|
رموز الحكاية الشعبية
خليل الشيخة
كاتب وقاص
(Kalil Chikha)
الحوار المتمدن-العدد: 3498 - 2011 / 9 / 26 - 09:21
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
مامن ثقافة في العالم مهما بلغت من البدائية إلا وتحفظ في تراثها الحكايات. سواء تساوت مع الأساطير الدينية أو كانت ذات أبعاد ثقافية واجتماعية محضة، ولاشك أن أم الحكاية الشعبية هي الأسطورة. فالأسطورة في الأصل حكاية لها أبطالها وأحداثها. اهتم الباحثون في علم النفس التحليلي بالأساطير القديمة ووظفوها في مجال بحثهم، ومن المعروف كيف تحولت قصة أوديب إلى (عقدة أوديب) عند سيغموند فرويد، حيث وسع من دراسته بإضافة المجالات الأدبية، عندما درس أعمال دوستفوسكي وركز على أبطاله الذين كانوا يعيشون في صراع دائم مع الذات ومع بيئتهم الاجتماعية من حولهم. قام الباحث إريك فروم في كتابه ( اللغة المنسيّة) بدراسة الحكايات والأساطير من وجهة تحليلية، ليظهر ذلك الجانب الذي لانراه فيها. إحدى هذه الحكايات هي (ليلة والذئب) المعروفة لدينا. وتختلف التفاصيل الصغيرة عن القصة التي ترجمت، فالأسم الحقيقي للحكاية هو (القبعة الحمراء الصغيرة) وهي الطفلة التي نطلق عليها أسم (ليلى) . أتى الأسم الأول من خلال إهداء قبعة حمراء للطفلة من قِبَل جدتها. تبدأ الحكاية الأجنبية بأن الأم ترسل ابنتها إلى جدتها مع كعكة الخبز، لأن الجدة مريضة ولاتقوى على الطبخ لنفسها. في نهاية الحكاية يأتي الصياد بمقص ويقص معدة الذئب وهو نائم ليخرج الجدة والطفلة أحياء، فتحشو الطفلة بطن الذئب بالحجارة. وعندما يستيقظ من النوم يحاول الجري فيتعثر بثقل الحجارة في بطنه، فيقع أرضاً ويموت. تحليلات فروم هي مشابهة لتحليلات فرويد. إذ أن أتباع فرويد بشكل عام، كانوا مهوسين بنظريات الجنس ورموزها. فيقول أن الحكاية ذات دلالات إجتماعية رمزية، حيث تصوّر الذئب بأنه الرجل الماكر الذي يحاول أكل الأنثى. وهنا يظهر تفوق المرأة عليه بأنها تستطيع أن تلد. شكّلت هذه الطبيعة للمرأة الغيرة للذكر حيث يأكل الطفلة وجدتها محاولا تعويض نقصه بوضعهما في بطنه، كرمز للحمل. هذا العمل يعود عليه بأن تضع الطفلة في بطنه الأحجار عقاباً ورمزاً للعقم، فيموت لأنه يخطف دور المرأة في احتواء الحياة. يعلق فروم هنا على الأحجار بأنها أيضاً رمزاً للرجم كما كانت العادة في المجتمعات القديمة. أما الصياد هو الأب التقليدي الذي يستسلم لتفوق المرأة بانها تحمل سر الحياة. ولابد ان هذه الحكاية قد حبكت في العصور الوثنية، حيث كانت الشعوب تعبد آلهات مثل عشتار وافروديت. لذلك مثلت هذا الصراع في محاولة الرجل أخذه الريادة، لكن دون جدوى حسب هذه الحكاية. في الأيام الخوالي كانت جدتي تحكي لي حكايات كثيرة، منها كانت حكاية (زرد بن ورد) تبدأ بأن هناك رجل من أعيان البلد أو أمير من الأمراء، يرى حلماً بأن زوجته تحمل وتلد بنتاً، وتلك البنت تعرضه للعار. فيقرر الذهاب إلى إحدى البلدان بغية التجارة، فيأمر ابنه بقوله: إذا ولدت أمك صبياً اتركه، وإذا ولدت بنتاً، اذبحها وأترك لي كأساً من دمها كي اشربه بعد أن أعود . يذهب الأب إلى تجارته. تلد الأم طفلة، وعوضاً عن ذبحها، يذبح الابن طيراً ويترك دمه في كأس . عندما يعود الأب ويسأل عن نوع المولود. يجيب الابن بأنها كانت بنتاً وهذا كأس من دمها. يشرب الأب الكأس وتمضي الأيام حيث يكون الأبن قد وضع أخته في السرداب مع المربية. في يوم ما، تخرج الطفلة بالصدفة من السرداب ويكون الأب في الحديقة فيراها ويعرف من خلال حدسه بأنها ابنته، فيحنُّ عليها وتعيش في القصر حتى تكبر. بينما كانت مرة تجلس بشباك القصر والثلج قد غطى المنطقة ، وإذ بصياد ورفيقه، يتجولان هناك، فيصطاد أحدهما طيراً أسود، فيقع على الأرض وينصبغ الثلج بالدم الأحمر. فيقول أحدهما هذا اللون يذكرني بالأمير زرد بن ورد، لأن السواد لشعره والبياض لجسمه والإحمرار لوجنتيه. تسمع الصبية تلك المحادثة. فتأمر مربيتها بأن تضعها في صندوق وترسلها إلى أهل الأمير. تتذرع المربية بأنها تريد وضع الصندوق عندهم ثلاث أيام فقط في غرفة الأمير. بعد انقضاء المدة، ترجع إلى أهلها، وقد حملت بطفل. عندما تلد، ترسل الأبن إلى الأمير مع باقة ورد وقد كتبت في ورقة بأن الطفل هو ابن الأمير زرد بن ورد. في نهاية الحكاية، تحقق الفتاة مرادها إذ تتزوج من الأمير. ونرى هنا أن الرمزية هي عكس توجهات القصة الأولى. إذ أنها تفترض أن الأنثى خبيثة تلجأ إلى الاغواء وفعل السوء. إضافة إلى عامل الدم، الذي يشكل الانتقام والكره للأنثى. الحكاية تقول أو تفترض أن حلم الأب يتحقق في مستقبل العار الذي بدأته الفتاة عندما طلبت من مربيتها أن تأخذها إلى الأمير زرد. ويقول الحلم أن الأنثى لاشك أنها ستشذ عن طريق الصواب. وبناء على هذه الحكاية باستطاعتنا أن ندرك أنها رويت في عصر سيطرة الرجل على المدينة وانهزام مرحلة الأنثى كحاملة لسر الحياة. بمعنى آخر، هذه الحكاية لاحقة للأولى في الزمن والثقافة. ختاما، لاشك أن تدوين هذه الحكايات وتحليلها، يساعدنا على فهم تاريخ المجتمعات القديمة وثقافتها.
#خليل_الشيخة (هاشتاغ)
Kalil_Chikha#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ظروف تعيسة
-
عقدة السلطة عند كافكا
-
الروائي ابراهيم الكوني واسقاطات الحكمة في روايته الاخيرة
-
تجذير الحوار في موقع الحوار المتمدن
-
مابعد سليلو
-
ذئاب بلا أنياب
-
القاص خليل الشيخة للكاتب عيسى اسماعيل
-
موت بائع متجول للكاتبة الأمريكية يودورا ويلتي
-
الرحيل
-
إصدار المجموعة المترجمة (رسالة إلى السماء)
-
من أجل غرين كارد
-
إصدار غابة الذئاب - تعليق خليل السواحري
-
نفاق
-
علم تحليل الشخصية - الشخصية اليقظة
-
من العم توم الى باراك اوباما
-
قراءة في كتاب (الرقيق) – ميندي نزار *
-
إصدار كتاب إنطباعات الزمن الفائت
-
ماوراء أعياد الربيع....سانت باتريك - النيروز - الفصح
-
قراءة في رواية -عمارة يعقوبيان- لعلاء الاسواني
-
تركيز الثروة العالمية بين أفراد
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|