أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - عطية مسوح - مات هنتنغتون. فهل عاشت نظريته ؟















المزيد.....

مات هنتنغتون. فهل عاشت نظريته ؟


عطية مسوح

الحوار المتمدن-العدد: 3484 - 2011 / 9 / 12 - 21:38
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    


رحل صموئيل هنتنغتون صاحب نظرية (صدام الحضارات) الشهيرة. كانت الصحافة العربية والمفكرون العرب مشغولين بالعدوان الإسرائيلي على غزة، فلم يكترث لرحيله أحد، ولم تعطِ الصحافة السياسية والفكرية رحيله ما يستحقه من اهتمام.
هنتنغتون أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفرد الأمريكية، ومُطْلِق إحدى أهم نظريتين سياسيتين للرأسمالية في العقود الأخيرة، وهما نظريته (صدام الحضارات) ونظرية فرنسيس فوكوياما (نهاية التاريخ).
وإذا كان فوكوياما، الذي بشر بالحقبة الليبرالية بوصفها أرقى مراحل تطور النظم السياسية، وغاية كل الشعوب، قد تراجع عن الكثير من أفكاره ـ على التدريج ـ خلال العقدين الماضيين، وتوّج تراجعه في العام الماضي، حين نقض معظم تصوراته عن نهاية التاريخ، وأدان سياسة الولايات المتحدة الأمريكية التي سودت صفحة الليبرالية وشوهت صورتها فلم تعد مطمح الشعوب وغاية البشر كما أكدت نظريته، وأعلن انفصاله عن المجموعة الحاكمة في الولايات المتحدة بعد أن كان منظرها الأهم، فإن هنتنغتون لم يتخلَّ عن الأفكار التي تضمنتها نظريته، بل ربما، لو قيَّض له أن يعلّق على عدوان إسرائيل الأخير على غزة، لقال إنه تأكيد لتناقض الحضارات وتصادمها، ولأعلن ـ كما أعلنت الدوائر الحاكمة في الولايات المتحدة ـ أنه في صفِّ (حضارة) إسرائيل.
رحل هنتنغتون في الخامس والعشرين من كانون الأول، عن اثنين وثمانين عاماً، تاركاً نظريته يتيمة عليلة.
جاءت نظرية (صدام الحضارات) ـ كقرينتها (نهاية التاريخ) ـ معبرة عن رغبة الإمبريالية في ثمانينيات القرن العشرين، بعد أن بدأت مراكز الأبحاث التابعة للدوائر الحاكمة في الولايات المتحدة، تقدّر أن النظام السوفييتي دخل في طريق ضيق ومسدود، وأنه آيل إلى الانهيار بعد أن قصّر في مجاراة التطور التقني الهائل، وبعد أن قصَّ ر نظامه السياسي عن مواكبة الزمن، وبعد أن انغمس في حرب أفغانستان، ومال اقتصاده إلى الركود.
وكما الأمر في نظرية (نهاية التاريخ) فإن (صدام الحضارات) تقوم على منطلقات مبدئية خاطئة ومنهج رغبوي تسويغي، وتحمل إشكاليات كبيرة في المصطلح ذاته (صدام الحضارات).
انطلق واضع النظرية من وضع الفكر في خدمة السياسة ومصالحها ومقتضياتها. وهذا مقتل للفكر (أيَّ فكر كان) وإبعاد له عن دوره التنويري التغييري وإغفال لما بين السياسة والفكر (والثقافة عامة) من اختلاف. فإذا كانت السياسة تعبيراً عن المصالح الآنية أو المرحلية، فإن الفكر يقرأ كل آني أو مرحلي قراءة استراتيجية بهدف التغيير الدؤوب، والوصول إلى الأفضل، ولا يكون الفكر فكراً إنسانياً حقاً إلا بذلك، على حد تعبير المفكر النهضوي العربي الكبير الشيخ خالد محمد خالد.
أمضت السياسة الأمريكية عقوداً في مقارعة النظام الاشتراكي، واستطاعت تحت شعارات مختلفة اجتذاب الغرب عموماً، وقوى كبيرة في العالم الثالث إلى موقفها، منطلقة من أن الاشتراكية خصم الرأسمالية التاريخي، ومن ضرورة تحطيم الفكر الاشتراكي الذي نما عالمياً على قاعدة مزدوجة: جانبها الأول هو ما حققته الدول التي أعلنت الاشتراكية نظاماً لها من مكاسب للجماهير الشعبية. وجانبها الثاني عجز الرأسمالية عن حل مشكلة العدل الاجتماعي على نطاق مجتمعاتها وعن إزالة صفة (العدوانية) عن سياساتها الخارجية وتحسين صورتها أمام الشعوب.
كانت محاربة الشيوعية راية الدول الرأسمالية عامة والولايات المتحدة خاصة في عقود الحرب الباردة، والحروب الموضعية الساخنة. وحين قدّرت الولايات المتحدة، من خلال مراكز أبحاثها الجادة، أن عدوها السياسي والاقتصادي والفكري دخل مرحلة الضعف وبدأت بوادر انهياره بالظهور، أخذت تبحث عن صيغ جديدة لسياساتها الخارجية، تحفظ لنفسها القدرة على بناء المحاور العالمية وتجنيد الدول والحاكمين في إطار سياسة عدوانية تؤمن لها مصالحها وسيطرتها.
(صدام الحضارات) يعني إيهام العالم بأن ثمة أعداء لحضارة الغرب التي تمثلها الولايات المتحدة، هم أصحاب (الحضارات الأخرى) أو وارثوها.
وإذا كان هذا يبيّن لنا خطأ المنطلق الأساسي لنظرية هنتنغتون، فإن المصطلح ذاته يحمل إشكالية معرفية تجعله مصطلحاً زائفاً. فالصدام لا يكون بين الحضارات وإنما هو بين المصالح، والصراع الفكري في كل المراحل التاريخية، وفي نظاق كل مجتمع هو تعبير عن مصالح متباينة، بين من يرغبون في تثبيت واقع قائم ومن يرغبون في تبديله، أو بين من يرغبون في تبديله باتجاه محدد ومن يرغبون في تبديله باتجاه آخر. إنها المصالح، تتصارع وتتباعد أو تتقارب، وتتصادم عند الضرورة ويدمّر بعضها بعضاً. أما الحضارات فليست كذلك، لأنها بناء إنساني يتقدم باستمرار وتنتقل مراكزه من مكان إلى آخر وتسهم فيه الشعوب بمقادير متفاوتة، وقد نوضح ذلك في مقالة أخرى.
وحين أراد بعض الباحثين العرب أن يجدوا بديلاً لمصطلح (صدام الحضارات) ويردّوا على السياسة الأمريكية التي تتبناه، ابتكروا مصطلحاً لا يقلّ زيفاً هو مصطلح (حوار الحضارات). وإذا كان الحوار طريقاً حضارياً وإنسانياً للعلاقة بين المختلفين، وإذا كانت نيّة من وضع الحوار محل الصراع نية سليمة، فإن هذا لا يجعل المصطلح البديل صحيحاً. فالحوار بمعناه الواسع هو بين الثقافات لا بين الحضارات، وبمعناه الضيق هو علاقة بين المتصارعين تهدف إلى تجنبّ الاقتتال والتدمير وصولاً إلى تسويات. أما العلاقة بين الحضارات فهي مختلفة عن ذلك.
الحضارات لا تتصادم ولا تتصارع بل تتَّالى وتتواصل. وقد نعود إلى هذا أيضاً في مقالة ثانية.
من هنا نرى أن نظرية هنتنغتون مؤهلة للتهافت، لأنها تقوم على منطلق لا فكري جوهره وضع الفكر في خدمة السياسة، وعلى زيف في المصطلح لأنها تخلط بين الحضارة والمصالح والثقافات.
لكن الأكثر خطورة هو أن هذه النظرية تقوم على مرتكز منهجي مبدئي يجمع بين الخطأ والضرر. إنه المساواة بين الحضارات والأديان.
أما الخطأ في هذا المرتكز المنهجي فهو عدم فهم حقيقة الأديان ودورها في حياة المجتمعات وصلتها بالحضارة، وأما الضرر فهو في النتيجة، وهي أن صدام الحضارات يعني عملياً صدام الأديان، ونقل البشرية إلى مرحلة جديدة من الحروب الدينية.
ولا نعتقد أن مفكراً بمستوى هنتنغتون، ومن يتبنّون نظريته، يمكن أن يقعوا في هذا الخطأ المنهجي ببساطة، وهذا ما يجعلنا نميل إلى أن وراء هذه النظرية مصالح سياسية لقوى ذات نفوذ في الولايات المتحدة، لا تريد للعالم أن يهدأ أو يستقر، ولا ترى لتحقيق مصالحها طريقاً إلا طريق القوة والعنف.
وليس من الصعب مثلاً أن يتبين للدارس المدقق أن الحضارة، أية حضارة كانت، لا يصنعها الدين ورجاله، بل العلم ورجاله. ونحن قد نجد وراء بناء الأهرامات مثلاً اعتقاداً دينياً لدى هذا الفرعون أو ذاك، يعبر عن رغبة في الخلود، لكن الأهرامات ما كانت لتُبنى بمجرد وجود هذا الاعتقاد، وما كانت لتخلد وتدهش العالم لولا براعة العلماء في ذلك الزمن، ومستوى التقدم في علوم الفلك والهندسة والرياضيات وغيرها، ولولا ـ بالطبع ـ جهود الرجال الأشداء وتضحياتهم التي جاء معظمها بالإكراه.
ينطبق ذلك على كل نتاجات الشعوب المختلفة الأديان والعقائد.
لقد أخذت نظرية هنتنغتون بالتهافت قبل رحيله بزمن، فسياسة الدوائر المتنفذة في الولايات المتحدة، والتي مثّلها جورج بوش ثمانية أعوام، أرادت وضع العالم في دائرة النفوذ، على اختلاف انتماءاته، وصنعت عداواتها وتحالفاتها بمعزل عن الأديان والأفكار.
مات هنتنغتون، أما نظريته فستقبع في مكتبة الثقافة السياسية، لكن على رف النظريات التسويغية الخاضعة للمصالح السياسية لا لقوانين العلم.



#عطية_مسوح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وداعاً أيتها المناشير
- الكمال الواقعي
- بين النرد والشطرنج
- أخطاء كبيرة في مقالة صغيرة
- دفاعاً عن العلمانية
- شافيز وراشيل
- اللدودان - قصة قصيرة


المزيد.....




- شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب ...
- خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
- وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا ...
- جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
- زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
- كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
- مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
- ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
- مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
- جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!


المزيد.....

- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم
- في نقد الحاجة الى ماركس / دكتور سالم حميش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - عطية مسوح - مات هنتنغتون. فهل عاشت نظريته ؟