|
السياسة في نظرية الحق الشعبي
محمد لفته محل
الحوار المتمدن-العدد: 3491 - 2011 / 9 / 19 - 22:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أي نقد للديمقراطية في هذه الفترة بالذات من الثورات العربية سيصنف حتما في خانة السلطة المستبدة التي تسعى للبقاء رغم تآكلها وفسادها، وبأنه ضد إرادة الشعوب التي تسعى للحرية، بعد أن دمج بين الحرية والديمقراطية كأنهما شيء واحد! أو أسمان لموضوع واحد بحيث يصبح رفض احدهما يستدعي رفض كليهما وهذا جزء من لعبة السياسة الديمقراطية في تسويق نفسها تجاه معارضيها باعتبارهم ضد الحرية!(1) وهو ما تقوم عليه أي نظرية سياسية مطلقة أو مقدسة تدّعي حتميتها وإنها نهاية التاريخ، حين تبدأ من نقطة انطلاق مقدسة غير قابلة للنقاش والشك، باسم الرب أو العلم أو الإنسانية بحيث يصبح أي خروج عليها سيكون عدوا ومرتدا وشاذا وكافرا! ويجب محاربته والتصدي له أو حتى قتله لأنه ضد الأمة وإرادة الشعب! وهذه الإستراتيجية التي تقف عليها الديمقراطية لتكفير خصومها وتسقيطهم كما كانت تفعل الأديان السياسية حين كفرت خصومها ومعارضيها لخروجهم عن إرادة الرب! وألغت كل ما قبلها وكل ما بعدها من أديان وفلسفات لأنها نهاية التاريخ! تقوم الديمقراطية التي اسميها أنا (بنظرية الحق الشعبي) على مسلمة إرادة الشعب أو حق الشعب في اختيار سلطاته، فكل شيء خارج هذا الحق باطل غير شرعي، لأنه حق مقدس؟ وهذا ما قامت عليه الأديان السياسية في نظرية الحق الإلهي حين قمعت وأرهبت باسم هذا الحق! لكن باستبدال الله بالشعب في الديمقراطية! فنظرية الحق الإلهي ُتنزل إرادة الله من السماء للأرض، في حين ترفع إرادة الشعب من الأرض إلى السماء في الديمقراطية!، أي استبدلت اسمها من نظرية الحق الإلهي المسماة بالخلافة، إلى نظرية الحق الشعبي المسماة بالديمقراطية! ومثلما كانت إرادة الله في الأنظمة الدينية صناعة سياسية، أصبحت إرادة الشعب في الأنظمة الديمقراطية صناعة سياسية؟ ومثلما كان الحاكم مختار الله على الأرض، أصبح الحاكم مختار الشعب على الأرض! ومثلما كانت المعارضة تكفر لخروجها عن إرادة الله، أصبحت المعارضة الآن ُتكفّر لأنها خرجت عن إرادة الشعب! هذا الحق الافتراضي يمكن السيطرة عليه والتحكم مهما كان متغيرا فوضويا، عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة كالإعلام والدعاية والاتصال والإشاعة المسخرة في خدمة السلطة أكثر من أي وقت مضى، فالمعارضة السياسية وحرية الصحافة كلها تقف عند تخوم الفلك الشعبي وتدور في فلكه المقدس! ومن الطبيعي أن تصل جهات رجعية عبر هذه النظرية مثل حماس في فلسطين، والسلفيين في الكويت، والأحزاب الطائفية في العراق، والإخوان في مصر، والمحافظين الجدد في أمريكا، والنازية سابقا في ألمانيا، وبعض الأحزاب اليمينية والمحافظة في أوربا! وسياسة أمريكا الثابتة تجاه أصدقائها وحلفائها وأعدائها رغم تبدل الوجوه الحاكمة، وحالات الخطف والتعذيب بسجون سرية وبدون توجيه تهمة، والتجسس على المكالمات والانترنيت في أمريكا بالتعاون مع الدول الأوربية التي حدثت بعد أحداث 11 سبتمبر وربما كانت قبلها أيضا، كلها تبرهن ذلك، رغم أن أمريكا وأوربا هي ِقبلة الديمقراطية ومثالها! فكيف بالدول الأخرى؟ إن أكثر الدول المتقدمة ليس لأنها دول ديمقراطية كما يشاع ويسوق لها؟ وإنما هذه الدول متقدمة لأنها دول يحكمها دستور ومؤسسات علمية ومعاهد للدراسات وكفاءات ليس لها علاقة بالديمقراطية، فالصين دولة متقدمة على كثير من الدول الديمقراطية وهي دولة غير ديمقراطية، لقد أصبحت الديمقراطية الديانة السياسية الجديدة التي ُتبشّر بها أمريكا في العالم بالترغيب أو الضغط أو القوة! رغم أنها نظرية يونانية الأصل، وهنا ستكون التجربة العراقية موضوع مقالتي. بدل إرهاب الدولة التقليدي الكلاسيكي في صيغته الدكتاتورية أصبح إرهاب الدولة الجديد الإرهاب المستتر في العراق، إرهاب المسدسات الكاتمة للصوت، والعبوات الاسقة والخطف والاغتيالات والدعاوى القضائية المسيسة التي تمارسها الأحزاب الحاكمة ضد خصومها ومعارضيها دون الاعتراف بهذا الإرهاب طبعا ودون ترك أي دليل يثبت ذلك، لان القضاء جزء من لعبتها أيضا، ولأنها أحزاب ديمقراطية تنبذ العنف وتؤمن بالحوار والمشاركة والتعددية السياسية والتبادل السلمي للسلطة، وتنفي وجود ميليشيات لها بعد أن تغلغلت في الأجهزة الأمنية وتحولت إلى مدنية!؟. هي تعطي حرية الاقتراع والترشح للمعارضة وتسامح الذين يحملون السلاح مقابل الاعتراف بالعملية السياسية والتداول السلمي للسلطة، حتى إذا تخلو عن العنف ودخلوا قفص نظرية الحق الشعبي، لتبدأ لعبة المصالح والمناصب والصفقات السياسية والمساومة بدل الشعارات والمثل والمبادئ، بعيدا عن الاقتراع أو المعارضة الشكلية التي لا تقدم ولا تؤخر سوى الثرثرة والصراخ والاتهامات التي لا تتعدى إلى الفعل، وإلا إرهاب الاغتيال والقضاء كما حدث مع (صالح المطلق) و(ضافر العاني) و (السوداني) ثم تم العفو عنهم بصفقات سياسية وغيرهم، وكما حدث الإرهاب القضائي مع القائمة العراقية حين فازت بالانتخابات وتم حرمانها من حقها في تشكيل حكومة بحجة أنها ليست الكتلة الأكبر عددا! وكثير من المرشحين الذين فازو في الانتخابات تم رفضهم بحجة الاجتثاث أو التزوير أو أي حجة قانونية أخرى! فهذا الحق الشعبي المقدس لا قيمة له عندهم إذا تجاوز الخطوط الحمر أو خرج عن قواعد اللعبة والاتفاقات والمساومات الخفية!، فأمريكا كانت أيضا تصادر هذا الحق باسم خطر الشيوعية رغم الشعبية التي كانت تتمتع بها عند الناس؟ حتى استبطن إرهاب الدولة الجديد من الخارج إلى داخل الفرد في شكل خطوط حمر يعرفها السياسيون الصغار والصحافة وكل من له علاقة بالسياسة، دون القدرة على إثباتها وهكذا تكون اللعبة الخفية بعيدا عن الظاهر من حرية وتعددية ومدنية! وجميع ما يجري في البرلمان في العلن من قوانين وقرارات هو في حقيقته صفقات تمت مسبقا في غرف ألاعبين الكبار ومرجعياتهم الإقليمية، ليجري تمثيل هذه الصفقة في البرلمان بعد حفظُ النص جيدا. أن حرية الانتخاب والترشح وحرية الانترنيت وحرية الطباعة والصحافة والكتب وحرية الاتصال وحرية الإذاعات والقنوات الفضائية وحرية المواطن العراقي في نقد الدولة والتظاهر وحتى شتمها علنا الخ، كلها لا تتعدى إلى الفعل ولا تتجاوز الخطوط الحمر، والعراق صاحب هذه الحرية هو أكثر الدول التي اغتيل فيه الصحفيون والسياسيون والمفتشين العامين من النزاهة حين شكلوا خطر وتجاوز الخطوط الحمر، لهذا لا تستطيع كل هذه الحريات والرقابات أن توقف الفساد الإداري والمالي والأخلاقي، والطائفية السياسية المنعكسة في دوائر الدولة ووزاراتها، أو فضح الأحزاب الكبيرة وتنحيتها من العملية السياسية؟ التي أثبتت السنين طائفيتهم وفسادهم وتبعيتهم لدول إقليمية، بل يقومون بترسيخ طائفيتهم وفسادهم عبر هذه الحرية ذاتها! إذ خصصت قنوات فضائية وإذاعات طائفية وصحف ومنظمات ومؤسسات دينية وحتى مدنية طائفية! حتى أصبحت طائفة الناس تعرف من خلال متابعة هذه القنوات والجهات! وكذلك مواقع الانترنيت و نغمات الهاتف المحمول ومحتويات الفيديو والصور التي فيه تستخدم الهوية الطائفية والتطرف والتحريض الطائفي، حتى أصبحت القناة الفلانية لطائفة ما، والقناة الفلانية للطائفة الأخرى، والصحيفة الفلانية لطائفة ما! وحتى أصبح لهم قاموس سياسي طائفي! مثل التوازن الطائفي، والمكون الفلاني، والواقع الطائفي، الفسيفساء الاجتماعية، وغيرها، وحين فازت القائمة العراقية بالانتخابات ولم تكن قائمة طائفية تم اعتبارها قائمة طائفية في كل وسائل الإعلام حتى صدق الناس ذلك! إنها حرية زائفة موجهة بإرادة سياسية من خلال دعم الاتجاهات الطائفية ماديا ومعنويا، أي أنها حرية طائفية، وخلق واقع وهمي اسمه الواقع الطائفي للشعب العراقي؟ والاستحقاق الانتخابي الذي جاء نتيجة هذا الواقع المُسيس، الذي ما كان له أن يوجد لولا طائفية الأحزاب السياسية وبرامجها التي أوجدته، هذا الواقع الذي كان نظريا في الفكر الديني فقط قبل الاحتلال ولم يتعداه للواقع العملي، وحتى بعد سقوط النظام وغياب السلطة لعام كامل لم تحدث أي حرب طائفية أو تهجير إلا بعد الانتخابات الأولى التي حصرت الناخب بين خيارين لا ثالث لهما إما يختار من معه، أو من عليه، محذرة الناخب من خطر الطائفة الأخرى! في حين تهمش الاتجاهات العلمانية والليبرالية وحتى تصفى جسديا وقانونيا وأخلاقيا إذا شكلت خطر عليها. هذا النجاح الكبير في تحقيق الأحزاب الطائفية أجندتها الإقليمية والشخصية على حساب المصلحة الوطنية، يرجع إلى هشاشة نظرية الحق الشعبي المقدسة التي تتخذ من الحق الشعبي وإرادة الشعب شعارا جذابا افتراضيا لا وجود له في الواقع! لأن إرادة الشعب هي انفعالية أكثر منها عقلانية لهذا يمكن التحكم بها بحسب إرادة السياسيين وليس العكس، والتي قامت بصنعه وطبخه وتسويقه بما يتلاءم مع مصالحها التحتية؟ وأي نقد لها سيكون بقايا الرجعية والدكتاتورية والاستبداد!. ـــــــــــــــ 1ـ الحرية مفهوم أوسع من الديمقراطية، لان الأخيرة قد تكون احد فروع الحرية لكن الحرية ليست شرط الديمقراطية، فالعراق، وروسيا، وباكستان، وإيران دول ديمقراطية لكن ليس فيها حرية.
#محمد_لفته_محل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صورة المرأة الثنائية في المجتمع العربي
-
أربع قصائد سياسية
-
فلسفة الحب الأسطورية في المجتمع العربي
-
أسطورة الشيطان ونظرية المؤامرة
-
التحولات المُعاصرة للمقدس في الغرب
-
التطور العلمي والانتخاب الحضاري
-
غاية الإنسان ؟
-
ملاحظات حول الصراع بين مذهب السلطة ومذهب الانقلاب
-
ما هو الإسلام الحق؟
-
الرغبة والعبادة
-
موقفي من العادات والتقاليد
-
شذرات فكرية
-
ثنائية القبلية والتمدن
-
الكونية في الأديان السياسية؟
-
الاغتراب والنكوص الفكري في المجتمع العربي
-
فلسفة نزار قباني في المرأة والحب والجنس والحرية والتغيير*
-
ثنائية مدح الأنا وذمها
-
العلم وفرضية ألله
-
ألانتماء الديني بين الواقع العملي والواقع ألافتراضي
-
حضر علم الاجتماع الديني في الجامعات العربية!
المزيد.....
-
العثور على مركبة تحمل بقايا بشرية في بحيرة قد يحل لغز قضية ب
...
-
وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان يدخل حيّز التنفيذ وعشرات
...
-
احتفال غريب.. عيد الشكر في شيكاغو.. حديقة حيوانات تحيي الذكر
...
-
طهران تعلن موقفها من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنا
...
-
الجيش اللبناني يدعو المواطنين للتريّث في العودة إلى الجنوب
-
بندقية جديدة للقوات الروسية الخاصة (فيديو)
-
Neuralink المملوكة لماسك تبدأ تجربة جديدة لجهاز دماغي لمرضى
...
-
بيان وزير الدفاع الأمريكي حول وقف إطلاق النار بين إسرائيل ول
...
-
إسرائيل.. إعادة افتتاح مدارس في الجليل الأعلى حتى جنوب صفد
-
روسيا.. نجاح اختبار منظومة للحماية من ضربات الطائرات المسيرة
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|