|
تحليل بسيط لمقارنة سطحيه
عمر دخان
الحوار المتمدن-العدد: 3486 - 2011 / 9 / 14 - 21:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
اطلعت مؤخرا على مقارنة سطحية بين الإسلام و الليبرالية وجدتها على الإنترنت، على الرغم من أن الليبرالية ليست دينا و لكنها توجه فكري شاء من شاء و أبى من أبي. في هذه المقارنة يتحدثون عن من هو المطاع الأول على سبيل المثال، فيقال أن المطاع في الإسلام هو الله بينما في الليبرالية المطاع هو المزاج و الشهوة، و هي أحد أساليب تشويه الفكر الليبرالي بجعله فكرا جنسيا لأنه على ما يبدو ذلك هو ما يشغل عقول هؤلاء المصابين بالكبت. أؤكد هنا أن الضمير السليم هو المطاع في الفكر الليبرالي، و الضمير السليم لا يقوم بما هو ضد الفطرة السليمة التي هي في الأخير موضوعة في الإنسان من قبل الخالق و هو ما يعني بطلان هذه المقارنة التي وضعت من قبل أناس كانوا يرفضون كروية الأرض إلى زمن قريب!.
ثم تتحدث المقارنة عن معنى الحرية، فتقول في الإسلام تفعل ما تريد في غير معصية الله، بينما في الليبرالية تتخلص من قيود الدين و تفعل ما تشاء، و هو طرح متوقع من أناس يجب أن يتم تخويفهم من نار جهنم مليون مره في اليوم من أجل ردعهم عن القيام بالشرور، و التي يقومون بها على كل حال. الحرية في النظام الليبرالي مقيدة بالقانون و باحترام حقوق الغير، و هو دائما يبقى مرتبطا بالنفس الإنسانية و ضميرها السليم، و لن يفيدك سبعون كتابا مقدسا لتصلح إنسانا ذو ضمير سيء و لا يرغب في الاستقامة. المجتمع الليبرالي ليس فوضى كما يريد هؤلاء تصويره، بل تحكمه قوانين و ضوابط، و الحرية اللامشروطة فيه تمارس بمسؤولية و بشكل لا يشكل ضررا على المجتمع.
ثم تتحدث عن الزواج و كيف أنه في الإسلام بين ذكر و أنثى و في الليبرالية لا مانع أن يكون بين رجل و حمارة أو امرأة و كلب، و لا أدري كيف تم ربط تصرفات شخصية تحدث في أي مكان في العالم بالليبرالية كفكر، فالأحمق الذي قام بهذه المقارنة لا يدرك الفرق بين توجه فكري و بين تصرفات شخصيه يقوم بها أشخاص غرباء الأطوار في كل مكان حول العالم، و الواقع أن الزواج بين بالغ و رضيعة يعتبر بالنسبة لي أسوأ بمراحل من الزواج بين رجل و ستة حمير، أليس كذلك؟.
و ينطلق في الحديث في المقارنة عن حق الأب في تأديب أبنائه على التقصير، بينما لا توجد أي سلطه للأب على أبنائه وفقا للنظام الليبرالي – أعلم أنه خرج تماما عن الليبرالية كفكر و أصبح يخلط بين أسلوب حياة غربي قد يكون شيوعيا أو يمينا و بين الليبرالية و لكنني سأواصل تحليل هذا الهراء على أية حال – وهو ليس بالأمر الصحيح، فالتربية في المجتمع الليبرالي مبنية على التفاهم بين الأب و الأبناء و ليس على التعذيب و فتح المجال للآباء الذين قد يكون بعضهم غير مؤهل للأبوة أو لديه نوبات غضب قد تؤدي به إلى إيذاء الطفل الذي لا يملك القدرة على الدفاع عن نفسه ضد جنون بعض الآباء، و هو ما يؤكد أن المجتمع الليبرالي يربي الأطفال بأسلوب يجهزهم لحياة يستخدمون فيها عقولهم، و ليس بأسلوب عنيف يجعل من العنف أسلوب حياة بالنسبة لهم و يدمر مستقبلهم بشكل كامل.
يقارنون بين ذلك بين الخمر و كيف أنه من الموبقات في الإسلام، بينما في الليبرالية من أراد من يجهر بشرب الخمر فليفعل، و هو يظهر حقيقة هذا الفكر – أي الفكر المتطرف – المبنى على كبت التصرفات الشخصية و لو في العلن فقط، فمن يشرب يجب أن يكون همه الأول هو عدم الجهر بذلك و هو ما يتبعه الكثير من جماعتهم و خاصة أولياء الأمور الذين يدافعون عنهم و عن عروشهم صبح مساء، و هم أيضا لا يفهمون أن الفكر الليبرالي فكر سياسي يستوعب كافة الأديان و الطوائف، و بالتالي لا يمكن له أن يفرض معتقدات دين ما على أتباع دين آخر، و أنا أدرك صعوبة فهم ذلك عليهم لأن ضآلة عقولهم و نفسياتهم الدموية لا يمكنها تخيل مجتمع يعيش فيه البشر بكافة معتقداتهم و طوائفهم دون تمييز أو عنصرية.
النقطة التالية حول أنه لا يجوز إهانة المصحف وفق المفهوم الإسلامي، بينما الفكر الليبرالي يعتقد أنه لا حرج على من فعل ذلك. أولا، هذا هراء تام لأن المتابع لحوادث إهانة الكتب المقدسة في أي مكان حول العالم يجد الليبراليين أول المنددين بها، مذكرين بممارسة الحرية بمسؤولية و ضرورة احترام مقدسات الآخرين، و هو يظهر الكذب الممارس من قبل ناكري الجميل هؤلاء. ثانيا، من يقوم بمثل هذه الأفعال يسيء لنفسه قبل أن يسيء لغيره و تجاهله هو السبيل الوحيد لعلاجه، فمن يهين المصحف في العلن يمكن له أن يقوم بذلك في السر و لن يوقفه أحد، و هو ما يؤكد على أنه من الضرورة تجاهل مثل هذه التصرفات، و هو أمر يصعب على أمة “فاضية” و تريد أي سبب لترغي و تزبد فهمه.
النقطة التالية تتحدث عن أن ثوابت العقيدة مسلمات لا مساس لها، بينما وفق الفكر الليبرالي ليس هناك مسلمات لا تقبل النقد، وهم في الواقع أحسنوا للفكر الليبرالي دون أن يقصدوا، لأن العلم لا يقبل المسلمات و يسعى دوما من أجل التحليل و النقد من أجل الوصول لمعطيات جديده، و لولا نقد المسلمات – و التي نسبوها مشكورين للفكر الليبرالي – لما تطور حتى العلم الديني نفسه و الذي تشهد مذاهبة المختلفة اليوم أنه لم يكن هناك حدود للتفكير و نقد المسلمات و الذي أدى في الأخير إلى تطوره. لا يمكن لأحد أن يطلب من العقل الحر أن يتوقف عن السؤال و البحث و يتم بدل ذلك حشو رأسه بمعطيات دون أن يتم شرحها له، و هو ما سيؤدي عاجلا أم آجلا إلى تخليه عن كل تلك المسلمات مره واحده مقدما لنا نتيجة عكسية أخرى للأسلوب المتصلب الذي يتبعه من يدعون تمثيل الإسلام و ملكيتهم له.
تسرد المقارنة بعد ذلك الفرق بين نظرة الإسلام للحجاب، و نظرة الليبرالية التي ترى في الحجاب رجعية، بينما هذا الأحمق لا يدرك أن الدفاع عن الحريات الشخصية الذي تنادي به الليبرالية يعني حرية المرأة في ارتداء حجابها، و لم يتابع استنكار الليبراليين في كل مكان يتم فيه محاربة الحجاب أو أي نوع من الملابس التي تدخل في عادات المرء أو معتقداته، و هو ما يثبت لي أن مثل هذه المقارنات يتم وضعها بأسلوب أسود/أبيض، أي يأتي بالنص الإسلامي، ثم يضع نقيضه و ينسبه لليبرالية في حركة رخيصة لا تصدر سوى عن إنسان يعتبر الكذب على الآخرين خدمة للدين.
اخترت من المقارنة أهم النقاط و لا أريد أن أناقش بقية النقاط التي هي مبنية بشكل واضح تماما على أسلوب أسود/أبيض السالف الذكر، و لكنها نقاط يمكنني أن أفندها في نقاش وجه لوجه مع أي من واضعي تلك المقارنة أو المدافعين عنها، و هو أمر قمت به كثيرا من قبل في نقاشات مع أشخاص في أماكن مختلفة، نجحت فيها و الحمد لله في جعلهم يدركون حقيقة الأكاذيب التي يتم تسويقها من أجل دفعهم في طريق معين لا يخدم مجتمعهم و لا إنسانيتهم، و لكنه يخدم تجار الدم و الكلمة، وحوش البشرية.
#عمر_دخان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غباء مشفر
-
في ذكرى الثلاثاء الأسود
-
شعوب مُستَبِده
-
الشقاء المقدس
-
ليبيا الحره
-
وكالين رمضان
-
و تريدون دولة أخرى؟
-
أنا شرير إذا أنا موجود!
-
تحريضٌ ممنهج
-
رضي الله عنه!!
-
الإلحاد المتطرف
-
كرات اللهب البشريه
-
بريطانستان
-
جمعية إنتهاك حقوق الإنسان
-
إنفصام الشخصيه
-
العلمانيه الثيوقراطيه في الجزائر
-
الوطن أولا
-
الولاء المزدوج
-
حس الفكاهة المفقود
-
كلام فارغ
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|