مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 3489 - 2011 / 9 / 17 - 09:57
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
مقدمة : إذا كنت شيوعيا تحرريا , أناركيا , أو إنسانا يهتم و يعمل على انعتاق البشر من الاستغلال و الاستبداد و القمع , فهذه السطور يفترض أن تهمك , الفيدرالية الشيوعية الأناركية في إيطاليا التي كتب أفرادها هذا الكراس واحدة من أعرق المنظمات الشيوعية الأناركية في العالم , لكن إذا كنت أناركيا أو تحرريا فيفترض أنك تعرف أنه لا يوجد بين الأناركيين سادة و عبيد , لا يوجد من يأمر و بالمقابل من عليه أن يطيع ... إننا على مثال المجتمع الشيوعي التحرري أو الأناركي الذي نناضل في سبيل تحقيقه مجموعة من بشر أحرار و متساوين , لذلك لا أدعوك هنا لقراءة جزء من إنجيلنا أو كتابنا المقدس أو تجليات أحد قديسينا أو أنبيائنا , ليس بين الأناركيين قديسين أو أنبياء و لا كتب مقدسة , ليس في الأناركية إلا بشر , يفكرون بحرية و يناضلون لكي يعيشوا و يعيش الجميع و يفكروا بحرية أيضا , لا حقيقة مطلقة هنا , بل بشر يفكرون بحرية في سبيل هدف واحد هو انتزاع حريتهم و حرية كل إنسان على هذه الأرض , كما أنه من الصحيح أنه من دون أن تستخدم عقلك ( و جسدك أيضا ) بكل حرية فلن تكون حرا , فلن تكون أناركيا إذا لم تستخدم عقلك بكل حرية و نزعة نقدية "ضد" ما يقوله بقية الأناركيين , و غيرهم بالتأكيد ...
2 – الصراعات السياسية و الصراعات الاجتماعية
يعتقد الشيوعيون الأناركيون أن الثورة يجب أن تكون ثورة اجتماعية , و أنها يجب أن تطيح بعلاقات الملكية في المجتمع البرجوازي . المسؤولية عن هذا الإلغاء للملكية الخاصة و استبدالها بالملكية الجماعية يجب أن تضطلع بها البروليتاريا , التي يجب عليها أن تبدأ هي نفسها بإدارة الإنتاج , التوزيع و الخدمات . يمكن للمجتمع الشيوعي أن يكون فقط مدار ذاتيا ( مسير ذاتيا ) و فيدرالي , و أن تمارس سلطة اتخاذ القرارات , كما يقال غالبا , من الأسفل . و نحن نبقي هذا في اعتبارنا , فإن النضالات اليومية التي ننخرط فيها في المجتمع الرأسمالي الحالي تخدم عدة أغراض . أولا إنها تساعد في بناء قوة البروليتاريا النضالية , أي منظمتها الجماهيرية التي تشكل في نفس الوقت إرهاصات أو بوادر لأشكال الإدارة المستقبلية . ثانيا فحتى انتزاع "الفتات , التي رغم أنها دائما قليلة جدا لكنها جيدة للأكل , ( .. ) سيحسن حياة العمال و بالتالي يحسن ظروفهم , حتى ظروفهم الفكرية" ( فابري – أناركي شيوعي إيطالي ) . أخيرا , إن أي شيء يمكن انتزاعه من خلال النضال من السادة , أي شيء يحد من ( يقيد ) حريتهم في فعل ما يرغبون بحرية , هو نصر يجب انتزاعه و الدفاع عنه . بهذا المعنى , فإن الأناركيين هم "مصلحون" ( إذا استخدمنا كلام مالاتيستا ) لكنهم ليسوا إصلاحيين , لأنهم لا يؤمنون بأن مجتمعا قائما على الحرية و المساواة يمكن بناءه شيئا فشيئا , خطوة خطوة . ما يمكن بناؤه على مراحل و الذي سيقوي فرص قيام انفجار ثوري ناجح , هو إرادة خوض الصراع عند المستغلين ( بفتح الغين ) و وعيهم الطبقي . يمكن القول بكلمة أخرى أن الأناركية "تدرجية" ( و هي أحد تعابير مالاتيستا أيضا ) , ليس لأنها تتصور انتقالا تدريجيا من الرأسمالية إلى الشيوعية , بل لأنها تؤمن بالبناء التدريجي للمنظمة البروليتارية الثورية الواعية لحقيقة أن تلبية حاجاتها التاريخية تكمن كلية و حصريا في أيدي البروليتاريا نفسها .
في كل ما سبق لا مكان لصراع سياسي , للاستيلاء على جهاز الدولة بغرض استخدامه كوسيلة للتغيير الاجتماعي , لسببين مهمين . الأول أن الدولة تشكل البنية الفوقية للمجتمع البرجوازي , و بالتالي لا تتناسب مع التحول الشيوعي ( إن بقاءها سيعيد إنتاج المجتمع البرجوازي , كما سنشاهد فيما بعد ) . ثانيا يعني الطريق السياسي التفويض , دون أية قدرة على ممارسة أية سيطرة فعلية على من تعلن نفسها على أنها طليعة , هذه الطليعة التي ستتوه ( ستضيع ) في تعرجات و أفخاخ الجهاز الاجتماعي الرأسمالي و ستنكر على البروليتاريا دورها كمسؤولة عن انعتاقها , الدور الذي يعود إليها وحدها فقط . يمكن أيضا إضافة أن الصراع السياسي يحرف الآمال و الرغبات في الانعتاق باتجاه طرق غير ملائمة ( لا تؤدي إلى الانعتاق ) , تؤدي لخداع الجماهير بأن تتخيل أنه يمكن لها أن تحقق انعتاقها من خلال القوى التي يجب بالأحرى أن تنتزعها من خلال الصراع الاجتماعي .
تقسم هذه النقطة بشدة النظرية الشيوعية الأناركية عن النظرية الماركسية ( في كل أشكالها تقريبا ) . الثورة السياسية لماركس و أنجلز , و من قبلهما ثورة اليعاقبة , و غراشو بابوف و لويس أوغست بلانكي , تحمل تصورا عن صراع سياسي , رأينا نتائجه في كل الثورات السياسية التي حدثت حتى اليوم , حيث عادت الطبقة المهيمنة للظهور من جديد . الثورة الاجتماعية , هي الثورة الوحيدة التي يمكن لها أن تحقق الانعتاق للمستغلين ( بفتح الغين ) , و هي تتطلب نضالا اجتماعيا فقط .
3 – دور الطليعة
كما قلنا فإن الحاجة للنضال السياسي مع كل تعقيداته , و دقته الإستراتيجية و جانبه المظلم ( القاتم ) تؤدي إلى تشكيل الحزب السياسي , أو الطليعة , التي تفصل نفسها عن الجماهير لكي "تحمي" مصالح هذه الجماهير , تبقى العلاقة الوحيدة الممكنة هنا هي علاقة تفويض . الحزب , حارس الإستراتيجية الأورثوذوكسية و الوحيدة لانعتاق ( خلاص ) المستغلين ( بفتح الغين ) يصبح الطريق الوحيد الصحيح الذي يجب السير عليه و يصبح منفصلا عن الطبقة التي يسعى لتمثيلها . في الواقع , كان يتم تشكيل تلك الطليعة , في كل تنوعاتها اللينينية , من عناصر لم تأت من البروليتاريا . هذا لأن العمال ( ناهيك عن الفلاحين ) يسحقون تحت ثقل حاجاتهم اليومية ( النزعة الاقتصادوية ) , و بالتالي فهم عاجزون عن فهم الفرق بين حاجاتهم المباشرة و حاجاتهم التاريخية , التي ستؤدي تلبيتها إلى انعتاقهم الفعلي .
بالنسبة للشيوعيين الأناركيين , فإن الحزب ( و هي كلمة استخدمها مالاتيستا نفسه ) أو المنظمة السياسية للشيوعيين الأناركيين تلعب دورا فقط داخل الحركة البروليتارية . بكلمات أخرى من داخل نضالاتها اليومية , حيث تسعى لتطوير الوعي الطبقي بين البروليتاريين , و للدفع بإستراتيجية ثورية ( كجزء من صراع البروليتاريا مع البرجوازية ) يمكن أن تتيح لهذا الوعي بالحاجات التاريخية بأن يتطور بين المستغلين ( بفتح الغين ) , بدءا بحاجاتهم اليومية . في هذه الحالة , لا يصنع الحزب الثورة للبروليتاريا , و لا يوجهها ( أو يقودها ) لما فيه مصلحة البروليتاريا , و لا يحكمها لمصلحة البروليتاريا . إنه يوجد ببساطة في عملية ( صيرورة ) نمو و انعتاق البروليتاريا , ساعيا لإقناع بقية البروليتاريا بأن الأفكار التي يدعو إليها هي طريق مناسبة لتحقيق ذلك الهدف . لكي تحقق ذلك يجب على الحزب أن يطور تحليلاته , و اقتراحاته و تصوراته , و أن يعمل كحفاز ( أنزيم ) للتطور الثوري , و كما أثبتت الذاكرة التاريخية لانتصارات و هزائم الماضي و كنقطة ارتكاز لإعادة الدراسة النقدية لكل ذلك .
4 – الدولة و الجماعة
كونهم عاشوا في فترة مارست فيه الدولة البرجوازية دورها في حماية مصالح الطبقة الحاكمة , فقد تطور عند الأناركيين كراهية عميقة و مبررة لهذه المؤسسة . أكثر من ذلك فإن تنبؤاتهم المريعة عن الطبيعة القمعية للدولة كمؤسسة ولدت من ثورات سيطر عليها الماركسيون و خاصة تاريخ الاتحاد السوفيتي . لم تكن النقطة التي تحدى الشيوعيون الأناركيون بقية التيارات الأناركية على أساسها هي عدم وجود حاجة (ضرورة ) لإلغاء الدولة من اللحظة الأولى للثورة , بل حقيقة أن الغالبية العظمى من الأناركيين من بقية التيارات قد اكتسبوا مثل هذه الكراهية للدولة بحيث أنهم أصبحوا غير قادرين على رؤية بقية الحقائق الأخرى .
تطور عند الكثير من الأناركيين قلبا غريبا للأولويات . الدولة , التي هي أداة تستخدمها البرجوازية لكي تستغل و تحصل على حصة الأسد من الثروة المتوفرة , أصبحت عدوهم الأساسي , حتى أكثر من البرجوازية التي تستخدم تلك الأداة . لكن جزئيا نتيجة لتأثيرات نضال البروليتاريا عليها , تولت الدولة أدوارا ( مهاما ) أخرى إلى جانب رجال البوليس و وظائفهم , تلك أصبحت تعرف بالمصطلح العام "دولة الرفاه" , التي أصبحت تمتلك أوجها معقدة جدا . من جهة فإنها قد سمحت للسادة بأن يلقوا جزءا من تكاليف أعباء ضمان أمن و حياة أولئك الأقل ثراءا على كاهل دافعي الضرائب ( و هم في معظمهم من العمال أنفسهم ) , و هي أعباء تشكلت من خلال ضغط العمال , و التي كانت ستشكل جزءا من تكلفة العمل في حال عدم قيام الدولة بها . و من جهة أخرى , رغم أن هذه الوظائف قد سمحت بإعادة توزيع محدودة للثروة لصالح العمال , نتيجة عقود من النضال بما سمح بتنظيم الصراع بما يوفر حماية جزئية للأضعف , فإنها قد أنتجت مؤسسات اجتماعية , مثل التعليم , الرعاية الصحية , و الضمان الاجتماعي , ذات عامل كبير من التضامن ( الاجتماعي ) .
لذلك ليس مستغربا أن الرأسمالية ( التي بلغت الآن مرحلة أخرى من تطورها التاريخي , حيث المنافسة العالمية القاسية تتطلب تخفيض تلك التكاليف ) تنزع نحو تخفيض تلك البنود الاجتماعية ( التي تمول جزئيا من قبل أصحاب العمل ) و نحو تخفيض مهام الدولة إلى مجرد حامي مسلح لمصالح رأس المال . و إنها وجهة النظر المعاكسة لكثير من الأناركيين تلك التي تمنعهم من تحليل هذه الظاهرة , من رؤية أن عدونا الأساسي هو نفسه كما كان الحال دائما , و من إدراك أن ما تريد "الدولة المحدودة" أن تتخلص منه هو نفس الشيء الذي للبروليتاريا مصلحة في الحفاظ عليه . إن تقليص وظائف الدولة يتضمن إنقاص العبء المالي على الأغنياء لكن ليس على الفقراء , و الحفاظ على دور الدولة كشرطي و تدمير كل ضمان اجتماعي و أية ضمانات أو حماية اجتماعية .
التخلي عن مهام كتلك المذكورة أعلاه من قبل الدولة و استبدالها بما يعادلها في السوق ( و تحويلها بالتالي إلى مصدر للربح ) يشتمل على زيادة في تكاليف الخدمات التي لا يتمكن العمال اليوم من تحمل تكاليفها , و ستؤدي إلى انخفاض مهم في مستوى حياتهم . بالامتناع عن الدفاع عن مهام الدولة تلك , فإننا نخاطر أيضا بالعجز عن رؤية عامل آخر مهم : هو دور الجماعة . لن يكون المجتمع الشيوعي الأناركي قادرا على العمل دون نظام "ضرائب" , بمعنى أن جزءا من الثروة سيوضع جانبا لمصلحة بقاء من لا يستطيعون المشاركة في عملية الإنتاج – الأطفال , المسنين , المرضى , الخ . إن إدارة الدولة لمجالات كالتعليم , الرعاية الصحية و الضمان الاجتماعي هي أقرب بكثير للإدارة الجماعية لتلك الخدمات في مجتمع المستقبل مما هي عليه الإدارة الخاصة لها اليوم , حيث تبقى هذه المجالات عرضة لقانون الربح . عمال النقل في إسبانيا الثورية 1936 , الذين كانوا يومها منظمين في نقابة ( اتحاد ) , لم يضيعوا أي وقت في تنظيم تلك الخدمة . هل سيحدث نفس الشيء اليوم بنفس السرعة و الطبيعية في حالة عمال السكك الحديدية التي خصخصت في بريطانيا ؟ خذ أيضا مسألة الرواتب التقاعدية حيث توجد في النظام الحالي رابطة أوتوماتيكية ( و شعور مرافق من التضامن ) بين العمال من أجيال مختلفة .
لذلك يؤمن الشيوعيون الأناركيون بأن النضال ضد بقاء الدولة في وقت الثورة لا يمنع إدراك الوظائف المتعددة للدولة البرجوازية الحالية : تلك التي تخدم ضمان و استمرار الهيمنة الطبقية ( للبرجوازية ) ( التي يسعى الرأسماليون للحفاظ عليها و تقويتها بشكل لا يثير دهشة أي إنسان ) و تلك التي ولدت من المساومات في الصراع بين الطبقات و التي توفر القليل من الحياة الجيدة للطبقات المضطهدة ( بفتح الهاء ) ( أيضا بشكل لا يثير أي استغراب أن هذه هي بالتحديد الوظائف التي يريد الرأسماليون أن يتخلصوا أو يلغوها اليوم ) . إذا كانت البرجوازية تسعى إلى إصلاح الدولة , فإنها تفعل ذلك بما يتوافق مع مصالحها , تلك المصالح التي لا تتوافق مع مصالح العمال .
نقلا عن http://www.fdca.it/fdcaen/index.htm
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟