|
الأوهام المشتركة أو الموزعة
ابراهيم فيلالي
الحوار المتمدن-العدد: 3495 - 2011 / 9 / 23 - 15:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا يمنح هذا النظام إلا الأوهام و هي المجال الوحيد المتبقي بعدما خوصص كل المؤسسات . ولأن صناعة الأوهام مؤسسة – بل هي من أهم المؤسسات لأنها تضخ باستمرار كميات هائلة من الأوهام هي المحرك الرئيس للمؤسسات الأخرى التي تسهر على تعميمها و توزيعها بشكل عادل على جميع أفراد المجتمع – فالدولة لا تسميهم مواطنين إلا لأنهم متساوون أمام الأوهام و يستفيدون منها بشكل عادل . أما حينما تريد أن تمرر خطابا "جديا" فان هؤلاء المواطنين يتحولون إلى رعايا . وتخرج أنيابها و ينتهي لعب عيال. فما معنى دولة مدنية و ديمقراطية تحترم مواطنيها ؟ و ما معنى انتخابات حرة و نزيهة و شفافة تلتزم فيها الدولة الحياد ؟ و ما معنى مراقبين دوليين يشهدون على مصداقية أو عدم مصداقية الانتخابات ؟ و ما معناها في ظل حكم فردي مطلق أوتوقراطي تيوقراطي ؟و ما معنى دين دولة أو دولة دينية و لغة رسمية وطنية و دولة مدنية ديمقراطية في آن واحد ؟ أن نتحدث عن دولة ديمقراطية قائمة أو مرغوب فيها أو مأمولة فهذا وهم ، لأن الدولة ظاهرة تاريخية و اجتماعية و هي ظاهرة طبقية مرتبطة بمصالح طبقية اجتماعية و ليس بكل المجتمع . هي لا تمثل المجتمع و ليست تصورا تنظيميا ديمقراطيا و ليست قدرا محتوما .فقد عرفت المجتمعات البشرية تصورات أخرى للتنظيم الاجتماعي خارج مفهوم الدولة و بإمكانها ذلك أيضا . إن الدولة ليست مقدسة حتى لا تطرح على جدول أعمال التدمير. فلا يمكن تأسيس دولة ديمقراطية بل يجب تدميرها و تدمير السلطة ، لأن لو افترضنا إمكانية قيام دولة ديمقراطية و هو أمر مستحيل أصلا، فإنها ستحافظ على السلطة و تمارسها بشكل عامودي تنازلي . و المرحلة الانتقالية وهم أيضا لأن التاريخ لا يعرف المراحل الانتقالية بل يعرف القفزات و القطائع . وحين نريد أن نعرقل القطيعة فإننا نمدد الوضع القائم بمكياج المرحلة الانتقالية لترتيب الأوراق كي تستمر الدولة كما هي مع تطوير في تمظهراتها . و تتحول المرحلة الانتقالية إلى مرحلة دائمة . فالثورات الشعبية التي رفعت شعار إسقاط النظام و نجحت في طرد بعض رموزها لم تسقط النظام فعليا ، لم تؤسس على أنقاضه نظاما بديلا بمشروع مجتمعي متكامل و بديل و لم تمس بنية علاقات الإنتاج الرأسمالية و لم تمس الدولة . بل أرادت دمقرطة هذه الدولة و الارتقاء بها من دولة دينية استبدادية إلى دولة مدنية ديمقراطية . و هل يعقل أن يسقط الجيش النظام و هو جزء منه ؟ و هل يمكن أن نتصور جيشا يدمر دولة ؟ هذه أوهام ، لأن الدولة جماعات منظمة و حينما تتأزم المهيمنة منها إلى حد تهديد النظام فان جماعة أخرى تنقض عليها "بتبنيها" مطالب الاحتجاجات كي تحافظ على الدولة و بنية النظام. لا بأس أن تقدم تنازلات معينة كأن تسمح بتفريخ الأحزاب السياسية باسم حرية التعبير . ولكن متى شكل الحزب جوابا ؟ لأن الحزب ثوريا كان أم رجعيا يسعى للوصول إلى السلطة و ليس لتدميرها .يبدأ ثوريا و ينتهي رجعيا . الم ترتكب أحزاب جرائم باسم الثورة ؟ السماح بتعدد الأحزاب باسم الديمقراطية هو إعطاء إمكانيات و تقديم فرص كثيرة للدولة من أجل الاستمرارية . أو لنقل إذا كان الحزب تعبيرا و قوة سياسية مفترض فيها امتلاك مشروع مجتمعي، فهل لدينا أكثر من أربعين مشروعا ؟ و ما هي هذه المشاريع ؟ لا تخرج الأحزاب السياسية من إطار الدولة و المنطق المتحكم فيها .بل يشكل الحزب من اليمين إلى اليسار عنصرا مكملا للمشهد و ضروريا بالنسبة للدولة كي تضفي على نفسها مشروعية سياسية و شعبية . تقول الدولة إن الشعب ممثلا في تعبيراته السياسية يقرر و يوصل صوته من داخل مؤسسات ديمقراطية هو من أنتجها . إذ يعتبر البرلمان الذي يجمع كل الأحزاب القانونية مؤسسة قائمة لإعطاء معنى للديمقراطية. لا يشكل الحزب نقيضا للدولة بل هو جزء منها و قناة مهمة لتصريف الأوهام الإيديولوجية و السياسية . تقول الدولة إن على الأحزاب أن تؤطر المواطنين . فخلقت بذلك قانونا خاصا بها . فلكي يكون التنظيم حزبا يجب أن تتوفر فيه الشروط التي وضعتها الدولة . أن يقبل الاشتغال على أرضية مسبقة أساسها الحفاظ على النظام و مفصلة في فصول و بنود معلنة أو غير معلنة يسمونها "الكتاب الأبيض" ............. هكذا فالحزب مؤسسة فرعية للمؤسسة الأم التي هي الدولة .أكثر من يروج للاستثناء المغربي هي الأحزاب . فأين يتجلى هذا الاستثناء ؟ و ماذا نسمي الخروج إلى الشوارع بعشرات الآلاف ؟ إن الحزب وهم كجميع الأوهام التي تغذي الاستبداد و تتغذى به . لو نجحت الثورة في تغيير طبيعة الملكية و توزيع الثروات بشكل عادل على جميع أفراد المجتمع ، و تدمير السلطة كي لا يعاد إنتاج اللاتكافؤ و القهر ، و توفير شروط عيش كريم للجميع ، أن لا يهان أحد و لا يذل ولا يستغل ولا يبتز ولا يخضع و لا يركع . لو بنت الثورة الإنسان – الفرد و المجتمع – من جديد لانتقل من السياسي إلى الفلسفي ، لانتقل ليركز على الإنسان كقضية و ليس على بناء دولة ديمقراطية غير ممكنة أصلا . لو نجحت الثورة في كل هذا لأصبح من العبث وجود حزب سياسي و لا أي شكل من هذه التنظيمات التي تنتج الوصوليين و الانتهازيين تحت الرعاية السامية للدولة . هذه هي بعض الأوهام التي نرى أننا يجب أن نتحرر منها كي نبني وطنا يتسع للجميع .
#ابراهيم_فيلالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السلطة و الذاكرة
-
لن تمروا ! No Passaran
-
دفاعا عن الطفولة
-
في امسمرير –إقليم تنغير صيدلية فريدة من نوعها
-
الجرح القديم
-
الجماعة القروية لامسمرير – ورزازات-
-
الكتابة كما اراها
-
- المنطق نتاشنوين -
-
زمن القفز و التقليد زمن ماذا إذن ؟
-
المغرب بصيغة الجمع
-
هذا الكلام...او معنى سياسي لمفهوم غير صحيح
-
الفنان و الاشهار
-
يقال ان...ا
-
2001 /سبتمبر11/
-
العشق زين وسط الهموم
-
هذا الطريق ...
-
ثقافة الحوار والاختلاف
-
الإنسان و القضية، الإنسان قضية
-
احنجيف -
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|