|
ستيفن هوكينج يتحدث عن النظرية العلمية الجيدة
بهاء أبو زيد
الحوار المتمدن-العدد: 3496 - 2011 / 9 / 24 - 23:24
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
مدونة بهاء http://blog.bahaa.info/2011/09/22
تقديم
كنت قد ترجمت جزءًا من فصل بعنوان "ما هو الواقع" من كتاب التصميم العظيم للفيزيائي الإنجليزي سيفن هوكنج في جزء سابق، وهذا هو باقي الفصل يتحدث فيه ستيفن هوكنج عن النظرية العلمية الجيدة وصفاتها بأسلوب سهل وبسيط جدًا. النظرية العلمية الجيدة
يعتبر النموذج جيدًا لو حقق هذه الشروط:
1- كان أنيقًا
2- يحتوي على عناصر قليلة تحتاج للضبط Adjustable
3- يتفق مع كل المشاهدات الموجودة ويفسرها
4- يضع تنبؤات تفصيلية عن المشاهدات المستقبلية التي تستطيع أن تضحض أو تفند النموذج لو لم تتحق
على سبيل المثال، نظرية آرسطو بأن العالم مصنوع من أربع عناصر التراب والهواء والنار والماء، وأن الأشياء تتصرف لكي تحقق هدف في داخلها نظرية أنيقة ولا تحتوي على عناصر تحتاج للضبط. لكن في حالات عديدة لا تضع تنبؤات محددة، وعندما تضع، فالتنبؤات لا تتفق دائمًا مع المشاهدات. واحدة من هذه التنبؤات كان أن الأشياء الأثقل يجب أن تسقط أسرع لأن هدفها هو السقوط. لم يفكر أحد في أهمية اختبار هذا حتى مجيء جاليليو. هناك قصة تقول أنه اختبرها عن طريق إسقاط أوزان من برج بيزا المائل. ربما يكون هذا ملفقًا، لكننا نعلم أنه دحرج أوزان مختلفة على سطح مائل ولاحظ أنها جميعًا اكتسبت سرعات بنفس المعدل، على عكس تنبؤ آرسطو.
المعايير السابقة غير موضوعية كما هو واضح. الأناقة، على سبيل المثال، ليست شيئًا يمكن قياسه بسهولة، ولكنها مقدرة جدًا بين العلماء لأن قوانين الطبيعية يراد لها أن تضغط عددًا من الحالات المعينة اقتصاديًا في صيغة واحدة بسيطة. الأناقة تشير إلى شكل النظرية، لكنها مرتبطة عن قرب بنقص العناصر التي تحتاج لضبط، لأن نظرية مزدحمة بعوامل مراوغة تكون غير أنيقة جدًا. النظرية يجب أن تصيغ قول أينشتاين، بأن تكون بسيطة بقدر الإمكان، ولكن ليست أبسط. بطليموس أضاف أفلاك التدوير للمدارات الدائرية للأجسام السماوية حتى يستطيع نموذجه أن يصف حركتها بدقة. النموذج كان من الممكن أن يكون أدق بإضافة أفلاك تدوير لأفلاك التدوير، أو حتى بإضافة أفلاك تدير لهؤلاء. مع أن إضافة تعقيدات من الممكن أن تجعل النموذج أكثر دقة، العلماء يرون النموذج الذي يتم لويه ليطابق مجموعة محددة من المشاهدات غير مرضي، يرونه أقرب لفهرس بيانات من نظرية مرجحة لتضمن أي مبدأ مفيد.
يرى العديد من الناس أن "نظرية النموذج المعياري"، والتي تصف التفاعلات بين الجسيمات الأولية للطبيعة، غير أنيقة. هذا النموذج أكثر نجاحًا بكثير من أفلاك تدوير بطليموس. لقد تنبأ هذا النموذج بوجود العديد من الجسيمات الجديدة قبل أن يتم مشاهدتها، ووصف نتائج العديد من التجارب على مدى العديد من العقود بدقة عالية. لكنه يحتوي على الكثير من العوامل التي تحتاج لضبط والتي يجب أن تضبط قيمها لتطابق المشاهدات، بدلًا من أن يتم تحديدها عن طريق النظرية نفسها.
فيما يتعلق بالنقطة الرابعة، فالعلماء دائمًا ما ينبهرون عندما يتم إثبات صحة تنبؤات جديدة ومذهلة. من ناحية أخرى، عندما يكتشف تقصير نموذج ما، فالناس لا تتخلى عن النموذج ولكن بدلًا من ذلك يحاولون المحافظة عليه عن طريق تعديله. مع أن الفيزيائيين عنيدين في محاولاتهم لإنقاذ النظريات التي يكنون لها الإعجاب، فالميل لتعديل النظرية يخفت عندما تكون التعديلات مصطنعة أو مرهقة، وبالتالي "غير أنيقة".
عندما تصبح التعديلات المطلوبة لاستيعاب المشاهدات الجديدة خيالية جدًا، فهي تشير إلى الحاجة إلى نموذج جديد. أحد الأمثلة على نموذج قديم تم التخلى عنه تحت ضغط المشاهدات الجديدة هو فكرة الكون الساكن. في عشرينات القرن العشرين، كان معظم الفيزيائيين يعتقدون أن الكون ساكن، أو لا يتغير في الحجم. ثم، في عام 1929، نشر إدوين هابل مشاهداته التي توضح أن الكون يتمدد. لكن هابل لم يشاهد الكون مباشرةً وهو يتمدد. شاهد هابل الضوء المنبعث من المجرات. هذا الضوء يحمل توقيعًا مميزًا، أو طيفًا، يعتمد على تركيب كل مجرة، والذي يتغير بقدر معلوم إذا كانت المجرة تتحرك بالنسبة إلينا. ومن ثم، بتحليل أطياف المجرات البعيدة، استطاع هابل أن يحدد سرعاتها. توقع هابل في البداية أن يجد عدد المجرات التي تتحرك بعيدًا عننا مساويًا لعدد المجرات التي تقترب مننا. ولكنه، بدلًا من ذلك، وجد أن كل المجرات تقريبًا كانت تتحرك بعيدًا عننا، وكلما كانت المجرة بعيدة، كلما كانت تبتعد أسرع. استنتج هابل أن الكون يتمدد، لكن الآخرون، في محاولة منهم للتمسك بالنموذج القديم، سعوا لتفسير مشاهداته في سياق الكون الساكن. على سبيل المثال، الفيزيائي بكالتيك فريتز زفيكي اقترح أنه لسبب ما غير معلوم فإن الضوء ربما يفقد طاقته ببطء كلما رحل لمسافات كبيرة. هذا النقص في الطاقة سوف يتوافق مع التغير في طيف الضوء، والذي قال زفيكي أنه يستطيع أن يحاكي مشاهدات هابل. لعقود بعد هابل، العديد من العلماء ظلوا متمسكين بنظرية الحالة الساكنة للكون. لكن النموذج الأقرب للطبيعة هو نموذج هابل، الذي يقول بأن الكون يتمدد، والذي أصبح النموذج المقبول.
في مسعانا لإيجاد القوانين التي تحكم الكون قمنا بصياغة عدد من النظريات أو النماذج، مثل نظرية العاصر الأربع لآرسطو، والنموذج البطليموسي، ونظرية الفلوجستون، ونظرية الانفجار العظيم، وهكذا. مع كل نظرية أو نموذج، يتغير مفهومنا للواقع وللعناصر الأساسية المكونة للكون. على سبيل المثال، خذ نظرية الضوء. اعتقد نيوتن أن الضوء مكون من جسيمات أو كروات صغيرة. وهذا سوف يفسر لماذا يرحل الضوء في خطوط مستقيمة، واستخدم نيوتن هذا النموذج أيضًا ليفسر لماذا ينكسر الضوء عندما ينتقل من وسيط إلى وسيط آخر، مثلما ينتقل من الهواء إلى الزجاج أو من الهواء إلى الماء.
مع ذلك، نظرية الجسيمات لم تستطيع أن تستخدم في تفسير ظاهرة نيوتن نفسه لاحظها، والتي تعرف باسم حلقات نيوتن. ضع عدسة على سطح عاكس مسطح وسلط عليه ضوء ذو لون واحد، مثل ضوء مصباح الصوديوم. بالنظر من أعلى إلى العدسة، سيلاحظ المرء سلسلة من الحلقات الفاتحة والقاتمة متمركزة حول نقطة ملامسة العدسة للسطح العاكس. هذا صعب التفسير في ضوء نظرية الجسيمات للضوء، لكن يمكن فهمه في ضوء نظرية الموجات. وفقًا لنظرية الموجات للضوء، الحلقات الفاتحة والقاتمة نتجت بسبب ظاهرة تعرف باسم التداخل. الموجة، مثل موجات الماء، تتكون من سلسلة من القمم والقيعان. عندما تتصام موجتان، لو حدث أن هذه القمم والقيعان تتطابق، فإنها تعزز بعضها، مما ينتج عنه موجة أكبر. يسمى هذا التداخل البناء. في هذه الحالة يقال أن الموجات "لهما نفس المرحلة". على الجانب الآخر، عندما تتقابل موجتان، وقمم الآولى تتزامن مع قيعان الثانية. في هذه الحالة الموجات تلغي بعضها الآخر ويقال عنها "أنهما خارج المرحلة". هذا الموقف يسمى التداخل الهدام.
في حالة حلقات نيوتن، الحلقات الفاتحة تكون على المسافات من المركز التى يكون عندها الفصل بين العدسة والسطح العاكس حيث تختلف الموجة المعكوسة من العدسة عن الموجة المعكوسة من السطح بعدد صحيح (1، 2، 3، …) من الأطوال الموجية، مما ينشأ عنه تداخل بناء.(الطول الموجي هو المسافة بين قمة أو قاع من الموجة إلى التي تليها). من ناحية أخرى، الحلقات القاتمة تقع على المسافات من المركز بحيث يكون الفصل بين موجتين منعكستين نصف عدد صحيح (½، 1½، 2½،…) من الأطوال الموجية، مما يسبب تداخل هدام – الموجة المنعكسة من العدسة تلغي الموجة المنعكسة من السطح العاكس.
في القرن التاسع عشر، كان يؤخذ هذا كأكيد على النظرية الموجية للضوء وكان يظهر أن نظرية الجسيمات خاطئة. ولكن، في مطلع القرن العشرين أظهر أينشتين أن التأثير الكهروضوئي (يستخدم الآن في التليفزيونات والكاميرات الرقمية) من الممكن أن يفسر بأن جسيم أو كوانتم (كمية) من الضوء يصدم الذرة فتنفض إلكترون. أي أن الضوء يتصرف كجسيم وكموجة معًا.
مفهوم الموجات ربما يكون قد دخل في التفكير البشري لأن الناس رأوا المحيط، أو بركة ماء بعد أن تسقط فيها حصاة. في الواقع، لو كنت قد قمت برمي حصاتين في بركة ماء، فمن المحتمل أن تكون قد شاهدت التداخل على الطبيعة. وقد لوحظت السوائل الأخرى تتصرف بنفس الطريقة، ماعدا النبيذ لو شربت منه كثيرًا. فكرة الجسيمات أصبحت مألوفة من مشاهدة الصخور، والحصوات، والرمال. لكن ثنائية الموجة-الجسيم هذه – فكرة أن الشيء من الممكن أن يوصف إما كموجة أو كجسيم – هي فكرة غريبة على خبراتنا اليومية مثل فكرة أنك تستطيع أن تشرب قطعة من الحجر الرملي.
ثنائيات مثل هذه – الحالات التي تصف فيها نظريتين مختلفتين تمامًا نفس الظاهرة بدقة – متسقة مع الواقعية المعتمدة على النموذج. كل نظرية تستطيع أن تصف وتفسر خصائص معينة، ولا يمكن أن يقال على أحدها أنها أفضل أو أكثر واقعية من الآخرى. فيما يتعلق بالقوانين التي تحكم الكون، ما يمكن أن نقوله هو: لا يبدو أنه يوجد نموذج رياضياتي وحيد أو نظرية تستطيع أن تصف كل مظهر من مظاهر الكون. بدلا من ذلك، يبدو أنه يوجد شبكة من النظريات تسمى النطرية-إم. كل نظرية في شبكة النظرية-إم(*) جيدة في وصف ظاهرة في مجال معين. عندما تتداخل مجالاتها، تتفق التظريات المتنوعة في الشبكة، وبالتالي من الممكن أن يقال عنها جميعًا أنها جزء من نفس النظرية. لكن لا يوجد نظرية وحيدة في الشبكة تستطيع أن تصف كل مظهر من مظاهر الكون – كل قوى الطبيعة، والجسيمات التي تشعر بهذه القوى، وإطار المكان والزمان الذي تعمل فيه كل هذه القوى. وبالرغم من أن هذا لا يحقق حلم الفيزيائيين بنظرية وحيدة موحدة، ولكنه مقبول في إطار الواقعية المعتمدة على النموذج.
http://en.wikipedia.org/wiki/M-theory (*)
مدونة بهاء http://blog.bahaa.info/2011/09/22
#بهاء_أبو_زيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
برتراند راسل: الحمقى يحكمون العالم الآن
-
الوصايا الليبرالية العشر
-
التعريص والانتقاء الطبيعي
-
ستيفن هوكينج يسأل: ما هو الواقع؟
المزيد.....
-
بهدف جذب السياح.. الصين تمدد فترة الإقامة للعبور من دون تأشي
...
-
رئيس حكومة الإئتلاف السورية: ما قامت به -هيئة تحرير الشام- م
...
-
مصاد عسكرية تكشف: حماس جندت آلاف المقاتلين الجدد في غزة
-
عملية إنقاذ محفوفة بالمخاطر في إيطاليا.. 75 ساعة من الجهد لإ
...
-
-لبنان لنا- .. إسرائيليون يدخلون لأول مرة جنوب لبنان وينصبون
...
-
من ماهر الأسد إلى ماهر الشرع.. تعيين شقيق الجولاني وزيرا للص
...
-
بالصور.. دمشق بعد سقوط الأسد
-
من اتفاق السائقين إلى البطاقة الذكية.. ماذا تغير في العشر ال
...
-
زعيم حزب -الناس الجدد- في الدوما الروسي رئيسا للمجلس الإشراف
...
-
الخارجية الروسية: الولايات المتحدة تحاول تغيير السلطة في كوب
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|