|
متى ينال المجرمون جزاءهم؟
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 1038 - 2004 / 12 / 5 - 08:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قبل أسابيع كتبت مقالاً بعنوان (من أمن العقاب مارس الإرهاب) ، أكدت فيه أن أحد أهم أسباب تفشي الإرهاب والجريمة المنظمة في العراق هو تساهل المسؤولين العراقيين مع المجرمين البعثيين وحلفائهم الإرهابيين الدخلاء وعدم معاقبتهم بما يتناسب مع حجم جرائمهم. وعلى أثر ذلك تلقيت عشرات الرسائل الإلكترونية من داخل العراق وخارجه تؤيد مطالبتي للحكومة بإنزال أشد العقوبات بما فيها عقوبة الإعدام بحق المجرمين وبأسرع وقتت ممكن دون إبطاء كإجراء رادع. فكانت تلك الرسائل بمثابة استطلاع رأي العراقيين. ولكن يبدو أن المسؤولين، سامحهم الله، لا يقرأون ولا يصغون لأحد.
أقولها ومع الأسف الشديد، أن المسؤولين في الحكومة الانتقالية والسلطات القضائية في العراق غير مهتمة بمعاقبة المجرمين الذين يلقى القبض عليهم ولا أدري ماذا ينتظرون وبماذا يفكرون. ونتيجة لهذا التساهل والإهمال يدفع الشعب المزيد من دماء أبنائه يومياً. وإذا كانت الحجة أن الحكومة مشغولة بالانتخابات في هذه الأيام، فما علاقة رجال القضاء بالانتخابات؟ فالدولة تتكون من عدة سلطات، وكل سلطة مختصة بنوع معين من الواجبات وتقديم الخدمات للشعب. ونحن ندرك مدى الصعوبات والتكاليف الباهظة لملاحقة المجرمين وإلقاء القبض عليهم، إذ يعني تعرض حياة شرطتنا وجنودنا البواسل وقوات الحلفاء إلى مخاطر الموت. فليس سهلاً إلقاء القبض على مجرم مثل السياف، المختص بقطع رقاب الأبرياء بمنتهى السادية والوحشية في اللطيفية، مركز مثلث الموت، حيث فرح العراقيون كثيراً باعتقاله واعتقال العشرات من القتلة من أمثاله، ولكن مع الأسف الشديد لم نسمع بأي إجراء قضائي رادع بحقهم ولا حتى بالتشهير بهم على شاشات التلفزة كإجراء لردع الآخرين وللتخفيف من غضبة الشعب وأحزانه. والسؤال الملح هو: ماذا ينتظر المسؤولون لتقديم هؤلاء الجزارين إلى المحاكمات السريعة لنيل جزائهم العادل وإراحة القلوب الدامية لذوي الضحايا؟
نعم نسمع بإلقاء القبض على المجرمين اليوم، ليطلق سراحهم بعد أيام من قبل الحكومة أو ليحصل هجوم انتحاري على المعتقلات ومراكز الشرطة ويتم إطلاق سراحهم بقوة الإرهاب كما حصل في الرمادي وهيت ومدن أخرى وكما حصل في حالة الهجوم على مركز شرطة في السيدية في بغداد صبيحة يوم الجمعة الدامي، 3/12/2004، حيث قتل المجرمون 14 شرطياً وجرحوا العشرات وأطلقوا سراح 50 معتقلاً مجرماً، ربما كان السياف من ضمن الذين أطلق سراحهم ليواصل عملية قطع الرقاب. إن المعلومات الواردة تفيد أن هذا المركز بني في عهد صدام على أقوى ما يمكن من التحصينات من مسافات بعيدة لا يمكن اختراقها. لذلك فنجاح الإرهابيين في اختراق الستائر الكونكريتية وفتح البوابات هو نتيجة متعاونين معهم من الداخل الذين يقومون بدور حصان طروادة.
إن التأخير في معاقبة المجرمين المعتقلين وتركهم دون عقاب، عامل مشجع للإرهابيين من فلول النظام الساقط للتمادي في أعمالهم الإرهابية، ويعتبر تثبيطاً لعزائم ومعنويات قوات الشرطة والحرس الوطني وتفريطاً بجهودهم وتضحياتهم وتخاذلاً لذوي الضحايا المكلومين الذين ينتظرون على أحر من الجمر إنزال أشد العقوبات بقتلة فلذات أكبادهم. فماذا كان يصنع صدام حسين بمن يتجرأ بتوجيه مجرد نقد بسيط لحكومته حتى ولو أمام أصدقاء يثق بهم؟ البعثيون جبناء ونحن نعرفهم جيداً، لا يتجرأون بالقيام بهذه الأعمال الإجرامية إلا بعد أن تأكدوا من أنهم سيفلتون من العقاب، وهم الذين برمجت عقولهم بآيدولوجية البعث التدميرية في القتل والتدمير. فبعد سقوط نظام الفاشية مباشرة اختفى البعثيون المجرمون عن الأنظار مذعورين مثل الجرذان لأنهم كانوا يتوقعون من المسؤولين الجدد أن يواجهونهم بمثل ما كانوا هم يواجهون معارضيهم. ولكن ما أن لمسوا التساهل المفرط من السلطة الجديدة، حتى خرجوا من جحورهم في استعراض مقيت لعضلاتهم وترويع الشعب وراحوا ينشرون الذعر والقتل والخراب في ربوع البلاد بعد أن تأكدوا أن ليس هناك من يعاقبهم. وتمادوا أكثر، خاصة بعد أن تأكدوا أن هناك منظمات "حقوق الإنسان" التي صارت مهمتها الدفاع عن حقوق المجرمين، تدافع عنهم في المحافل الدولية، ومحامون متخمون بالسحت الحرام يطلبون منهم عدم الإجابة على أسئلة المحققين، وبعد أيام يتم إطلاق سراحهم "لعدم توفر الأدلة الثبوتية" وفق القوانين المتبعة في الدول الديمقراطية العريقة، وكأن العراق قد تحول بسحر ساحر إلى سويسرا وليس إلى غابة تسرح وتمرح فيها الوحوش البعثية والزرقاوية الكاسرة تدعمها فتاوى فقهاء الموت وتباركها الفضائيات العربية. إن هدف الإرهابيين البعثيين هو جعل العراق غير قابل للحكم وضعيفاً غير قادر على مكافحة الجريمة، أشبه بالإنسان المصاب بمرض الإيدز (نقص المناعة)، لذلك يطلقون سراح المجرمين من جهة ويقتلون الشرطة ومنتسبي الحرس الوطني من جهة أخرى. إن حزب البعث مازال يحكم في المثلث السني ومازال يمتلك قواته الخاصة (الحرس الجمهوري وغيره) المهيمن على الأسلحة والمذاخر العسكرية التي نهبوها واحتفضوا بكل طاقاتهم لتدمير الشعب بدلاً من تبديدها في مقاومة الأمريكان. إضافة إلى المليارات من الأموال التي نهبوها من أموال الشعب المحروم، يشترون بها الذمم والمجرمين. والمؤسف أن السنة صاروا يعتقدون بشكل جازم أن حزب البعث هو ممثلهم الشرعي في العراق خاصة وأن هذا الحزب قد تسربل الآن بلباس الدين وتحت مسميات مختلفة مثل (جيش محمد) و(أنصار السنة) وغيرها من الأسماء، كما يسمون أنفسهم (مجاهدين). إن سياسة التساهل مع الوحوش البعثية، بحجة الديمقراطية والخوف من اتهام الحكومة الحالية أنها تتصرف مثل صدام حسين مع المعارضين، سياسة انتحارية لها أبعاد خطيرة ونتائج وخيمة جداً على شعب العراق ومستقبله وناتجة عن جهل حكامنا بمعنى الديمقراطية. إذ يعتقدون أن الديمقراطية تعني التساهل مع الخارجين على القانون. يجب أن يعرف حكامنا الجدد أن الديمقراطية لها أسنان من حديد وليس حكم الفلتان الأمني والفوضى. ليس من الديمقراطية بشيء التساهل مع من يصادر إرادة الشعب بالقوة الغاشمة. إنها لمأساة قاتلة حيث تفيد الأنباء أن رجال الشرطة في مدينة الموصل يخافون الخروج إلى الشوارع ببدلاتهم الرسمية خوفاً من بقايا النظام السابق؟ وإن ".. الهجمات على مراكز الشرطة (في الأسابيع الماضية) أدت الى تخلي اكثر من 80 في المائة من الشرطة (5 آلاف) عن وظائفهم".(الشرق الأوسط، 3/12/2004). فالبعثيون بملابسهم المدنية هم الذين يحكمون المدينة ويسيطرون على مراكز السيطرة في الطرق وداخل المدينة ويفتشون المارة ويسألون عن هوياتهم. فلو استمر الوضع على هذا الشكل الرهيب فلا بد وأن يأتي يوم تعم فيه الفوضى العارمة في هذه المدن ولم يكن هناك وجود للحكومة أو أثر لحكم القانون وعندها ستتحقق نبوءة المجرم صدام حسين أن الذي يحكم العراق من بعده يستلمه خرائب بلا بشر. والأمر من كل ذلك أن الناس العاديين يعتقدون أن السيارات المفخخة وهذه الجرائم هي من صنع الأمريكان وليس من صنع البعثين الذين يطلق عليهم الآن مجاهدين. فالمعروف أن ما يسمى ب(جيش محمد) قد أسسه صدام حسين قبل سقوط نظامه.
من هنا نعرف مخاطر سياسة التساهل مع المجرمين وعدم الإسراع في محاكمتهم ومعاقبتهم. لذلك فالحكومة مطالبة بتقديم المجرمين المعتقلين وكل من يلقى القبض عليه، للمحاكمة السريعة وإصدار أشد العقوبات وتنفيذها بحقهم فوراً بما فيها حكم الإعدام دون أي تأخير. وإذا تخاذلت الحكومة في تنفيذ هذا المطلب فالمستقبل يهدد بأسوأ العواقب الوخيمة وعندها سوف لا يفيد الندم.
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محنة سنة العراق
-
تأجيل الانتخابات العراقية انتصار لصدام والزرقاوي
-
في العراق.. الطائفية أقوى من الوطنية
-
الشرطة العراقية والموت المجاني؟
-
حذار من تكرار خدعة بن العاص في الفلوجة
-
ماذا يعني فوز بوش للولاية الثانية؟
-
لماذا نداء المجتمع المدني ضد التدخل الفرنسي في الشأن العراقي
...
-
المثقفون الأحرار في مواجهة فقهاء الإرهاب
-
متى تتوقف المجازر في العراق؟
-
دور الأردن في تخريب العراق
-
حول(عقلية التدمير) والدقة العلمية..!!
-
هل مازال صدام يحكم العراق؟
-
ازدواجية الموقف العربي من الإرهاب
-
الأمن في العراق ضحية الطوباوية والمزايدات السياسية
-
تعقيباً على ردود العرب وعقلية التدمير
-
العرب وعقلية التدمير
-
حجب الفكر عن الشعب دليل على الإفلاس الفكري
-
لماذا التحالف ضد الانتخابات في العراق؟
-
يفتون بالإرهاب ويتبرّأون من عواقبه!
-
موقف كوفي أنان من القضية العراقية
المزيد.....
-
مشتبه به بقتل فتاة يجتاز اختبار الكذب بقضية باردة.. والحمض ا
...
-
في ظل استمرار الحرب والحصار، الشتاء يضاعف معاناة نازحي غزة و
...
-
قصف إسرائيلي عنيف يزلزل الضاحية الجنوبية لبيروت
-
صدمة في رومانيا.. مؤيد لروسيا ومنتقد للناتو يتصدر الانتخابات
...
-
البيت الابيض: لا تطور يمكن الحديث عنه في اتصالات وقف النار ب
...
-
نائب رئيس البرلمان اللبناني: لا توجد عقبات جدية تحول دون بدء
...
-
استخدمت -القرود- للتعبير عن السود.. حملة توعوية تثير جدلا في
...
-
-بيروت تقابلها تل أبيب-.. مغردون يتفاعلون مع معادلة حزب الله
...
-
مشاهد للجيش الإسرائيلي تظهر ضراوة القتال مع المقاومة بجباليا
...
-
ماذا وراء المعارك الضارية في الخيام بين حزب الله وإسرائيل؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|