أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - هشام غصيب - حول كتاب “القفز بلا أقدام” لجلال فاخوري














المزيد.....

حول كتاب “القفز بلا أقدام” لجلال فاخوري


هشام غصيب

الحوار المتمدن-العدد: 3496 - 2011 / 9 / 24 - 10:23
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


لا ! ليست هذه بأفكار ونظرات فلسفية، وإنما هي قصائد نثرية تنزف ألما وحزنا وتفيض شوقا وعشقا وتلتهب إرادة وتحديا، كتبها كائن بطولي اسمه جلال فاخوري. وإنها بالفعل لقفز بلا أقدام؛قفز روحي مخيالي من فرط الألم والتحدي؛ صيحات مكبوتة وأنين وجع موجع يؤكد الحياة وجمالها الأخاذ حتى في أحلك اللحظات. تسمع كلمات العشق والغرام المؤكدة للحياة تتزاحم معاً لتخرج إلى حيز الوعي، وسرعان ما تجدها تنزلق إلى وادي الدموع المثخن بالألم والوجع والضياع. إنها لصور وجدانية بليغة تنبثق من قلب اللاوعي الفرويدي محملة بعقد الرعب والألم ممتزجة بالعشق والشوق وحب البقاء. وهي صور متنوعة، لكن يحكمها نسق واحد وبنية واحدة. إن قلب جلال النابض النازف ليصرخ فينا وفيه أيضا، يريد أن يوصل فكرة ما، شعورا ما، نأمة ما، إلينا، لكنه يشعر أن اللغة تخونه، فيكرر المحاولة بالشكل ذاته، ولكن بمضمون آخر.
غريب أمر هذا الكائن البطولي، جلال. غريب كيف حافظ على قلبه وملكة العشق لديه وقدرته على الشعور البركاني الجارف وعلى روح الشوق وعلى إرادته للقوة والحياة سليمة حية عاصفة، بعد كل ما مرّ عليه من مآسٍ ومعاناة ومكابدة. فعادة ما تقود الأخيرة إلى بلادة في الحس وغلاظة في القلب وانغماد عاطفي و “تمسحة” في الوجدان. إنها عادة ما تطمس الروح. لكن طول سعيرها جاء بأثر عكسي على جلال. إذ زاد قلبه خفقانا ولاوعيه عمقاً وتأججا وملكة الحلم لديه خصوبة. ومع ذلك، فإن كل ما يصدر عن هذا القلب وذاك اللاوعي مجروح في صميمه ينزف ألما ووجعا. انظروه يقول: “هل تشاركيني سيدتي كأس ألمي المطعم بماء كبريائي؟ هل تشاركيني فنجان معاناتي الملطخ بدماء عذاباتي؟ هل تشاركيني مولاتي أفراح مراراتي المحلاة بفتافيت فرح لقياك؟ وتصطدم عذاباتي بأفراحك مولدة حرائق الشوق. إنه صدام العشق المرتعش على أفق الغياب بل صدام العشق الراقص على حبال الهزيمة، هزيمة الإرادة التي كسر فرحتها قدر ظالم” (ص137).
أي ضرب من الغزل هذا؟ لقد خلق جلال معشوقة وهمية من أجل التركيز عليها هربا من آلامه وعذاباته ولكي يتحملها. لكن هذه الآلام والعذابات كانت تفرض حضورها القاسي فرضا عبر المناجاة الوهمية. وهل هزم القدر الظالم إرادة هذا الكائن البطولي؟ بالتأكيد لا. فمن يكتب ويصر على الكتابة، يصر على ممارسة هذا الفعل الإلهي المقدس، لم يهزم. فالإصرار على صنع المعنى والتعبير العقلي هو مؤشر جلي على الحياة، ومن ثم الإرادة. إن الإرادة لهي جوهر الحياة والذي يميزها عن أي غيرها في الكون. فالحياة إرادة والإرادة حياة. والحياة هي سيف إرادة مغروس في قلب كون عشوائي لا إرادة له أو فيه. إن الحياة نشاز في الكون. إنها نقيض للكون مغروس في هامش منسي منه. لذلك فهي محاصرة دوما فيه وتنتظر تصفيتها وإخمادها. لكنها تصر على البقاء والفرح برغم إدراكها أن وجودها مخاطرة مؤقتة. لذلك فإنها تدمر ولا تهزم، تصفّى ولا يداس عليها. إن الحياة لهي بطولة عبثية مطلقة. لكنها إرادة مطلقة تأبى الهزيمة والاستسلام . لذلك فهى تتصدى دوما، بفكرها وعشقها وشعورها وأحلامها ورغباتها وشوقها وعشقها، تتصدى للكون برمته، برغم إدراكها أنها معركة محسومة النتائج سلفاً. لكنها إما أن تتصدى بحكم كون جوهرها إرادة مطلقة وإما ألا تكون. وهذا بالضبط ما يصوره ويمثله هذا الكائن البطولي، جلال فاخوري.
إن جلال يتحمل قسوة القدر، قسوة الوجود العياني، بإرادة الخلق، خلق رموز تشده بقوة العشق إليها، فتنسيه مؤقتا قسوة العياني، قسوة المادي. لذلك يختلط في كتابه الألم بالعشق، الغزل بالأنين، الدماء بعطر الجمال. اسمعوه يقول: “.. أعجزني اختفاء إرادة كانت تكسر سيف القدرة، فخارت مني الروح وتسلل اليأس كالصرصار يلسعني دون إحساس به …. أذبلت ورودى رياح لا تحمل الغيث، رياح هوجاء ألغت هويتي ومست وجودي وشطبتني من سجل التاريخ الذي حاولت أن أصنعه، تاريخاً خاصا بذاتي، تاريخا يغير وجهي النحس، ويغير حظي التعس. تكاثرت حولي غيوم الكآبة، فبت ممتقعا لا أعرف البداية من النهاية، رغم أن كليهما حالة سقم وعقم وألم. ” (ص 121).
أي يأس حالك يطل علينا من ثنايا هذا الكتاب؟! إن هذا الكتاب هو بالفعل مجموعة من القصائد، لكنها ليست قصائد عشق أو غزل تتغنى بالحبيب المعشوق، وإنما هي صيحات ألم وعذاب ممضين تتستر بالعشق وتبتكر المعشوقات لسببين:
أولهما أن الكتابة الإبداعية هي بطبعها فعل عشق مقدس.
وثانيهما أن الكائن البطولي جلال يبتكر بذلك طريقة لتحمل الألم واليأس المفرطين من دون أن يلغي الإحساس الممض بهما، أي من دون أن يلغي الحياة بوصفها إرادة ووجدانا.
هكذا أفهم هذا الكتاب الغريب وهكذا أفهم صاحبه، الكائن البطولي جلال فاخوري.



#هشام_غصيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مغزى ثورة أكتوبر
- من الفلسفة إلى الثورة
- ما الإنسان؟
- فلسفة الثورة: من فويرباخ إلى ماركس
- تفكيك العقل بالعقل
- الحداثة وما بعد الحداثة
- الأمركة والقضايا العربية
- الفلسفة سياسة
- اغتراب العقل المطلق: نقد فويرباخ لهيغل
- عقيدة العقل في الغرب الحديث
- أفول العقل
- النقد وأنطولوجيا الوجود الاجتماعي
- كيف نقوم الديموقراطية في مجتمع ما؟
- العولمة والهوية القومية
- التفكير العلمي والتغيير الاجتماعي
- لغز الثابت الكوني
- في نقد عزمي بشارة
- الجابري : من التراث إلى التحديث
- ظاهرة محمود أمين العالم : قراءة في كتاب “فلسفة المصادفة”
- المغزى التاريخي الفكري لحسين مروة


المزيد.....




- سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي: ...
- أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ ...
- حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال ...
- -أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
- متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
- الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
- الصعود النووي للصين
- الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف ...
- -وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب ...
- تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - هشام غصيب - حول كتاب “القفز بلا أقدام” لجلال فاخوري