|
عندما غزا صدام الكويت في 2/8/ 1990 - شهربان / 9
نزار ياسر الحيدر
الحوار المتمدن-العدد: 3490 - 2011 / 9 / 18 - 02:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يمر رعب على سكان بغداد في العصر الحديث كالرعب والخوف الذي شعروا به بعد بدء الضربة الجوية في يوم 17/1/1991 ، فقد اشيع قبل الحرب ان صدام سيبدأ بضربة استباقية لضرب اسرائيل بالسلاح الكيمياوي او البايولوجي والمسمى بالسلاح الكتلوي اذا ما بدأت قوى التحالف بضرب العراق لاجبارها على طرد العراق من الكويت وتحولت هذه الاشاعات الى يقين ثابت بحتمية الضربة الكتلوية لاسرائيل وفي هذه الحالة فقد حذرت اميركا وحلفائها بأنها ستضطر لضرب العراق بالسلاح النووي التكتيكي ، اي بقنبلة نووية صغيرة محدودة التاثير والحجم !!!؟ . لقد سيطر الرعب والهلع على العراقيين وخاصة سكان بغداد باعتبار ان قيادات الدولة والجيش العراقي تتمركز فيها . لقد حكى لي اهلي كيف فر اهالي بغداد ومعهم اهلي في اليوم الثاني من الهجوم الجوي باتجاه مدينة بعقوبة لانها الاقرب إلى بغداد وربما لانها قريبة من الحدود الايرانية التي يسهل الدخول إليها من العراق في حال اشتداد الحرب ولكون محافظة ديالى هي محافظة زراعية وفيها مزارع وبساتين يمكن اللجوء اليها لاي طارئ !!؟ . لقد هرع اهالي بغداد صباح اليوم الثاني بسياراتهم على مختلف اشكالها واحجامها وتكدسوا فيها ومعهم ابسط مستلزمات العيش من افرشة واغطية وملابس ومواد غذائية وعدة بسيطة للطهو وكان الجو باردا واذا بهم يفاجئون بسيل هائل من السيارات تخرج من بغداد تتدفق على الشارع الرابط شمال شرقي بغداد بمحافظة ديالى وهو شارع بمسارين للذهاب والاياب يتسع كل مسار لثلاثة سيارات وطول هذا الشارع بين المدينتين لايزيد عن الخمسين كيلو مترا فتفاجأ الجميع بأن يمتلئ المساران والجوانب والجزرة الوسطية واكتاف الطريق من الجهتين اليمين واليسار بالسيارات المتجهة من بغداد الى ديالى وبالتاكيد انقطع الشارع القادم من ديالى لانه غص بالسيارات الذاهبة ولكي يصلوا الى مدينة بعقوبة استغرق الوقت أكثر من خمس ساعات في حين ان الطريق بالاوضاع الاعتيادية لايأخذ من السائق أكثر من خمسة واربعين دقيقة !! . لقد اختار الناس مسبقا الى اين يذهبون لكي يعيشوا فارين من بغداد فمنهم من ذهب لاقاربه واصحابه واصدقائه وقسم كبير آخر استقبلهم اهالي ديالى في مدينة بعقوبة ومدن ومزارع المحافظة وكانت وقفة رائعة وجميلة من اهالي المحافظة سجلها لهم التاريخ كما فتحت المدارس وامتلأت صفوفها بالعوائل وفتحت المعامل والمخازن وشغلها أهالي بغداد الفارين ، اما اهلي وعائلتي فقد استقبلهم احد اقاربنا الذي كان يملك فرنا آليا للخبز كان قد اشتراه من الحكومة قبل سنوات ويقع هذا الفرن بضواحي مدينة بعقوبة واستوعب هذا الفرن الكبير عشرات العوائل وكان فيه الماء ومولدة كهرباء ووقودها الكافي لتشغيلها فبقى فيه اهلي وعائلتي خمسة ايام فقط وخرجوا من الفرن آملين الحصول على مكان افضل في احدى مدن محافظة ديالى فكان الاختيار مدينة شهربان ( المقدادية ) وعند وصولهم اليها وجدوها قد غصت بأهالي بغداد الناجين بأرواحهم بحيث لم يبق خرم فيها الا وقد سكنه الناس الوافدون وبصعوبة بالغة وجدوا غرفة في بيت بسيط مملوءة غرفه باللاجئين يعيشون مع اصحاب البيت وعاشوا جميعهم في هذه الغرفة والتي لاتزيد مساحتها عن العشرين مترا مربعا وكان عددهم حوالي عشرة اشخاص !! استمروا على هذا الحال بحدود الثلاثة اسابيع . عند وصولي الى بغداد عائدا من البصرة مجازا لمدة خمسة ايام وقضية ليلة عند وصولي عند اخي مدير مستشفى الكندي في بغداد ومعي يونس المجنون وكما قلت اوصلت في اليوم التالي يونس لاهله في حي الكريعات وبلغتهم بما اوصاني به آمر موقع الدريهمية بعدم التحاقه لحين انتهاء الحرب ، ذهبت الى بيتنا ووجدت سيارة زوجتي التي تركتها في بيتنا في بغداد واخذت هي سيارتي لانها اوسع واكبر . ذهبت الى شهربان لكي التحق بعائلتي واهلي هناك وبعد ان استدليت على مكان سكنهم لاني فوجئت بالناس الموجودين في المدينة ولانهم من بغداد فكان الكثير منهم يعرفني فوصلت الى اهلي بسهولة ، وبعد ان رأيت الحالة المزرية التي تعيش بها عائلتي وحالة والدتي المريضة ومعاناة والدي وزوجتي واولادي واختي واولادها ذعرت وقررت ان اجد حلا لهذا الموضوع بأي ثمن !؟. في اليوم الثاني لوصولي الى شهربان بدأت ابحث عن سكن بديل لعائلتي لاخرجهم من هذه المحنة وكنت اسأل وادور على محلات العقارات في شهربان واسألهم عن بيت للايجار فكانوا يسخرون مني ويضحكون ويجيبونني بأن لم تبق مدرسة الا وملئت ولم يبق محل الا وشغل ولم تبق مزرعة او خربة الا وسكنت فكيف اطلب انا بيت للايجار لان طلبي يبدو كمعجزة فعرضت عليهم مبلغا خرافيا لاغريهم في الحصول على دار !!! واخبرتهم باني ساعود غدا بنفس الوقت لاجد الدار على شرط ان تبقى الدار بأثاثها وكل مستلزماتها وعلى صاحب الدار ان يخرج منها بملابسه فقط ويسلمني اياها وسادفع له مبلغا كبيرا جدا لايجار سنة واحدة وساترك الدار متى تنتهي الحرب ربما باسبوع او بشهر او بسنة !!، وعدت الى غرفتنا البائسة ولم اخبر عائلتي بما تصرفت به لكنني كنت متفائلا باني ساحصل على هذه الدار لانني عرضت عرضا يسيل له لعاب اي صاحب دار مهما كانت امكانياته المادية . عند صباح اليوم التالي خرجت اسير باتجاه مكتب العقار واذا بي ارى صاحب المكتب قد جاء بالاتجاه المعاكس ويبدو انه يبحث عني ويدقق النظر في الوجوه في سوق المقدادية المزدحم لعله يجدني ففوجئ بي وجها لوجه وقال اين انت يارجل انا انتظرك منذ الصباح لانني وجدت لك بيتا يحتوي على خمس غرف وهو بيت كبير ومؤثث ويعود لاخي المحامي الذي اقنعته بان يؤجر لك الدار ويخرج هو وزوجته منه بملابسهم ويسلمك الدار الان وحتى بدون جرد لانني عرفت انك انسان معروف لان احد الجالسين امس في محلي هو صديقي من بغداد وتكلم عنك الكثير وقد عرفك وعرف والدك وعائلتك ، فذهبت معه الى مكتبه ووجدت اخاه جالسا واتفقت معه على شروطي وكان موافقا بدون اي اعتراض لانها كانت صفقة كبيرة ومربحة جدا له واخذني ليريني الدار فشاهدتها واطلعت عليها وعلى محتوياتها المتواضعة لكنه بيت كبير بعدد غرفه وحماماته ومرافقه فقلت له انتظرني في البيت وسارجع لك خلال ساعة واحدة بينما انتم تكونون قد حزمتم ملابسكم وأمتعتكم لترك الدار ولكي اسلمك المبلغ ونوقع على العقد بيننا ولكونه محاميا وافق فورا . عدت الى اهلي وعائلتي واخبرتهم بان يجمعوا اغراضهم وحوائجهم لانني وجدت لهم دارا لكي يسكنوا بها فسخروا مني لكنني اقسمت لهم بانني فعلتها لاجلهم فنهض الجميع وكانوا غير مصدقين ما قلته لهم وظنوا انني امازحهم فاوصلتهم الى الدار وكان صاحبها وزوجته ينتظروننا ويحملون بيدهم حقيبة ملابس واحدة متوسطة الحجم فدخل اهلي الدار وطمأنا اصحابه بان الاغراض ستكون بمأمن وألا يخافوا عليها وذهبنا الى مكتب العقار وتكاتبنا على شروطي وسلمته المبلغ وهو غير مصدق انه استلم هذا المبلغ وعدت لاهلي وانا احمل العقد الذي اخفيته لكي لايطلعوا عليه لانهم سيوبخونني على ما فعلت وابقيت الامر سرا ، لكنني سعدت كثيرا عندما احتل افراد عائلتي غرف الدار وبدؤوا باستعمال حماماتها فرحين وهم غير مصدقين ، لقد كنت سعيدا جدا لانني انهيت معاناة اهلي وعائلتي ووالدي وبذلت مالي بسخاء لكي احقق لهم ذلك لكنني كنت في اشد حالات الحزن لانني كنت ارى اقارب لي واصدقاء ومعارفي من العراقيين يعيشون عيشة الذلة في جحور مدينة شهربان المتواضعة لانها كانت وما زالت اشبه بقرية بسيطة البناء والخدمات فليكن الله بعون العراقيين . بعد ان تطمأنت على اهلي في اليوم التالي غادرت شهربان متوجها الى بغداد لكي التحق بوحدتي العسكرية في البصرة لانتهاء اجازتي وعند وصولي الى بغداد مررت للسلام على اخي في مستشفى الكندي الذي كان قد بعث زوجته واولاده الى ناحية بلدروز ليعيشوا بمزرعة هناك مع عائلة صديق قريب منه من اهالي المدينة ، ثم تركته وذهبت الى كراج النهضة لكي اسافر الى البصرة لالتحق بوحدتي ففوجئت باني وجدت الكراج خاليا من اية سيارة الى اي مدينة وكانت الغارات الجوية تتكرر كل عشر دقائق والخوف والذعر سيد الموقف فدهشت من هذا المنظر الغريب فسألت احد الاشخاص الذي وجدته في باب الكراج عن سيارات البصرة فاجابني ضاحكا هل انت غشيم عن اي سيارات تتكلم واي بصرة تريد ان تذهب لها قلت له لماذا انا جندي واريد ان ارجع لكي التحق بوحدتي في البصرة فما الغريب بالموضوع ؟ فاجاب قائلا جميع الطرق والجسور المؤدية الى البصرة مقطوعة وقصفت وتقصف بالساعات ولم يبق اي منفذ للوصول الى البصرة كما ان البانزين والكازويل مفقود ولاتستطيع السيارات الحصول عليه ثم اريد ان اسألك وبدون ان تزعل ( هل انت زايد على اهلك .....لان الجيش كله لم يلتحق بوحداته والجميع هرب وليس هناك اي شخص يعود الى وحدته فيا اخي انت مجبر ان تعود لاهلك لان الطايح رايح ) فعدت الى مستشفى الكندي لاخبر اخي بالامر ثم عدت الى شهربان ففوجئ اهلي عندما عدت ووجدتهم جميعا قلقين وحزانى على عودتي الى البصرة لكنهم استبشروا وفرحوا كثيرا عندما عدت لهم واخبرتهم بما حصل بالرغم من شعوري بالقلق والتحسب لنتائج عدم التحاقي الذي يعد جريمة هروب قد اعاقب عليها بالاعدام !!، لكن الذي جعلني اطمئن هو الهروب الجماعي لاغلب الجيش العراقي !! . لقد واصلنا العيش في شهربان لغاية 5/3/1991 وكنا تقريبا آخر البغداديين الذين غادروا شهربان عائدين الى بغداد وبعد ان حصل الهجوم البري نهاية شباط وقبول العراق وقف اطلاق النار وتوقيعه على ذلك في خيمة صفوان إذ مثل الجيش العراقي وفد عسكري برئاسة الفريق الركن سلطان هاشم والفريق صلاح عبود بعد ان اصيب رئيس اركان الجيش آنذك الفريق نزار الخزرجي في الناصرية ، عندها عاد الجيش العراقي وللاسف منكسرا ذليلا دفع ثمن حماقات قادته الذين فروا من الكويت عند اول شعورهم بالانكسار، وحينها تركنا دار شهربان الذي استأجرناه لمدة سنة وبمبلغ خيالي لعشرين يوما فقط فسلمناه لاصحابه بعد ان شعر صاحبه بالخجل لاننا تركنا الدار ولم نطالبه باسترداد اي مبلغ !! .
#نزار_ياسر_الحيدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عندما غزا صدام الكويت في 2/8/ 1990- نفق النار / 8
-
عندما غزا صدام الكويت في 2/8/ 1990-الرشقات الصاروخية / 7
-
عندما غزا صدام الكويت في 2/8/1990 - ليلة ليلاء / 6
-
عندما غزا صدام الكويت في 2/8/1990 القسم الثاني / الفرهود
-
عندما غزا صدام الكويت في 2/8/1990-القسم الاول
-
الشباب الصابئي المندائي ... وتحديات الغربة ..!؟
-
هل يمكن أن تكون كوردستان ..وطناً بديلاً للصابئة ألمندائيين .
...
-
لمحات تاريخية من مسيرة المرأة الصابئية المندائية
-
حقيقة واقع الاقليات العراقية
-
في الذكرى 46 لانقلاب 8 شباط الاسود.....ايام سوداء لاتنسى ...
...
المزيد.....
-
الأكثر ازدحاما..ماذا يعرقل حركة الطيران خلال عطلة عيد الشكر
...
-
لن تصدق ما حدث للسائق.. شاهد شجرة عملاقة تسقط على سيارة وتسح
...
-
مسؤول إسرائيلي يكشف عن آخر تطورات محادثات وقف إطلاق النار مع
...
-
-حامل- منذ 15 شهراً، ما هي تفاصيل عمليات احتيال -معجزة- للحم
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تصفية مسؤولين في -حماس- شاركا في هجوم
...
-
هل سمحت مصر لشركة مراهنات كبرى بالعمل في البلاد؟
-
فيضانات تضرب جزيرة سومطرة الإندونيسية ورجال الإنقاذ ينتشلون
...
-
ليتوانيا تبحث في فرضية -العمل الإرهابي- بعد تحطم طائرة الشحن
...
-
محللة استخبارات عسكرية أمريكية: نحن على سلم التصعيد نحو حرب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|