احمد شيخي
الحوار المتمدن-العدد: 3483 - 2011 / 9 / 11 - 08:27
المحور:
حقوق الانسان
لن أعود في هذه المقالة إلى المصاعب الجمة والقهر الكبير ,والمعاناة العظيمة لأبناء محافظة الحسكة من (اجانب محافظة الحسكة ) خلال العقود الخمس الماضية وقد تجلت تلك المعاناة في منعهم من العمل لدى جهات القطاع العام ,إلا بعد حصولهم على بطاقة العمل الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وذلك بعد الموافقة الأمنية ، وحرمانهم من حق التملك بالعقارات الزراعية والسكنية ,وحرمانهم من البطاقة التموينية وبالتالي حصولهم على المواد التموينية بأسعار عالية وعدم منحهم جوازات سفر، حيث حصل بعضهم غلى بطاقة مرور و ذلك بعد معاملة ماراتونية وبموافقات خاصة، وعدم تمكن جميعهم من خدمة وطنهم، وكلنا يعلم بان عشرات الآلاف قد هاجرت إلى المدن الكبيرة في سوريا طلبا لعمل يؤمن لهم ولأولادهم لقمة العيش واضطر قسم غير قليل منهم إلى الهجرة إلى خارج القطر باتجاه أوروبا الغربية والدول الاسكندينافية والأمريكيتين واستراليا متحدين الصعاب والأخطار لان اغلبهم سافر دون أن يحمل أي وثيقة تتيح له السفر بموجبها....وما ذكر كان غيض من فيض معاناتهم ,ولن أعود للأسباب الحقيقية التي كانت وراء هذا الإحصاء الاستثنائي الجائر والذي جرى في المحافظة في عهد الانفصال الرجعي .. إنما سأعود إلى مشكلة هؤلاء بعد إعادة الجنسية إليهم بموجب المرسوم رقم (49) لعام 2011 والذي أصدره السيد رئيس الجمهورية ورغم أهمية المرسوم والذي اعتبرناه من الإجراءات الإصلاحية الحميدة التي تمت في القطر , والمرسوم كان نتاج نضال قاس خاضته كل القوى الوطنية والتقدمية على مدى السنوات الماضية – وبشكل خاص حزبنا الشيوعي السوري – الذي لم يدخر جهدا من اجل حصول من سموا بأجانب محافظة الحسكة على الجنسية السورية وذلك في كل المناسبات والمؤتمرات واللقاءات والاجتماعات وفي كل الهيئات والمجالس التنفيذية والتشريعية التي تواجدنا فيها ,وفور صدور المرسوم أصدرت منظمة حزبنا في الجزيرة بيانا ثمنت فيه المرسوم عاليا وأشارت بأنه يشكل إسهاما كبيرا في تعزيز الوحدة الوطنية وتقوي منعة الوطن أمام مؤامرات الأعداء .
وبعد صدور المرسوم والحق يقال تفاءلت هذه الشريحة بان المياه قد عادت إلى مجاريها وان كل الحقوق التي سلبت منهم قد أعيدت إليهم ,وان كل المظالم بحقهم قد انتهت سواء في العمل أو التوظيف ,وان بعضهم قد ذهب بتفكيره إلى ابعد من ذلك بان يتم تعويضهم عن سنوات القهر تلك ,خاصة أن الدولة وحدها تتحمل كامل المسؤولية عن المظالم التي لحقت بهم ,وعوضا عن ذلك فان معاناة بعضهم لم تنته لتاريخه أو بشكل أخر فان النظرة الخاصة لهم في عديد الحالات مستمرة فعلى سبيل المثال لا الحصر :
• ورد في المادة /8/ من قانون الأحزاب والذي صدر بموجب المرسوم/100/ لعام 2011البند/أ/ :أن يكون العضو المؤسس متمتعا بجنسية الجمهورية العربية السورية منذ عشر سنوات على الأقل .
أليس شرط العشر سنوات يعني انه لا يحق لأي من أبناء هذه الشريحة (أجانب محافظة الحسكة سابقا) أن يكونوا مؤسسين لأي حزب على تراب الوطن , بالتالي يجب أن يستثنى هؤلاء من هذا الشرط .
• بينما و للتذكير فقط نجد انه في قانون الانتخابات والذي صدر بالمرسوم /101/ لعام 2011 الفصل الرابع (شروط وإجراءات الترشيح) المادة/20/:يتمتع بحق الترشيح لعضوية مجلس الشعب والمجالس المحلية من تتوافر فيه الشروط الآتية :/1/يكون متمتعا بجنسية الجمهورية العربية السورية منذ عشر سنوات على الأقل بتاريخ تقديم طلب الترشيح ويستثنى من هذا الشرط من منح الجنسية السورية بموجب المرسوم التشريعي رقم /49/تاريخ 07/04/2011 .
• أيضا الجهاز المركزي للرقابة المالية لا يؤشر على أي إضبارة لأي متخرج جديد ولم يوافق على تعيينه ألا بعد مرور خمس سنوات على منح الجنسية له ,ونفس الحديث ينطبق على عدم تثبيت المتعاقدين ممن حصلوا على الجنسية حديثا إلا بعد مضي خمس سنوات من تاريخه ,وخير مثال ما جرى لخريجي المعاهد الصحية ومدارس التمريض مع العلم بان الدولة ملزمة بتعيينهم فور تخرجهم ,ورغم أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل قد أصدرت تعميما قبل صدور المرسوم /49/ جاء فيه (يعامل اجانب الإحصاء الاستثنائي معاملة السوري تماما) .
• وأيضا في القانون رقم/23/تاريخ 26/06/2005 أي قانون خزانة تقاعد المهندسين تنص المادة /24-أ/: (يحق للمهندس أن يطلب إحالته على التقاعد إذا توفرت فيه الشروط الآتية :4- أن يكون قد مضى على تمتعه بجنسية الجمهورية العربية السورية خمس عشرة سنة .) وهذا يعني بان أي مهندس من اجانب محافظة الحسكة –واغلبهم لم يسمح له بالانتساب إلى النقابة أصلاً ، لن يستفيد من خزانة تقاعد المهندسين علما انه قد ساهم بأموال الخزانة حيث يدفع 4,5% من راتبه إذا كان يعمل في إحدى دوائر أو مؤسسات الدولة و6% إذا كان صاحب مكتب هندسي خاص . وهنا لا بد أن نذكر بان بعض المهندسين من اجانب المحافظة كانوا قد انتسبوا إلى نقابة المهندسين قبل عام 2008.
• وعلى مبدأ الشيء بالشيء يذكر ,نقابة المهندسين الزراعيين كانت قد سجلت بعض اجانب محافظة الحسكة في صفوفها ,وفصلتهم بناء على توجيهات من الجهات الوصائية عام 2004 وبالتالي حرموا من كل مزايا النقابة وخاصة إعانة الوفاة وخزانة التقاعد .
فبالنسبة للنقابات المهنية لابد من اعتبار تاريخ تخرجهم تاريخا لانتسابهم إلى هذه النقابات.
• وعدد من المهندسين الزراعيين ممن أعيدت لهم الجنسية في الآونة الأخيرة ، تقدموا بأوراقهم الثبوتية إلى مديرية الزراعة و الإصلاح الزراعي بالحسكة لتعيينهم لديها ، المديرية لم تستقبل طلباتهم بحجة عدم معرفة وضعهم بالنسبة للخدمة العسكرية ، فهم لم يخدموا العلم لتاريخه ، و ليسوا مؤجلين أيضاً .
• بعض المدرسين عملوا لفترات طويلة مكلفين و الآن لم يعد ممكناً تثبيتهم في التعليم بعد حصولهم على الجنسية بسبب العمر .
هذه بعض الحالات التي آثرت ذكرها والوقوف عندها وتعديل المرسوم /49/ لعام 2011 بما ينصف هؤلاء المواطنين ,وذلك باعتبارهم مواطنين أعيدت لهم الجنسية ومعاملتهم معاملة المواطنين السوريين السابقين في كل الحقوق والواجبات وإعطاء التوجيهات إلى مختلف الجهات بخصوص ذلك وتسهيل أمورهم ، واعتبار تاريخ تسجيلهم في سجلات اجانب محافظة الحسكة تاريخ منحهم الجنسية .
أما مكتومي القيد : فهي الشريحة الأخرى والتي لا تزال معاناتها قائمة رغم الوعود بان أوضاعهم تدرس هم من يسمون (مكتومي القيد):
ومكتوم القيد تعريفا هو الذي جرد من الجنسية وغير مقيد في سجلات الأحوال المدنية الرسمية أو من ولد من ولد لأب أجنبي وأم مواطنة ,أو من ولد لأب أجنبي وأم مكتومة القيد أو من ولد لأبوين مكتومي القيد . ويبلغ عددهم بحدود /75000/ مواطن وهذا الرقم في تزايد نتيجة الولادات وبالممارسة فان أوضاعهم أصعب من أوضاع الأجانب فهم لا يحق لهم العمل في الدوائر والمؤسسات والشركات ,ولا يحق لهم خدمة العلم ,ولا يمنحون جوازات سفر ,ولا يحق لهم الترشح والانتخاب ,ولا يقبلون في المشافي و المصحات العامة ,ولا يحق لأولادهم الدراسة في المعاهد والجامعات السورية ,ولا يحق لهم تملك العقارات السكنية والزراعية ولا المركبات.... ولا يمكنهم الحصول على البطاقات التموينية ,وحتى عقود الهاتف أو الكهرباء أو الماء لمنازلهم فإنها لا تنظم باسمهم فإما باسم احد أصدقائهم أو أقربائهم أو ...,والانكى من ذلك محرومين من حق تثبيت وقائع الزواج والولادات في سجلات الدولة ,وبالتالي حرمان أولادهم من التعليم وبأفضل الأحوال الدخول إلى المدارس بسن متأخرة بعد حصولهم على شهادات التعريف والتي كانت تعطى بعد الموافقات الأمنية .
أن مشكلة المواطنين مكتومي القيد في محافظة الحسكة تعتبر من المشاكل الداخلية الهامة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والإنسانية,وذلك بسبب حرمان هؤلاء الناس الذين يعيشون في هذه الأرض أبا عن جد من جميع حقوقهم المدنية المترتبة لهم .وهذه الصيغة هي أيضا من مفرزات وآثار ونتائج الإحصاء الاستثنائي لعام 1962....
وللعلم فان هؤلاء مثلهم مثل اجانب محافظة الحسكة والذين أعيدت لهم الجنسية بموجب المرسوم /49/ لعام 2011 كنا قد طالبنا دوما برد الجنسية لهم من خلال العرائض الموقعة بآلاف التواقيع والموجهة إلى مختلف الهيئات والشخصيات والجهات الرسمية ,ومن خلال الوفود التي نظمت لطرح هذه المشكلة وضرورة إيجاد الحلول لها أمام المسؤولين ,وقد أثيرت هذه المشكلة في كل المداخلات التي قدمها رفاقنا في الإدارة المحلية ومجلس الشعب وكل المؤتمرات واللقاءات والاجتماعات الحزبية والجبهوية والحكومية والجماهيرية , وقد أقرت السلطات بوجود المشكلة والحاجة الماسة لحلها وبالسرعة الكلية ,وان المسالة هي قيد المعالجة.
والآن وبعد مضي خمسة عقود على مأساة هؤلاء الأبرياء فان المطلوب الآن وبالسرعة الكلية هو تجاوز هذا الوضع البائس ورفع الظلم والغبن وإلغاء القوانين والإجراءات الاستثنائية خاصة إذا علمنا أن أغلبيتهم الساحقة هم من المواطنين الأكراد في محافظة الحسكة ,وإعادة الجنسية السورية لهم وإلغاء كل النتائج السلبية والآثار الضارة التي نتجت عن إحصاء عام 1962 ,وان الإسراع في هذا الإجراء يزيد تمتين الجبهة الداخلية لموجهة التحديات التي تواجه وطننا من القوى الظلامية والكومبرادور في الداخل والرجعية العربية والامبريالية العالمية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية وبالتالي فهي قضية وطنية بامتياز .
كما انه يعيد الحق إلى أصحابه ويحقق العدل والمساواة ويساهم في تعزيز مفهوم الديمقراطية والتعددية ,وبالتالي فهي قضية ديمقراطية و إنسانية .
وحل المشكلة يساهم في حل المشاكل المعاشية لعدد غير قليل من أبناء محافظة الحسكة وذلك بفتح المجال أمامهم للعمل في مختلف دوائر ومؤسسات الدولة رغم صعوبة ذلك وبالتالي فهي قضية طبقية .
#احمد_شيخي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟