوتنا الذاتية, وهذا لافرض هو التعبير عن قوة المجتمع وعن مستواه الحضاري. إنها كالحرب تماما,حساب ختامي للشعب, حساب شامل يؤديه عن وعيه وصناعته وتقنيته وعقلانيته, ونحن هنا مهزومون حتى النهاية والأغرب اننا مهزومون أكثر من جميع شعوب العالم على الرغم من صياحنا الدائم, اننا مشبعون بالهزيمة, وما علينا إلا أن ننظر الى الحضور الأوربي الكاسح في وعينا وحياتنا والغياب الكامل للعالم, اننا نختزل العالم في أوربا أكثر من أوربا نفسها, ثم نحارب الاستشراق ونحن استشراقيون حتى النخاع.
ان المعاداة للسامية هي مشكلة وهمية , لأنها تطرح بأي شكل, انها تماما كقضية الديمقراطية, قضية حجة للتدخل في شؤون العالم, انها السلطة عبر المعرفة.
لكنها على الرغم من كل هذا قضية حقيقية بالنسبة الى الأوربي, قضية تبكيت ضمير, لما فعله أو سكت عنه خلال الحرب العالمية الثانية أو الاضطهادات التي سبقتها.
الى متى عليه أن يتحمل الاعتراف بذنب ارتكبه جده وعليه أن يدفع الثمن؟
ان القول ان رفض معاداة السامية هو ضمانة ضد العنصرية, قد يكون مسألة فيها وجهة نظر, ولكن الخلظ في ماهية السامية هو الكارثة.
فالسامية تتسع لتشمل العديد –اسرائيل ,. الصهيونية- وربما حتى الدراسات لتاريخ الدين اليهودي ذاته, فالديانة اليهودية كجميع الديانات التوحيدية ذات موقف عدائي تجاه الأغيار, بل حتى إنها دموية بشكل مبالغ فيه, فهل دراسة أسفار العهد القديم ستصبح معاداة للسامية؟
ثم ان انطلقنا من معاداة السامية موقف عنصري, فعندها يجب أن نكمل أن أسفار العهد القديم ذات موقف عنصري هي الأخرى, وربما ندفع بها حتى النهاية ونقول أن اليهودي المؤمن عنصري إلزاما.
ثم الخلط بين إسرائيل والصهيونية والسامية, إن الجريمة لا تبرر جريمة أخرى, موقف شديد الوضوح والبساطة. ما حدث مع اليهود لا يبرر ما يفعلونه الآن, ما لحقهم من ظلم لا يعني حقهم بالحاق الظلم بغيرهم, ولكن الكثير من الأوربيين –وبعضهم فلاسفة كسارتر- ينتهي الى عكس هذا, نقد إسرائيل والصهيونية هو عداء مبطن للسامية, ربما هذا كله صحيح في حالة واحدة, الفلسطينيون ليسوا بشرا وهذا جائز فهم ليسوا بيضا.
العنصرية هي تمييز جزء من البشر عن غيرهم على أساس قانون أخلفي مغاير. انهم فوق البشر, لهم رسالتهم الخاصة, الرسالة الخاصة بعرقهم أو حضارتهم, امتيازهم الوجودي الذي لا يمكن امتلاكه من قبل الآخرين وبالطبع هذا الامتياز يعطيهم معنى أكثر تميزا وسموا, بل احتمالا ان وجودهم هو الوجود الوحيد الذي يمتلك معنى.
النازيون اعلنوا رسالة الأمو الألمانية ودورها الريادي وهذا امتياز خاص بالعرق الآري لا يمكن لأحد مقاسمته اياه, والصهيونية هي ايضا حركة عنصرية لليهود, هم عرق خاص, شعب الله المختار, الشعب الذي يملك قانونه الأخلاقي الخاص به, مثلا حق طرد شعب بأكمله واحتلال أرضه, أيضا العداء للسامية (والمرتبط بالنازية بأكثر أشكاله همجية ودموية) عنصرية ضد اليهود, فعم القذرون , قاتلو المسيح, الكذابون, المرابون وأشياء أخرى. ولكن معاداة (العداء للسامية) , أليست هي الأخرى حركة عنصرية؟
الواقع كما يبدو انها ك1لك ولكنها بالمقلوب, انها تجعل من مجموعة خاصة من البشر (اليهود) فوق النقد, انهم ليسوا ككل البشر, انهم يملكون معنى خاص لوجودهم خارجا ومغايرا للوجود البشري الطبيعي.
انها اعتراف ضمني ان اليهود فئة مغايرة ومختلفة وجوديا, فئة لا يمكن الحديث عنها مثل الحديث عن المسلمين او المسيحين او الهندوس ...الخ.
ان هذا العداء ل(المعاداة للسامية) هو الوجه الآخر للنازية او (العداء للسامية), فلا فرق بينهما غلا بالشكل, حيث تدعو النازية لقتل اليهود او اضطهادهم , اما العداء ل(المعاداة للسامية) فتدعو الى قدسية خاصة باليهود, ولكنهما تتفقان على الموضوع الأساسي وهو أن ال يهود ليسوا بشرا, هم اي شيء إلا كونهمب شرا, هم تحت او فوق البشر, ولاعجب ان ترى الصهيونية في كلاهما حليفا طبيعيا فهرتزل اعتبر العداء للسامية مفهوم وطبيعي, واليوم تقف اسرائيل والحركة العنصرية مع العداء ل(المعاداة للسامية)- بالمعنى الذي تحدثنا عنه حصريا- بشكل داعم.
وهكذا تبقى المشكلة اليهودية بينهما بلا حل فكل منهما تلد الأخرى طبيعيا.
وهكذا يصبح كل من فوريد وماركس كارهيت لذاتهما (وكثيرون غيرهم مثل فنكلشتاين اليوم) لأنهما ببساطة طالبا بأن يكون اليهود ككل البشر, ولكن هذا لن يكون إلا اذا كفوا عن كونهم يهودا.
ولهذا فاننا كلنا معادون للسامية.
#موريس_عايق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟