غالب محسن
الحوار المتمدن-العدد: 3496 - 2011 / 9 / 24 - 00:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 22
أذا أردت أن تُطاع
" وأعلموا رحمكم الله : أنه مَن لم يعرف من كتاب الله عزّ وجل الناسخ من المنسوخ , والخاص من العام , والمحكم من المتشابه , والرخص من العزائم , والمكي والمدني , وأسباب التنزيل , والمبهم من القرآن في ألفاظه المنقطعة والمؤلفة , وما فيه من علم القضاء والقدر , والتقديم والتأخير , والمبين والعميق , والظاهر والباطن , والابتداء والانتهاء , والسؤال والجواب , والقطع والوصل , والمستثنى منه والجار فيه , والصفة لما قبل مما يدل على ما بعد , والمؤكد منه والمفصل , وعزائمه ورخصه , ومواضع فرائضه وأحكامه , ومعنى حلاله وحرامه الذي هلك فيه الملحدون , والموصول من الألفاظ , والمحمول على ما قبله وعلى ما بعده , فليس بعالم بالقرآن ولا هو من أهله . " الميزان في تفسير القرآن للطبطبائي ( توفى في العام 1981 )
ليس لي من كلام بعد هذا ! ولا يمكن الأدعاء بعد ذلك لأمثالي بفهم الكتاب أو من أهله ، مهما حاولت ، وبالتالي ليس عليّ من عتاب أو عقاب أذا لم أتقيد به ، فكيف يمكن محاسبة " الأمي " أذا لم يقرأ . لكن للتأمل ليس هناك حدود .
جوهر هذا الفهم المتداول بعفوية وبشكل واسع النطاق في أوساط المؤمنين ( لكنه بقصد لدى قادتهم ) ، يحصر معرفة الحق لدى حفنة صغيرة من " علماء الدين " الذين هم وحدهم المؤهلون لأدراك المعاني و" تأويلاتها " مع أن الكتاب يبتدأ ب " ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ " ، والمتقين في كل التفاسير القديمة والحديثة ، هم كل المؤمنات و المؤمنين.
أن المقاصد وراء حصر المعرفة لدى " العلماء " و " المراجع " و " أئمة المسلمين " لها وجه آخر . فليس لجمهور العوام من المؤمنين " الأتباع " غير " الأنصياع " وهذا هو سر تحالف الأيمان والسلطان . هذه الفكرة واضحة لكل ذي بصيرة . يمكن متابعة هذه الفكرة في هذه التأملات ...
في المؤوليين الجدد
لم تكن في نيتي كتابة تأملات ، مطولة ، قال صديقي هي فلسفات ، فالتأملات ليست مقالات ، تُكتب في الصالونات ، يمين أو يسار السياسيات ، أحزاب وقوى وديانات ، تيارات ديمقراطية وأعلانات ، تعيد وتصقل نفس العبارات . بل هي نافذة للذات ، صغيرة لكن عميقة الدلالات ، لما مضى وماهو آت .
المهم ... الذي حفّزني ودفعني للبحث أكثر هو خالد الجندي ، كما سيرد ، بل وأثار غضبي مدى تماديه في الأستخفاف بعقل الأنسان العربي والمسلم المؤمن بالخصوص . لكن ما الذي يُتيح للجندي وامثاله ممن أُسميهم بالمؤوليين الجدد كل هذا التمادي ؟ هل المؤمن معذور ؟ وماذا عن غيرهم ، هل يعنيهم الأمر أيضاً ؟ أم تراها ثقافة الخوف من الحقيقة !
فضل الرجال على النساء
هناك بعض القضايا في الفكر الأسلامي تسبب أزيد من غيرها الأرق لأصحابها أرتباطاً بالتطور الأجتماعي والتكنولوجي المتعاظم . ومن بين أكثر المواجهات ، خاصة في البلدان الغير أسلامية ، موضوعة المرأة وتفرعاتها بما فيها ما ملكت الأيمان وقيامة الرجال . هذه الموضوعة تقض مضاجعهم ولا يتمنى أصحاب هذا الفكر مواجهتها . واذا كان لابد من المواجهة ، يكون التأويل هو المخرج ، حتى وأن كان مضحكاً في معظم الأحيان . هكذا يعتقد الكثير من المؤمنيين وبعض المؤوليين الجدد ومن بينهم خالد الجندي وهو في" مضافة " محمود سعد في برنامج " البيت بيتك " . أنظر الرابط التالي :
http://www.youtube.com/watch?v=n5K_M-3c-HI&feature=player_embedded#!
يحاول الجندي جاهداً أن يجد تفسيراً لم يدركه أحد من قبله ولا من كبار المفسرين القدامى الذين هم في الواقع أقرب الى روح القرآن ولغته ، وكأني به يتعكز على آيات التأويل وأن لم يقل ذلك صراحة . يريد أن يقنعنا بان الآية 34 من سورة النساء "ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ " أنما تعني الرجال يخدمون النساء . ولو أستعنا بالأستدلال ( الذي لا يفهمه الجندي ) ، فأن النساء في الأسلام ، قوّامون على الرجال ، فمن يصدق !!
هذا الأستنباط لم يخطر على بال الجندي وهو في نشوة التضليل .
قوّامون من الفعل قام ، يقول الجندي ، التي تعني الخدمة ، كما يقول العلماء ، مستدركاً .أن القائم هو من يَخدِم وليس من يُخدَم . فعندما تذهب للمطعم يكون النادل ( الذي يخدمك ) واقفا ً وأنت قاعد ! يا للعبقرية ! كيف فات كبار المفسرين وصحبهم هذا التفسير ( ربما بسبب غياب المطاعم في زمنهم ) . ربما تقلب شيخ المفسرين الطبري في قبره أو تأوه وهو لا يستطيع الرد على تراهات الجندي . بعدها يحاول يائساً تبرير عمل النساء المنزلي الذي هو " تدبير منزلي " و " كرم وتبرع من المرأة " تكسب فيه الأجر " كذا " . أن هذه الآية تبين أن المرأة أهم من الرجل ، يزعم الجندي ، وأن تفضيل الرجال على النساء هنا " خَلقي وليس خُلقي " يعني في العضلات " فالرجل ليس عنده " تغيرات هرمونية " مثل المرأة ، ثم يستمر في ثرثرته هو وذاك السعد في " تمثيلة هزلية " وهم في نشوة هي أقرب للهذيان ، مثيرة للشفقة لكن والغيض في آن .
أستدراك الجندي ب " كما يقول العلماء " لم يكن عفوياً ، بل محبوكاً ، فهذا أجماع لأهل العلم ( الذين قصدهم الطبطبائي في جزء 1) وليس من " أختراعه " . لكنه لا يخبرنا من هم هؤلاء العلماء بل يلزم الصمت . والسبب بسيط ، عزيزي المتأمل ، لأنهم غير موجودين ألا في رأسه ، وهو لا يقصد بالتأكيد علماء المسلمين الذين نعرفهم لأنهم سيضربون حتماً على رؤسهم وسيتبرؤون من أدعاءاته . أليكم بعضاً من تفاسيرهؤلاء " العلماء " لهذه الآية وهم أرفع شأناً بلا شك من صاحبنا هذا وأعتذر سلفاً لطول الأقتباسات لكنني أردت الأستشهاد بمختلف المدارس والأزمان حتى لا أُتهم بالأنتقائية وألا سقطت في ذات الحفرة التي وقع فيها الجندي :
1. والمعنى: { الرجال قوّامون على النساء } بالتأديب والتدبير لما { فضّل الله } الرجال على النساء في العقل والرأي ... / تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن للطوسي ( شيعي ، من القرن الثالث عشر هجري ) .
2. اللغة : يقال رجل قيم وقيَّام وقوّام وهذا البناء للمبالغة والتكثير، وأصل القنوت: دوام الطاعة ، المعنى: لمَّا بيَّن تعالى فضل الرجال على النساء ذكر عقيبه فضلهم في القيام بأمر النساء فقال { الرجال قوَّامون على النساء } أي قيّمون على النساء مسلّطون عليهن في التدبير، والتأديب، والرياضة، والتعليم { بما فضّل الله بعضهم على بعض } هذا بيان سبب تولية الرجال عليهنّ، أي إنما ولاَّهم الله أمرهن لما لهم من زيادة الفضل عليهن بالعلم والعقل وحسن الرأي والعزم ..../ تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي (شيعي ، من القرن الخامس الهجري ) .
3. قوله تعالى: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النَّسَآءِ } يعني أهل قيام على نساءهم ، في تأديبهن ، والأخذ على أيديهن، فيما أوجب الله لهم عليهن. { بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } يعني في العقل والرأي . / تفسير النكت والعيون للماوردي ( سني من العصر العباسي ) .
4. قوله تعالى: { بما فضل الله بعضهم على بعض } يعني: الرجال على النساء ، وفضل الرجل على المرأة بزيادة العقل ، وتوفير الحظ في الميراث ، والغنيمة ، والجمعة ، والجماعات ، والخلافة ، والإمارة ، والجهاد ، وجعل الطلاق إليه إلى غير ذلك ./ تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي ( سني من القرن الخامس الهجري ) .
5. أى أن حكمة الله اقتضت أن يكون الرجال قوّامين على النساء بسبب ما فضّل الله به الرجال على النساء . قال الفخر الرازى : واعلم أن فضل الرجال على النساء حاصل من وجوه كثيرة: بعضها صفات حقيقية وبعضها أحكام شرعية. أما الصفات الحقيقة فاعلم أن الفضائل الحقيقية يرجع حاصلها إلى أمرين. إلى العلم وإلى القدرة . ولا شك أن عقول الرجال وعلومهم أكثر. ولا شك أن قدرتهم على الأعمال الشاقة أكمل ، فلهذين السببين حصلت الفضيلة للرجال على النساء فى العقل والحزم والقوة . وإن منهم الأنبياء والعلماء، وفيهم الإِمامة الكبرى والصغرى والجهاد، والأذان، والخطبة، والولاية فى النكاح . فكل ذلك يدل على فضل الرجال على النساء " / تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي سنيّ معاصر .
6. { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ } يقومون عليهن قيام الولاة على الرعية { بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } بسبب تفضيله الرجال على النساء بكمال العقل وحسن التدبير / تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني ( من الشيعة الأمامية من القرن العاشر الهجري ) .
7. فقوله تعالى: { الرجال قوامون على النساء } أي متسلطون على تأديب النساء والأخذ على أيديهن قال ابن عباس: { بما فضل الله بعضهم على بعض } يعني أن الله تعالى فضل الرجال على النساء بأمور منها زيادة العقل والدين والولاية والشهادة والجهاد والجمعة والجماعات وبالإمامة لأن منهم الأنبياء والخلفاء والأئمة ومنها أن الرجل يتزوج بأربع نسوة ولا يجوز للمرأة غير زوج واحد ومنها زيادة النصيب في الميراث والتعصيب في الميراث وبيده الطلاق والنكاح والرجعة وإليه الانتساب فكل هذا يدل على فضل الرجل على النساء / تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن ، سنيّ من القرن الرابع الهجري .
8 . يقول تعالى: { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } أي: الرجل قيم على المرأة، أي: هو رئيسها وكبيرها، والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت ، { بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } أي: لأن الرجال أفضل من النساء ، والرجل خير من المرأة ، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال / تفسير القرآن الكريم لأبن كثير .
هؤلاء " العلماء " الذين ذكرتهم وما سيأتي ذكرهم أنما هم خيرة علماء أمة محمد و قد أجمعوا على أن الله فضّل الرجال على النساء لرجاحة عقولهم أولاً وهذا طبعاً واضح كالشمس التي أعمت بنورها أبصار خالد الجندي ومن معه من المؤوليين الجدد . والتأديب الذي لازم ذكره العقل له علاقة بما يأتي لاحقا من الآية : وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ * فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلا الى آخر الآية . تفوق الرجل برجاحة عقله ثم تأديبه وتسلطه على النساء هي الكلمات التي ترددت في معظم كتب التفسير الأصيلة الأخرى التي راجعتها في تفسير هذه الآية : الطبري ، الزمخشري ، الرازي ، القرطبي ، الفيروز آبادي ، الطبطبائي ، الجنابذي وغيرهم .
أنا لا أنوي مجادلة الجندي ، فهو ، كما يظن ، خير العارفين بهذه وغيرها كثير ، وخاصة منها أسباب نزول هذه الآية وحيثيات ومعنى قول الرسول : " أردنا أمراً وأراد الله غيره " ، لكنه فضل تناسيها ضاناً أن " لغطه " هو تأويل جديد لتأويلات هؤلاء العلماء . ولحسن الحظ لا ينطلي هذا الكلام على الجميع .
أذا كان هناك ، بعد كل هذه الأستشهادات ، من يتفق مع " تأويلات الجندي " من أن هذه الآية تبين أن المرأة أفضل (أهم) من الرجل الذي هو خادم لها وليس العكس فليس عندي له غير الأسف ولا جدوى في قراءة ما سيتبع من هذه التأملات في معنى التأويل القرآني و ما هي حدوده .
يتبع .....
د . غالب محسن
__________________________________________________________________________________________
* والحقيقة التي يجب أن تُذكر هنا أن كل المفسرين بغض النظر عن مدارسهم قد أجمعوا على أن الضرب يجب أن لا يكون مبرحاً بل أن بعضهم فصًل في الأماكن التي لا يجوز ضرب المرأة فيها مثلاً الوجه .
#غالب_محسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟