|
مقدمة في نقد تأويل التأويل / جزء 1
غالب محسن
الحوار المتمدن-العدد: 3493 - 2011 / 9 / 21 - 23:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 21
أرض النعم والخراب
ألم ترى موطن النبيين * والأولياء الصالحين * يزهو كالجنة في النهرين * يُحلَّقُ بين النخل والرياحين * كأنه النور والرنين * فكان في أحسن تكوين * على طول السنين * ذلك البلد الأمين * فسبحان ربي العظيم * خالق السماوات والأرضين * وهاجت الجن والشياطين * في أرض السواد والطين * فكانت من المغضوب عليهم والضالين * منذ ذلك الحين * الى يوم الدين *.
كلمة ، فكرة ، أرادة وعمل
التأمل هو نبع الفعل الجميل ، أنه البداية ، من غير نهاية . التأمل ليس له حدود أو متطلبات سوى عقلٍ مفتوح ، ليس في سبات ، تتعانق في رحابه الكلمات ، تتماحك ، تشكل فكرة و لوحات . التأمل كالقطرة التي تصبح أنهاراً ، متدفقة ، وبحيرات ، تمنح لمن في احشائها وحواليها ، الحيوات . تصبح الفكرة فعلاً نبيلاً لما هو آت . الفعل القبيح ليس له نبعاً ، أنه تدفق معكوس . الفعل القبيح هو البدايات والنهايات .
لكنني مستلهماً تاريخنا العربي والأسلامي ، والحاضر امتداداً ، لا ترى هذه الصيرورة ولا حتى في الأفكار حسنة النية حيث تتوقف ها هنا وتبقي كأنها أهواء وتصورات وبالتالي هي والأوهام أخوات . وأن شئت المضي قدماً ، فأنها تدفع ، في معظم الأحيان ، بقصد أم بغيره ، نحو العنف رغم نبل البدايات . أفكارنا عن أفكار الآخر هي الأخرى من المعطوبات ، فأن لم تتطابق تلك مع قوالبنا الموروثات ، نعيد صياغتها كليشات ، لتتناسب مع الهوى هوايات ، في حلقات جديدات ، مفرغا ت ، في مسلسل الأوهام والمرارات .
بكلمات أخرى نحن لا نكتفي بتحويل كلماتنا الى هوى وتصورات بل وما يأتينا من الآخر أيضاً . أما المخالف منًا ، فولعنا به أشد من الغريب . فهذا الشيخ البدري يزعم أن المفكر الأسلامي سيد القمني أشد خطراً على ديننا الحنيف من سلمان رشدي ، لأن الأول منّا ، وهو يخفي بالطبع أن هذا يعرف أسرارنا ، وبلاوينا . هكذا كان الحلاج أشد خطراً " علينا " من غاليلو غاليلي. المواجهة ، كالعادة ، غير منصفة ، ليست بين فكر وفكر بل بين ثوابت الأمة وفكر غريب ، بين الأيمان والكفر ، بين الخير والشر . المعادلة بسيطة وقاطعة : لا مكان للحوار ، بل أسوار ، قتال فيه للكُفّار ، الشهادة أو الأنتصار ، في أوربا أم في قندهار.
الماضي المقدس ، مرة أخرى
لماذا الألحاح على الماضي ؟ أذكروا محاسن موتاكم ! أليس هذا قول فيه الكثير من التسامح والرحمة والعفو والمغفرة ؟ هذا صحيح ، لكن ليس فيه حكمة . فمحاسبة الأموات لا تقل أهمية عن محاسبة الأحياء والا لما خشي المؤمنون الحساب بعد الممات . وفي التأريخ لا تسقط الأحداث بالتقادم كما هو الحال في القضاء ، بل تزهو أو تخبو . والبحث في التأريخ ليس نبشاً ، بمعناه السلبي ، كما يوحى ، حيث قد يسعى البعض الى الأساءة المتعمدة وليس بغرض البحث المعرفي . لكنه نبش ضروري على أية حال . أننا لم نتعلم من تأريخنا ألا ما اراده الحُكّام لنا وهو ليس كل تأريخهم كما قال أبن خلدون ( وقبله قالها هوميروس على لسان ملك ملوك الأغريق أغاممنون في ألاياذة) وكأنه يقصد فقط ذلك الجزء من تأريخهم الملئ بصور الأنتصارات والأمجاد ، هكذا ، منذ ما يعرف بحروب الردة وحتى حروب الخليج .
لقد آن الأوان ، من زمان ، أن نعرف ما نريده نحن من هذا التأريخ حتى وأن كان فيه الكثير من الظلام . وخير سبيل في ذلك ، ربما ، هو أشعال شمعة المعرفة بيد الآخر . فالخطر أننا قد نقع في حب ذواتنا ( الجزء الناصع من تأريخنا وأن كان متواضعاً ) كما وقع نرسيس في حب ذاته ، بل يكون مصيرنا كما كان مصيره ، الغرق . معرفة تأريخنا عبر الآخر قد تبدو فكرة " عصرية " لكن القبول بها تعني معرفة الآخر معرفة عميقة وصادقة ، لا سطحية وكاذبة كما هي عليه الآن ، فالآخر ، عندنا ، ليس غير المخالف . أن تعرف ماضيك يعني أن تعرف حاضرك والمستقبل يصبح ملك يديك !
أن الألحاح في ذكر محاسن الأموات قد يقود مع مرور الزمن ، وتدريجياً ، الى المبالغة في هذه المحاسن بل والى تحول هؤلاء الى قديسين وهم ليسوا بذلك . غير أن العكس صحيح أيضاً .
الحق في الأيمان
هناك الكثير مما لا نراه و لا نسمعه ومع ذلك نؤمن به بيسر كما لو كان " شيئاً " خالصاً . بعضه يمكن لنا التحقق منه بالأدلة الحسية البسيطة وبعضه بالتأمل العقلي . الأول أيمان بديهي ، للجاهل كما للعالِم ، لا نفكر به ، تلقائي ، نمارسه منذ الولادة (وأن شئتم حتى قبلها) كالخوف ، الحب ، الفرح ، الجوع ، الألم وغيرها فهذه وأن كانت غير مرئية فهي " محسوسة " على أية حال وبذلك فهي لا تحتاج الى أثبات عقلي و لا الى عراك الأيادي أو سفك دماء ، وأن أختلفت الأجناس والأفكار والأزمان ( دون التعمق في تفسيرها ) .
الثاني ، أو الأدراك العقلي ، لا يختلف في الجوهر عن الأولى وان كانت في ظاهرها غير ذلك . لكنها ، أختلافاً عن الأولى ، تتطلب ممارسة وأستخدام للعقل أعمق وبجدّية ، وتراكم خبرة معرفية . هذه هي جوهر فكرة أبن طفيل في مؤلفه الفلسفي " حي بن يقظان " وهي نفسها فكرة المتصوفيين حيث يؤمنون بامكانية أدراك الخالق بالتأمل العقلي والروحي من غير حاجة لوساطة الأنبياء .
لكن هذ الأخير (العقلي) يٌثير الكثير من الجدال ، في البوادي كما في الجبال ، في الكتاب والمقال ، حتى في الخصال ، و الذروة في القتال ، بالأيادي حيناً وبالسيوف الثِقال ، بالتفخيخ والأغتيال ، بكاتم الصوت أم دفناً بالرمال ، لا فرق أن كان من أهل البيت أم من البدو الرحال ، فالكل يهتف بالشهادة حتى المنال ، وأن كان من المحال . والسؤال ، الذي يخطر في البال : كيف يمكن لأكثر الأمور غموضاً في الحال ، أن تحضى بكل هذه السطوة في عقول النسوة والرجال ؟
لكن ما دام العلم المعاصر ، حتى الآن ، لم يقدم أجابة قاطعة عن نشأة الكون والأنسان فأن الأيمان بفاطر السموات والأرض يبقى مشروعاً .
الفقيه الأول
أذا تجوزنا صاحب الرسالة الذي لا يعرف غير الحق فهو " ما ينطق عن الهوى أن هو وحي يوحى " سورة النجم ، وهذه الآية تعرضت لأشد الأجتهادات في التأويل ، فأن أول فقهاء الأسلام لم يتعلموا الفقه في مدرسة و لا حتى في جامع . وليس في ذلك أية غرابة فالفقه الأسلامي ، قبل أنتصار الدعوة ، لم يوجد بعد ، وقد أعتمد هؤلاء " الفقهاء / الصحابة " على قواهم العقلية الذاتية " وأجتهاداتهم " وما في جعبتهم الفكرية المتواضعة في تلك البيئة البدائية ، من الحياة البدوية . بل أن أعلمهم على الأطلاق ، عبد الله بن عباس ( أبن عم الرسول والملقب بحبر الأمة وسيرد ذكره مرات في التأملات اللاحقة ) لم يتسنى له تلقي الفقه من مصدره الأول ، الرسول ، حيث وُلِد في العام الثالث قبل الهجرة . كانت ميزة هؤلاء " الفقهاء " الأساسية أنهم من " الصحابة " أو ، لاحقاً ، أصحاب الصحابة .
كيف أصبح الفقه علماً من لا شئ ؟
ليس في التأويل حكمة
غير أن حكمة خالق الكون تنئ بعيداً عن تأتأة الملالي " وأسئلوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون " أو همهمات " لحكمة لا يعلمها ألا الله " فهذه ماهي ألا تأويلات والحكمة التي تحتاج الى تأويلات ، لأدراكها ، ليست بحكمة دع عنك كونها ألهية . فجوهر الحكمة يكمن في كونها بسيطة ، تدخل العقل والوجدان بيسر من دون عناء أو وساطة . التفسير تصحبه في الأعم حسن النية في الأجتهاد ، بينما التأويل في المفهوم المعاصر مبعثه سياسي – نظامي (من نظام الحكم ) ، براغماتي أن شئتم ، لا يخلو في أغلب الأحيان من القسر والسخرية ايضاً. لذلك ترى التأويل متقلباً بينما التفسير ثابتاً . الحكمة التي تستند على التأويل لا تبدو حكمة ألا لأصحابها وأن كانوا من الصحابة .
كيف صارت الكذبة عندنا حكمة ؟
تأويل التأويل بين التأويل والخديعة
نمو هي الألهة السومرية الأم ، الأولى ، متى صار الرجال قوامون على النساء ؟
يتبع جزء 2
د . غالب محسن
#غالب_محسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الى المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي العراقي مع أطيب التحيات
-
عندما يكون العنف طريقاً للحق / جزء 2
-
عندما يكون العنف طريقاً للحق / جزء 1
-
تأملات في تقييم الحركة الأنصارية / جزء 2
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 16 / تأملات في تقييم الحر
...
-
التيار الديمقراطي بين الأمل وثقل العمل (2)
-
التيار الديمقراطي بين هَم الأمل وثقل العمل (1)
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 13 / من غير وصايا كان الع
...
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 12 صَخبٌ في العقول
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 11
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 10 /الأيمان في الغربة وطن
...
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 9 / الأيمان في الغربة وطن
...
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 8 تبسيط السياسة دون أبتذا
...
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 7 // الرمز الديني بين مطر
...
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 6 // جزء 2 (2)
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 6
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 5 / السياسة بين التأمل وا
...
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 4
-
نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 3
-
الموقف من التأريخ هو المحك / تأملات 2
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|