|
القضاء والقدر
راندا شوقى الحمامصى
الحوار المتمدن-العدد: 3490 - 2011 / 9 / 18 - 01:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تعتبر هذه المسألة من أمهات المسائل الفلسفية المعقدة التي كان لها أكبر الأثر في تقرير مصير كثير من البشر أفراداً كانوا أو مجتمعات. وبقيت تختلف درجة الايمان والاعتقاد بها بين الناس كل حسب دينه ومعتقداته وثقافته ومجتمعه. فهناك من يؤمن بها أشد الايمان وينسب كلما أصابه ويصيبه الى الله أو الى القضاء والقدر، وهناك من يعتقد بها لكنه لا يعرف كيف يقيس مستجداتها ونتائجها، فتختلط عليه الأمور ويحار ولا يجد طريقاً ثابتاً يسلكه، ويبقى يفكر هل هي من عند الله، أم هي من أعمال الإنسان نفسه؟ أم هي من انعكاسات تأثيرات المجتمع عليه؟ والحقيقة أن هذا الموضوع كثيراً ما ناقشه الناس ولم يتوصلوا الى حل نهائي متفق عليه له، فكل واحد يعطي رأياً مختلفا، مما دفع البعض اللجوء الى (الاستخارة) في الكتب الإلهية لعجزه ونفاد حيلته، والتجأ آخرون للمنجمين والعرافين طلباً لمعرفة بعض الحقائق ومستقبل الأمور، وذهب غيرهم الى قراءة الكف والفنجان أو استحضار الأرواح وغيرها من الاستدلالات غير المجدية لاستكشاف المستقبل ودرء أقداره. فهل يمكن فلسفة هذا الموضوع بطريقة علمية جديدة تقنع أكبر عدد من الأطراف؟ وهل يمكن بعد تاريخ الإنسانية الطويل الوقوف على حقيقة هذه المعضلة. ان أصل معنى كلمة القضاء هو الأمر المفروغ منه، أي ضرورة الاقتناع بعدم المحاولة لتغيير نتائج الأمور، فهي نهائية وحكم مقضي به. أما كلمة القدر فهي ما مقدّر للإنسان في الغيب المجهول، وهو يعني أيضاً ان لا يد للإنسان في إيجاده أو تغييره. والكلمتان توضحان عجز الإنسان عن التدخل في بدء وانتهاء هذين الأمرين، وان لهما معنى واحد متقارب.
القضاء المحتوم والقضاء المشروط: ينقسم القضاء أو القدر الى قسمين أو حالتين، الأول القضاء المحتوم، والثاني القضاء المشروط. فالقضاء المحتوم هو الذي لابد منه ولا تغيير ولا تبديل له ولا فرار منه، كولادة الإنسان في هذه الدنيا، وكالنمو والكبر والعجز والنوم والموت، وكذلك المرض والخسارة بنسب متفاوتة وتحت ظروف قاهرة. فقضاء الإنسان المحتوم أن يولد في هذه الدنيا، إن كان ذكراً أم أنثى وهو أمر لا يد له في حدوثه ولا يمكنه منعه، ثم ينمو ويكبر في العمر حتى يصير انسانا كاملا، ويأتيه النعاس وتشتد رغبته في النوم والراحة ويعجز عن البقاء يقظاً، ويمتد به العمر ويمضي وفي نهاية المطاف لابد وان يعجز وتضعف قواه الجسدية ثم يموت ويفنى جسده مهما طال به الزمن. ومهما توخى الإنسان وأخذ حذره من الاصابة بمرض من الأمراض، إلا أنه لابد وأن يمرض خلال سنين عمره، وخاصة عندما يكون صغيراً في أول سنين حياته أو عندما يضعف جسده ويكبر في نهاية عمره، فيشمله العجز ولا يعد يقوى أو يستطيع مقاومة الأمراض أو الوقاية من الاصابة بها، فأجواء الأرض وتربتها لا يمكن أن تتنقى وتخلو من وجود الجراثيم والبكتريا والميكروبات بشكل تام، ولابد من تجمع القمامة والفضلات وتكوّن القاذورات وظهور المخلفات، فمهما اهتمت ربة البيت بتنظيف منزلها واستعانت بغيرها، فلابد من ظهور القمامة التي تفسد تماما مع مرور الوقت في أماكن تجميعها وتصبح منبعاً لتكاثر الجراثيم ومكانا لتولد الميكروبات؛ ومهما اعتنى الإنسان بملابسه ومظهره، فلابد وان تتسخ وتتراكم عليها الأوساخ وتحمل نسبة من الجراثيم؛ ومهما اعتنى الشخص بنظافة غذائه واستعمل وسائل التنظيف والمعقمات، فلابد وان تجد الميكروبات أو الجراثيم سبيلا الى معدته. كما لا يمكن أن يستعد جسد الإنسان تماما ويتهيأ لمقاومة مختلف أنواع الميكروبات والجراثيم والبكتريا، ولابد أن تمر عليه مرحلة أو فترة تضعف فيها قوة جسده أو تتخلخل مركباته الكيمياوية وتتفاوت نسبها الطبيعية فتفسح المجال للاصابة بنوع من الأمراض، خاصة عند صغر سنه وفي طفولته أو في أرذل العمر في سنين عجزه وكبره. كما وان الإنسان مهما تحاشى الخسارة في أعماله وتجارته، فلابد وأن تمر به ظروف قاهرة ويخسر بعض أو كل أمواله، كما يحدث عندما تنزل صاعقة من السماء فتحرق جميع محاصيله الزراعية أو تهطل أمطارا غزيرة فتتلفها، أو يحدث فيضان عارم فيتلف جميع مخازنه؛ فمثل هذه الأمور أو ما شابهها، يعجز الإنسان عن تلافيها أو الوقاية من آثارها التخريبية أو التدميرية. وقد يقول قائل إن مثل هذه الحوادث الطبيعية تعتبر من القضاء المشروط الذي يمكن تلافيه، فلو التجأ الزارع الى شركات التأمين وأمن على محاصيله الزراعية والتاجر على مخازنه التجارية، لكان بالامكان تخلصهما من الخسارة. لكن الحقيقة أنهما سيخسران لا محالة حتى ولو فعلا ذلك، حيث انهما لن يتمكنا من استعادة كامل ما فقداه من وقت وجهد ولا يستطيعا إعادة الزمان الى الوراء، وستبقى هناك خسائر أخرى غير منظورة مثل المصاريف الجانبية والنثريات والجهود المبذولة، وعليهما إذا أرادا الربح مرة ثانية، تكرار المحاولة وخسارة ذات الوقت والجهد وربما أكثر، ومن يدري فقد تكون تلك آخر محاولة لهما أو آخر عملية تجارية في حياتهما ووضعا فيها كامل مدخراتهما وقيمة ممتلكاتهما. أما إذا قلنا أن شركات التأمين ستتكفل بتعويض خسارتهما، وبذلك لن تكون هناك خسارة. ففي هذه الحالة أيضا، لا يمكن القول بانعدام حالة الخسارة ولا وجود لخاسر، بل ان كل ما حصل هو أن الخسارة انتقلت منهما الى شركات التأمين. فالخاسر والخسارة موجودان ولو بنسبة معينة إن كان مع التاجر أو مع كل أو بعض عماله وموظفيه من الذين خسروا بعض أو كل فرص عملهم أو مع شركات التأمين التي تعتمد في عملها وربحها على إجمالي عدد زبائنها وليس فقط على حسن ترتيب بنود شروطها وخبرتها في إحكام إغلاق سبل الخسارة أمامها. فهذا النوع من القضاء المحتوم، يخضع لقوانينه وأحكامه كل ما هو مخلوق ومشهود ومنظور في هذا العالم.
أما القضاء المشروط فهو حالة ثانية من أنواع القضاء ينفع معه الحذر والوقاية والتخطيط والتدبير والتفكير والاستعداد، ومن أمثلته ما يقع من الحوادث الطارئة لكل فرد، مثل القتل أو السرقة أو الإصابة في معركة أو أي حادث عرضي. فالاحتراز والاحتيـاط مع الأقدار المشروطة أمر مثمر ومفيد وله نتائج طيبة، فلو انتبه الإنسان لنفسه وحافظ عليها وابتعد عن الحوادث القاتلة وأسبابها، لطال عمره وعاش كامل سنين حياته حتى يأتيه قدره المحتوم. مثله مثل الشمعة، فإذا وضعتها في مكان مناسب يحفظها من الرياح وأيدي العابثين، تبقى مشتعلة حتى ينتهي فتيلها، أما إذا هبّت عليها ريح أو عبث بها عابث، فستنطفئ حتما حتى ولو كان فتيلها ما زال سالماً. أو كمصباح زيتي، فإن وضع في مكان مناسب بعيداً عن متناول الأطفال والرياح بقي مضيئاً حتى ينتهي زيته ويطفأ. وعلى العكس من ذلك، إذا وضعت هذه الأشياء في مكان غير مناسب وتعرضت الى طارئ، فسوف تنطفئ شعلتها ويذهب نورها. فالحكمة والخبرة والتروي والتفكير تؤتي ثمارها مع القضاء المشروط. ومن الأمور الخطيرة التي تخضع لمفهوم القضاء المشروط، هما القتال والحروب، فالاحتراز واليقظة في مواجهة العدو واستعمال السلاح الجيد الحديث وطرق الوقاية السليمة ودرجة الذكاء وقوة الجسد والتدريب الجيد واختباء الجنود في الخنادق وتبني قادة جيدين لإدارة المعركة من ذوي الخبرة والدراية ووضع الخطط العسكرية المحكمة، كل هذه الأمور وغيرها تقلل من نسبة الإصابات والموت بين الجنود، لأن موضوع الحرب والقتال من الأمور الخاضعة لمبدأ القضاء المشروط، صحيح ان بعض الجنود يصاب ويموت رغم حذره واختبائه، لكن هذه الحالات هي نسبية وتخضع لشدة المعارك وسيرها. فعندما يضطر الجنود للهجوم على أعداءهم، لابد لهم ان يكشفوا أجسادهم وصدورهم، مما يؤدي الى سقوط العديد منهم بين قتيل وجريح، ومع ذلك نرى بينهم من يبقى على قيد الحياة ويتقدم وسط زخات الرصاص ليصل الى خنادق العدو ويحتلها. وعندها تنقلب القياسات بالنسبة للمتخندقين الذين كانوا في مأمن من الموت والقتل، فيخضعون بدورهم لنفس القياسات والشروط. وعند انتهاء المعركة ينسب الناجون نجاتهم الى قدرة الله وحمايته لهم، وان من مات وقتل من زملائهم كان أجله محتوماً وكان لابد من موته في تلك الساعة حتى ولو لم يمت برصاص العدو فسيموت بطريقة ثانية. وهذا اعتقاد خاطئ ساهم في إبادة وإفناء أجيالاً لا حصر لها من الشباب والرجال على مدى التاريخ بدعوى ان ساعة الموت (المشروط) لا راد لها، وأحد الأدلة البسيطة على ذلك، ان نسبة عدد القتلى في الحرب العالمية الأولى أكثر من عددهم في الحرب العالمية الثانية، وما مرد ذلك إلا لتطور الخطط الحربية وتحسين سبل التدريب، رغم تطور الأسلحة وزيادة قدرتها المدمرة. ولقد استغل كثير من القادة والمسؤولين هذا الاعتقاد الخاطئ بين الأمم التي تعتقد بهذا المفهوم القديم وتعتبره نوعا من المعتقدات المسلم بها، للتحكم بمقدرات الشعوب من الذين لا حول لهم ولا قوة للزج بالرجال البسطاء الى ساحات الوغى للمحافظة على مناصب رؤسائهم تحت شعارات زائفة وأغراض شخصية بحتة أو لإيمانهم بنفس هذا المعتقد الخاطئ. من المستحيل علينا أن نحصي أعداد الجنود المساكين الذين ضحوا بحياتهم وسحقتهم الحروب على مر التاريخ نتيجة أيمانهم واعتقادهم الخاطئ ان الموت قتلاً يخضع لمبدأ القضاء المحتوم، وفي الحقيقة هو مبدأ يخضع لمقاييس القضاء المشروط، وكم كان ممكنا التعامل معه والابتعاد عنه وبقاء تلك الآلاف المؤلفة من الشباب والرجال على قيد الحياة، ولنتصور كم كان سيتغير وجه الأرض الى الأفضل لو عاشت تلك الملايين في نعيم وسلام، ولم يقتلوا ويبادوا بدافع التعصب والأحقاد والأفكار الخاطئة التي اكتسبوها في الكليات العسكرية ومدارس تعليم فنون القتال والحرب، وما هو مقدار غفلة الإنسان وجهله وعدم تبصره نتيجة إيمانه بمثل هذه الأفكار المغلوطة، وكم كان دور رجال الفكر والفلسفة قاصراً وعاجزاً عن تنوير أفكار المجتمعات على مدى التاريخ. ان موت البشر وخراب البيوت والديار بسبب الحروب، هو نوع من أنواع الموت المشروط، وذلك لامكانية تفاديه وإيقافه والاحتراز منه، فإن لم يُشعل أوار الحروب وآتونها أصلاً، وتمسك الساسة والقادة بسبل المحبة والسلام وأهدافها ودافعوا عنها، لعاش أولئك الشباب والرجال وتزوجوا وكوّنوا أسراً ولظهر منهم الأطباء والمهندسون والعلماء واستفادت منهم البشرية في مسيرة تقدمها، بل ولتغير وجه الأرض الى الأفضل آلاف المرات.
ومن أنواع الموت المشروط الممكن تفاديه أو الإقلال منه على سبيل المثال لا الحصر، موضوع الموت غرقاً: فلو سقط شخصا في نهر عميق سريع الجريان، فاحتمال موته قائم بنسبة كبيرة، أما إذا كان يجيد فن السباحة والعوم، فنسبة موته ستقل، لاحتمال سباحته وخروجه من الماء سالما. ودليل ذلك قلة عدد نسبة الغرقى في المسابح الخاصة. وشخص يتخطى شارعا مزدحما بالسيارات المنطلقة بسرعة كبيرة دون انتباه معتمدا على انه لن يموت الا إذا حانت منيته وجاء أجله. ففي مثل هذه الحالة تكون نسبة إصابته أو موته كبيرة. أما إذا استعمل عقله وبصره وحدد زمن قطعه الشارع بطريقة سليمة وساعده رجل المرور في اجتياز الطريق، فمن المؤكد ان نسبة نجاته ستكون أكبر. ولقد أثبتت التجارب صحة هذا القول وفائدته، لذلك اهتمت دوائر المرور بتحسين الطرق وتوسيعها ووضع إشارات المرور وتدريب رجالها للمحافظة على نظام السير. ومثال آخر، طبيب أو ممرض يعمل في مستشفى أو مصح للأمراض السارية ويسرف في الاعتماد على فكرة عدم إصابته بالمرض إلا إذا حانت ساعته. فمثل هؤلاء يكونون معرضين بنسبة كبيرة للعدوى، بينما تقل أو تنعدم نسبة إصابة من تقيد منهم بنظام الوقاية أو التطعيم. سئل أحد الفلاسفة عن إمكانية تغيير زمن الموت المشروط وتأجيل موعده، السؤال التالي: كيف يبعد الايمان بالله والدعاء والصلاة، القدر المشروط الذي لابد من وقوعه؟ أجاب الفيلسوف: كان هناك رجل حطّاب، يخرج من بيته كل يوم ليجمع الحطب ويبيعه ليشتري بثمنه قوتاً لأهله. وكان هناك صخرة كبيرة معلقة على جانب الطريق، مقدر لها أن تسقط عليه فتقتله. لكن الرجل كان دائم الدعاء والصلاة لله، ومن أثر دعائه الخالص، كان يسـقط عليه في كل يوم قطعة حجر صغيرة من هذه الصخرة، فلا تؤذيه. واستمر الحال على هذا المنوال لمدة عشرين عاما، والصخرة تتساقط على شكل قطع صغيرة بينما الحطّاب مستمر في الدعاء والمناجاة، الى أن سقطت الصخرة بأكملها عليه ولم تقتله. فهذا المثال، يوضح أهمية قوة الأيمان وفاعلية الدعاء وسبب تمسك الناس به، فهو يقلل من شدة وقوع البلاء ويبعد الأقدار الشديدة المشروطة ويخفف وطأتها. وعلى نفس القياس، كان هناك شاب مقدر له الاصابة بمرض فتاك والموت بسببه. لكن كثرة دعاء والديه ومناجاتهم لله وسؤاله المحافظة عليه ويقينهم من ضرورة الاستعانة بما كان يصفه حذق الأطباء من أدوية ناجعة، كانت تؤتي أوكلها وتؤدي الى إصابة الشاب بين الحين والآخر بمرض يقعده في بيته عدة أيام ثم يشفى منه، مما أدى في النهاية الى اكتساب جسده مناعة جيدة وتحصنه ضد الأمراض، وعندما أصيب في آخر الأمر بذلك المرض الفتاك المقدر له الإصابة به، استطاع جسده مقاومته والشفاء منه. هناك فكرة خاطئة منتشرة بين بعض المجتمعات تقول: أن قضاء المرأة وقدرها، حتّم عليها أن تكون مخلوقاً ضعيفاً لا يجاري الرجل قدراته. وهذا مفهوم غير صحيح يمكن تقويمه، لأنه نوع من أنواع القضاء المشروط، فهو يعتمد على مستوى تعليمها ونوعية ثقافتها ومقدار الحرية المتاحة لها ودرجة إيمانها وإيمان مجتمعها بحقيقة قدراتها. كل هذه الأسباب وغيرها تزيد وتقلل من نسبة بروز نساء مقتدرات داخل المجتمع، وهي نتيجة مشروطة غير محتومة ولا علاقة لها بحجم المخ أو قوة وضعف الجسد، أو كما يعتقد البعض ان الله خلقها بنصف عقل وان هذا شيء مقدّر لها من الله الخالق(1). فلو حصلت المرأة على حقوقها كاملة وأخذت فرصتها الحقيقية وأدرك الرجل إمكانية مشاركتها البناءة في تطور المجتمع وأنها لا تقل عنه مستوى في قدراتها العقلية وأتيحت لها فرص الدراسة والتعليم الجيد، لتغير وجه الأرض نحو الأحسن بمقدار الضعفين، ومن المؤكد ان عملية البناء والتطور ستكون أفضل بكثير بمشاركة الجنسين. فالمجتمع - أي مجتمع - كالطائر لا يحلق في سماء التقدم والعلم ولا يعلو في فضاء المبادئ الجيدة والأخلاق الحميدة إلا بجناحين، جناح الرجل وجناح المرأة. وهيكل جسد الإنسانية، لا يمشي سوياً، إلا إذا استعمل قدميه معاً، الرجل والمرأة. بهذه الأمثلة والعديد غيرها، يمكن التفكير والتأمل في مفهوم موضوع القضاء والقدر المشروط أو المحتم، والخروج بنتائج ومفاهيم تناسب كل حادثة على حدة، وتمييز ومعرفة ما هو محتوم أو مشروط منها، وهل يمكن السعي والاجتهاد والمثابرة في تحسين تأثير وقوع المشروط منه على تقدم المجتمعات والأفراد؟ نعم، هناك قضاء محتوم لا يمكن النجاة منه، ولابد لكل مخلوق من نهاية مهما حافظ على حياته. وهناك قضاء مشروط، يرتبط بما يستجد ويحدث من أمور قد تقصّر وتقلل من عمر الإنسان وتقطع عليه السبيل في الوصول الى نهايته المحتومة قبل موعدها، وهذه ما يجب الاهتمام به والحذر منه وتوعية المجتمع تجاهه. والخلاصة: ان الحذر والوقاية والانتباه واليقظة والذكاء والدراسة والخبرة والعناية بالنفس والصحة وغيرها تساعد كثيرا على تجنب الإنسان الموت الطارئ أو الإصابات التي تحدث له نتيجة الإهمال والغفلة وعدم الخبرة والسذاجة، وهذا ما يسمى بالموت المشروط. فكل هذه الأمور لها مفعولها الواضح ودورها الأكيد في المحافظة على الإنسان والإبقاء على حياته، وأفضل دليل على ذلك، معنى الآية الكريمة (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)(2). لكن هذه العوامل بأجمعها لن تمنع الموت المحتوم من الوصول في نهاية المطاف، كما قال تعالى (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ)(3). ان فكرة هذا الفصل بمجملها تحتاج الى إعادة تفكير وتنظير وبحث مستفيض، ومن المحتمل الخروج بأفكار جديدة تساهم في خدمة الإنسانية وتطورها ورقيها للمحافظة على الجنس البشري ووقايته من شرور القدر المشروط. صحيح ان الله سبحانه وتعالى ذكر ساعة القدر في الكتب المقدسة، لكن - وكما لاحظنا وسنلاحظ في مواضيع هذا الكتاب - ان كلام الله عميق المعاني، ودليل ذلك قوله تعالى (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)(4). لذا كان من الممكن إيجاد مفهوم جديد لا يمس حقيقة مفهوم القدر وقدسيته، بل يبدل بعض المفاهيم القديمة المضرة ويصحح ما يتناقل بين الناس من أخطاء شائعة ساهمت كثيرا وبشكل مباشر في إخفاء وإبادة ملل وقبائل وعوائل عن سطح الأرض، ولولا اعتقاد الناس بفكرة القضاء والقدر بشكل بسيط ساذج، وقبولهم بفكرة حتمية ساعة موتهم أو قتلهم، لتغيّر وجه الأرض بشكل أفضل تماما ولعم الخير وترسخت فكرة السلام وضرورة المحافظة عليه بين الناس. من كتاب قبسات-سيفى سيفى
الحواشي
1 - انظر موضوع عالم الأرواح (الجزء الثاني) . 2 - البقرة 2/195 . 3 - النساء 4/78 . 4 - آل عمران 3/7 .
#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نهج سياسي فاشل ونَظْم إلهي منقذ
-
صوت السافور-زرين تاج-قرة العين-الطاهرة أعظم امرأة إيرانية (1
...
-
صوت السافور-زرين تاج-قرة العين-الطاهرة أعظم امرأة إيرانية (9
...
-
صوت السافور-زرين تاج-قرة العين-الطاهرة أعظم امرأة إيرانية (8
...
-
سر ليلة القدر-ليلة الليالى-ليلة القدس-غرة أيام الله-قرة عين
...
-
صوت السافور-زرين تاج-قرة العين-الطاهرة أعظم امرأة إيرانية (7
...
-
الطاهرة-صوت السافور-زرين تاج-قرة العين أعظم امرأة إيرانية (6
...
-
استشهاد (صوت السافور-ذرين تاج-قرة العين-الطاهرة أعظم امرأة إ
...
-
صوت السافور-ذرين تاج-قرة العين-الطاهرة أعظم امرأة إيرانية 4-
...
-
الطاهرة-صوت السافور-ذرين تاج-قرة العين أعظم امرأة إيرانية (3
...
-
الطاهرة-صوت السافور-ذرين تاج-قرة العين أعظم إمرأة إيرانية (2
...
-
الطاهرة- صوت السافور-زرين تاج-قرة العين أعظم امرأة إيرانية (
...
-
تجدد الدين بعد موته الروحاني -كيف يستعمل القرآن الكريم كلمة
...
-
المرأة في البهائية
-
الحج في الشريعة البهائية2-2
-
الحج في الشريعة البهائية1-2
-
حكم الصوم في العقيدة البهائية2-2
-
حكم الصوم في العقيدة البهائية1-2
-
أهداف الأديان وهدف الدين البهائي 3-3
-
أهداف الأديان وهدف الدين البهائي 2-3
المزيد.....
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|