|
عن دور الإسلاميين في الانتفاضة السورية
سلامة كيلة
الحوار المتمدن-العدد: 3485 - 2011 / 9 / 13 - 20:52
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
ما يبدو أنه توافق بين السلطة في سورية والإسلاميين هو اعتبار أن الانتفاضة إسلامية، حيث تريدها السلطة كذلك من أجل تخويف الأقليات الدينية، وتبرير القمع الشديد الذي تمارسه، لكن أيضاً من أجل تخويف البلدان الإمبريالية من "الخطر الإسلامي". لكنني لست هنا في مجال الحديث عن موقف السلطة بل عن وهم الإسلاميين، الذين صدّقوا رواية السلطة، وعاشوا حالة انتشاء هائلة، إلى الحد الذي جعلهم يعتبرون أنهم السلطة منذ الآن، وبالتالي أن ينشطوا خارج سورية لترتيب "السلطة الجديدة" لكي تكون سلطتهم. لاشك في أن الملاحظ لمسار الانتفاضة يتلمس مسألتين، الأولى هي انطلاق التظاهرات من الجوامع أيام الجمع، والثانية ترداد الكثير من التعبيرات الدينية الإسلامية في هذه التظاهرات. وسيتلمس الكثير من التركيز على الشعارات الإسلامية في وسائل الإعلام التي تنقل التظاهرات، وأيضاً أن كثير من المواقع التي "تدعم" الانتفاضة على شبكة النت ذات طابع إسلامي، حتى تلك المسماة "الثورة السورية "، والتي بدت كأنها الناطقة باسم الانتفاضة. وبالتالي سيكون التقدير هو أن سيطرة إسلامية كاملة تحكم الانتفاضة. هذا الوضع جعل جماعة الإخوان المسلمين تعتقد بأنها تقود الانتفاضة، وأن كل هؤلاء "من أعضائها"، أو على الأقل من المؤيدين لها. وبدأت تتصرف كمن يملك أغلبية الشعب، وأن من حقه تحديد طبيعة السلطة الجديدة "ديمقراطياً". حيث أن الحكم هو لـ "الأغلبية" كما هو متعارف عليه. طبعاً، ليس المهم ما يقول الفرد أو الحزب عن ذاته، المهم ما هو في الواقع. وفي أحيان كثيرة يقود العجز الذاتي إلى توهمات وتخيلات لا علاقة للواقع بها، تؤسس لعنجهية مفرطة. وبالتالي يتصوّر المرء ما يريده وليس ما هو عليه. ولاشك في أن وجود جماعة الإخوان المسلمين في سورية كان محرّماً بقانون يحكم بالإعدام على كل عضو، ولهذا أصبحت في الخارج دون مقدرة على بناء تنظيمي في الداخل. وأشير إلى أن المرحلة التي اشتعل فيها الصراع تقتضي المحاسبة على تسعير الصراع الطائفي من قبل الجماعة كما بالرد السلطوي على الأحداث. لكن هل كافأ الشباب الذي يخوض الانتفاضة الجماعة على دورها ذاك أم أنه اتخذ موقفاً سلبياً منها؟ حيث أنها خلّفت قتلى ومعتقلين ومفقودين، وتشدد في القمع، وإهانات. من الواضح بأن الانتفاضة عفوية، ومن فئات اجتماعية مفقرة بالأساس (مع مشاركة واضحة لفئات وسطى)، وهي محرَّكة من قبل الشباب الذي يمثل نسبة كبيرة في المجتمع، ومن العاطلين عن العمل. وهؤلاء لم يتعاطوا العمل السياسي، ومعلوماتهم السياسية محدودة أو حتى معدومة (سوى نخب الشباب الذي له علاقة ما بالسياسة). ولقد بدأ الخروج من الجوامع تقليداً لتجربة مصر، واستفادة منها، حيث ظهر أن هذا هو المكان الوحيد الذي يمكن أن يجمّع ما يشكّل نواة تظاهرة. ومن بدأ ذلك هم شباب يساري أو علماني كشكل من أشكال الدفع لتفجير انتفاضة، تأثراً بما جرى في مصر وتونس (وطبيعة معتقلي أيام 15 و16 آذار توضح ذلك). بعد درعا بدأ انضمام الفئات الشعبية، لكن ظل فعل هؤلاء قائماً نتيجة التوسع البطيء للانتفاضة، وأصبح هناك مدن وقرى تشارك بكاملها تقريباً. رغم أن العبء الأساس ظل على الشباب المفقر والمهمش، وفي الغالب بسيط الثقافة. مع مشاركة من بعض كادرات أحزاب المعارضة اليسارية، أو من كادر يساري مستقل، وهو ما كان يلوّن التنسيقيات بالتشارك مع إسلاميين ليسوا مسيسين ولا على توافق مع الإخوان المسلمين. ظهر بعض وجود لإسلاميين ينتمون للإخوان المسلمين وأيضاً لحزب التحرير، لكن حضورهم كان هامشياً. ولقد كان وجود حزب الاتحاد الاشتراكي في الانتفاضة أكبر مثلاً. لكن كل الوجود السياسي ظل محدوداً في خضم انتفاضة من المفقرين والمهمشين والبسطاء، الذين تقوم الانتفاضة على فعلهم العفوي، الذي نتج عن الحالة الاقتصادية التي فرضها نهب المافيات في ظل استبداد حقيقي. والذين كان واضحاً لهم بأنهم في صراع حدّي مع السلطة، سلطة هذه المافيا. إن غياب الثقافة السياسية بشكل عام، وغياب الأحزاب عن البيئة الشعبية (وانحصارها في نخب)، جعل عفوية النشاط ترتبط بشعارات تمتح من الوعي التقليدي. وهذا أمر طبيعي في هذه الحالات، ولا يعبّر عن انتماء سياسي بالتالي. وكان ذلك يختلط بشعارات تطرحها نخب الشباب التي لامست السياسة بصيغة أو أخرى، حيث ظهرت شعارات الحرية والدولة المدنية، وضد الاستبداد والفساد. ولقد حرّض خطاب السلطة الذي اتهم الانتفاضة بأنها سلفية وبأن الإخوان هم من يحرّكها، على رفع شعارات مثل "لا سلفية ولا إرهاب، الثورة ثورة شباب"، وأيضاً "لا سلفية ولا إخوان"، ترددت في المدن والمناطق التي كانت محسوبة على الإسلاميين (بانياس وتل كلخ وحمص وحماة والتل، وحتى حوران التي لم تحسب عليهم). والتي تكررت يوم الجمعة التالي لاعلان الإخوان المسلمين المشاركة في الانتفاضة بعد أسابيع من انطلاقها، وظلت تتكرر بعدئذ. وهو الأمر الذي كان يشير إلى رفض الربط بالسلفية وبالإخوان المسلمين، وبتوضيح حقيقة الحراك كحراك عفوي شعبي يطرح مطالب دون خلفية فكرية أو سياسية. وكان الشباب يتقصّد توضيح ذلك ليس تقية بل نتيجة موقف واضح بأن المسألة تتعلق بالوضع الذي يعيشه، وبضرورة التحرر من السيطرة الشمولية للسلطة. ما لا بد من توضيحه هو ضرورة التمييز بين الوعي الذي يحكم الانتفاضة، والذي يجعل الشعارات أو الهتافات إسلامية في كثير من الحالات، وبين أن ذلك هو نتاج انتماء سياسي لحركة الإخوان المسلمين من معظم هذه الجموع. فليس الشعار الإسلامي هو ملك الحركة، ولا الخروج من الجوامع هو نتاج قصد سياسي مسبق. فهذه الجموع رفعت شعار الدولة المدنية، وشعارات رفض التدخل الإمبريالي، وأكدت على أن الشعب السوري واحد، دون تمييز على أساس ديني أو طائفي أو إثني، وهذا هو أساس المواطنة التي لا تتسق مع الدولة الدينية أو التي مرجعيتها دينية. وإذا كان الوعي السياسي بما هو وعي البديل غائباً، فإن ما هو مرفوض من قبل المنتفضين واضح وأشير إليه في الشعارات كما أشرنا للتو. وهو لا يسير في اتجاه دعم تيار ديني، أو حتى دعم كل المعارضة، بل لازال يعبّر عن مكنون الطبقات الشعبية دون شكل سياسي متبلور. وربما هذا هو سياق تطور الصراع في المرحلة القادمة، حيث لا بد من أن يتبلور هذا الشكل لكي يصبح ممكناً انتصار الانتفاضة بشكل نهائي. إن التفسير الشكلي لما يجري جعل الإخوان المسلمين ينشطون في الخارج من أجل صياغة بديل تحت سيطرتهم انطلاقاً من أنهم على الطريق إلى السلطة. وإذا كانت مسألة المشاركة في السلطة الحالية مطروحة عبر وساطة تركية منذ سنتين تقريباً، وهو الأمر الذي جعلهم يوقفون "الصراع" مع السلطة ويؤكدون على وطنيتها، فإن الأمور تجري الآن انطلاقاً من أن تصبح الحركة هي أساس تحالف يؤسس مجلساً "وطنياً"، أو انتقالياً، أو حكومة انتقالية لكي يجري الاعتراف الدولي بها كبديل عن النظام. وهي تعقد المؤتمرات وتناور من أجل الوصول إلى ذلك. وربما تنشط في إطار "التوافق" الذي جرى لكي تصبح حركة الإخوان المسلمين جزءاً من "النظم الجديدة" التي تلعب الإمبريالية الأميركية دوراً في تشكيلها. فقد رفعت الإمبريالية الأميركية "الفيتو" على مشاركتها في النظم قيد التشكل، وأصبحت تعتقد بأن "معجزة إلهية" قد حدثت ومهّدت لها الطريق إلى السلطة. المشكلة هي أن كل ذلك ينعكس سلباً على الانتفاضة، لأنه يعزز من إدعاءات السلطة بالطابع الأصولي للانتفاضة، كما أنه يظهر التحضير الخارجي لـ "السلطة الجديدة"، وهو ما يستتبع التصور بإمكانية تدخل إمبريالي، يتعزز ببعض التصريحات التي تطلق في الخارج، والمرتبطة ببناء تشكيلات سياسية تؤكد هذا التصوّر (مثل المجلس الوطني أو المجلس الانتقالين أو الحكومة الانتقالية). الأمر الذي يعزز من تردد وتخوف فئات اجتماعية يجب أن تكون في صلب الانتفاضة نتيجة وضعها المفقر، فقط لأن هذا "البديل" يخيفها، رغم أنه وهمي. وبالتالي نتيجة فشل المعارضة في الداخل من توضيح طبيعة الصراع وأدوار القوى، وانغماس بعض "النخب" في الخوف من البديل الأصولي أو من الحرب الطائفية. ما يمكن أن يقال هو أن دور "القوى الإسلامية" محدوداً، بل هامشياً، في الانتفاضة، وأن تضخم دورهم الخارجي هو نتاج هذه الهامشية الداخلية. وكما في تونس ومصر، ليس من إمكانية لمشاركتهم في "النظم الجديدة" إلا من خلال التوافق مع المافيات الحاكمة، وبتوافق إقليمي و"دولي". أما الانتفاضة فبديلها مختلف جذرياً، ويتأسس على تغيير كلية النمط الاقتصادي القائم، هذا النمط الذي سيعطى كل بركات الإخوان المسلمين لكي يستمر كنمط ريعي مافياوي، مما يجعل الصراع واضحاً مع "النظام الجديد".
#سلامة_كيلة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حدود -الممانعة- السورية
-
الماركسية و دور اليسار في الثورات العربية
-
في مصر، النظام لم يسقط بعد
-
إستراتيجية مكافحة الثورات العربية
-
المقاومة والممانعة في زمن الانتفاضات العربية
-
موجة الانتفاضات الثانية في الوطن العربي
-
من أجل حزب يمثل العمال والفلاحين الفقراء في سورية - الواقع ا
...
-
... عن أميركا والمؤامرة والتشكيك بالثورات العربية
-
ضد الليبرالية في سورية
-
سورية أيضاً، لِمَ لا؟
-
نحو حزب شيوعي عربي جديد-2
-
حول الموقف الأميركي والأوروبي من التغيير في تونس ومصر، وربما
...
-
شرارة الانتفاضة تصل ليبيا والعراق
-
مبادئ الماركسية في الوضع الراهن
-
الفيس بوك، انتفاضة
-
من هو الشيوعي اليوم؟
-
ما حدث وما يمكن أن يحدث في تونس
-
ليس رحيل بن علي فقط بل والطبقة الحاكمة أيضاً
-
مهماتنا الثورة ومشكلات التنظيم
-
الصراع الطبقي في الوطن العربي في الثمانينات
المزيد.....
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|