|
حركة 20 فبراير : أسئلة من أجل الفهم و قضايا لنقاش
محمد امباركي
الحوار المتمدن-العدد: 3482 - 2011 / 9 / 10 - 08:36
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
من الأكيد أن حركة 20 فبراير بمطالبها الشاملة و ديناميتها النضالية المتواصلة قد تمكنت من بعث الحياة في واقع سياسي كاد يقتله الروتين و الجمود نتيجة ممارسة سياسية يحكمها عدم الوضوح و لغة التبرير المقصودين في معظم الأحيان بقيادة نخب حزبية و نقابية و جمعوية يفتقد جزء كبير منها لسلطة القرار المستقل عن الدوائر المخزنية و لا يتحرك إلا على قاعدة التماهي مع مبادرات النظام ، و حتى التعاطي الايجابي للبعض منها مع حركة 20 فبراير في بدايتها فقد تأسس على منطق الاستثناء المغربي و الاعتقاد أن الحركة تندرج في سياق تقليد الربيع العربي أكثر منها إجابة موضوعية عن الحاجة إلى هدم أسس الفساد و الاستبداد و القهر الاجتماعي التي تميز النظام السياسي و الاقتصادي في بلادنا.
عموما إذا كانت حركة 20 فبراير تشكل فعلا قيمة مضافة سياسيا و ثقافيا في بلادنا و داخل مشهدنا السياسي و الاجتماعي على اعتبار أنها وضعت موضع مساءلة العديد من الأطروحات و شبه الحقائق التي كانت تعتبر أسسا ثابتة في اغلب مقاربات وتحاليل واقعنا، فان هذا لا يعفيها من أن تكون هي نفسها موضوع نظر و مناقشة مفتوحين باستمرار على آفاق الحركة التي تطمح إلى أن تتحول إلى حركة اجتماعية قوية تؤسس للحظة مفصلية في تاريخ بلادنا للانخراط في نادي الدول الديمقراطية. 1- سقوط بعض الأوهام المؤسسة للخطاب السياسي :
1- من أكبر الأوهام التي صاغت الخطاب السياسي و الممارسة السياسية في بلادنا هي التي ارتبطت بتفسير انحباس الوضع السياسي و جموده من خلال أطروحة العزوف السياسي و خاصة وسط الشباب مع العلم أن البنية الديمغرافية لبلادنا هي بنية شابة بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الشباب المتعلم، لكن حركة 20 فبراير أعادت التوقيع على حقيقة أن الشباب مهووس بالسياسة و مقبل عليها بشغف لكن سياسة من طراز آخر، سياسة الوضوح و قول الحقيقة كاملة غير منقوصة و السياسة التي لا يندس في تلابيبها أصحاب المصالح الفئوية و لوبيات الفساد من حيث أن التجربة علمت المغاربة وخاصة الشباب أن المفسد قد يندس في حزب أو نقابة أو جمعية، و قد يندس في مجلس قروي أو بلدية أو مجلس جهة أو برلمان بغرفتيه أو حكومة ، و قد يندس في المؤسسات العمومية للدولة...وقد يكون الفساد صنيعة لمؤسسة من هذه المؤسسات و أخرى في ظل تدبيرها السيئ و تحويلها إلى قلاع ريعية حقيقية طالما ليس هناك ربط للمسؤولية بالمحاسبة و استمرار مبدأ الإفلات من العقاب في الواقع الملموس. أن حركة 20 أكدت أن عزوف الشباب عن السياسة هو بشكل من الأشكال رفض قاطع لزمن القمع السياسي و الفساد و الإفساد و تمييع الحقل السياسي و شراء النخب ..، زمن امتد لأكثر من نصف قرن و المؤسف أن إرادة الإصرار في عدم القطع معه كانت واضحة من خلال الملابسات التي أحيطت بالاستفتاء على دستور الفاتح من يوليوز الأخير و استراتيجية المجابهة التي اعتمدتها الدولة في مواجهتها لحركة 20 فبراير و التي حكمتها جدلية القمع و "البلطجة" و استنهاض مكونات الحقل الديني و منطق الفتاوي ... 2- فشل – حتى لا نقول سقوط – استراتيجية هيكلة الحقل السياسي من فوق و انهيار حزب الدولة الذي كان فيه ادعاء القرب من الملك و صداقته بمثابة الرصيد السياسي التجاري، هذا المشروع الذي حاول التسويق لمشروعه الديمقراطي الحداثي و ممارسته السياسية الجديدة و المتجددة على أنقاض ضعف الأحزاب القائمة و أساليبها التقليدية و استغلال بعضها للدين، لكنه أعاد إنتاج ممارسة سياسية في أبشع صورها لأنه تحول إلى مركز جذب للأعيان و لوبيات التهريب و الفساد المالي و العقاري،أليست المقرات الفاخرة لحزب الأصالة و المعاصرة شبيهة بمقرات حزب الرئيس المخلوع بن علي بتونس؟ 3- انسداد أفق خطاب الانتقال الديمقراطي الذي تأسس على إمكانية التوافق مع المؤسسة الملكية في ظل حفاظ هذه الأخيرة على سلطتها المطلقة اللهم التنازل عن بعض الاختصاصات المحدودة لصالح الحكومة و البرلمان،لكن الأرضية المطلبية لحركة 20 فبراير رفعت القداسة عن المؤسسة الملكية باعتبارها مؤسسة سياسية و اقتصادية محورية و فاعلا مركزيا في الاقتصاد و السياسة يشتغل بآلية الغموض و المجاز و تحيط به كتلة من البروتوكولات و التقاليد المخزنية ، وقد حان الوقت للتعبير الواضح عن الضرورة الحيوية للقطع مع جوهرها المخزني التنفيذي و الإعلان عن نفسها بوضوح كمؤسسة عادية بدون امتيازات و حظوة خارج المشروعية الديمقراطية ، و بالتالي فان إعادة الزخم السياسي و الميداني لمطلب الملكية البرلمانية حيث يسود الملك و لا يحكم و الذي التف حوله مثقفين و رجال أعمال و فاعلين اجتماعيين و مدنيين إضافة إلى قوى سياسية عديدة و تشكلت من أجله ائتلافات و تنسيقيات، فذلك لان إقرار هذا النمط من الحكم الديمقراطي حسب المعايير الكونية هو في العمق إعادة الصياغة السياسة لطبيعة النظام السياسي و لعلاقة السلطة و الثروة و ربط المسؤولية بالمحاسبة و لا أحد فوق القانون و لا قداسة فوق الأرض أي في السياسة و الاقتصاد، و بالتالي فالانتقال الديمقراطي الحقيقي لا يمكن أن يتحقق بدون ملكية برلمانية تعتبر من المداخل المرحلية الأساسية للدولة الوطنية الديمقراطية. 4- محدودية الرهان على الصراع المؤسساتي في الدفع نحو دمقرطة أكثر للدولة و المجتمع وذلك لعوامل عدة أهمها عاملين : أولا مركزية النظام السياسي وهيمنته على مناحي الحياة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الدينية و السعي تغطية هذه الهيمنة عن طريق مؤسسات بدون روح كالحكومة و البرلمان و خلق مؤسسات موازية تقوم بتنفيذ السياسة العامة للدولة وخاصة في الملفات الإستراتيجية ، و ثانيا استئناس معظم أحزاب ونقابات الصف الوطني الديمقراطي بهذه الآلية في الممارسة السياسية في جميع الظروف و الأحوال حتى تحولت الزى خط سياسي استراتيجي في تدبير علاقتها بالنظام السياسي مما خلق داخلها نخب انتفاعية تلهث وراء المناصب الانتخابية و الوزارية والمصالح الفئوية. و تعبيرا عن الفشل الواضح لسيطرة المنطق المؤسساتي في الصراع الاجتماعي و السياسي أعادت حركة 20 فبراير الاعتبار للنضال الجماهيري الذي تعتبر فيه معادلة الشارع كفضاء اجتماعي مفتوح بمثابة الساحة الاحتجاجية الرئيسية من حيث قدرته على التبليغ الواضح و القوي لمطالب الحركة وتعبئة واستقطاب أوسع للمتعاطفين معها وكذلك تقوية وتيرة الضغط في اتجاه خلخلة ميزان القوى لصالح قوى التغيير الديمقراطي.
و قبل تناول حركة 20 فبراير من زاوية نظر نقدية تدعي لنفسها الروح الايجابية و نسبية الحقائق، لا بد من الإقرار بحقيقة أساسية و هي أنه إذا كان الحراك الشعبي العربي قد برهن على المكانة الإستراتيجية للتكنولوجيا الرقمية وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، فان حركة 20 فبراير في بلادنا لم تشذ عن هذا التقليد الاحتجاجي الخلاق حيث جسدت هي الأخرى ذلك الربط الجدلي الرائع بين الساحة الرقمية للاحتجاج وساحته الميدانية.
2- دينامية الحركة و دينامية مساءلة ذاتها :
إن ما أوردناه أعلاه يؤكد وباعتراف الجميع أصدقاء وأعداء – كل بطريقته- في الداخل و الخارج أن حركة 20 فبراير تشكل نقطة ضوء حقيقية وساطعة في مشهدنا السياسي القاتم و فرضت على جميع مكونات هذا المشهد التعامل معها سواء من موقع المساندة و الانخراط في ديناميتها النضالية و أفقها المطلبي أومن موقع المواجهة والسعي إلى تقويضها و تفكيكها بالترهيب والترغيب، وبالتالي فهي تشكل لحظة مهمة من لحظات التطور الموضوعي والنوعي للصراع الاجتماعي والسياسي في بلادنا في سياق النضال من أجل انتقال ديمقراطي سلمي و حقيقي. لكن هذا لا يعفينا من موقع دعم والتعاطف مع الحركة والرؤية النقدية المتواضعة طرح بعض التساؤلات من قبيل : ان حركة 20 فبراير كما يصنفها نشطائها والمتعاطفين معها هي حركة شبابية جماهيرية ديمقراطية تعددية سلمية ومستقلة تناضل من أجل دستور ديمقراطي ،الحرية، الكرامة و العدالة الاجتماعية، وقد راكمت في مسارها النضالي العديد من الأشكال الاحتجاجية و التواصلية وفرضت على النظام السياسي تسريع أجندته للإصلاح السياسي والدستوري وتبني إجراءات سياسية و اجتماعية ومؤسساتية وقائية لتفادي المد الانتفاضي الذي عرفته تونس ومصر واليمن والبحرين و ليبيا...والذي أدى في بعضها الى سقوط رؤوس الأنظمة الحاكمة.
هل مطالب حركة 20 فبراير واضحة و قارة؟ أين تكمن تعددية الحركة وديمقراطيتها؟ هل " الخطر" الذي يهدد الحركة مصدره من الخارج أي استراتيجية النظام السياسي أومن الداخل أي الفاعلين داخلها أو منهما معا؟ كيف يمكن قراءة جماهيرية الحركة؟ ماهي المعيقات التي قد تحول دون توسع هذه الجماهيرية؟ هل هناك حاجة لإرساء حوار سياسي و فكري بين مكونات الحركة و نشطائها؟ أي مستقبل لحركة 20 فبراير؟
سنحاول مقاربة هذه الأسئلة في شموليتها من خلال طرح بعض الملاحظات دون ادعاء الإحاطة الشاملة سيما وأن حركة 20 فبراير هي حركة دينامية مفتوحة على التحول في اتجاه سلبي أو ايجابي في ارتباط بتطورات الوضع السياسي في بلادنا و استراتيجيات و رهانات القوى المعتملة داخله.
إن قوة الأفق النضالي لحركة 20 فبراير تجلت في الوضوح السياسي الذي ميز أرضيتها المطلبية التي تأسست على فهم عميق و متزن لحاجات المغرب الحقيقية و الموضوعية كي يحقق انتقاله الحقيقي نحو الديمقراطية، و هي حاجات تتوزع بين مطلب الدستور الديمقراطي صياغة و مضمونا و الذي يقطع مع الدولة المخزنية ويؤسس لملكية برلمانية حيث يسود الملك و لا يحكم و قضاء مستقل و نزيه ..و مطالب سوسيواقتصادية تمس ضمان الحقوق الأساسية للمغاربة في الشغل و الصحة و التعليم و كرامة العيش و محاربة اقتصاد الريع و نهب المال العام و محاكمة لصوصه و مطالب ترتبط بترسيم اللغة الأمازيغية و تحرير الإعلام العمومي من القبضة المخزنية. و تجدر الإشارة إلى أن هذه المطالب و أخرى مترابطة و لا يمكن الفصل بينها أو إخضاعها للتدرج أو لمنطق الأولويات. إن وضوح الأرضية المطلبية و شموليتها و إدراكها العميق لمتطلبات النضال الديمقراطي ببلادنا جعل من حركة 20 فبراير قبلة لتعاطف و انخراط فئات عديدة من مثقفثن و رجال الأعمال و إعلاميين و فاعلين جمعويين، و هي فئات كانت موضع تشكيك في جديتها و التزامها بانتظارات و طموحات الشعب المغربي في التغيير و خاصة المثقفين من نقاد و شعراء و روائيين و سينمائيين و باحثين في حقل العلوم الإنسانية . في الواقع إن مطالب حركة 20 فبراير ليست جديدة من حيث أنها كانت حاضرة في برامج العديد من الإطارات السياسية و الجمعوية الديمقراطية و منها مطلب الملكية البرلمانية، إلا أن الجدة في هذا الشأن هو قدرة الحركة على التعبير عنها بجرأة سياسية واضحة و نزاهة فكرية لا مكان فيها للتملق و لغة التسويف و تبرير الفشل ، و كذلك قدرة الحركة على التنزيل الميداني لمطالبها في أفق تحويلها إلى مطالب جماهيرية تمتلك القوة المادية الضرورية لخلخلة ميزان القوى لتحقيق التغيير الذي يريده الشعب في ظل حراك شعبي مساعد في بعض الدول العربية. و لا شك أنه من الوهم و السذاجة الاعتقاد أنه من الممكن القطع مع نظام سياسي للحكم يقوم على الفساد و الاستبداد وتحقيق ملكية برلمانية وفق المعايير الكونية للديمقراطية على المدى القريب أو المتوسط الأمر الذي يضفي طابعا جذريا على هذا الأفق السياسي الحيوي الذي يمس مختلف مناحي التدبير السياسي للمجتمع و يفرض إعادة التوزيع العادل للسلطة و الثروة و رفع القداسة عن الدولة و إخضاعها لمنطق التطور البشري و بالتالي فالمعركة من أجل بلوغ هذا الأفق تحتاج إلى مزيد من التراكم النضالي و الضغط و تعبير المجتمع عن حاجته الملحة إلى الديمقراطية كفلسفة و قواعد للحكم يضمن نصا و ممارسة حقوق المواطنة و المشاركة الشعبية في الحياة العامة. و رغم إصرار النظام السياسي على احتكار الحقل السياسي فقد اضطر و تحت ضغط نضالات حركة 20 فبراير و تداعيات السياق الإقليمي العربي إلى فتح حوار سياسي غير مباشر مع الحركة من خلال خطاب 9 مارس و دستور الفاتح من يوليوز 2011 و من ثمة محاولة الظهور في شكل الراغب في إضفاء الطابع البرلماني على المؤسسة الملكية في اتجاه الدمقرطة و اقتسام القرار السياسي مع المجتمع لكن فقط من خلال تعديلات دستورية شكلية لم تمس الجوهر كتقسيم الفصل 19 الى فصلين 41 و 42 .. ان الطابع الجذري لمطلب الملكية البرلمانية كمدخل أساسي لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية، بقدر ما يعبر عن الوعي بأن الديمقراطية لن تتحقق دون تفكيك البنيات الاقتصادية و السياسية و الاديولوجية السائدة و هدم تحالف السلطة و المال لنظام مخزني يستفرد بالاقتصاد و السياسة و الدين... بقدر ما ينم عن استحضار اعتبارات سوسيولوجية و سياسية مرتبطة بطبيعة المرحلة كمرحلة للنضال الديمقراطي الجماهيري الذي تشكل فيه حركة 20 فبراير لحظة متقدمة ومشعة في التأسيس لمقاومة مدنية شعبية وسلمية في بلادنا، ولذلك لا يعبر هذا الأفق الدينامي و المفتوح على آفاق تطور الحركة عن محاولة مقصودة لحصر و تكبيل الحركة في سقف "سياسي إصلاحي" قد يحد من توهجها الشعبي.فليس هناك شك في حقيقة أن ألأرضية المطلبية لحركة 20 فبراير و آليات اشتغالها و تحركها الميداني و آفاقها المستقبلية ليست محط إجماع للعديد من الأطراف المتعاطفة و المنخرطة فيها مهما تنوعت تقديراتها السياسية و تباينت وتناقضت هوياتها الفكرية و المذهبية، و هذه حالة طبيعية منسجمة مع هوية حركة 20 فبراير كحركة تطمح الى أن تكون حركة تعددية ديمقراطية جماهيرية مستقلة و فضاء ديمقراطيا لتفاعل الآراء و ووجهات النظر في إطار تمثل حقيقي و اقتناع مبدئي و ممارساتي بثقافة التدبير الديمقراطي للاختلاف. لكن كيف يمكن لخطر اضعاف حركة 20 فبراير أن يكون مصدره من داخلها ؟
إن قوة حركة 20 فبراير تكمن كذلك في تعدديتها و ديمقراطيتها سواء على صعيد الانتظارات و الآراء و الحساسيات المتفاعلة داخلها أو على صعيد الآليات التنظيمية المرنة لمعالجة قضايها و مشاكلها و صياغة قراراتها وتدبير أشكالها الاحتجاجية بقيادة شباب و شابات متشبع بالحس النقدي و الاستقلالية الفكرية و رفض عقلية الوصاية و الأبوية وامتلاك روح المبادرة والإقدام والإيمان بالاختلاف والقدرة على التواصل و التفاعل مع القيم الكونية و تطلعات إنسان القرن 21 - و هذا مؤشر هام من مؤشرات رصد التحولات الاجتماعية للمجتمع المغربي و التي تستحق وقفة الباحث السوسيولوجي مثلا ..- . و هذه هي نقاط قوة حركة 20 فبراير التي أقلقت و أرقت النظام السياسي في بلادنا و الذي جرب مختلف الأسلحة في حربه المفتوحة ضد الحركة قصد تفكيكها و تقويضها من خلال نهج قمعي قائم على جدلية العنف المادي ( اعتقالات و محاكمات، قرارات المنع، حصار أمني و احتلال ساحات الاحتجاج..) و العنف الاديولوجي ( احتكار الإعلام العمومي و الترويج لمواقف تستهدف تشويه الحركة و تقزيمها و تأليب المواطنين ضدها عبر ممارسة شكل متخلف من "البلطجية" و شن حرب أخلاقية رخيصة ضد نشطاء الحركة و استنفار جهات دينية ريعية تشكل جزء لا يتجزأ من مافيا الفساد السياسي و الديني –ان صح التعبير-. بيد أن الشكل التنظيمي الحلقي الذي قد يمارس به الاختلاف داخل حركة 20 فبراير من طرف مكوناتها و نشطائها قد يساهم بشكل كبير في المساس بهويتها السياسية و التنظيمية الديمقراطية و طموحها إلى الجماهيرية، كيف ذلك؟ إن السعي الى ممارسة الهيمنة على الحركة و المساهمة في تحولها من حركة تطمح الى أن تصبح شعبية تمتلك ذاتها الى حركة "حزبوية" مغلقة ، قد يأخذ مستويات متعددة تصب كلها – سواء بوعي أو دون وعي -في خدمة استراتيجية النظام السياسي : المستوى الأول : منطق التصدير و التماثل أي تصدير شعارات و مواقف و تكتيكات حزبية إلى الحركة للظهور بمظهر القيادة الموجهة لها و خلق اصطفافات "سياسية "مفروضة و غير منسجمة مع الصيرورة الطبيعية والموضوعية لتطور حركة 20 فبراير الذي لا ينفصل عن تطور الصراع السياسي و الاجتماعي في بلادنا، و هكذا يترتب عن هذا الفهم اختزال الحركة في الذات الحزبية و إخضاع العلاقة معها لمنطق التماثل في المواقف و الشعارات و المطالب وأي تمايز أو مسافة بين طرفي هذه العلاقة يجب العمل على ردمها و أي موقف غير مشابه قد يتخذه فاعل ما فالمنطق يقتضي لفظ هذا الفاعل خارج صفوف الحركة، و يؤدي هذا النمط من التفكير و التصرف الى سقوط الحركة في حروب صغيرة تستعمل فيها مختلف أسلحة الطرد و الإقصاء... ان هذه العلاقة مع حركة 20 فبراير و المبنية على منطق التصدير و التماثل هي بشكل من الأشكال امتداد لفهم غير علمي و لاجدلي للحركة الجماهيرية كحركة تتطور وفق شروط و آليات لا تخضع لرغبات ذاتية أو نزوعات تحكمية باسم شعارات و جمل "ثورية" أو "واقعية" ، و بالتالي فدعمها أو الانخراط فيها لا يجب أن يؤدي الى إلباسها لبوسا حزبيا أو حلقيا معينا و افتعال نقاشات مأزقية بالشكل الذي يجعل من منطق التماثل هو الخيط الناظم بين مطالب وآفاق الحركة و الجهات السياسية الداعمة لها و التي قد تتحول بفعل هذا التصور الحلقي لاستقلالية الحركة الى جهات طامحة الى الاستقواء بها فيتم تكرار أخطاء فادحة ارتكبت في السابق داخل أغلب حقول النضال الجماهيري و لا زالت تداعياتها السلبية قائمة، مع العلم أن تميز و تفرد حركة 20 فبراير على مستوى النشأة و التطور في فضائها الوطني و الإقليمي يجعل منها حركة دينامية رافضة للجمود و الستاتيكا و غير قابلة موضوعيا و سياسيا و سوسيولوجيا للهيمنة و التحكم واستغلالها لخدمة أجندة ضيقة.
المستوى الثاني : التصور الضيق لجماهيرية الحركة : ان هذا المستوى مرتبط بالمستوى الأول و محكوم بنفس التصور الذي لا يدرك لخلفيات معينة أن حركة 20 فبراير هي حركة ممانعة و مكافحة من أجل التغيير ومن ثمة فان قوتها و استمراريتها و توسعها ليس متوقفا فقط على الخروج المنتظم الى الشارع للتعبير عن مطالبها أو من خلال قياس الحضور الكمي لأشكالها الاحتجاجية و التي قد تعكس استعراضا واضحا لقوة طرف معين داخل الحركة يتقاسم هو أيضا نفس الفهم التكتيكي للتحالفات القائم على منطق الاحتراس و الحذرو المتبادلين و انتظار الفرصة المواتية. ان جماهيرية حركة 20 فبراير بقدر ما يصنعها ما أشرنا إليه أعلاه أي الاحتجاج الجماهيري المنتظم و الوازن، بقدرما هي متوقفة أيضا وبشكل رئيسي على قدرتها في التحول الى حركة في ملك نفسها أي حركة تغيير شعبية تنخرط فيها بشكل واع مختلف الفئات و الطبقات الاجتماعية ذات المصلحة المباشرة في إسقاط الفساد و الاستبداد خاصة الطبقة العاملة و الطبقات المتوسطة، فالطبقة العاملة خاصة جزئها المنقب لا يزال رهينة هيمنة قيادة نقابية بيروقراطية و انتهازية تتداخل مصالحها مع مصالح الطبقة البورجوازية الطفيلية و الريعية، و قد عبرت بعض منظمات هذه الارستقراطية النقابية عن عدائها الواضح لحركة 20 فبراير من خلال الموقف الايجابي من دستور فاتح يوليوز 2011 رغم احتجاجات بعض الأصوات الديمقراطية داخلها وبالتالي تحييد قوة اجتماعية أساسية عن مجريات النضال السياسي و الاجتماعي لحركة 20 فبراير، و لهذا الاصطفاف انعكاسه السلبي على مستقبل حركة 20 فبراير و ذلك بالنظر للدور الحاسم لقوى الإنتاج في قلب موازين القوى السياسية و الاجتماعية ، هذا بالإضافة إلى الموقف الملتبس لبعض شرائح لطبقات المتوسطة و ترددها الذي ترجع بعض أسبابه الى استفادتها من بعض تدابير النظام في مسعاه الى ترقيتها لتشكل عنصر توازن سوسيواقتصادي و سياسي خاصة أنها شكلت خلال العقد الأخير محور الخطاب السياسي للنظام و سياساته الاقتصادية و الاجتماعية ( الزيادة في الأجور، السكن الاجتماعي،...) إن بعض عوائق توسع وتنوع الوعاء الجماهيري لحركة 20 فبراير تتجلى أيضا في ضعف و هشاشة حركات جماهيرية أساسية في بلادنا شكلت مدرسة حقيقية للكفاح الجماهيري و مشتلا مهما لتكوين قيادات النضال الوطني و الديمقراطي و خاصة الحركة الطلابية و الحركة الجمعوية، فالأولى لا زالت تجتر معها حسابات الصراع غير الديمقراطي بين مكوناتها و شراسة القمع الممارس ضد مناضليها، و الثانية ارتمت أغلب روافدها في أحضان الريع الجمعوي و البحث عن الشراكات و المشاريع على حساب قيم و ثقافة التطوع و ربط الفعل الجمعوي بأفق النضال الديمقراطي بأسئلته و قضاياه و طموحاته.
و بالنظر إلى القلق المشروع و الصادق الذي يثيره تنوع و تناقض الحساسيات الفكرية و السياسية لحركة 20 فبراير لدى قسم كبير من المتعاطفين معها على الرغم من أن هذا التنوع و التناقض هما من صميم الخصائص السوسيولوجية لحركة 20 فبراير كحركة سياسية اجتماعية، نرى أنه من الواجب التفاعل مع هذا القلق من خلال طرح التساؤلات التالية :
هل يمكن أن تشكل التركيبة السياسية و الفكرية غير المتجانسة و المتناقضة لحركة 20 فبراير عائقا أمام استمراريتها و وارتقائها الكمي و النوعي؟هل هناك ضرورة ملحة لمواكبة حركة 20 فبراير بحوار سياسي و فكري صريح ؟ أم أن هذا الحوار يمكن تأجيله الآن لأنه قد تفرضه التطورات الموضوعية اللاحقة للحركة ؟ و بشكل أوضح هل هناك حاجة الى فتح حوار استراتيجي مع جماعة العدل و الإحسان؟ أم أن هذا الحوار من الأفضل إرجائه لأنه يفرض التزامات سياسية معينة و شروطه الموضوعية غير متوفرة في اللحظة الراهنة؟
لا ندعي الإحاطة الشاملة بهذه الأسئلة لأنها ذات طبيعة إشكالية و مركبة و ليست من طينة الأسئلة التي تقبل الأجوبة الجاهزة و البسيطة، لكن طرحها قد يساهم بشكل حيوي في التدشين لنقاش ديمقراطي شفاف و صريح تساهم فيه فعاليات بلادنا سواء المتقاطعة مع مطالب حركة 20 فبراير أو المتناقضة معها. لذلك ما نقترحه هنا لا يتجاوز كونه يعكس بعض الأفكار الأولية التي قد تساعد على تطوير الحوار و التناظر. لا شك أن لا تجانس حركة 20 فبراير على مستوى تركيبتها السياسية و الفكرية هو مسألة طبيعية، لكن الوضوح السياسي للحركة من خلال أرضيتها المطلبية لا يلغي الحاجة الى الوضوح الفكري فقط دون أن يتحول هذا الأخير الى شرط ضروري و مسبق للعمل المشترك أو مطية لمحاولة خلق اصطفافات قسرية داخل الحركة بشكل يؤدي الى إضعافها. ومن غير المقبول ديمقراطيا -بدعوى السقوط في الأطروحة الدعائية الرسمية بكون حركة 20 فبراير تتجاذبها تيارات الإسلام و اليسار المتطرفين- حظر أو مصادرة الرأي الذي ينتصر لأطروحة جدلية الوضوح السياسي و الفكري في تصور حركة 20 فبراير للدولة الديمقراطية المدنية ، فالقوة الكمية و الأداء الميداني لجماعة العدل و الإحسان لا يشكلان حالة مرضية يجب استئصالها من داخل حركة 20 فبراير، هذا النوع من التفكير متروك للنظام السياسي الذي يرفض الاعتراف القانوني بهذه الجماعة و الذي دافعت عن حقها في الوجود القانوني إطارات حقوقية و سياسية ديمقراطية تختلف سياسيا و فكريا مع الجماعة. ان القول بالحاجة الى الوضوح الفكري له مشروعيته التي يستمدها من اعتبارين أساسين في تقديرنا : الاعتبار الأول هو تميز حركة 20 فبراير بالوجود القوي لشباب حداثي علماني منخرط في القيم الحقوقية الكونية و متعطش للنقاش الفكري و توضيح بعض القضايا المرتبطة بعلاقة الدين بحياة الفرد و الجماعة، و الاعتبار الثاني هو كون أن النضال من أجل إسقاط الفساد و الاستبداد هو نشدان لدولة ديمقراطية و مجتمع ديمقراطي حسب المعايير الحقوقية الكونية للديمقراطية أي التأسيس لدولة مدنية ديمقراطية هي النقيض المباشر للدولة الدينية التسلطية. من هنا أهمية استبعاد التردد أو الخوف من تدشين حوار سياسي و فكري استراتيجي و ديمقراطي و هادئ بين اليسار الديمقراطي الحداثي و مكونات " الإسلام السياسي"، و قد يساعد الالتقاء و الاحتكاك الميدانين في خلق مناخ مساعد و مشجع على هذا النوع من النقاش الديمقراطي ( ما سماه الشيخ عبد السلام ياسين حوار الفضلاء الديمقراطيين لكن نضيف لنقول حوارهنا و هناك و بدون رسم حدود مرجعية و خطوط حمراء لهذا الحوار) الذي لا يستبعد استنطاق مرجعيات و أدبيات مختلف أطرافه و تصورها لقضايا الدولة و المجتمع : علاقة السياسة بالدين،الفصل بين الدين و الدولة في الدستور،اليسار و المسألة الدينية، الإسلام و الديمقراطية،حقوق الإنسان بين المرجعية الكونية و مرجعيات أخرى، حقوق المرأة،الحريات الفردية،علمانية التعليم و التعليم الديني،....و فتح هذا الحوار الصريح يجب أن يكون مصاحبا للدينامية النضالية لحركة 20 فبراير دون أن يدخل في اشتراطات مسبقة أو مواقف جاهزة و بالتالي يتجاوز تلك العلاقة البرجماتية المحكومة بإكراهات الميدان و ذلك التصور التقليدي للتحالفات القائل بجواز عقد اتفاقات مع الشيطان ان كانت مفيدة في لحظة معينة و لا يترتب عليها أي التزام سياسي ..
على سبيل الختم.. عموما و بعد حوالي 7 أشهر من النضال المستمر و الانفلات الواعي والذكي عن تأثير بعض مبادرات الاحتواء و الإضعاف و التشويه سواء كان مصدرها دوائر النظام السياسي أو جهات حزبية و إعلامية تختفي وراء خطاب " مغازل" للحركة، و اضطرار النظام السياسي الى التفاعل مع مطالب و دينامية الحركة إيجابا و سلبا،فان لحركة 20 فبراير مقومات مناعة ليس من السهل تقويضها و خاصة هويتها الديمقراطية و الممانعة و التعددية وأفقها السياسي الدينامي الواضح و الشامل من حيث جمعه بين المستويات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الإعلامية و الثقافية في الصراع من أجل إسقاط الفساد و الاستبداد و التأسيس للبناء الديمقراطي الشامل ، وكذلك طموحها الى التحول الى حركة جماهيرية مستقلة من خلال تطوير شعاراتها واليات اشتغالها التنظيمية التي تتميز بالمرونة و الشفافية و الصياغة الجماعية للقرار بشكل يتجاوز الآليات التقليدية و البيروقراطية المغلقة التي تميز معظم الإطارات الحزبية و الجمعوية والمبنية على ذهنية الإقصاء و الهيمنة ومنطق التأديب و العقاب وثقافة الزوايا في تقديس الشيخ أو الزعيم. بناء على ما سبق ألا يحق لنا النظر الى هذه المقومات باعتبارها الحوامل القادرة على بلورة آفاق واعدة لحركة 20 فبراير في اتجاه التحول الكمي و النوعي الى جبهة وطنية شعبية للنضال من أجل إسقاط الفساد و الاستبداد في مختلف مستوياته المترابطة : السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ؟ ألا يمكن أن تكون جبهة مفتوحة لالتقاء و انخراط مختلف قوى وإرادات الصف الوطني الديمقراطي سياسية و نقابية و حقوقية و جمعوية و حركات الاحتجاج الاجتماعي المناضلة من أجل الشغل والصحة و كرامة العيش، ومثقفين و إعلاميين و مقاولين ضحايا اقتصاد الريع و تحالف السلطة و المال و فاعلين جمعويين وجمعيات و فعاليات مغربية مناضلة خارج المغرب..و بالتالي أليس هذا الشكل من التحالف الحركي الجبهوي المحكوم بالأرضية المطلبية الدينامية المفتوحة لحركة 20 فبراير قد يتيح الإمكان التاريخي لصياغة فهم مشترك و تقدير سياسي متقارب للمرحلة ومستلزمات وضع بلادنا على سكة الانتقال الديمقراطي الحقيقي دولة و مجتمعا؟
#محمد_امباركي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الحاجة إلى دليل المناضل
-
المغرب: الديمقراطية قطرة - قطرة أو المأزق التاريخي للدولة ال
...
-
محمد بوكرين: معتقل الملوك الثلاثة ...(مقال مترجم عن أسبوعية
...
-
مساهمة في قراءة بعض رسائل السابع من شتنبر 2007 .
-
السياسي والمقدس أو علاقة العنف المادي بالعنف الرمزي
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|