أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - شخصيات فى حياتى - بورتريه للست أم نعناعة














المزيد.....

شخصيات فى حياتى - بورتريه للست أم نعناعة


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 3487 - 2011 / 9 / 15 - 12:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مساحة ود (بورتريه ل أم نعناعة)

أّذكر أننى فى طفولتى كنت أكثر من الأسئلة . ولكن السؤال الأكثر إلحاحًا كان: "أين أمى ؟ ولم أكن أتلقى إلاّ إجابة واحدة : "أمك فى المستشفى" بينما كانت الإجابة الحقيقية من الأطفال الأكبر منى : "أمك ماتت" وكانت هذه الإجابة أول لقاء لى مع الموت .
ولدت فى منتصف سنوات الحرب العالمية الثانية . كانت جدتى لأبى حكّاءة تجيد فن الحدوتة .شغلنى سؤال عن عمرى وقت وفاة أمى . قالت جدتى أنها لاتذكر ، ولكنها تذكر أن من أكملت رضاعتى هى أم نعناعة . وكانت هذه هى المرة الأولى التى أسمع فيها هذا الاسم . طلبت من جدتى المزيد من التفاصيل . قالت أن أم نعناعة وضعت ابنتها ( وردة ) بعد أيام من ولادتى . وعندما علمت أن أمى دخلت مستشفى الحميات أخذتنى الى شقتها .ثم حكت عن ذلك المشهد الذى أثار دهشتى : قالت أنها رأتها تضعنى على فخذها وتضع وردة على الفخذ الأخرى . وتضع حلمة ثديها فى فمى والحلمة الثانية فى فم وردة . عندما أبديت دهشتى قالت أن أم نعناعة كانت تأكل الكثير من الفجل والحلاوة الطحينية .
فى بداية الستينات من القرن الماضى تعديت سن العشرين ، وتعاظم شغفى بالقراءة. تعمدت أن أستفز جدتى . قلت لها إنك تخلطين بين حواديت الخيال والواقع . خبطتنى على فخذى وقالت " أنت تصدق الكتب وتكذب ستك " ( نحن المصريين نقول للجدة "ستى" وللجد "سيدى" يبدو أن استفزازى لها جعلها تسهب فى التفاصيل . قالت أن أم نعناعة كانت تعمل فى مصنع للصابون ، وهى التى تنفق على أولادها بعد وفاة زوجها الفران .ولذلك تركتنى أنا ووردة مع جدتى بعد ولادتها بأسبوع . كانت تخرج فى السابعة صباحًا . وقبل أن تغادر البيت كانت تعصر ثدييها فى زجاجة كبيرة .
وكانت الزجاجة تمتلىء بلبنها .هذا اللبن كان غذائى أنا ووردة حتى تعود من عملها .
مع مرور الأيام تتمحور أشجانى حول أمى التى حكت لى جدتى الأساطير عن طيبتها وجمالها ، وحول أم نعناعة التى سرّبت لبنها الى وجدانى .أستحلب العزاء من حكايات جدتى . أضع رأسى على حجرها وأطلب منها البوح بكل ما تعرف . قالت إن أمك وأم نعناعة كانتا صديقتين . وأن أمك عندما كانت تزور السيدة زينب كانت أم نعناعة تأخذ أولادها جرجس وإبراهيم وإيزيس ونعناعة لتزور الست الطاهرة مع أمك . وأن أمك كانت تذهب مع أم نعناعة لحضور مولد السيدة العذراء . وأن أم نعناعة كانت تصوم معنا معظم أيام شهر رمضان . وعندما حملت فى ابنتها وردة قالت أنها ستوزع العيش والفول النابت أمام ضريح السيدة زينب بعد ولادتها . ولما سألت جدتى : "وهل أوفت بالنذر ؟" قالت "طبعًا يا حبيبى" .
عندما امتلكت وعيى وأيقنت أن أم نعناعة شخصية محورية فى حياتى ، سألت جدتى : أين ذهبت أم نعناعة وأولادها ؟ قالت إنها تركت الحارة والعباسية بعد ولادتى بحوالى ثلاث أو أربع سنوات .
كلما تقدّم بى العمر ، أربط بين أمى وأم نعناعة .ينجدل حزن يجمع بينهما . حزن الحرمان من أسطورتين فى حياتى . أمى التى ماتت ولم أرها ، وأم نعناعة المتعملقة داخلى وأفتقد حضنها . واذا كان لاحيلة لى فى فقدان أمى ، فإن شعورًا بالذنب يقتلنى لأننى لم أهتم الإهتمام الواجب فى السعى لمعرفة أخبار أم نعناعة وأولادها . ويقتلنى الحنين لرؤية أختى فى الرضاعة ( وردة ) صحيح أننى ذهبت كثيرًا الى الحارة التى ولدت فيها ،ولكن كان الوقت متأخرًا . جيل الحرب العالمية الثانية ، إما رحلوا عن دنيانا ، أو انتقلوا الى أحياء أخرى . فى كل مرة أذهب فيها الى الحارة التى شكّلت وجدانى ، أجد الأجيال الجديدة . لاأحد يعرف أم نعناعة ولاأحد يعرفنى .
00000000



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النص المؤسس ومجتمعه
- طه حسين : الأعمى الذى أنار طريق المبصرين
- الوجه الآخر للمبدع الكبير سليمان فياض
- الأصوليون وحدود الدولة وأمنها القومى
- الترانسفير بين مصر وفلسطين وإسرائيل
- المرجعية الدينية وآليات حكم الشعوب
- الأصولية اليهودية والعداء للسامية
- الترجمة عن العبرى وعقدة التطبيع الثقافى
- الهوية بين الولاء للوطن والولاء للدين
- الأديان لسعادة البشر أم لتعاستهم ؟
- جامعة الاسكندرية والأصولية الإسلامية
- المفكر الكويتى أحمد البغدادى : التنوير بلا تزوير
- فؤاد زكريا والعلاقة بين العلمانية ونقد الأصولية الدينية
- أهمية محاكمة البشير وأعضاء من حكومته كمجرمى حرب
- خليل عبد الكريم ومجابهة اصولية الإسلامية
- لماذا تغطية التماثيل بالشمع وليس تدميرها ؟
- الثورة ومخاطر غياب الحس القومى
- دعوة لقراءة كتاب (من هنا نبدأ) بعد 60 سنة من التراجع
- عبد المتعال الصعيدى : أزهرى خارج السياق
- الإسلاميون فى البرلمان : المقدمات والنتائج


المزيد.....




- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - شخصيات فى حياتى - بورتريه للست أم نعناعة