|
على أعتاب مرحلة سياسية جديدة ....
محمد أبو مهادي
الحوار المتمدن-العدد: 3498 - 2011 / 9 / 26 - 13:06
المحور:
القضية الفلسطينية
حكومة اليمين الاسرائيلية تدير ظهرها بالكامل لاي تسوية سياسية تلبي الحد الادني من حقوق الشعب الفلسطيني وتمكن السلطة من الاستمرار في عملية المفاوضات، وهي حكومة قوية بقاعدتها البرلمانية في الكنسيت الاسرائيلي مما يصعب من فرص اسقاط هذه الحكومة تحت تاثير ضغط امريكي ودولي او من خلال تفاعلات لقوى السلام الاسرائيلية بالشراكة مع حزب كديما والاحزاب العربية.
في نفس الوقت فان هذه الحكومة الاسرائيلية مستمرة بنشاط كبير في عملية مصادرة الاراضي وتهويد القدس والاعتقالات اليومية وتكريس الجدار واقامة المزيد من الحواجز العسكرية وغيرها من اجراءات التي لو اخذت بمجملها يستنتج المراقب من ورائها ان اسرائيل غير معنية باي عملية تسوية سياسية حتى لوكانت هذه التسوية منقوصة لا في هذه الاوقات ولا حتى في المنظور القريب، وهي تستفيد كثيرا من مما يجرى في العالم من ازمات وما يجرى في العالم العربي من وهن وقلة حيلة جراء تفكك النظم السياسية ومحاولات الترميم التي قد تستغرق عقودا من الزمن.
اسرائيل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ترى ان موزاين القوى قد اختلت لصالحها ولصالح مشروعها التوسعي وثبت بما لا يدع مجالا للشك تمسكها بمقررات المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد بزعامة تيودور هرتزل في مدينة بازل السويسرية عام 1897وان سلوك المنظمات الصهيونية على الارض منذ انهيار الخلافة العثمانية مرورا بكل الاحداث العالمية حتى الان يشير الى السير بشكل منتظم لتنفيذ هذه القرارات.
لا يوجد تحولا استراتيجيا في السياسة الاسرائيلية اتجاه الشعب الفلسطيني او المحيط العربي يتزامن من التتغير الاستراتيجي الفلسطيني نحو السلام بعد اتفاق اوسلو، حتى "اسحق رابين" الشخص الوحيد الذي فكر استراتيجيا بقيادة تحولا ما لصنع السلام تم الاجهاز عليه في حادثة اغتيال تركت خلفها عشرات الاسئلة.
في المقابل فان الحلة العربية والفلسطينية شهدت تحولا كبيرا منذ اتفاقية "كامب ديفيد" المصرية الاسرائيلية حتى الان ويمكن رصد مجموعة من هذه التحولات وايجازها في التالي:
• سقوط خيار المواجهة العسكرية مع اسرائيل.
• السلام اصبح خيارا استراتيجيا عند العرب وتم التعبير عنه في اطار اتفاقيات سياسية واقتصادية ومن خلال مبادرات عربية كان اخرها مبادرة السلام السعودية التي تبنتها جامعة الدول العربية.
• المستوى الشعبي العربي و"احزاب المعارضة العربية" ان جاز التعبير يقتربان كثيرا الى حد التطابق من موقف حكوماتهم في مستقبل العلاقة مع اسرائيل والمصالح الامريكية.
• العالم العربي يزداد تبعية اقتصادية مع مركز النظام الاقتصادي الراسمالي "امريكا"وصندوق النقد الدولي مما يعني تبعية سياسية ولا يوجد مؤشرات للتخلص من هذه الاعتمادية والاشتراطات الاقتصادية حتى في اكثر البلدان العربية ازدهار.
• اميركا تؤثر بشكل كبير في التحولات التي تشهدها البلدان العربية من خلال موقعها كقوة مال او قوة ردع او قوة قرار داخل الناتو وفي مجلس الامن الدولي، ولعل المثال الابرز في هذا التاثير والتدخل ما يجري في ليبيا الان وما جرى في مصر وغيرها، هي تحاول باستمرار ان تمسك بكل خيوط اللعبة وتدفع نحو ايجاد اطار سياسي استراتيجي للثائرين في كل البلدان العربية يضمن تحقيق مصالحها وامن اسرائيل .
• منذ اتفاقية كامب ديفيد حتى الان الدول العربية تصرفت بشكل منفرد في ادارة الصراع مع اسرائيل من خلال مفاوضات منفردة واتفاقات ثنائية وبعيدا عن اي رؤية عربية موحدة اتجاه الصراع العربي الاسرائيلي.
• الحالة الفلسطينية شهدت تدهورا خطيرا اصاب وحدة الشعب الفلسطيني عبر انقسام اثر على كل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية الفلسطينية وفتح المجال واسعا للتشكيك في صدقية التمثيل الفلسطيني .
• النظام السياسي الفلسطيني مصاب بالشلل وفي احسن الاحوال مصاب بالارتباك وفقد قدرته على الابداع بعد ان فقد كثيرا من حجم الالتفاف الشعبي حوله بفعل ممارسات القمع وعدم تقديم الحلول للمشكلات الفلسطينية لدرجة ان الشعب الفلسطيني قام بمبادرات كثيرة خارج اطار سيطرة الاحزاب كان اخرها مبادرة 15 ايار التي تزامنت في ذكرى النكبة هذه المبادرة التي اربكت اسرائيل وجعلتها تعيد بعض حساباتها الامنية ووضع السيناريوهات المختلفة لمواجهة امكانية تكرار هذه السيناريوهات.
القيادة السياسية الفلسطينية بعد ان تاكدت من فشل خيارات التفاوض الثنائي وعدم نزاهة الراعي الامريكي وكذلك الرباعية الدولية توجهت في خطوة تصطدم الى حد كبير مع الموقف الامريكي والاوروبي وتغضبهما ايضا على اعتبار ان ذلك يمثل خروجا عن المألوف في السياسة العالمية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، هذا التمرد كان مطلوبا ولكنه يجب ان يكون استرتيجيا وليس تكتيكيا من اجل العودة الى عملية تفاوضية جديدة تبدد بعض المكاسب التي حصلت بعد "معركة الامم المتحدة" في 23 سبتمبر 2011.
لقد احرجت الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها كثيرا في الامم المتحدة واذكر انها سجلت ممارسة حقها في النقض "الفيتو" اكثر من 43 مرة بقرارات لحماية الاحتلال الاسرائيلي وبالتالي فان سعي الفلسطينيين يجب ان لا يكون لتسجيل احراج جديد لامريكا "فالمبلول لا يغرق من قطرات المطر " بل مساعي الفلسطينيين وكل الاصدقاء في العالم يجب ان تتجه نحو التغيير في موازين القوي المختلة لصالح اسرائيل وليس المقصود هنا ان يتم بناء ترسانة نووية في لمح البصر لازالة الاحتلال او مواجهة اميركا بل المقصود ان يتم هذه التغيير في موازين القوى باتجاه التاثير في السياسات العالمية عبر مواقف الشعوب .
لقد ساهمت صورة لطفلة تحترق من قنابل النابالم الاميريكية خلال الحرب مع فيتنام في تغير الموقف الامريكي عبر ضغط المجتمع الامريكي والعالمي واحدثت تغيرا في الحرب على فيتنام، كما ساهمت عشرات المشاهد من جنوب افريقيا ابان فترة التمييز العنصري من احداث تغير اخر باتجاه الغاء نظام الفصل العنصري في تلك المنطقة وهناك عشرات الامثلة في تاريخ الثورات العالمية اثبتت بما لا يدع مجالا للشك ان ارادة الشعوب والمتضامنيين معها فيها من القوة والتاثير ما يرغم الحكومات لتغيير مواقفها حتى وان كانت تمتلك ترسانات نووية او امبراطوريات اقتصادية عملاقة تعتقد بهما قدرتها على اخافة او شراء شعوب او حكومات وضمان تبعيتهم.
ان الاوان للرهان على ارادة الشعوب وهذا هو الاستراتيجي الاهم في معركة الشعب الفلسطيني ومعه كل الملايين المؤمنة بعدالة قضيته، ولكن هذا الرهان بحاجة الى قيادات ناضجة مؤهلة وتترك خلفها مرحلة مظلمة من المناكفات السياسية والولاءات الاقليمية والدولية التي افضت الى انقسام دامي كان ولا زال على حساب الشعب الفلسطيني ومشروعه التحرري، وكلفه غاليا من دمائه وحريته وعطل امكانيات التطور باتجاه انجاز الاهداف المنشودة، واثر على امله وثقته بالمستقبل وجعل ما بينه وبين قيادته فجوة كبيرة تحتاج الى عمل جهد كبير من اجل تجاوزها ونسيانها.
امام القيادة السياسية الفلسطينية خطوات لابد منها حتى تواصل المراكمة على ما تم انجازه في معركة الامم المتحدة ويمكن الاشارة الى البعض منها في التالي: اولا/ تنفيذ اتفاق المصالحة كخطوة ضرورية من اجل استعادة الوحدة الوطنية وللتكفير عن بعض خطايا صناع الانقسام وهذه الوحدة يجب ان لا تحكمها بنود اتفاق بقدر ما تحكمها اخلاق المناضلين الساعين الى الحرية والاستقلال ونقطة ارتكازها تكون احترام المواطن الفلسطيني وصون كرامته وحريته وشراكته في تقرير مصيره وتؤسس لمجتمع القانون والتعددية والديمقراطية الحقيقية وليست ديمقراطية " عد الاصوات".
ثانيا/ تشكيل الاطار القيادي الموحد الذي يجب ان يصوغ استراتيجيته الكفاحية الجدية ليؤسس معادلة جديدة من المواجة مع الاحتلال الاسرائيلي والبناء على ما تم تحقيقه وابراز سمات الشعب الفلسطيني الاخلاقية والوطنية والحضارية امام شعوب العالم لتحشيد المزيد من الدعم والتاييد الشعبي والرسمي في العالم وتكوين قوة تاثير تتفوق على تلك القوة التي يمتلك " اللوبي الصهيوني".
ثالثا/ تشكيل لجنة خبراء مختصة تعمل بجهد متواصل ولديها مهام وضع خطط وسناريوهات مختلفة وتقدم المشورة للقيادة الموحدة او الاطار القيادي الجديد او الشكل المطور عن منظمة التحرير، حيث ان مرحلة العمل والقرارات الفردية عبر بعض المستشارين قد اثبتت فشلها والشعب الفلسطيني الان بحاجة اكثر من اي وقت مضى لتجسيد الشراكة بكل معانيها وترجمتها في الممارسة العملية.
رابعا/ مبررات بقاء السلطة الوطنية الفلسطينية التي تعتمد على التمويل الخارجي وخيارات الدولة بعد الوقائع الاستيطانية عبر المفاوضات، والعمل العسكري والانتفاضة السلمية والعمل الديبلوماسي والتضامن الدولي وتعزيز صمود المجتمع الفلسطيني جميعها قضايا تحتاج الى نقاش جدي باعتبارها احدى ادوات الشعب الفلسطيني على طريق تحرره، نقاش يفضي الى نتائج مبنية على حسابات الربح والخسارة وما يمكن تبنيه او استخدامه منها ويحقق نتائج افضل ويقرب او يبعد عن هدف الخلاص من الاحتلال الاسرائيلي.
بكل تاكيد هناك خامسا في موضوع بناء الاقتصاد الوطني وسادسا في قضايا التنمية التحررية وسابعا في قضايا تمتين البناء الاجتماعي وثامنا في الاعلام والثقافة وغيرها، ولكن ما هو عاجل ومطلوب في هذه الاوقات هو الارتقاء الى مستوي التحديات الماثلة امام الشعب الفلسطيني تاسيسا لمرحلة سياسية جديدة. [email protected]
#محمد_أبو_مهادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أبو مازن بين أيلول والمعارك الصغيرة ...
-
خمس حقائق في عهد الديكتاتور الصغير
-
مشروع سياسي جديد ... لينهض الجميع في مواجهة المهزلة !!!
-
الابتزاز المالي في السياسة الفلسطينية
-
أبو مازن والارتباك الذي حوله من بائع أوهام الى حاوي ....
-
سلوك غريب وصمت مريب !!!
-
أبو مازن في خدمة السياسة الامريكية
-
ابو مازن قبل الرحيل
-
انتبهوا ... محاولات جديدة لشراء الذمم وبيع الوهم !!!
-
التجربة الديمقراطية في حركة فتح بين الارث القديم ومحاولات ال
...
-
الى قادة الانقسام وشهاد الزور ...... من منكم يستطيع ان يجيب
...
-
في الاول من ايار ....عن دور اجهزة الامن من جديد ؟؟؟
-
عاجل، حتى لا نلدغ من نفس الجرح مرتين،،، استعدوا لما هو قادم
...
-
حل السلطة والعودة إلى الانتفاضة الكبرى
-
ماذا نعني بإنهاء الانقسام ؟؟؟
-
أسباب ثورتنا في 15 آذار لإنهاء الانقسام
-
ما بعد جريمة مطعم حرب ........ ؟؟؟
-
هوارة غزة
-
من اجل تحالف وطني يدافع عن الحقوق
-
2007 الفلسطيني عام الخسائر والفتن
المزيد.....
-
برلمان كوريا الجنوبية يصوت على منع الرئيس من فرض الأحكام الع
...
-
إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. شاهد ما الذي يعنيه
...
-
ماسك يحذر من أكبر تهديد للبشرية
-
مسلحو المعارضة يتجولون داخل قصر رئاسي في حلب
-
العراق يحظر التحويلات المالية الخاصة بمشاهير تيك توك.. ما ال
...
-
اجتماع طارئ للجامعة العربية بطلب من سوريا
-
هاليفي يتحدث عما سيكتشفه حزب الله حال انسحاب انسحاب الجيش ال
...
-
ماسك يتوقع إفلاس الولايات المتحدة
-
مجلس سوريا الديمقراطية يحذر من مخاطر استغلال -داعش- للتصعيد
...
-
موتورولا تعلن عن هاتفها الجديد لشبكات 5G
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|