أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أم الزين بن شيخة - من هو الشعب ؟















المزيد.....

من هو الشعب ؟


أم الزين بن شيخة

الحوار المتمدن-العدد: 3484 - 2011 / 9 / 12 - 23:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لقد صار مفهوم الشعب من فرط استعماله بعد الثورة مفهوما لزجا و هشّا و زئبقيّا و قابلا للضرر. فكل الأحزاب تتكلم باسم الشعب و باسم أبناء الشعب و باسم كرامة الشعب و باسم مستقبل الشعب .. و في المهرجانات و الأعراس ينتعش الفن الشعبي ، و في رمضان نلتهم الأكلات الشعبية .. فما الذي يتكلم عنه الجميع بصوت واحد؟ من هو الشعب ؟ هل هو الأمة التي تسجد في بهو المساجد أم هو المواطنون الذين يرتادون المقاهي أم هو الفقراء الذين يجوبون الشوارع بجيوب فارغة ؟ و تكاد عبارة الشعب تفلت من ضجيج السياسة كي تمنح نفسها عّطلة وجودية ما دام السواد الأعظم من الشعب في عطلة مُعطلة عن العمل و عن الأمل. من هو الشعب ؟ متى نلتقي به ؟ و متى نصير شعوبا بدلا عن الرعاع و الملل و النحل ؟ و لماذا نسأل عن مفهوم الشعب تحت راية الضمير "من" الشخصي بدلا عن الضمير الغائب "ما هو ؟" الهوويّ؟
ينتمي مفهوم الشعب الى عائلة لغوية واسعة النطاق هي عائلة شكل الجماعة البشرية التي تحتضن قوما أو عرقا أو ملّة أو قبيلة أو طبقة أو مجتمعا أو وطنا بوصفها أشكالا من الوجود معا و من الاشتراك في العالم.لكنه و ان تقاطع مع هذه المفاهيم فهو يختلف عنها في كونه يحتمل دلالة ازدواجية و غامضة .فالشعب هو من جهة السواد الأعظم من الناس وهو من جهة أخرى يعني الوحدة و السيادة معا.و ليس من باب المجانية اللغوية أن يتّفق السجلّ الواسع المُتاح لنا في اللغة العربية على الدلالة السلبية لعبارات الرعاع و الرعية و العوام و العامة و الدهماء و السواد الأعظم من الشعب..وهي عبارات تدل على العدد الكبير من جهة، و على الفقر المدقع من جهة ثانية ، و على الجهل المنبوذ من جهة ثالثة ..الى حدّ تمسك حجّة الاسلام "الغزالي" بضرورة "الجام العوامّ عن علم الكلام "..
غير أن ارتباط مفهوم الشعب بالفقر و الجهل و بالحرمان من ألقاب النبل و الشرف انما هو مُتأصل منذ البداية لدى اليونان القدامى حيث يقع حرمان الفقراء من الحياة السياسية لأنهم يعملون في حين ينفرد الأغنياء بالسياسة و التفكير لأنهم النبلاء و الأسياد.و ذلك يعني أن الدلالة السلبية لعبارة الشعب انما هي ارث من عصر العبودية سوف تتحرر منه الانسانية مع التصور الحديث للانسان . مع جون جاك روسو سوف نعثر على أول تعريف حديث لمفهوم الشعب .حيث يعلن روسو على ضرورة التعاقد كشرط جوهري لبناء المجتمع.يقول في الفصل الرابع من العقد الاجتماعي :" بما أن لا أحد يملك سلطة طبيعية على شبيهه ، و بما أن القوة لا تصنع أي حق ، لم يبق اذن من أساس لكل سلطة شرعية بين البشر غير التعاقد". لكن هل أن العقد الاجتماعي هو الذي يخترع الشعوب أم أن الشعب مُعطى تاريخي يوجد بشكل سابق عن عملية التعاقد؟ هل الشعب معطى تاريخي جاهز أم هو اختراع سياسي؟ هل نحن شعوبا لأننا نملك هُويّة سابقة عن وجودنا السياسي، أم أننا لن نكون شعبا الاّ عبر فعل مدني هو فعل التعاقد على شكل الدولة التي تضمن حرياتنا الطبيعة بتحويلها الى حريات مدنية ؟ تلك هي الاشكالية الجوهرية التي تحرج الفكر السياسي الحديث منذ روسو الى صدام الهويات المضادة للحداثة.هل نحن شعب بالهُويّة أم بالحرية ؟ (حسب تمييز لفتحي المسكيني )
و كان على روسو أن يحسم هذا الأمر عبر اختصام مع غروتيوس الذي يذهب الى أن الشعب مُعطى تاريخي جاهز يسبق العقد الاجتماعي و أنه بوصفه كذلك ، بوسع الشعب أن يهب نفسه للملك قبل ابرام عقد على حرياته الطبيعية .و لنقرأ معا هذه الفقرة من الفصل الخامس من العقد الاجتماعي :" يقول غروتيوس أن في امكان شعب ما أن يهب نفسه لملك .اذن لقد كان هذا الشعب شعبا حسب غروتيوس قبل أن يهب نفسه لملك ، و هذه الهبة نفسها فعل مدني ، و تفترض مُداولة عمومية .فقبل أن نتفحص الفعل الذي ينتخب به الشعب ملكا يحسن بنا اذن أن نتفحص الفعل الذي يكون به الشعب شعبا.ذلك لأنّ هذا الفعل الذي يسبق الآخر ضرورة ، يشكل الأساس الحقيقي الوحيد الذي ينبني عليه المجتمع".
متى يكون الشعب شعبا؟ بالرغم من أن الشعب يوجد كمعطى أولي فانه لن يكون شعبا أي امكانية مدنية شرعية تحفظ الحريات التي هي أخص تعريف للانسان ، و تضمن العيش معا ، الا بعد ابرام العقد الاجتماعي .تلك هي اجابة الفلسفة السياسية التعاقدية منذ روسو .و هو المشروع الذي انخرطت فيه الدولة الحديثة الغربية بالأساس منذ الثورة الفرنسية ...لكن ينبغي الاشارة الى أنّ مفهوم الشعب يبقى مفهوما اشكاليا و مسكونا بالتناقض بين "اتنوس" أي عرق في معنى هيئة جماعية لأولئك الذين يحملون نفس الأصل و نفس الرابطة الدموية و نفس القبيلة ..و نفس الالاه..و نفس اللغة ..و "ديموس" التي تدلّ على الانقسامات العرقية داخل نفس الشعب أو ما يُضاف الى الجماعة أي الغرباء بعامة من قبيل الأعجمي و البربري و البدائي والبوذي و الارهابي و النصراني و اليهودي بالنسبة الى المسلم و الارهابي و الأصولي و الانتحاري بالنسبة الى الأمريكي...
ان مقولة الشعب مقولة انفجارية ..فقد تنفجر الى شعوب داخل نفس الشعب و قد تتشكل الجماعات تحت رايات أخرى غير القوم و العرق و اللغة ..تحت راية اليمين أو اليسار أو الوسط أو الليبيرالية أو الشيوعية المتطرفة .. و قد نتكلّم عن شعب سوف يأتي .و ينبغي الاشارة الى أنّ الغرب عاش مرحلة الشعوب و هو يمرّ الى مرحلة مُغايرة هي ما يسمىّ اليوم في الفلسفة السياسية بعصر الجموع ..لقد منحت العولمة الفرصة للشعوب أن تصير الى جموع مُترحلة قادرة على تفجير الامبراطورية ..لكنّ العولمة تسبّبت أيضا في عودات كثيفة الى الهوويّ المسعور بمرض جديد هو مرض الجماعة و الجماعوية .
يبدو أن مقولة الشعب لا تتوفر في جوهرها اللغوي على أية دلالة تاريخية أو عرقية أو دينية على عكس عبارة قوم أو ملّة أو أمّة.هناك شكلان من الشعب : شعب بوصفه جمعا من البشر ، معطى جاهزا ، مادة لزجة بوسعها أن تتحول الى رعاع أوالى شياطين ..أما أن تصير هذه المادة اللزجة من لحوم البشر الى مواطنين فأمر يستوجب الكثير من النضال و من الاقتدار و من الارادة العامة و من العقود الاجتماعية و الثقافة المدنية الحرّة بشكل جذري..
هل سيصير شعبنا شعبا بالمعنى الحديث للكلمة؟ في معنى شعب من المواطنين النشطين القادرين على الانتماء الى دائرة الانسانية الحالية.. متى نصير شعبا في حجم أحلام الشهداء ؟ متى نصير مواطنين فعليين ؟ ؟ صحيح أنّ لنا الكثير من جمعيات المواطنة ، و من المثقفين كفاية من أجل المواطنة لكن نحن بالكاد مواطنون ..لأن المواطن لا يُحرم من حقه في التظاهر و الاحتجاج، و المواطن لا يُغتصب في مراكز البوليس و المواطن لا يُستبله و لا يُرتشى في الجوامع و في مقرّات الأحزاب الكرتونية لقوى الردّة بكل أطيافها . و المواطن لا يعاني من أيّ شكل من الوصاية الدينية أو السياسية أو الأخلاقية . لنا من مكاسب المواطنة الكثير من الأفكار و المبادئ ، لكننا لازلنا نحلم بالمواطن النشيط بوصفه الراية الكبرى و الشرط الأساسي للانتماء الى الانسانية الحالية بحداثتها و ما بعد حداثتها و حداثاتها المغايرة .
هل سنعبر بالوطن من الرعايا الى الشعب الحرّ أم سنظلّ نتيه في دائرة تنقلنا من الرعاع الى الرعاع ، و من قطعان استبداد الدولة الأمنية الى قطعان الطاغوت و اللاهوت المضاد للتاريخ الكوني و لطموحات الانسانية الحالية ؟ أيّ من الأحزاب المائة سيضمن حقوق شعب وهب أبنائه للموت من أجل مستقبل يقطع مع الاستبداد و التجويع و القهر؟ أم سيظل السواد الأعظم، أي دهماء الشعب، منهوكا بطقوس الأصوليين و ضرائب الليبيراليين و غطرسة الشوفينيين و ايديولوجيا الدغمائيين و حذلقة المُثقّفين ؟ أسئلة لن يجيب عنها غير أبناء المستقبل . لكن المستقبل قد لا يأتي من الجهة المُناسبة ..و المستقبل لن يكون ممكنا الا بقدر طاقتنا على اختراعه .و لن نخترع المستقبل المناسب لنا الا بقدر ما نحمل فالا بقدر ما نملك في أعماقنا من ارادة الانتماء الايجابي و المرح الى الانسانية الكونية . لكن المستقبل قد يُخيّب انتظاراتنا و قد يأتينا من الماضي السحيق .و قد يتعطل في الوصول الينا .حذار اذن من المُستقبل لأنه قد يعد بالكارثة و قد لا يعد بغير الحاضر و قد يعود الاستبداد و نعود معه بالصمت و الجبن و الفرجة المجانية .
لكن في انتظار مستقبل أجمل يأتي أو قد لا يأتي و في انتظار علاج فعلي لهذه المشاكل العاجلة يبدو أنّ للفقراء ،الذين يحملون الدلالة الجوهرية لمفهوم الشعب ، كُلّ الأسباب حتى يشمئزوا من ضجيج المنابر و الخُطب و النُّخب و الأحزاب الكرتونية ، وحتى يسخروا من كل الوعود بقرب حلول الديمقراطية ، التي لا يصل منها الى الكادحين غير التهريج ، و حتى يلتفتوا عن الأحزاب و الانتخابات بكل الذاكرة السوداء التي تحملها العبارة في أذهانهم . و في انتظار انتخابات المجلس التأسيسي التي لا أحد يعلم أية لعبة سياسية جديدة تهيئها لهذا الوطن ، يظلّ الشعب قابعا في دلالته اللغوية العميقة وحيدا مع الفقر و الجهل و العدد الكريم ..



#أم_الزين_بن_شيخة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز ...
- أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم ...
- البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح ...
- اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
- وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات - ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال ...
- أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع ...
- شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل ...
- -التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله ...
- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أم الزين بن شيخة - من هو الشعب ؟