|
!درس للعرب فى الديموقراطية .. باللغة الألمانية
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1040 - 2004 / 12 / 7 - 05:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تعودنا لسنوات طويلة أن تكون لقاءات الحوار العربى – الأوروبي مناسبات للخطابة الإنشائية والأحاديث الدبلوماسية المنمقة فى ظاهرها والخاوية المعنى فى باطنها . ولذلك تحولت الكتابات الصحفية عن مثل هذه اللقاءات إلى أدبيات للتعذيب .. تعذيب كتابها وقرائها على حد سواء. ويوم الجمعة الماضى لمحت مساحة معتبرة فى الصفحة الأولى وصفحة أخرى داخلية بجريدة "الأهرام" الغراء يتحدث عنوانها عن لقاء من هذا النوع فكدت أعبر هذه المساحة وأمر عليها مرور الكرام بحثاً عن موضوع آخر حتى ولو فى صفحة الحوادث. لكن شيئاً فى عنوان الموضوع جعلنى أغير رأيى وأعود إلى قراءة سطوره وما بينها. أما العنوان المفرود على ثلاثة أعمدة فى الصفحة الأولى فيقول بالنص: "أمام الحوار العربى الأوروبي فى برلين – الأوروبيون يطالبون بالديموقراطية". وتحت هذا العنوان غير التقليدى وغير المألوف – سيما فى الصحف "القومية" – جاء فى رسالة الزميلين عبد العظيم حماد وغسان مازن من برلين أنه "فى بداية مؤتمر "الأيام العربية" المنعقد فى البوند ستاج "البرلمان" الالمانى يوم الخميس الماضى تقدم الجانبان الألماني (الأوروبي) والعربى بمطالبهما المحددة من أجل إقامة مشاركة عربية ناجحة تحقق السلام والتنمية والأمن فى حوض البحر المتوسط. وقد لخص المتحدثون الالمان مطالب أوروبا من العالم العربى فى الاستجابة للاتجاه العالمى نحو الديموقراطية وتوسيع المشاركة السياسية، والانفتاح على العالم والثقافات ، ومشاركة بقية الشعوب فى اقتسام فرص العولمة ومواجهة أخطارها. كما طالبوا العرب بالكف عن انتظار تدخل الآخرين للوساطة لحل المشكلات العربية". فى حين لخص المتحدثون العرب مطالبهم من أوروبا فى التزامات محددة لصنع السلام العادل والمشاركة فى التنمية والإصلاح، وإعلان موقف واضح معارض لأى غزو أجنبى جديد لأى دولة عربية وتغيير أى نظام بالقوة المسلحة". وما لخصه الزميلان العزيزان من وقائع لهذا اللقاء العربى – الأوروبى جديد وعجيب. جديد .. لأنه خارج الكليشيهات والعبارات المصكوكة سابقة التجهيز التى ألفناها فى المناسبات العديدة السابقة ، والتى كان الجانبان – العربى والأوروبى – يحرصان فيها على تجنب الكلام فى السياسة بأى شكل من الأشكال ، وبخاصة السياسة الخاصة بالمنطقة العربية ، كما لو كانت رجساً من عمل الشيطان. هذه المرة الكلام فى السياسة مباشر .. وفى المليان !! فالأوروبيون – ممثلين فى الألمان – يقولون للعرب .. ودون لف أو دوران : كفاكم دكتاتورية .. وانغلاقاً .. واذا كنتم تريدون مشاركة أوروبا فى المنافع الاقتصادية فلا مناص من مشاطرتها فى احترام قيم الديموقراطية والانفتاح. والأوروبيون – ممثلين فى الالمان – يقولون للعرب بعد هذه المقدمة المهذبة ما هو أقسى وأقل دبلوماسية : كفاكم عجزاً وهواناً وسلبية "انتظاراً لتدخل الآخرين للوساطة لحل المشكلات العربية". حتى ليكاد لسان حال الأوروبيين – ممثلين فى الالمان – أن يقول للعرب : إنكم ترضخون للأمريكيين وتذعنون لاملاءاتهم السياسية ثم تأتون إلى أوروبا لتشتكوا منهم – سراً على الأغلب – وتنتظروا من الآخرين أن يتوسطوا لديهم دون ان تفعلوا أنتم شيئاً تساعدون به أنفسكم. ألم نكن نحن الألمان والفرنسيين وغيرنا من الأوروبيين من جاهر برفض العدوان الأمريكى على العراق .. بينما قدمتم أنتم العرب – أو بعضكم على الأقل – التسهيلات والقواعد للجيوش الأمريكية وهرولتم قبل أن تضع الحرب أوزارها لإضفاء شرعية "عربية" على نتائج هذا العدوان فكنتم أسبق من الجميع فى الاعتراف بمجلس الحكم الذى عينه الحاكم الأمريكى بول بريمر وأحرجتم بذلك القوى الدولية المناهضة للحرب؟! أم تكن عواصمنا الأوروبية ، بما فى ذلك عواصم الدول التى شاركت فى تحالف الحرب ، هى التى شهدت شوارعها أضخم المظاهرات فى تاريخ البشرية احتجاجاً على هذه الحرب الأمريكية العدوانية ، بينما ظلت العواصم العربية والإسلامية صامتة صمت القبور ؟! صحيح أن شيئاً من ذلك لم يرد فى تلخيص "الأهرام" لمؤتمر برلين ، لكنه ما يمكن استنتاجه من مطالبة الألمان للعرب "بالكف عن انتظار تدخل الآخرين للوساطة لحل المشكلات العربية". وهذا كله جديد .. أما لماذا هو عجيب أيضاً .. فذلك لأكثر من سبب . أولها أننا مصممون بشكل غريب لأن نعطى الفرصة للآخرين لأن يقفوا منا موقف المعلم والأستاذ والوصى ، وذلك بتلكؤنا المدهش فى فتح ملفات الإصلاح السياسى ودفع عجلة التغيير وفتح الأبواب أمام الديموقراطية والمشاركة السياسية. وبقدر ما نحجم عن أن نفعل نحن ذلك بأيدينا بقدر ما نتيح الفرصة للأطراف الخارجية للتنطع على شئوننا الداخلية ، ولا نجد ما نستطيع عمله والحال كذلك سوى تكرار الاسطوانة المشروخة عن أن التغيير والإصلاح يجب ان ينبعا من الداخل لا أن يفرضا من الخارج! السبب الثانى للاستغراب هو رد الفعل العربى الرسمى التقليدى على المطالبة الخارجية – من اى طرف – بالإصلاح السياسى. ورد العرب الجاهز بهذا الصدد هو مطالبة من يطالبهم بالديموقراطية بأن يعلن معارضته "لأى غزو أجنبى جديد لأى دولة عربية وتغيير أى نظام بالقوة المسلحة". ومبعث الدهشة من ذلك أن معارضة الغزو الأجنبى تتأتى – أولاً وقبل كل شئ – بالإرادة السياسية الداخلية وما تتطلبه من استحقاقات فى مقدمتها ترسيخ الوحدة الوطنية من خلال تمكين الديموقراطية وإعلاء شأن المواطنة واحترام سيادة القانون .. الخ وليس مطالبة الآخرين بالدفاع عن سيادتنا الوطنية! ثم أن مطالبتنا للآخرين بمعارضة أى غزو أجنبى تفتقد إلى المصداقية لأن بعضنا نحن العرب لم يكن معارضاً حقاً للغزو الأجنبى "القديم" ، فلماذا يصدق الآخرون جديتنا فى رفض الغزو الأجنبى "الجديد" خاصة إذا كنا لا نفعل شيئاً للحفاظ على سيادتنا بدءاً من الرضوخ للاملاءات السياسية وانتهاء بفتح أراضينا للقواعد الأمريكية؟! والأغرب أن نضع المسألتين موضع المقايضة . فما هو وجه التعارض بين انتهاج سياسة وطنية وبين تبنى سياسة ديموقراطية . وهل الدكتاتورية شرط لمكافحة الامبريالية ، وهل ركود الحياة السياسية وضعف المشاركة السياسية والتلكؤ فى خطوات الاصلاح السياسى هو الطريق للحفاظ على السيادة الوطنية ؟ بالطبع لا .. والدليل هو احتلال العراق وانكسار شئ كان اسمه الأمن القومى العربى .. وكانت النتيجة ان الالمان لم يتورعوا أن يقولوا لنا – نيابة عن الأوربيين – "كفوا عن انتظار تدخل الآخرين للوساطة لحل مشاكلكم"!! فمتى نفيق ؟
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
! الاقتصاد غير السياسى
-
! لكن البعض لا يحبون شرم الشيخ..
-
بيان شرم الشيخ.. الآخر
-
أبو عمار: حاصروه فى الجغرافيا .. فحاصرهم فى التاريخ
-
!الفنادق وشركات الطيران.. الرابح الوحيد في مؤتمر شرم الشيخ
-
نصــف أمـــريكا.. الآخــــر
-
شامبليون ونظريات محمود سعد وفاروق الفيشاوى
-
لماذا تخون الصحافة تقاليدها؟
-
!تكريم وزير .. تحت الكوبرى
-
العم - ســام - .. والخالة - ســـاميـة -
-
مـدافـع رمضان .. ومدافع بوش وشـارون
-
ثلاثية الأوهام فى - رأس الشيطان -
-
ساويرس .. الآخر !
-
هل يتطوع العرب لإنقاذ رقبة بوش فى العراق؟!
-
الوطنى- وضع قدمه السياسية فى الجبس وقرر السير على ساق واحدة
-
التليفـزيون المصرى رسـب فى امتحان الحـزب الــوطنـى
-
!الحثالة السياسية
-
الوصاية الأمريكية على الدنيا .. والدين !
-
!سيادة الوطن .. واستعمار المواطن
-
- كولن باول - منافـق .. لكننا لسـنا ملائكـة
المزيد.....
-
مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا
...
-
مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب
...
-
الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن
...
-
بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما
...
-
على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم
...
-
فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
-
بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت
...
-
المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري
...
-
سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في
...
-
خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|