|
اليسار والطبقات الاجتماعية
حاتم السليمان
الحوار المتمدن-العدد: 3486 - 2011 / 9 / 14 - 09:01
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
إحدى أهم الأوَّليات الماثلة أمام اليسار العربي في المرحلة الراهنة، إعادة صياغة مشروعه الوطني الإنساني بحيث يستند على أسس واقعية,تلبي طموح وتطلعات أكبر شريحة شعبية تأخذ بالحسبان مجمل التغييرات الطبقية التي طرأت على المجتمع العربي، وكذلك على الكثير من المفاهيم في أدبيات الماركسية التقليدية، مع الأخذ بالحسبان أن عصرنا هو عصر عولمة الرأسمالية المتوحش بامتياز القائم على استغلال الشعوب واضطهادها.
إن انقسام المجتمع إلى طبقات متناحرة أو متعاونة، ليس اكتشافاً من اكتشافات الماركسية، ففي رسالة موجهة من ماركس إلى (وايديمار) يقول فيها: (إن الفضل في اكتشاف وجود الطبقات في المجتمع المعاصر، والصراع الذي يدور بينهما، لا يعود إلى مجهوداتي. فمنذ زمن بعيد، قبل أن نولد، قام بعض الاقتصاديين البرجوازيين باستعراض التطور التاريخي بهذا الصراع بين الطبقات وقسماته الاقتصادية ). (رسائل حول الرأسمال _1853م). من المعروف أن كل مجتمع يقوم على تقسيم مزدوج للعمل، مهني واجتماعي. ينبع التقسيم المهني للعمل من ضرورات تكتيكية ترتبط بأسلوب معين من الإنتاج في مرحلة معينة من التطور، أي أنه مرتبط بالقوى الإنتاجية وعلاقات الإنتاج الاجتماعية التي تتميز بها المرحلة المعينة، ويرتبطان بصلة جدلية قوية. أما التقسيم الاجتماعي للعمل فمهمته ضمان استمرار العمل الذي يقوم به المجتمع على أساس من التمايز الطبقي، ومن العلاقات القائمة بين الطبقات، علماً أنها تختلف من مجتمع إلى مجتمع. أي أن العلاقات الطبقية تشكل العامل الرئيسي في علاقات الإنتاج الاجتماعية، وهي التي تحدد العلاقات القائمة بين الأفراد خلال عملية إنتاج المنتجات المادية للمجتمع وتوزيعها وتبادلها. غير أنه من غير الممكن تحليل العلاقات الطبقية بمعزل عن مستوى التطور الذي وصلت إليه قوى الإنتاج المادية والبشرية في المجتمع، (إن الناس في المجتمع يغيرون أساليب الإنتاج، وطرقهم في كسب العيش، كلما تمكنوا من اكتشاف واستخدام قوى إنتاجية جديدة. إنهم جميعاً يغيرون العلاقات القائمة بينهم.وهكذا توجد حركة دائمة لاتتوقف من النمو في قوى الإنتاج، ومن التحطيم للعلاقات الاجتماعية القائمة ومن الولادة والبلورة في الأفكار) (بؤس الفلسفة_ماركس). في مؤلفات ماركس لايوجد تعريف شامل للطبقات الاجتماعية. غير أنه ميّز الطبقة العاملة من غيرها من الطبقات وأولاها أهمية خاصة. ففي (بيان الحزب الشيوعي) كتب ماركس يقول: (طبقة العمال المعاصرة التي لا يستطيع أفرادها العيش إلا عن طريق العمل، والذين لا يجدون العمل إلا إذا كان جهدهم سيؤدي إلى تراكم الرأسمال). عندما نتكلم عن عمل منتج فإننا نقصد عملاً يخلق قيمة مضافة، يسبب تراكم في الرأسمال، أي أن العمل المنتج هو كل عمل يؤدي إلى تحريك الرأسمال ويخلق قيمة استعمالية وقيمة تبادلية، بحيث يكونان مرتبطين بالسلعة نفسها. غير أن التقدم التقني الهائل، في العصر الحديث أدخل تغييرات هامة على صعيد عملية الإنتاج، وتحديداً القوى المنتجة، أدخل نوعاً جديداً من العلاقات الاجتماعية، حصل فيها تقارب متزايد بين العمل المنتج والعمل غير المنتج، بين العمل اليدوي والعمل الذهني.وبالتالي أفرز مفهوماً جديداً لمصطلح (الطبقة العاملة). بالتالي لابد أن ينتج أيضاً مفهوماً جديداً لمصطلح (الصراع الطبقي) يأخذ بالحسبان مجمل التغيرات التي طرأت على عملية الإنتاج برمتها. وعند الحديث عن التحولات الطبقية في مجتمعنا العربي، لا بد من تأكيد أهمية العوامل الإيديولوجية في الصراع الطبقي السلمي، وعدم التقليل من أهمية الصراع الطبقي حتى في المجتمعات غير المتمايزة، أو المتداخلة طبقياً. ففي عملية الإنتاج المادي لم يعد هذا الإنتاج مقتصراً على من يعملون بجسدهم فقط، إذ إن عملية الإنتاج المشترك أصبحت ضرورية، وذات صلة عضوية بالدور الذي يقوم به العاملون بذهنهم (كفنيين، واختصاصيين، وواضعي ومخططي البرامج الإنتاجية، إضافة إلى المنفذين والذين يتابعون تسويق ونقل الإنتاج إلى الأسواق، كعمال الاتصالات السككية والطرقية واللاسلكية، عمال التغليف والتجارة، عمال النقل والتوزيع). كما أن الطبقة العاملة رُفدت على مدى عقود، ومازالت تُرفد، بأجيال متزايدة من الشباب المهاجر من الريف، سواء من زوجوا بعملية الإنتاج المباشر في المعامل والمصانع، أو من التحق منهم بورش البناء و معامل النسيج وغيرها. وبنظرة موضوعية، نجد أن ظروف العمل والحياة التي تحيط بمجموع العاملين من الفئات الوسطى أي غير العمالية والتي تعمل مقابل أجر مثل موظفي المكاتب والمصالح، والإداريين في المؤسسات والشركات، والمدرسين والمهندسين والباحثين غير المرتبطين مباشرة بعملية الإنتاج المادية، والأطباء وعمال الجهاز الصحي، تقربهم من الطبقة العاملة دون أن تدمجهم معها. رغم عدم مشاركتهم مباشرة في إنتاج القيمة، غير أن نشاطهم الذهني الذي يقومون به (العلمي والتعليمي)، يجعل دورهم المباشر في عملية التطور العام للمجتمع يزداد أهمية بشكل مستمر. وكنتيجة للتقدم التكنولوجي الهائل الذي يشهده عصرنا، تزداد صعوبة الفصل بين النشاط الذهني والنشاط اليدوي، والذي يدعم فكرة الأسلوب الجماعي في الإنتاج. هذا وقد صاغ ماركس فكرة (العمل الجماعي)، بوصفها ظاهرة واقعية موضوعية، تقف في مقابل تجزئة العمل، والفصل بين مختلف أوجه النشاط الفكري واليدوي الذي يتولد عن الصناعة الكبيرة في ظل العلاقات الرأسمالية، وهي فكرة تؤكد بشكل أساسي الوحدة القائمة بين العاملين في مشروع إنتاجي واحد. إن الصناعات الحديثة المؤتمتة تتميز عن الإنتاج الصغير في أن (المنتج الفرد المجزأ لا يصنع السلع، فالمنتج الجماعي وحده هو الذي يصنع سلعة) (الرأسمال _ ماركس). و مع نمو (التشريك الاجتماعي، في الإنتاج يتعمق الطابع الجماعي لعملية الإنتاج نفسها)، أي أن النشاط الإنتاجي والنشاط غير الإنتاجي يوجدان جنباً إلى جنب في (العمل الجماعي). فالتقدم العلمي والتقني في الإنتاج قد قارب عملياً، ووحد الظروف الحياتية والعملية لكل مشاركي عملية الإنتاج، مع بقاء بعض التباينات البسيطة (ظروف معيشة مشتركة، أجور متقاربة، انعكاسات النجاح والفشل واحدة,مشاكل بيروقراطية وإدارية مشتركة......). إن وحدة والتقاء اليسار على برنامج وطني إنساني، يلبي مصالح أكبر و أوسع أطياف المجتمع في العدالة الاجتماعية والحرية والتنمية والتقدم والمساواة لا يعني إنكار أو طمس الخلافات الفكرية بين فصائل اليسار المختلفة، وإنما تحديد نقاط الاتفاق وتعميقها وحصر أوجه الخلاف وتصفيتها من خلال صراع فكري جاد وموضوعي، إذ يبقى الخلاف في إطار التناقض الثانوي، الذي يجب أن يظل أسلوب حله هو الحوار الفكري القائم على الاحترام المتبادل لكل الآراء والأفكار وعدم التخوين واللجوء إلى المهاترات . ويجب التمييز بين طبيعة التناقض الثانوي والتناقض الرئيسي وبين أسلوب معالجة كل منهما، وإدراك أن الخلافات الفكرية والإيديولوجية، السياسية أو التنظيمية في صفوف اليسار ما هي إلا تناقضات ثانوية وغير عدائية.
#حاتم_السليمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
نَقْد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 1/2
/ عبد الرحمان النوضة
-
اللينينية والفوضوية فى التنظيم الحزبى - جدال مع العفيف الأخض
...
/ سعيد العليمى
-
هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟...
/ محمد الحنفي
-
عندما نراهن على إقناع المقتنع.....
/ محمد الحنفي
-
في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟...
/ محمد الحنفي
-
حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك
...
/ سعيد العليمى
-
نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب
/ عبد الرحمان النوضة
-
حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس
...
/ سعيد العليمى
-
نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|