رعد الحافظ
الحوار المتمدن-العدد: 3489 - 2011 / 9 / 17 - 19:27
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
جهات عديدة أعلنت وقوفها صراحةً ضدّ ربيع الثورات العربية !
أسباب بعضها ( خدم الحكام الديكتاتوريين مثلاً ) بائسة ومقيته كقولهم الغبّي , تلك الشعوب الثائرة , إن هي إلاّ قطيع عميل للإمبريالية والصهيونية , جاءت من خارج الحدود وقنصت المواطنين الابرياء وجنود السلطة الغاشمة !
( هذه كانت نغمة القذافي , واليوم غدت نغمة بشار , وغداً ستكون نغمة الملالي في إيران ! )
جهة أخرى ( لها بعض الحقّ ) تخوّفت من تلك الثورات على إعتبار ما ستؤول إليهِ الأمور والأوضاع في ظلّ الديمقراطيّة المأمولة , وهي حتماً سيطرة قوى الإسلام السياسي والسلفي خصوصاً , حيث ( حسب ظنّهم ) ستكون الإنتخابات التي توصلهم الى سدّة الحُكم هي الأولى والأخيرة في ذات الوقت , في سيناريو مُكرّر لما حدث عام 1991 عندما فازت الجبهة الإسلاميّة للإنقاذ في الجزائر في إنتخابات الدور الأوّل ,فأعلن بعض قادة تلك الحركة , بأنّ هذهِ كانت , هي آخر الإنتخابات !
مادفع الحكومة وقتها الى إلغاء الدور الثاني والإنتخابات عموماً في بداية عام 1992 ,قبل أن تُقيم تلك الجبهة ( وعلي بلحاج ) حكومة طالبان جديدة وإسلام افغاني في الجزائر , والذي حصل بعدها معروف للجميع !
حتى بعض الغربيين ترائى لهم ذلك السيناريو المُخيف , مثل (إف جريجوري غوز ) , أستاذ العلوم السياسيَّة في جامعة فيرمونت فحذّرَ قادة الدول العربيَّة من خطر نتائج الديمقراطيَّة على يد الإسلاميين الوصوليين الأصوليين , قائلاً مايلي :
(إنَّ انتقالاً فورياً نحو برلمان مُنتخب سيُسَبِّب الأذى أكثر من الخير فالإسلاميُّون سيحقِّقون نتائج حسنة , ما شأنه أن يعقِّد استراتيجيتكم الأمنيَّة ) !
وكما توّقع العديد من الكتّاب والمفكرين , وتنبؤوا ببعض التداعيّات القادمة , نرى اليوم ونراقب عملياً
كيف وصل ربيع الثورات العربية الى مرحلة , هي بداية الإنقلاب المُضاد للثورة , وأقصد هنا بالتحديد ثورة اللوتس المصرية الباسلة !
وحتى في تونس نسمع عدم الرضى من الغالبية الشعبية التي قامت بالثورة قبل ان يمتطيها راشد الغنوشي وحزبهِ البائس !
وطبعاً يبقى الوضع في ليبيا مجهول المستقبل الى حين إنجلاء الأمور كلياً ! مع أنّ إسلامي متشدّد على الأقل هو عضو في المجلس الوطني الإتقالي , بدأ يعّد العُدّة لمعاداة الغرب والناتو الذي ساهم بشكلٍ مؤثر في تحرير ليبيا من طاغيتها / العقيد الأخضر القذافي !
**********
كلّ تلك الإتجاهات والآراء والتداعيات , لاتُدهشني , وهي طبيعية ومنطقيّة حسب الجهة والحاكم والمواطن , وكلٌ حسب رؤيتهِ ومصلحتهِ !
لكن هناك أشياء أكاد لا افهم لها تفسيراً منطقياً مثل ما يلي :
1 / لماذا حكومة العراق هي من بين ثلاث حكومات فقط في المنطقة تؤيد النظام الفاشي البعثي السوري ضدّ شعبه ؟
وطبعاً النظامين الإقلميين الآخرين هما نظام الملالي في إيران , ولبنان الواقع في أسر حزب الله ونصر الله وغضب الله !
2 / لماذا الحكومة الروسيّة ( بالأخص بوتين ) تستقتل في دعم الأنظمة الفاشية العربية ضدّ شعوبها , فعلتها في ليبيا , واليوم تفعلها في سوريا الصامدة .
لماذا يقترفون تلك الجريمة ؟ ألا يرون بأعينهم كلّ هذا التقتيل والترويع وتعذيب الشباب والأطفال ورفسهم في وجوههم ببساطيل الشبيحة , حتى بعد موتهم أحياناً ؟
لماذا تُساند روسيا حكومة ( بشار و بس ! ) , وهي ترى الشعب السوري يموت وهو يُغنّي لثورتهِ التي إنطلقت بعد نصف قرن من طغيان الحاكم ؟
كم يريدون منهم أن يصبروا أكثر ؟ نصف قرن آخر سيكفيهم ؟
3 / أغرب وأغبى قول أسمعهُ يتردّد كثيراً من السلفيين بنوعيهم المؤدلج الحزبي الشمولي والمتديّن , هي قولهم : لماذا الثورات الآن بالذات ؟
فما عسانا ان نُجيب هؤلاء ؟
بعد صبر الشعوب نصف قرن , وبعد توّفر كل وسائل التوعيّة والإتصال الجماهيري , وبعد وجود الموبايل والفيس بوك الذي ينقل الحدث من الشارع مباشرةً الى جميع أنحاء العالم يسألون هؤلاء / لماذا الآن بالذات ؟
وطبعاً لو تأجلت ثورات الشعوب الى بعد قرن لسأل هؤلاء نفس السؤال , لماذا الآن بالذات ؟
4 / إنفصام الشخصيّات أو إزدواج المعايير , لا أدري ما أسميه الذي يقوم بهِ البعض وكمثال
الزعامة السعودية تؤيد ثورة الشعب السوري , وتعارض ثورة الشعب البحريني .
الكثير , طالبوا بتدخّل المجتمع الدولي في ليبيا وصفقوا لهُ وهم محقّون في ذلك , لكنّهم يعارضون ذلك التدخّل لنصرة الشعب السوري .
طيّب لماذا ؟ هل دماء السوريين ... مياه مجاري ؟
ألا تنظرون الى القسوة الفاشيّة , كيف اُستخدمت ؟ والى قلوب الزبانيّة , كيف تحجرّت ؟ والى دماء الأبرياء , كيف سالتْ ؟
بعض الشبيحة يصوّر تلك المشاهد ربّما ليفخر بها بين أقرانهِ , أو ينال المكافئة من سيّدهِ الشبل !
ماذا تنتظرون يا عرب ويا مسلمين وجامعتكم ومنظمتكم البائسة ؟ هل ستبقى عيونكم على معونة الغرب الكافر الإمبريالي ؟ متى ستصحى ضمائركم وغيرتكم ؟
5 / ظاهرة الغوغاء أو الإنفلات الثوري أو الهيجان الشعبي , سمّوها ما شئتم , لماذا تحدث في مصر بتلك الدرجة والصورة الظاهرة للعيان ؟
أين الطليعة والنخبة المثقفّة ودورها الريادي المُهّم ؟ وجميعنا يعلم أصل وحقيقة الشعب المصري وحبّة للسلام والغنوة والبسمة التي لم تفارقه حتى في ثورتهِ الأخيرة .
هل ستنقلب المعادلة فتجري النخبة وراء الدهماء ؟ أم العكس هو المفروض ؟
بالمناسبة / ظاهرة الغوغاء حتى لو طالت نسبة كبيرة من المجتمع ستبقى تحمل نفس التسميّة وهي تحتاج الى كتابات من مختصين نفسيين وعلماء الإجتماع .
إذ ما هو السرّ في كون الشخص ماشي بسلام وينقلب بلحظة الى حارق ومدمّر وربّما قاتل , بمجرد تلاقيه بمجوعة من هؤلاء الغوغاء ؟
*************
الخلاصة
ربيع الثورات العربية رغم كل المحاذير والخشيّة والتداعيات المتوقعة , هو فرصة نادرة وأمل شعوب منطقتنا البائسة للخروج من مستنقع الطغاة والبغاة وأتباعهم وصولاً الى مستقبل مشرق , قد نساهم فيه في صنع الحضارة الإنسانية دائمة التطوّر !
ولترك موقعنا الإستهلاكي الحالي المزدوج حيث نستهلك حضارة الغرب بكل تفاصيلها , ونلعنهم ليل نهار !
فيما شبابنا يضحوّن بحياتهم للوصول الى البرّ الأوربي أو الأمريكي الحُرّ , لذي( رغم أنف الجميع ) حتى الإسلاميّن الناشطين يشعرون هناك بحُرية وأمان لاتُضاهى ولا تقارن مع المتوفر في بلدانهم !
على النخبة المثقفة اليوم التكاتف لتنوير العامة الى التصرّف الصحيح , بدل التفرّج , أو مساهمة بعضهم في تهييج مشاعر الكراهيّة عبر كتاباتهم البائسة .
فكلّ ما يحتاجهُ الشرّ لكي ينتصر , هو أن يقف الأخيار لا يعملون شيئاً / حسب الفيلسوف الإيرلندي إدموند بيرك !
تحياتي لكم
رعد الحافظ
17 سبتمبر 2011
#رعد_الحافظ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟