أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر علي سلامة - فلسفة الأنوثة بين الحرام السياسي والحرام الجامعي















المزيد.....

فلسفة الأنوثة بين الحرام السياسي والحرام الجامعي


حيدر علي سلامة

الحوار المتمدن-العدد: 3484 - 2011 / 9 / 12 - 01:02
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


فلسفة الأنوثة بين الحرام السياسي والحرام الجامعي

انطلاقا من محاولتنا اللغوية الرامية إلى تحليل ظاهريات الخطاب الثقافي العراقي* والتي تستند على إعادة قراءة النص الثقافي العراقي المنشور بطبعتيه الورقية والرقمية، وهذا بالاعتماد على منجزات خطابات العلوم الإنسانية كعلوم اللغة والدراسات الثقافية ونظريات التحليل الثقافي ...الخ، بهدف نقد مخلفات الثقافة الشمولية والسلطوية العالقة بشكل أو بأخر في مختلف حقول الثقافة التي لا زالت تُجمِل بمساحيقها الأيديولوجية وجوه السلطة الشمولية لِتُظهرها بحلل جديدة. سنبحث هنا في تلك الممارسات التي انسحبت على واقع الخطاب الأكاديمي والجامعي أيضا، ذلك الخطاب الذي حمل هو الآخر على عاتقه مهمة تشكيل خطاب أكاديمي ينهل من تقنيات الخطاب الثقافي خاصة المؤدلج منها، وساهم في استمرارية هيمنة الموروث الشمولي على الأبنية الثقافية للجامعات العراقية والتي تجسّدت بشكل واضح في المنشور الجامعي سواء ما كان منه مناهج علمية أو أبحاثا ورسائل جامعية أو مجلات ثقافية. حيث نلاحظ أن هناك أكثر من طبقة أكاديمية مهيمِنة تحاول دعم تلك الأصول الدوغمائية والسلطوية في تقنيات التعليم وكتابة الرسائل الجامعية، مما جعل اغلب أطروحاتنا الأكاديمية –ما نوقش منها إبان الحقبة الشمولية والى يومنا هذا- محكومة بنظام المعاقبة والمراقبة لاسيما تلك الرسائل الجامعية التي تحاول كسر تابوات الأنظمة الشمولية بثالوثها المحرّم المتمثل في كل من الدين والجنس والسياسة.

-البحث عن الأنوثة الضائعة في خطابنا الفلسفي
لقد تحولت المؤسسة الأكاديمية العراقية إلى خطاب امني يعمل على حماية المؤسسة الأيديولوجية ضد مثل هكذا رسائل جامعية، من خلال ملاحقة الأفكار التنويرية ومصادرة أصحابها. أتذكر هنا أيام كنت طالبا في جامعة بغداد قسم الدراسات الفلسفية خلال الحقبة الشمولية، كيف تحول الكثير من الأساتذة إلى قلم وبندقية باعتبارهما فوهة واحدة ضد احد البحوث الأكاديمية الذي تقدمت به إحدى الباحثات لنيل درجة الماجستير والمعنون (فلسفة الحب عند كيركيجارد ونيتشه وسارتر)، ولن أنسى اليوم الذي انحدرت فيه السلطة من عليائها وتزلزلت الأرض من تحت أقدام القداسة الأكاديمية، ذلك اليوم الذي عبّر فيه أساتذة الفلسفة** عن سخطهم وغضبهم بل وحتى عن سخريتهم لذلك الموضوع و لصاحبته لكونها امرأة حاولت تقديم موضوعة إبداعية. فمنذ اللحظة التي بدأ فيها طقس غربلة عناوين الأبحاث المختارة من قبل طلاب الماجستير في الفلسفة، المسمى أكاديميا "السيمنار"، اخذ الأساتذة "المتخندقون بمعارف السلطة ووصية حكمائهم على نطاقهم" بطرح أسئلتهم على الباحثة والدهشة تقفز من عيونهم، ومشاعر السخط والغضب تملئهم، ليس لأنها اختارت هكذا موضوع بل لأنها تجرأت على قداسة السلطة الشمولية التي يدافعون عنها.

- في ابتكار خطاب أنثوي ونقد الدوغمائية الأكاديمية
عندما نتحدث عن الأنوثة في الثقافة الفلسفية والدراسات الفلسفية فهذا يعني أننا نتحدث عن بدعة فلسفية لم يبحث فيها السلف الصالح من قبل، أي إنها ستظل بدعة وكل بدعة بالضرورة هي ضلالة أكاديمية، وهذا هو بالضبط ما شكّل جلسة المساءلة السياسية في السيمنار، التي أغلقها قبل افتتاحها شيخ "الأستذة الدوغمائية" الذي لطالما تباهى باسم عشيرته السلطوي لأنه يحمل نفس اسم عشيرة الحاكم الشمولي للعراق آنذاك، فبطريقة استهزائية بالباحثة وبموضوع بحثها المقترح زمجر بصوت سلطوي عال، كعلامة على رفض ذلك العنوان الذي لا يتفق وطروحاته الأفلاطونية، العشائرية والطائفية في أن واحد! كانت النتيجة إرجاء السيمنار إلى ما بعد أسبوع. فتخيلوا بمجرد صيحة سلطوية واحدة تنحني الرؤوس معلنة موافقتها على ذلك التأجيل! وبعد أسبوع تمت مناقشة الباحثة لكن دون حضور شيخ الطريقة الفلسفية، كان هنالك من يحاول الترفع عن رجس هذه المناقشة، كيف لا وهم المفرطون في طهارتهم السلطوية وأخلاقهم البعثية، وكان في الوقت نفسه من أعلن بحماس واضح عن موافقته على موضوعة البحث المبتكرة.

- الأنوثة تنوير ثقافي في زمن الحرام الأكاديمي
عندما نتوقف لمناقشة إشكالية الحرام الأكاديمي، نلاحظ إنها إشكالية تتحرك في فضاء الحرام السياسي أو السياسوي بشكله المبتذل، ذلك الحرام المتحول إلى حلال معرفي وقيمّي من لدن الأساتذة القيميِّن على الأخلاق السلطوية والقيم الشمولية، التي يرسخون لها بدأ من هيمنتهم على الدرس الفلسفي وانتهاء بالمناقشة العلنية للباحث. بهذه الطريقة تمت مناقشة الباحثة السابقة الذكر، عن فلسفة الأنوثة في "أزمنة الجُبُن النسوي الفلسفي"، إنها مناقشة تتعرى فيها الأكاديمية الفلسفية، لينكشف خوائها المعرفي وزيفها العلمي، وهذا ما كان واضحا في مناقشة أستاذة الدراسات الفلسفية في معهد القائد المؤسس، التي انهالت على الباحثة بلهجة حادة ونقد دوغمائي لا يرقى إلى أن يكون نقدا فلسفيا، وأخذت بتوبيخها على استعمال مفردات ايروتيكية في رسالتها الجامعية، وكأنها مفردات تعود للباحثة وليست نقلا عن نصوص الفلاسفة الأصلية.
لقد حاول الجميع مواجهة ذلك التنوير الثقافي من اجل الحفاظ على "أزمنة الحرام الأكاديمي" الذي تديره المؤسسة الأصولية والأرثوذكسية من أساتذة الجامعات المفرطِين في ولائهم للسلطة الشمولية، بل وعمدوا قدر الإمكان إلى عدم تمرير تلك الرسالة ومنحها الإجازة في الفلسفة، لأنها جاءت بخطاب ثقافي فلسفي جديد يعتمد على النقد الراديكالي للمؤسسات الأيديولوجية. تلك المحاولة التي بقيت وحيدة يتيمة، وصفت بأنها محاولة طرحت بجراءة فلسفية "حق التساؤل عن فلسفة الأنوثة في خطابنا الفلسفي"، بل إنها أول من بشرّ بولادة ممارسة فلسفية جديدة تختلف عن كل الممارسات الفلسفية المؤدلَجة التي تعج بها مكتباتنا الجامعية على حد تعبير رئيس لجنة المناقشة الأستاذ الراحل مدني صالح رحمه الله الذي كان الصوت الوحيد المغرّد خارج أسراب الادلجة الأكاديمية.

- الأنوثة كموقف من مواقف مدني صالح
انتهت تلك الدراما الثقافية بحدث خارق وخارج عن كل التوقعات، فقد كاد أن يُجمع أعضاء اللجنة المؤدلَجين على رفض رسالة الباحثة، لولا موقف الأستاذ الراحل مدني صالح رحمه الله حال دون ذلك، فنتيجة لإيمانه العميق في حاجة البحث الأكاديمي إلى من يعيد له أنفاس التنوير التي ماتت واندثرت وقُمعت منذ أيام الصراع بين ابن رشد والغزالي على تعبيره، ولأنه كان من المؤمنين أن الفلسفة منذ البدء هي صراع بين هذين الفيلسوفين، فقد أدرك بحكمته العميقة أن الفلسفة ما هي إلا "ترجمة لذلك الخراب الغزالي الذي تحول إلى معتقد أصولي يجد له على الدوام أتباعا ومريدين في أقسام الفلسفة". فلولا حضور العقل الناقد للأستاذ الراحل مدني صالح رحمه الله في تلك اللحظة، لمات ذلك البحث الفلسفي ولمات معه أيضا العقل التنويري الذي لطالما دافع عنه على مدار تاريخه الثقافي والأكاديمي، وكأن لسان حاله يريد أن يقول لهم، "أن اليوم ليس مجرد مناقشة علنية لرسالة جامعية تقليدية، إنه موقف من مواقف مدني صالح". بهذه الطريقة حُسم ذلك الموقف الدوغمائي ليتحول إلى احد مواقف ذلك الرمز الممثل للفكر الفلسفي الحقيقي، المستقل عن كل التبعيات المذهبية والأيديولوجية، فهو فيلسوف تفلسف في زمن فلسفة الخراب وخراب الفلسفة على حد تعبيره، انه فيلسوف رغم انف المتحذلقين بشهاداتهم الفلسفية التي لا تساوي شيئا أمام موقف من مواقف مدني صالح، انه مدرسة فلسفية ستظل حية في ضمائرنا ووجداننا، انه تنويري إذا صمت وثوري إذا نطق، انه كعنقاء المينيرفاء يأتي عند نهاية الغسق الفلسفي الأيديولوجي وموت الفلسفة والفلاسفة، لينصف الباحثة ويدافع عن خطاب الأنوثة والفلسفة اليقظانية، عندما قال مقولته الرائعة لهؤلاء المؤدلجين: " أقول لكم وبصراحة، إن كل رسائلنا الجامعية برأس فجل -مشيرا إلى رفوف مكتبة قسم الفلسفة الموجودة خلف ظهره- ورسالة الباحثة برأس كُلَيب، ثم أردف قائلا ومكررا: " تعصب كيفما تشاء لكن أعطني حقي"، وجال بنظره تجاه أعضاء لجنة المناقشة، وقال: " أنا لا يمكنني أن اكره فيروز لأنها ليست هيتاوية (نسبة إلى مدينة هيت مسقط رأسه)".
رحمك الله يا منصف الإبداع كيفما كان وحيثما كان، بعدك الفلسفة في خراب، والخراب هو الفلسفة، رحمك الله يا مبدع التفكير الفلسفي الناقد والسخرية الثقافية والتهكم السقراطي، رحمك الله يا أستاذنا مدني صالح، من بعدك تحولت الفلسفة إلى مقبرة لا يحيا فيها سوى الأموات، رحمك الله يا صوفي الخلق الرفيع، الزاهد في زبائنية الفلسفة وبهرجتها الزائفة ومجاملاتها الكاذبة. رحمك الله يا من كنت كإبن طفيل وحي بن يقظان، تكره نفاق الآخرين وأكاذيب الفلسفة ومتحذلقي التفكير ومدعّي المنهجية، أنت لم تمت أبدا بل حي في ذاكرتنا وراقد في روح كلماتنا، وستبقى رمزا لكل إصلاح مدني وفلسفي.


*للمزيد ينظر للباحث " محاولة لغوية لتحليل ظاهريات الخطاب الثقافي العراقي".
**للتنويه: لقد كان من بين هؤلاء الأساتذة المؤدلجين، أساتذة فلسفة أنصفوا البحث والباحثة معا، فكل الشكر والتقدير لهم ولمواقفهم النبيلة.



#حيدر_علي_سلامة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثقافة العراقية، ثقافة مفاهيم أم ثقافة علاقات ؟
- محاولة لغوية لتحليل ظاهرية الخطاب الثقافي العراقي، نحو دراسا ...
- غرامشي من نقد نخبوية المثقف الى نقد نخبوية النص الديني


المزيد.....




- وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق ...
- جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
- فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم ...
- رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
- وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل ...
- برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية ...
- الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في ...
- الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر ...
- سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر علي سلامة - فلسفة الأنوثة بين الحرام السياسي والحرام الجامعي