|
هل ستعترف صربيا باستقلال كوسوفو؟!
جورج حداد
الحوار المتمدن-العدد: 3494 - 2011 / 9 / 22 - 20:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إعداد: جورج حداد*
يقول بعض المعلقين ان الثمن الذي ستدفعه صربيا لاجل الانضمام الى الاتحاد الاوروبي سيكون باهظا جدا. وفي الفترة الاخيرة يبعث نحو بلغراد سيل من الرسائل التي تقول ان مكانها الطبيعي ينبغي ان يكون في الاتحاد الاوروبي. اذ ان اميركا ومختلف الدول الاعضاء في الحلف الاطلسي تخشى بشدة التقارب المحتمل بين روسيا وصربيا. وحسب بعض الاستطلاعات فإن اكثر من 80% من المواطنين الصربيين يؤيدون انضمام بلادهم الى الاتحاد الاوروبي. ولكن يوجد الكثير من الاراء المواربة التي يعبر عنها قادة العديد من الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي والمؤسسات الاوروبية المشتركة بأنه ينبغي اولا على بلغراد الرسمية ان تسوي "الموضوع الساخن" المتعلق بمسألة كوسوفو. وكان نائب الرئيس الاميركي جو بايدن قد فجر اول "قنبلة" حول هذه المسألة حينما قام سنة 2009 بزيارة ليوم واحد الى العاصمة الصربية. وقد قابل حينها الشارع الصربي تصريحات بايدن بصمت يشبه صمت القبور بفعل التدابير الامنية المشددة جدا. ولكن هذا لم يمنعه من التحذير بأنه عاجلا ام آجلا فإن بلغراد وبريشتينا ينغي ان تجلسا الى طاولة المفاوضات. وبدا حينذاك وكأن كلماته لم تؤخذ على محمل الجد في المقر الرئاسي الصربي. كما ان وزير الخارجية الصربي فوك ييريميتش قام على اثر ذلك بجولة عالمية واسعة زار خلالها معظم الدول الاعضاء في المنظمة السابقة لدول عدم الانحياز، للحصول على دعمها في الجمعية العامة للامم المتحدة لدى التصويت على مشروع القرار الخاص باستقلال كوسوفو الذي تقدمت به صربيا. وحينذاك لم تتورع واشنطن عن تحذير صربيا من العواقب، فأذعنت الاخيرة وتخلت عن مشروع القرار. ومرت بعد ذلك سنة من الهدوء النسبي. كانت تندلع بعض شرارات التوتر الاتني في المحافظات الصربية الاربع في شمال كوسوفو، ولكنه كانت تتم السيطرة على الامور ويعود الهدوء النسبي من جديد. وكانت صربيا راضية وتكرر لفظيا تأكيد موقفها "ان صربيا لن تعترف ابدا بكوسوفو". وكانت السلطة الصربية ترتاح الى هذا التأكيد اللفظي وتكتفي به. واستمر هذا الوضع حتى نهاية السنة الماضية. واخيرا فإن بروكسل قد تبرمت من تأييد الالبانيين، ومن تمويل النفقات العالية لمؤسستي حفظ السلام غير الفاعلتين بشخص قوات "كفور" و"ويليكس". وقررت ان تتصرف بشكل مختلف. كما ان بريشتينا تحركت ايضا وقررت اتخاذ تدابير جدية من شأنها تدعيم سلطتها في المحافظات الواقعة شمال نهر ايبير، اي المحافظات الصربية. وحينذاك اضطرت كل من بريشتينا وبلغراد، وان مكرهتين، للجلوس الى طاولة المفاوضات برعاية الاتحاد الاوروبي. ووقف رئيسا وفدي المفاوضات ايديتا طاهري من الجانب الكوسوفي، وبوريسلاف ستيفانوفيتش من الجانب الصربي، ـ وقفا امام كاميرات الصحافة لالتقاط الصور التذكارية مبتسمين، لاعطاء الانطباع بأنهما توصلا الى التفاهم حول المسائل التي تم بحثها والتي هي غير ذات اهمية فعلية، ولكن كلا الطرفين كررا تأكيداتهما السابقة، بأن كوسوفو هي مستقلة، وبأن صربيا لن تعترف بكوسوفو. ووقفت المفاوضات في زقاق مسدود. وفي اواخر تموز من هذه السنة عمدت حكومة كوسوفو من طرف واحد الى منع استيراد السلع من صربيا واقامت نقاط تفتيش بوليسية في النقاط الحدودية (التي تسميها صربيا: ادارية) في الشمال، وبقيت مئات الكميونات التي تحمل سلعا غذائية وغير غذائية محجوزة على الحدود لفترة طويلة، ولم يسمح لاغلبها باجتياز الحود الكوسوفية. واستمرت الامور على هذه الحال حتى الشهر الماضي. ولكن بعض المراقبين شبه الوضع بأنه ليس اكثر من عاصفة في فنجان... الا ان المستشارة الالمانية انجيلا ميركيل، وخلال زيارتها الاخيرة الى بلغراد، صرحت بوضوح انه آن الاوان لبريشتينا وبلغراد ان تجريا حوارا بناءا. والا فإن وضع صربيا الحالي كعضو مرشح، وموعد انتسابها النهائي الى عضوية الاتحاد الاوروبي سيذهب ادراج الرياح. اما الكوسوفيون فلا يحتاجون الى الكثير من التحفيز، لانه بدون المساعدات المالية الاوروبية فإن كوسوفو لا يمكنها ان تعيش اكثر من اسبوع. وفي الاسبوع الماضي وخلال انعقاد ندوة في بلغراد تحت عنوان "صربيا ـ الاتحاد الاوروبي"، فإن رئيس المجلس الاوروبي هيرمان فان رومبوي اوضح من جديد: "ان مكان صربيا هو في الاتحاد الاوروبي، ولكن كل شيء يتعلق بتقدم المفاوضات مع بريشتينا"... ولم يبق امام وزير خارجية صربيا فوك ييريميتش الا ان يعلن: "ينبغي ان نكون منتبهين جدا، حينما نحدد بدقة متى يمكننا ان نتلقى تاريخ بداية المفاوضات". ويبدو ان العضوية الكاملة في الاتحاد سيتم تأجيلها الى اجل غير منظور. فماذا تبقى للصربيين؟ في الواقع تبقى لهم هامش صغير جدا للمناورة. فاذا ارادوا الانضمام الى الاتحاد الاوروبي، عليهم ان يستعدوا لمواجهة اكبر كابوس بالنسبة لهم: كوسوفو؛ وان يوافقوا على اتخاذ خطوات بناءة فعلية وتنازلات لصالح الكوسوفيين. واما اذا رفضوا هذا الخيار، فإن موسكو وحدها هي التي يمكن ان تستقبلهم بأذرع مفتوحة. ولكن موسكو لم تعد منذ وقت غير قصير تؤمن بالدموع فقط... كما ان الكرواتيين لن يسامحوهم، اذا بدأت بلغراد عملية المباحثات لاجل الانضمام الى الاتحاد الاوروبي. اي بكلمات اخرى، اذا كانت بلغراد ستتفاهم مع بريشتينا لاجل الاتحاد الاوروبي، فدعوا زغرب وشأنها في بروكسل. كما انه من المستحيل ان تراود بعضهم في بلغراد الاوهام انه يمكن الانضمام الى الاتحاد الاوروبي، قبل الانضمام اولا الى حلف الناتو، الذي سبق وشن الحرب المدمرة على يوغوسلافيا سنة 1999. وفي نهاية الاسبوع الماضي اختتمت في بلغراد ندوة "صربيا ـ الاتحاد الاوروبي"، التي دامت ليومين. وكانت الندوة مكرسة لبحث اقتراب موعد انضمام صربيا الى الاتحاد الاوروبي، بالاضافة الى الدول الاخرى في اقليم البلقان الغربي. وفي كلمته الافتتاحية في الندوة، فإن الرئيس الصربي بوريس تاديتش اعلن مرة اخرى بمنتهى الوضوح ان الهدف الستراتيجي لصربيا هو الانضمام الى الاتحاد الاوروبي. وفي نهاية الندوة وجه بعض الصحفيين سؤالا الى وزير الخارجية فوك ييريميتش: متى يتوقع ان تبدأ مباحثات الانضمام الى الاتحاد، فأجاب انه ينبغي ان نكون حذرين جدا في هذه المسألة، ولهذا ينبغي ان لا نشفل انفسنا بتخمين تحديد المواعيد. وفي كل الاحوال فإن هذا الهدف الستراتيجي لبلغراد لن يتحقق من الان حتى نهاية هذه السنة. وفي الوقت ذاته نشرت الجريدة الصربية "فيتشيرني نوفوستي" تعليقا بعنوان "رئيس وزاء كوسوفو هاشم تاجي يلعب بالنار"، جاء فيه انه حينما قام هاشم تاجي بارسال قوات الشرطة والجمارك الى النقاط الحدودية في "ياريني" و"بيرنياك"، فإن من شأن ذلك ان يستثير مصادمات ومنازعات جديدة في شمال كوسوفو. وبحسب رأي نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الصربي إيفيتسا داتشيتش، فإن بعض البلدان الغربية لم تفهم بعد ان الاجراءات والعمليات من طرف واحد التي تقوم بها السلطات الكوسوفية يمكن ان تشعل نار المصادمات التي يمكن ان لا تقتصر على كوسوفو وان تمتد الى مناطق اوسع. ـــــــــــــــــــــــــــــ *كاتب لبنان مستقل
#جورج_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اميركا المفلسة تسرق العالم كله عن طريق طباعة الدولار الرخيص
-
الحرية للمفكر الاسلامي الثوري المصري مصطفى حامد المعتقل في ا
...
-
القفزة الجديدة لصناعة التسلح الروسية
-
اميركا تتخبط في مستنقع الازمة
-
تعمق الازمة الاقتصادية العالمية
-
اوباما يواصل نشر الدرع الصاروخية باسم الناتو وبلغاريا تنضم ل
...
-
الامبريالية والصهيونية تحضّران لحروب الابادة الجماعية الجيني
...
-
-الفوضى البناءة- الاميركية في البلقان: مرحلة التركيب الجديد
...
-
الامبريالية الاميركية و-الارهاب-
-
جرثومة رأسمالية (اميركية؟) جديدة تضرب موسما زراعيا آخر في او
...
-
الديماغوجية والمأزق الذاتي للبراغماتية الاميركية
-
شبح -الباشبوزوك العثماني- و-الفوضى البناءة- الاميركية يجول م
...
-
اميركا دولة استعمار ذاتي (ATOCOLONIALISM)
-
حركة التحرير العربية: سيرورة التحول وتحدي العالمية
-
الوجه البشع لاميركا
-
الازمة الاقتصادية العالمية والظلال القاتمة للحرب الباردة
-
اليوضاسية
-
-الدبلوماسية السرية- ...في العمل
-
الكارثة اليابانية: أبعد من حدث بيئوي
-
الصين الشعبية تحضر للرد بضربة عسكرية كاسحة للولايات المتحدة
...
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|