|
صفحة من كتاب قريش من القبلية إلى الدولة المركزية -لخليل عبد الكريم
مختار العربي
الحوار المتمدن-العدد: 1038 - 2004 / 12 / 5 - 08:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ضرب الخليفة الثاني عمر بن الخطاب مثلاً فريداً في عدل الحاكم ، وانطلق يحقق الرخاء لرعيته في ظل من العدل والمساواة والأخوة الإنسانية ( عبد الرحمن الشرقاوي في الفاروق عمر ، ص292 ،ط1 ، 1987 ) وكفل للناس حرية العقيدة وحرية الفكر ورعي للإنسان وقاره واحترامه وكبرياءه ..( نفس المرجع) وكان عادلاً لأنه قوي ومستقيم بتكوين طبعه ، وأن شئت فقل أيضا بتكوينه الموروث ( عباس محمود العقاد من عبقرية عمر ، ص 26 - (د.ت.) دار الهلال بمصر ) . ولا يختلف اثنان على عدل عمر ، ويخرج عن نطاق بحثنا سوق أمثلة على التزامه الصارم بالعدل ، ولكن عندما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي - لعنه الله تعالى - وأخذ رأيه فيمن يخلفه قال : ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء الرهط الذين توفى رسول الله ( ص ) وهو عنهم راض ، فسمى علياً وعثمان وطلحة وسعداً وعبد الرحمن والزبير وقال : يشهدكم عبد الله بن عمر وليس له في هذا الأمر شئ ، ( الإمام البخاري في صحيح البخاري ، قصة البيعة والاتفاق على عثمان بن عفان رضي الله عنه ) ، وقال لأبي طلحة الأنصاري : يا أبا طلحة إن الله -عز وجل - طلما أعز الإسلام بكم ، فاختر خمسين رجلاً من الأنصار ، فاستحث هؤلاء الرهط ، حتى يختاروا رجلاً منهم ، وقال لصهيب : صل بالناس ثلاثة أيام وأوصى بأن من يخالف من هؤلاء الستة ما يستقر عليه رأي الباقين ( يشدخ رأسه بالسيف ) وأن رضى ثلاثة منهم رجلاً ورضى الثلاثة الآخرون رجلاً فليحكموا عبد الله بن عمر فإن لم يرضوا بحكمه فيتم اختيار من ارتضاه الفريق الذي يضم عبد الرحمن بن عوف ، ثم انتهى الأمر باختيار عثمان - رضي الله عنه - خليفة . هنا نجد أن الخليفة العادل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - يحدد ستة نفر ، كلهم من قريش ليتولى واحد منهم رئاسة الدولة من بعده ، ويضع ابنه عبد الله - رضي الله عنه - وهو قرشي ليشترك في الاختيار وليصير حكماً إذا تعادلت الأصوات وترك عمر - رضي الله عنه - أصحاب رسول الله ( ص ) من سائر القبائل وفي مقدمتهم الأنصار ( الأوس والخزرج ) ، ومنهم عدد لا يحصى ممن ينطبق عليه الشرط الذي حدده عمر وهو رضاء الرسول - عليه السلام - عنه حتى وفاته ، وهنا يحق لنا أن نسأل ( عن حق هؤلاء الرهط في تقرير مصير الخلافة دون سائر المسلمين ؟ إذا كان مجرد رضا النبي عنهم - إذا فرضنا صحة ذلك ، مع أن بعض المؤرخين قد أشار إلى غضب الرسول على طلحة - كافياً لترشيحهم للشورى ، فلماذا لم يدخل عمر آخرين ممن كان الرسول راضياً عنهم من المهاجرين والأنصار ) . ( د. نورى جعفر في علي ومناؤوه ، ص 60 الطبعة الأولى 1394هـ/ 1974 م ، نشر مطبوعات النجاح بالقاهرة ) . لا يوجد نص في القرآن الكريم أو السنة المشرفة ، يخول عمراً - رحمه الله تعالى - أن يأمر بشدخ رأس من لا يوافق على ما يستقر عليه رأي الباقين ولعل مقولة عمر هذه هي التي جذرت سنة قتل المعارضين بالسيف ، التي طبقت طوال التاريخ الإسلامي ، وما زالت سارية المفعول حتى اليوم وهل يجيز القرآن أو سنة الرسول ضرب أعناق رجال من المسلمين ، لمجرد أنهم يجتهدون بالرأي يخالف رأي الرهط الذي فيه عبد الرحمن بن عوف ؟ فكيف وهؤلاء الناس من خيرة المسلمين بشهادة عمر نفسه ؟ لاحظ أن عمراً أشرك غير القريشيين في عملية اختيار الخليفة الذي يأتي من بعده ولكنه - غفر الله له - أناط بهم أدواراً هامشية لا تنتهي بداهة بتنصيب واحد منهم أميراً للمؤمنين فقد عهد إلى صهيب وهو من خيرة صحابة الرسول وممن توفى وهو عنهم راض أتم ما يكون الرضا - عهد إليه بالصلاة بالناس - والصلاة تسمى بـ ( الإمامة الصغرى ) . وندب أبا طلحة الأنصاري ، وهو من أعيان الصحابة وله أياد بيضاء في نصرة الإسلام والرسول الذي توفى وهو عنه راض ، ندبه عمر وخمسين أنصارياً لخفارة البيت الذي كانت تتم بين جنباته المشاورات ، ومن اللافت للنظر أن عمراً - سامحه الله تعالى وغفر له - قال لأبي طلحة الأنصاري وصحبه من الأنصار : لطالما أعز الله جل جلاله بكم الإسلام !!! والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن على الفور لا على التراخي : لماذا - إذن - لم يـُتح عمر لهؤلاء لأنصار الذين طالما أعز الله بهم الإسلام ممارسة حقهم المشروع الذي كلفه لهم الإسلام وهو الترشيح والاختيار في عملية البيعة خاصة وأن كثيرين منهم تتوافر فيهم الشروط اللازمة للخلافة ؟؟؟ إن اختيار عمر إيلاء الأمر النخبة ـ والنخبة صالحة للتعبير عن الأفكار والمبادئ السامية ولكنها ليست للشعب بحال ، والخلافة منصب أول في الحكم الإسلامي فهي من حق الشعب لا من حق ستة أفراد ، ولخير ألف مرة أن تحدث أحاديث وأحداث وحوادث بسبب الشورى من أن تحدث وفاقية هشة تجر ذيولاً تنفث فيها الرياح ولهيب الفتن ، وإذا كانت الرسالة معصومة فالخلافة بشرية ليست لها العصمة) ( د. علي شلق في العقل السياسي في الإسلام ص37 ط 1 1985 دار المدى بيروت لبنان ) وفي رأينا أن الذي حدا عمر بن الخطاب للعدول عن مبدأ الشورى وإسناد الأمر لجماهير المسلمين لانتخاب من يتولى حكمها ، هو التزامه القاعدة التي استقرت وهي وجوب أن يكون الخليفة من قبيلة قريش دون غيرها من القبائل ( ومع احترامنا اختيار عمر إلا أنه أدى إلى كوارث وقعت على الجسد الإسلامي ، ومازالت حتى اليوم بعد أربعة عشر قرناً تفعل فعلها في التفريق والتمزيق ) . ذلك أن توازنات القوى والمصالح داخل قبيلة قريش دفعت إلى تنصيب عثمان بن عفان خليفة ، وهو الذي قالت في حقه بعد سنوات قليلة الصديقة بنت الصديق ، أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها ـ ( هذا ثوب رسول الله ( ص ) لم يبل وقد أبلى عثمان سنته ) (سعيد الأفغاني في عائشة والسياسة ص44 ط1 ،1947 لجنة التأليف والنشر بالقاهرة نقلا عن نهج البلاغة لابن أبي حديد الجزء الثاني ص76 ) . وكان هذا الاختيار فاتحة حدوث ( الفتنة الكبرى ) التي أوجدت في الأمة الإسلامية صدعاً ما زالت آثاره حية إلى اليوم وسوف تظل كذلك حتى يرث الله الأرض ومن عليها . وذلك فإن حزب التجار والأغنياء بقيادة بني أمية قد عاد لاستلام السلطة التي كانت في أيديهم قبل الإسلام وانتصر على حزب المستضعفين بقيادة علي بن أبي طالب ثم تكرر ذلك بصورة قاطعة عندما تسلم معاوية ذروة الخلافة مجدداً بذلك قيادة أبيه ـ أبي سفيان - لقريش ولا نعني بذلك غلبة الأمويين على الهاشميين نهائياً فالخلاف أو التنافس بين هذين الفرعين يخرج عن نطاق دراستنا لأننا نتناول قريش ككل لا كأجزاء وهذا الموضوع ( التنافس بين الاثنين ) كان ولا زال موضوع شد وجذب بين المؤلفين قدامى ومحدثين . وقد كان في حزب الأغنياء أفراد من بطون شتى وكان قائده أبو سفيان ثم جاء عثمان ثم معاوية ولقد كان في حزب التجار والأغنياء أشخاص من بني هاشم منهم : نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وأبو لهب والعباس بن عبد المطلب ، أما الأحاديث التي تذكر أن العباس كان مسلماً وخرج مكرها لقتال المسلمين في بدر فقد وضعت كما نرجح في عهد أحفاده ( العباسيين ) مثل الخبر الذي ذكر عن حضور العباس مع النبي العقبة الثاني أو عقبة السبعين التي تمت فيها بيعة الحرب بين محمد والأنصار وكانت هناك صلة حميمة بين أبي سفيان والعباس استمرت بعد الإسلام وهو الذي أخذ له الأمان من محمد عند فتح مكة مما أثار ثائرة عمر بن الخطاب الذي كان أقرب إلى حزب المستضعفين ـ وحدثت بينه وبين العباس مشادة لأن عمر كان يميل إلى عقاب أبي سفيان بضرب عنقه جزاء لأفعاله في الكيد للإسلام ومحاربته إياه . وأياً كان الأمر فالذي لا مشاحة فيه أن انتصار حزب الأغنياء والتجار منذ تولي عثمان الخلافة وبعد ذلك معاوية وانتقالها إلى الأمويين : سفيانيين ومروانيين ثم إلى العباسيين كان له أثر بالغ على التاريخ الإسلامي لا في بواكيره الأولى بل على طول امتداده ولم يقتصر التأثير على الناحية السياسية بل طال على النواحي الفكرية والفقهية وطبع الفقه الإسلامي بطابع خاص لم يستطع أن يتخلص منه .
#مختار_العربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سنقرئك فلا تنسي الآية.. نسيان النبي (ص) ما يوحي إليه! – الجز
...
-
أعطني حرية المعرفة والتفكير والكلام والمعتقد من دون سائر الح
...
-
من هو التاريخ الإسلامي؟؟
-
مارتن لوثر كينج - صرخة ضد العنصرية
-
أم المؤمنين في السبيّ !!! كيف تزوج النبي (ص) من صفية بنت حيي
-
الحرية هي لون الإنسان.. والإسلام السياسي يذهب رمادياً دائماً
...
-
فلاديمير ايليتش أوليانوف - يعلن عن طبيعة الحقيقة....
-
مواصفات الدجال إسلامياً ووصف دراماتيكي لإرهاصات الساعة..!
-
البرجوازية العربية في خلافة عثمان (3) -اللهم إني أعتذر إليك
...
-
مباشرة النبي (ص) للحائض وأحاديث جنسية ترويها الحميراء
-
البرجوازية وحكومة الاستبداد في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن
...
-
ارضعيه تحرمي عليه- رضاعة الكبير على مسئولية أم المؤمنين!!
-
البرجوازية في خلافة عثمان (2) - تأويل أن الأقربون أولى بالمع
...
-
مباشرة الرجل امرأته (دابته!!) في رمضان حلال!! على مسئولية أم
...
-
الهزيمة الثقافية - الفكر الإسلامي المعاصر الذي يقتل الآخر...
...
-
التاريخ الإسلامي (نعم) تلك الذاكرة الحرجة - الجزء الثالث
-
التاريخ الإسلامي تلك الذاكرة الحرجة - الجزء الثاني
-
التاريخ الإسلامي تلك الذاكرة الحرجة- الجزء الأول!!!
-
القبلة (بضم القاف) في رمضان حلال؟!!! على مسئولية مسلم!!
-
سيد القمني رمز وحدة العقل الكامل
المزيد.....
-
مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
-
ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|