جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3494 - 2011 / 9 / 22 - 12:23
المحور:
حقوق الانسان
أنا على هذا الدرس اليومي منذ شهرين وأكثر, وأشعرُ في بعض الأوقات أنني أدمنتُ على البكاء كما يدمن بعض الناس على المخدرات والحشيشة, فأنا أزيل همي وحزني وغمي من خلال رياضة البكاء التي أدمنتُ عليها...وأحيانا أبدأ درس البكاء صباحا وأحيانا أبدأ به مساء وأحيانا درسين متتابعين واحدْ صباحي والآخر مسائي على نفس الوتيرة والشاكلة ويبدو أن أحزاني ستدوم ما دمتُ مسلما, وستلاحظون بأن الذي يعتقده الناس سعادة لي أعتبره أنا تعاسة ومصدرا وسببا للبكاء.
أنا مللت من هذه الحياة التي كلها أكل وشرب ونوم,حين نغط في النوم بعد وجبة ثقيلة أو خفيفة وحين نصحوا أيضا على أصوات الصحون وكاسات الشاي وفناجين القهوة وكل ما نفعله طوال النهار عبارة عن أكل وشرب ونوم وأنا أصبحتُ مريضا نفسيا من كثر الأكل والشرب ..أنا زهقت من هذا الروتين وبدي حياة فيها مشاركة فكرية وعاطفية ما بدي أجتمع مع أهلي فقط على الطعام والشراب وبعد هيك كل واحد يروح في حال سبيله أنا أريد طعاما لقلبي ولروحي ولا أحد ينتبه إلى هذه المسألة وحين أتحدث عن أشياء كثيرة تنقصني فورا يصبح الحديث عن الأرز والدجاج واللحم والعسل ولا أحد يتلفظ أمامي بالحب وبالرومانسية وبالحرية وبالمساواة..وكنت صباح اليوم أجلسُ بصحبة أولادي وأمي ما عدى زوجتي التي تقضي نصف يومها في المطبخ وربع يومها الآخر في تعليم الأولاد على واجباتهم المدرسية والربع الأخير من النهار أمام التلفاز..وفجأة اغرورقت عينيا بالدموع فقالت أمي آسفةً ومتأسفةً على بكائي(شو مالك؟ مش مفطر؟ أو بايت بلا عشا؟ما فيش سبب يخليك تبكي..كلشي عندك موجود وما شاء الله عندك مره طباخة عالمية وما فيش زيها في كل الحارة...شو ناقصك؟) فقلت بيني وبين نفسي دون أن يسمعني أحد:شو ناقصني!! أي كلشي ناقصني؟ أين وسادتي الناعمة؟؟ وأين عيون نانا الناعسة؟؟؟وأين أسلحتي العاطفية الثقيلة؟؟ومن أجل من باعتني حبيبتي الغالية؟؟هل باعتني من أجل حثالة؟.. فعلا طباخه عالمية وأنا لا أنكر ذلك وخصوصا في صناعة الحلويات حتى أصبح كرشي في الآونة الأخيرة متدليا كأنني امرأة حامل في الشهر التاسع وقد لاحظتُ على زوجتي بأنه كلما نقص وزني كلما أكثرت من صناعة الحلويات... ومن ثم جاءت زوجتي وقد أحست على صوت بكائي وصراخ أمي بعد أن ارتفع صوت البكاء عالياً تاركةً ً عملها في المطبخ وقالت بصوت عالي: (شو ناقص عليك؟ عشا عشيتك ...أنا مش امقصره معك , والفطور هسع بصير جاهز كمان اشوي..وكل يوم بطبخ وكل يوم بكنس الدار على مكنسة الكهربه وطوال النهار وأنا أحط بالأكل وأقيم بالأكل ليك ولأولادك بس يرجعوا من المدرسة ..وكل شي بيجيبلك إياه لعندك..والبارح عملتلك سدر كبير من الكنافة واليوم كمان عملت كمان سدر كنافه, والمقدوس اللي بتحبه عندنا منه برميلين, وقهوه نازله عن الغاز وقهوه طالعه على الغاز.. ومن ناحية الشغل ما فيش عندك لا شغله ولا مشغله وقاعد على قهوتك ودلالك...مثل شيخ العرب....فلويش تبكي؟) فقلت في داخلي دون أن تسمعني(أصلا هذا هو اللي مزعجني أنا لا أريد لا طباخة ولا غسالة ولا جلايه أنا أريد طبيخا من الحنان والحب والعاطفة...أنا أريد أن أمارس العاطفة والرومانسية وأنت تمارسين العاطفة مع البندورة .
.. وازداد بكائي أكثر وهذه المرة بالصوت العالي ونهضت من مكاني وذهبت إلى غرفة المكتبة وتناولت مجموعة قصصية من جزأين بعنوان (النوافذ المرحة) و(أقربائي الأعزاء) التي ترجمها صديقي المرحوم: قاسم طشطوش من اللغة الألمانية... وبدأت أقرأ فيها حتى نسيت البكاء والأنين من شدة ما ضحكت على أسلوب الكاتب أو المترجم ,ولكن لم تمضِ نصف ساعةٍ على القراءة حتى عدت لأبكي مجددا وكانت هذه المرة نوبة البكاء بصوت منخفض على الصامت فلاحظت أختي بكائي, التي جاءت لزيارتنا المعتاد عليها يوميا أو في أغلب أيام الأسبوع لقرب بيتها من بيتنا فنظرتْ في وجهي وجلست إلى جواري وقالت:- مستهجنة بكائي- (شو مالك!!شو ناقصك؟؟؟ أنت جهاد القوي المرح الدائم الضحك والابتسام ليش تبكي مثل النسوان؟ كلشي عندك ومرتك طباخة عالمية والله في كل الحارة ما فيش وحده مثلها في شغل البيت والطبخ والنفخ) فابتسمت ابتسامة كلها محشوة بالسخافة ونظرت في وجهها وقلت لها كلمة واحده(فلاحين) انتوا فلاحين,وبيني وبين نفسي قلت:ما هو أصلا هذا هو الذي يجعلني أبكي لأنها طباخة عالمية, وكلمة أو جملة (كلشي عندي) هذه هي التي تجعلني أصدحُ بالبكاء شو الحياة عندكوا بس أكل وشرب ونوم ؟؟فقمت من مكاني وذهبت إلى الحمام الخاص بغرفة نومي فأخذت حماما سريعا ثم خرجت من الحمام وارتديت ملابس فضفاضة وجلست على طرف السرير وجاءت زوجتي لتشاركني الجلسة بعد أن طلبت منها ذلك خمس أو ست مرات فبدأت معها بالحديث عن المسيح الذي لم يره أحدٌ يضحك ورآه الكثيرون يبكي...ومن ثم عن إبن سينا الشيخ الرئيس وتلميذه والفرق بين الذي يفكر بمنطق علمي وبين الذي يفكر بمنطق ديني فتنهدت تنهيدة طويلة معلنة انزعاجها من الحديث الذي أعتبره أنا شيقاً وقامت دون استئذان فقلت لها: شو وين؟ فقالت : الطبيخ تركته على الغاز على شان أسمع شيء مهم وبصراحة كلامك مش مهم ولا يساوي أي شيء ...وناديتُ على ابنتي وأنا أعتصر بدموعي عصرا "برديس" كونها مطيعة لي ولأمها ولأمي أكثر من أخوها "علي" علما أن أمي وزوجتي يعاملونها معاملة أقل من معاملة علي في كل شيء كونها بنت وعلي ولد...إلخ.. وأرسلتها إلى السوبر ماركت لتشتري لي باكيت دخان بعد فترة انقطاعٍ عن التدخين لأكثر من سنة ونصف, ووضعت يدي على خدي ثم تمددتُ على السرير وأنا أنفث غبار السجائر في الهواء وعدت لأبكي مرة أخرى وأثناء البكاء سمعت صوت الباب وهو يفتح وكان أخي الوحيد وسمعتُ أمي وهي تقولُ له(فوت شوف أخوك ماله) فقال (أكل اليوم؟ شرب إشي؟؟ بلكي الطبيخ مش عاجبه؟) فدخل غرفة نومي بعد أن طرق الباب مستأذناّ مني الدخول وكأنني هارون الرشيد فجلس على طرف السرير وقال لي واعظا ومرشدا علما أنه بحاجة إلى 100 واعظ ومرشد نفسي لكي يمشي بالشكل الصحيح والمهم أنه لعب معي هذه المرة دور مُربي الأجيال وقال:(ليش..ابتبكي مثل النسوان... أنت رجل وكلشي عندك تلفزيون ستلايت كمبيوتر انترنت ومرتك أحسن امرأة في الحارة طباخة عالمية...شو غداك اليوم؟) وقبل أن يكمل كلماته عدتُ للبكاء مرة أخرى وبصوت مسموع فقال لي(يا زلمه إذا ألغدا مش عاجنك تعال واتغدى عندي ...والإسلام موجود وفي الإسلام معظم الحلول لمشاكلنا, روح قوم توضأ وصلي ركعتين لله وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم) فقلت له يا رجل كل ما ذكرته هو أصلا سبب تعاستي أولا أنا فعلا على قهوتي قاعد مثل شيخ العرب بدون شغل وهذا لوحده وبحد ذاته بالنسبة لي كإنسان مؤلم جدا أنا مثل العجل أو الثور أو أي حيوان مربوط في شجرة يحوم حولها وعبارة عن أكل شرب نام.. والإسلام سبب تعاستي وهو الذي يحرض المخابرات الأردنية على توجيه الإساءة للمثقفين فيسيئون للمثقفين وهم يعتقدون بأنهم يحسنون صنعا أو بأنهم يقومون بالجهاد وسيدخلهم الله الجنة وستعلو منزلتهم عند ألله كلما ازدادوا في الإساءة لي ولغيري من المتنورين, ثم لماذا لا تنظرون للمرأة إلا نظرة جنسية أو للطبيخ فقط لا غير لماذا لا تتمنون الرومانسية لي , فقال بأعصاب متوترة(هيك الله خلق المرأة خلقها للجنس وللطبيخ )فنهضت من على السرير وذهبت لأجلس أمام الكمبيوتر وبكبسة واحدة أصبحت على الياهو فنظرت في كل الرسائل التي تصلني فلم أجد الرسالة التي أنا في انتظارها منذ عامين فعدت لأبكي مرة أخرى, وأثناء بكائي دخلت زوجة عمي وجلست إلى جانبي وقالت لي (شو مالك ليش بتعيط كلشي عندك..ومرتك أشطر طباخه بالحاره وأحسن وحده بالغسيل وكل الناس حاسدينك عليها وما شاء ألله عليها أدب وأخلاق وحشمه...وما شاء ألله عليك كاتب ومشهور وكل الناس ابتعرفك؟ فتركتها تتحدث بإسهاب وواصلت عملي على الحاسوب وبكبسة أخرى أصبحت على الفيس بوك وبكبسة أخرى أصبحت في الحوار المتمدن ومن كثرة الدموع أو من شدة غزارتها لم أعد أرى أمامي لا الصور ولا الكلمات فأغلقت الحاسوب وخرجت إلى باحة المنزل الواسعة جدا حيث تحيط بي أشجار الزيتون من كل الاتجاهات وتوقفت عن البكاء لعدة دقائق ومن ثم عاودت البكاء مرة أخرى فلحق بي كل أهل الدار بما فيهم أمي وزوجتي وأجبروني على تناول ثلاث حبات مهدأة للأعصاب وجاء زوج أختي وقال لي (يا زلمه أنا والله دائما بحسدك على عيشتك وبقول ما فيش حدى مثل أبو علي دائما بضحك ودائما طربان ولا بسأل عن أي حدى ولا كمان في إشي يأسف عليه وعندك مره ما شاء الله عليها قائمة بواجبها تجاهك واليوم إحنا معزومين عندك على ألغدا فلازم إتقوم وتستقبلنا , فاستمعت إلى نصحه واستمعت لإرشاداته ودخلت إلى داخل البيت وجلست مع الضيوف كأن شيئا لم يحدث ولكن بقيت صامتا حتى لم أتكلم مع أي إنسٍ منهم وعادت عيوني من جديد تسيلُ منها الدمعات على الصامت فقالوا لي (يا رجل مالك عندك دار ملك والملك لله ومساحتها قد مساحة ثلاث شقق من الشققِ الحديثة وعندك مره ما شاء الله عليها طباخة عالمية..وإذا الطبيخ مش عاجنك احكي وقول.. وعندك أولاد ما شاء ألله عليهم وكلشي متوفر عندك ويوميا تكتب مقالا وسمعتك وين ما انروح نجدها أمام عيوننا فشو مالك؟!!), فتحدثت معهم في كثير من الأمور وشربنا الشاي والبيبسي وتناولنا الغداء ..وقلت فعلا أنا لويش مغلب حالي خلص الحياة مش أفكار وفلسفات وهموم عاطفية الحياة بس أكل وشرب ونوم , ومن ثم الأكل والشرب والنوم كله فيه فلسفات...ومن ثم ذهب كل حيٍ إلى سبيله ودخلت الدار وزوجتي في المطبخ تغسل بالصحون وبالأطباق وأنا متمدد على سريري ..ومن ثم جاء الليل فأكلت وجبة عشاء وشربت معها الشاي وأشعلت سيجارة وأطفأتها ونمتُ حتى صباح اليوم التالي, حيث استيقظتُ مبكرا جدا لأبكي على ما فات من عمري وعلى الآتي.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟